مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

على هامش المشهد

 

الخبير الجغرافي ثابت أبو راس لـ "المشهد الإسرائيلي": وحدة العرب في الداخل هي الصخرة التي سيتكسر عليها مخطط برافر

 

 

 

*المخطط، الذي صادق عليه الكنيست بالقراءة الأولى، يقضي بمصادرة 800 ألف دونم وهدم عشرات القرى البدوية غير المعترف بها في النقب، وترحيل عشرات الآلاف من سكانها* إسرائيل تمارس سياسة ترحيل وتجميع البدو في النقب والضفة الغربية*

 

 

 

كتب بلال ضاهر:

 

 

صادقت الهيئة العامة للكنيست، 24 حزيران الماضي، بالقراءة الأولى على مشروع قانون "برافر– بيغن"، المعروف باسم "مخطط برافر" العنصري. وأيد مشروع القانون 43 عضو كنيست وعارضه 40 عضو كنيست. ويهدد هذا المخطط بهدم عشرات القرى البدوية غير المعترف بها في النقب، وترحيل سكانها، ومصادرة مئات آلاف الدونمات التي يمتلكونها منذ مئات السنين.

 

وفي أعقاب ذلك أعلنت "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل" عن إضراب عام احتجاجا على المخطط، ونظمت عدة مظاهرات في المدن والقرى العربية، في منتصف الشهر الماضي. كما تم تنظيم تظاهرات، الأسبوع الماضي، في بعض المدن والقرى العربية.

 

وقال الخبير الجغرافي والباحث المتخصص في منطقة النقب، ومدير مكتب النقب التابع لمركز "عدالة" لحقوق الاقلية الفلسطينية في إسرائيل، الدكتور ثابت أبو راس، ل"المشهد الإسرائيلي" إن "مخطط برافر هو أشرس وأعنف الهجمات على الأقلية الفلسطينية في إسرائيل منذ النكبة. ويدور الحديث في هذا المخطط عن أن حكومة إسرائيل تستغل الأوضاع في الشارع الفلسطيني والدول العربية المجاورة من أجل تعزيز وتكريس تهويد الدولة الإسرائيلية. ومن أجل تهويد الدولة فإنها تعمل على تهويد الأرض. والمعركة الآن على تهويد النقب، علما أن الأغلبية الساحقة من مساحة النقب، أي 95% من أرض النقب، هي أراضي تابعة للدولة. وتعرّف الدولة باقي الأراضي، أي 5% من مساحة النقب، على أنها أراض متنازع على ملكيتها بين الدولة وعرب النقب. وهذه أشرس هجمة على الأقلية العربية لأن الحديث يدور عن محاولة لمصادرة أكثر من نصف مليون دونم من أراضي عرب النقب، الذين عاشوا فيها منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم. وهذا المخطط الذي تعمل الحكومة الإسرائيلية على سنه كقانون، له انعكاسات على الأقلية الفلسطينية كلها. إذأن هذه المرة الأولى في تاريخ إسرائيل، منذ العام 1948، التي تسن فيها إسرائيل قانونا تغلق بموجبه مناطق أمام العرب ليس لأسباب عسكرية.وإنما يغلقون الآن منطقة غربي النقب أمام عرب النقب، بحيث يمنعونهم من السكن فيها أو امتلاك أراض فيها. وهذا أمر خطير. ولأول مرة بعد العام 1948 تعلن إسرائيل صراحة أنها تريد هدم قرى عربية، بموجب مخطط برافر، وأنها ستقيم على أنقاضها قرى يهودية. ورغم أن سلطات التخطيط الإسرائيلية أوصت بالاعتراف بقرية أم الحيران البدوية، على سبيل المثال، إلا أن مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وعلى خلفية سياسية عنصرية، قرر هدم هذه القرية وإقامة قرية يهودية مكانها تحمل اسم ’حيران’. والأنكى من ذلك هو أن هناك مجموعة من الأشخاص الذين ينتظرون تنفيذ أمر هدم هذه القرية من أجل إقامة المستوطنة اليهودية الجديدة مكانها".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي الدلالات السياسية لمخطط برافر؟

 

أبو راس: "ينطوي تنفيذ مخطط برافر على خطورة كبيرة بالنسبة للأقلية العربية في إسرائيل. فهذا المخطط هو مدخل لحل قضية أراضي وممتلكات مهجري الداخل. وعمليا، ينص المخطط على حل هذه القضية ماديا فقط، وأن إسرائيل لن تعوض العرب من خلال أراض وممتلكات، وإنما تعويض مالي فقط. وليس هذا وحسب، وإنما الدولة هي التي تقرر قيمة التعويض، وهو مبلغ أربعة آلاف شيكل، أي أنه تعويض زهيد للغاية. وباعتقادنا أن مخطط برافر عنصري ومجحف".

 

(*) ما هو الحل؟

 

أبو راس: "كانت هناك توجهات إلى جهات دولية. ولأول مرة يتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا يخص المواطنين العرب في إسرائيل. عادة لا يتدخل الاتحاد الأوروبي في قضايا كهذه وكان يعتبرها قضايا إسرائيلية داخلية. لكن بفضل المرافعة الدولية لمركز عدالة، استطعنا أن ندفع باتجاه صدور القرار الأوروبي ضد مخطط برافر وأنه مخطط عنصري. كذلك فإن لجان مختلفة في الأمم المتحدة قررت أنه مخطط عنصري. وهذا المخطط يدخل إسرائيل إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة الأبارتهايد على غرار جنوب أفريقيا، وذلك من خلال إغلاق مناطق أمام فئات معينة. والآن اصبح العالم، ونحن على تواصل مع جهات كثيرة ومع حكومات وسفارات، يطالب إسرائيل بوقف هذا المخطط. إضافة إلى ذلك، اقترحنا خطة بديلة لمخطط برافر. وتقضي هذه الخطة البديلة بأنه بإمكان إسرائيل الاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها، وذلك من دون أن نلحق أي ضرر بالمخططات التنظيمية الحكومية. فالنقب واسع ويتسع للجميع. ومساحته تعادل 60% من مساحة إسرائيل، ويسكنه 8% فقط من سكان إسرائيل. وعرب النقب يشكلون ثلث سكانه، ويقيمون في 2% من مساحة النقب. وفي حال وافقت حكومة إسرائيل على مطالب عرب النقب فإن الاراضي التي ستبقى بملكيتهم ستكون 5.5% من مساحة النقب. وبدو النقب هم السكان الأصليون، وهم موجودون هنا منذ الفترة العثمانية على الأقل، وهم لم يهاجروا إلى هذه البلاد. كذلك فإن الحكمين العثماني والبريطاني اعترفا بملكية العرب للأراضي، وحتى أن مدينة بئر السبع الجديدة، التي أقيمت في العام 1900، بدأت بشراء 200 دونم من عشيرة العزازمة. ورغم أن النقب واسع، لكن جميع مخططات حكومة إسرائيل في هذه المنطقة تأتي دائما على حساب عرب النقب. وهذه ليست المرة التي تسن فيها إسرائيل قانونا من أجل تمرير مخطط اقتلاع وتهجير العرب. فقد حدث أمر كهذا في العام 1981 في أعقاب الانسحاب من سيناء واتفاق كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، عندما تم سن ما يسمى ب’قانون السلام’ الذي قضى بترحيل خمسة آلاف بدوي من منطقة تل الملح من أجل إقامة مطار نفاطيم بعد مصادرة 80 ألف دونم من عرب النقب. والحل الآن هو بالحوار مع أصحاب الأراضي وأخذ خصوصيتهم بالحسبان. ويجب على حكومة إسرائيل ألا تفرض أي حل على بدو النقب".

 

(*) ما هو عدد العرب الذين يسعى مخطط برافر لترحيلهم؟

 

أبو راس: "مخطط برافر هو مخطط غير واضح المعالم. لا يشمل أرقام ولا خرائط، ومخطط [الوزير بيني] بيغن فقط تحدث عن تهجير 40 ألف عربي، لكن الحكومة تحدثت عن تهجير 30 ألف عربي، ونحن نعتقد أن هذا الرقم قد يصل إلى 70 ألفا وفقا لحساباتنا. ومخطط برافر يقضي باقتلاع 25 قرية من أصل 46 قرية غير معترف بها. هذا إضافة إلى 10 قرى تم الاعتراف بها شكليا ولكن لا توجد فيها أية بنية تحتية، وهي بدون شبكة مياه أو كهرباء أو شوارع رغم وجود خرائط هيكلية لهذه القرى. ومخطط برافر يضرب بعرض الحائط العديد من القوانين الإسرائيلية".

 

(*) أين سيتم إسكان هؤلاء المهجرين وفقا للمخطط؟

 

أبو راس: "حكومة إسرائيل لا تقترح في المخطط حلولا عينية للسكان العرب. وتقترح حلا واحدا فقط وهو انتقالهم إلى البلدات البدوية القائمة في النقب. لكن عرب النقب لا يوافقون على هذا الاقتراح، لأنه لا يلائم نمط حياتهم. وهم يطالبون بالاعتراف بقراهم كقرى زراعية. والأهم من ذلك هو أن حكومة إسرائيل تريد أن ترحل سكان القرى غير المعترف بها إلى أراض في البلدات البدوية السبع [التي أقيمت في سنوات السبعين من القرن الماضي] رغم أنه يوجد نزاعات ملكية على هذه الأراضي. وهذا يعني أن إسرائيل تريد أن تؤجج النزاعات بين عرب النقب. وبالمناسبة فإن الوضع لدى بدو النقب هو أنه عندما يتناقض القانون العشائري مع القانون المدني الإسرائيلي فإن القانون العشائري هو الذي يسري بالنسبة لهم. ولذلك نحن نقول إن مخطط برافر سيفشل، لأن عرب النقب لا يمكن أن يسكنوا في أراضي عشائر أخرى. والصحف العربية في النقب مليئة اليوم بإعلانات التحذير من جانب بعض العشائر التي تؤكد تمسكها بأراضيها رغم أن إسرائيل صادرتها منهم.وتاريخيا، عشائر النقب لا تدخل للعيش في أراض تابعة لعشائر أخرى. ومخطط برافر لم يأخذ هذا البعد الثقافي عند البدو بعين الاعتبار. وعلى ما يبدو أن الكنيست سيصادق على قانون برافر، بسبب وجود أغلبية لهذه الحكومة في الكنيست، لكنها لن تستطيع تطبيق المخطط والقانون. وهذه الحكومة حولت قضية عرب النقب إلى قضية وطنية وقومية متداولة في العالم العربي وليس عندنا في الداخل فقط. وحتى أني استقبلت في النقب، قبل أسبوعين، وفدا من السلطة الفلسطينية برئاسة سلطان أبو العينين، كمبعوث للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، للاطلاع على حقائق مخطط برافر. كذلك فإن مخطط برافر لن يمر لأن عرب النقب صامدون في أرضهم. وحتى البدو الذين تم نقلهم إلى البلدات السبع يؤكدون على أن هذه البلدات فشلت في كافة المستويات. وفي بلدة حورة، التي تعتبر أكثر البلدات السبع تطورا، يعتاش 40% من سكانها على الأغنام. لذلك فإن عرب النقب بحاجة إلى حظائر وقرى زراعية. وفي المقابل فإن حكومة إسرائيل تمنح مزارع فردية بمساحة آلاف الدونمات لمواطنين يهود، بينما تريد من البدوي أن يعيش في تجمع سكاني حضري أو في مدينة. ومن الجهة الثانية فإنه لا يزال عشرات ألوف البدو يعيشون في القرى غير المعترف بها التي لا تصلها المياه والكهرباء. هذا عار على دولة إسرائيل".

 

(*) وضعت حكومة نتنياهو الحالية والسابقة عددا من المخططات التي تقضي بترحيل عرب داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية عن اراضيهم. وإلى جانب مخطط برافر، هناك مخطط لترحيل 1300 فلسطين عن قراهم وأراضيهم في جنوب جبل الخليل. وهناك مخطط آخر يقضي بترحيل عرب الجهالين في شرقي القدس ومجموعات بدوية أخرى في الضفة، ويصل عددهم إلى حوالي 23 الف إنسان، عن أراضيهم وتجميعهم في منطقة قرب أريحا. ماذا تعني هذه المخططات؟

 

أبو راس: "نحن نرى اليوم أن إسرائيل تمارس السياسة نفسها في المنطقة ’ج’ في الضفة الغربية وفي النقب. وتشكل المنطقة ’ج’ 60% من مساحة الضفة وهناك مخطط لتجميع الفلسطينيين البدو في مساحة تعادل 1% في المنطقة ’ج’. وهذا ما تحاول حكومة إسرائيل تطبيقه في النقب. ومخطط برافر يقضي بتجميع عرب النقب في 1% من مساحة النقب. هذا يعني أن السياسة التخطيطية نفسها موجودة في جانبي الخط الأخضر. وهناك مشكلة أخرى، وهي أن إسرائيل لا تأخذ بالحسبان النمو الطبيعي للبدو ولا تضع تصورا تخطيطيا مستقبليا لهم. وعدد السكان العرب في النقب اليوم هو 210 آلاف، ونموهم الطبيعي مرتفع جدا. وحكومة إسرائيل تصف مخطط برافر على أنه ’قانون تنظيم الاراضي’ وكأن هناك حالة فوضى والحكومة تريد تنظيم الأمور. إضافة إلى كل ما تقدم، فإن حكومة إسرائيل تعتمد الكذب والتضليل في مخطط برافر. فالحكومة تتحدث عن إعطاء عرب النقب تعويضا على الأراضي بنسبة 50%، لكن الحكومة لا تتحدث عن أية أراضي، خاصة وأن هناك قسم كبير من الاراضي التي أعلنت الحكومة أنها لن تعوض البدو مقابل مصادرتها".

 

(*) نظمت الاقلية العربية في إسرائيل إضرابا عاما ومظاهرات احتجاجا على مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على "قانون برافر". وتم تنظيم تظاهرات ضد المخطط الأسبوع الماضي. هل ترى أن هذا الزخم الاحتجاجي كاف من أجل إقناع الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن هذا المخطط؟

 

أبو راس: "أعتقد أنه لا بديل عن النضال الجماهير من أجل حل هذه القضية. ووحدة العرب، خاصة في الداخل، هي الصخرة التي سيتكسر عليها مخطط برافر. ومع مرور الوقت هناك زخم قوي جدا بين الشباب خاصة، لكن مؤسساتنا وحركاتنا السياسية وأحزابنا لم تفعل ما فيه الكفاية، علما أنه يوجد تغيير طفيف في الفترة الأخيرة، لكن هذا الزخم غير كاف. والمؤسف هو أن بعض حركاتنا وأحزابنا تركز تفكيرها واهتمامها على قضايا لا يوجد لدينا أي تأثير عليها، مثل مصر وسوريا، رغم أننا نتمنى كل الخير للشعبين السوري والمصري. لكن بإمكاننا أن نؤثر أكثر على ما يحدث عندنا. وقد رأينا كيف أن الحركة الإسلامية في النقب تخرج آلاف المتظاهرين ضد عزل [الرئيس المصري محمد] مرسي ولا تخرج مئات المتظاهرين للاحتجاج ضد مخطط برافر، خاصة وأن المشهد السياسي في النقب يتأثر كثيرا بالحركتين الإسلاميتين في البلاد. والحاصل الآن هو أن مؤسسات المجتمع المدني قادت وتقود العمل المهني، حتى أنها بدأت تدفع العمل الجماهيري، علما أن هذه مهمة الأحزاب. وأنا اقول بكل صراحة أن قضية برافر أكبر من عرب النقب وحدهم، وهناك حاجة للتواصل معهم من الجليل والمثلث من أجل مواجهة هذا المخطط الشيطاني الإسرائيلي. والحراك الشبابي الأخير، الذي تمثل بتظاهرات الأسبوع الماضي في الجليل والمثلث، هو إنذار للأحزاب السياسية العربية بأن عليها أن تتحرك وبشكل سريع، لأنه يعبر عن إحباط لدى الشباب. كذلك فإن زخم الاحتجاج لدى عرب النقب غير كاف، خاصة وأن إسرائيل اقدمت على هذا المخطط بعد تمزيق النسيج الاجتماعي والعشائري لدى عرب النقب، ومؤسف أن أقول أنها نجحت في ذلك وأضعفتهم".