سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد


باحث كبير: تعليمات الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن المقاطعة سابقة تلحق ضرراً جسيماً باقتصاد إسرائيل

 

 

قال د. عوديد عيران، وهو باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إن التعليمات الجديدة التي نشرتها مفوضية الاتحاد الأوروبي يوم السبت الماضي في الجريدة الرسمية للاتحاد وتستثني المؤسسات والهيئات الإسرائيلية العاملة في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 من برامج المساعدات والمنح التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، تنطوي في الظاهر على انعكاسات ضئيلة الأهمية، غير أن الحديث يدور من ناحية عملية على سابقة يمكن أن تلحق ضررا فادحا باقتصاد إسرائيل، حتى وإن لم يكن القائمون على صياغة هذه التعليمات يقصدون ذلك.

وأضاف عيران في مقال نشره على الموقع الإلكتروني للمعهد المذكور:

كانت سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه المناطق المحتلة في حرب 1967 قد تبلورت قبل أكثر من 30 عاما (إعلان البندقية من العام 1980)، ولم يطرأ عليها أي تغيير منذ ذلك الوقت. وفي العام 2005 أجبر الاتحاد الأوروبي إسرائيل على إدخال تغيير في شهادات المنشأ التي توضع على كل سلعة تصدرها إلى الدول الأوروبية بما يمكن موظفي الجمارك في جميع محطات الدخول إلى دول الاتحاد من جباية الضريبة عن السلع التي يكون مصدرها الأراضي المحتلة من دون منحها الإعفاء الجمركي المنصوص عليه في اتفاقية التجارة الحرة المبرمة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. وفي كانون الأول 2012، قرر مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد "إلزام الاتحاد الأوروبي بالتأكد بموجب القانون الدولي من أن كافة الاتفاقيات الموقعة بين الاتحاد وإسرائيل يجب أن تشير بشكل لا يقبل التأويل إلى أنها (الاتفاقيات) لا تسري أو تطبق في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهضبة الجولان(".

غير أن وثيقة التعليمات الجديدة الصادرة عن مفوضية الاتحاد الأوروبي، والمستندة إلى القرار المذكور، تعتبر جارفة إلى حد بعيد وليس من الواضح ما إذا كانت دلالات ومعاني هذه الوثيقة مفهومة حتى لدى القائمين على صياغتها. وعلى سبيل المثال، ورد في الوثيقة أن التعليمات تنطبق على الأجهزة المالية التي تديرها مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وأحدها بنك الاستثمارات الأوروبي الذي يعمل في إسرائيل بواسطة "بنك إسرائيل"، ويقدم قروضا لسلطات وشركات إسرائيلية. وليس من الواضح ما إذا ما كانت في حوزة مفوضية الاتحاد معلومات حول إمكانية التسبب بضرر لبنك الاستثمارات الأوروبي ذاته نتيجة تطبيق قراراتها. كذلك لا يوجد وضوح بشأن مغزى التوجيه القائل بأن المؤسسات والهيئات المسجلة فقط داخل إسرائيل (في حدود 1967) يمكن أن تستفيد من المنح والمساعدات والتعاون مع المؤسسات المالية الأوروبية. وعلى سبيل المثال كيف ستتعامل مفوضية الاتحاد مع قائمة طويلة من المؤسسات الإسرائيلية المسجلة بصورة قانونية والتي يوجد لها أكثر من عنوان واحد، وتعمل أيضا في المناطق المحتلة وغيرها من المناطق في إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وثيقة التعليمات الجديدة تثير علامات استفهام بشأن مصير مشاريع تعاون مشتركة، وأحدها المشروع البحثي الإسرائيلي- الأوروبي المشترك، الذي وضع فكرته عالم إسرائيلي يقيم في مستوطنة "أريئيل" (شمال الضفة الغربية). ومن المقرر أن تجري إسرائيل في الأسابيع المقبلة مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن تمويل هذا المشروع.

إلى ذلك، تحوم أيضا في البعد الأخلاقي- السياسي علامة استفهام حول سلوك الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة. فعلى امتداد سنوات طويلة ضغط الاتحاد الأوروبي على إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق "السماء المفتوحة"، والذي ينطوي بطبيعة الحال على فوائد وأفضليات اقتصادية جلية لشركات الطيران الأوروبية، التي يعاني بعضها من أزمات مالية صعبة. وقد وقع هذا الاتفاق- الذي ما زال يحتاج إلى مصادقة الجانبين- في شهر حزيران الماضي، أي بعد ستة أشهر من تبني مجلس وزراء خارجية الاتحاد قراره ذا اللهجة الحازمة في موضوع تطبيق الاتفاقيات، هذا مع العلم أن اتفاقية الملاحة الجوية تتضمن أيضا بنداً إقليميا. صحيح أن الاتفاقية انطوت على رسالة سياسية واضحة، لكنها صيغت بطريقة لا تتسبب بضرر جارف وغير منطقي، سواء من وجهة النظر الإسرائيلية أو من وجهة النظر الأوروبية، إذ جاء في نصها أن "تطبيق هذه الاتفاقية لا يشكل سابقة فيما يتعلق بمكانة المناطق التي تديرها إسرائيل منذ حزيران 1967"، وهي صيغة مقبولة لدى الحكومات الإسرائيلية، التي لم تطالب باعتراف شركات الاتحاد الأوروبي بما أجرته من تغيير قانوني في مكانة جزء من هذه المناطق (القدس الشرقية ومرتفعات الجولان)، والتي يعتبر موقف الاتحاد الأوروبي تجاهها واضحا ومعروفا بكل تفاصيله. ولا بد من الافتراض في هذا السياق أن مفوضية الاتحاد الأوروبي كانت مدركة في أثناء توقيع اتفاقية "السماء المفتوحة" أن عملية إقلاع وهبوط الطائرات، ومن ضمنها الطائرات الأوروبية- والتي تتم أيضا من فوق أجواء مناطق احتلت في العام 1967- تديرها سلطة إسرائيلية. لكن مفوضية الاتحاد الأوروبي عرفت في هذه الحالة، كيف توضح لحكومة إسرائيل رأيها في قضية المناطق المحتلة وسط العمل في الوقت ذاته على دفع مصلحة اقتصادية جلية لمؤسسات وشركات اقتصادية أوروبية.

وختم عيران: يتعين على إسرائيل حل مسألة علاقاتها مع الشعب الفلسطيني، لمصلحتها هي ذاتها، على أساس دولتين لشعبين. ومن حق أوروبا التعبير عن موقفها، لكن لا يجوز لها فرض مواقفها عن طريق "جيب المال"، فالثقوب في جيوب أوروبا واسعة وكبيرة، ومن الواضح أن للتعاون الاقتصادي مع إسرائيل تأثيرا إيجابيا على الرغم من أن الاقتصاد الإسرائيلي اقتصاد صغير مقارنة مع اقتصادات أخرى في العالم. ولقد كان من المفضل أن لا تنشر التعليمات الأخيرة علنا، وأن تجري إسرائيل ومؤسسات الاتحاد الأوروبي محادثات حول سريان مفعول الاتفاقيات الموقعة بينهما. كذلك لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تتوقع من الاتحاد الأوروبي أن يمنح من أمواله لمؤسسات إسرائيلية تتماثل، سواء حسب عنوانها أو حسب جوهر نشاطها، مع الوضع (الاحتلال) القائم في مناطق 1967. من جهة أخرى، من حق الاتحاد الأوروبي التأكيد على مواقفه، ولكن ليس بطريقة تتخطى فيها طاقته التدميرية حتى تلك التي يمكن توقعها من أكبر منتقدي إسرائيل في أوروبا.

 

ردود فعل أخرى

هذا، وظهرت في الصحف العبرية خلال الأيام الماضية العديد من التقارير والتعليقات ومقالات الرأي التي تتناول هذا الموضوع من مختلف جوانبه وأبعاده وانعكاساته على العلاقات الإسرائيلية- الأوروبية، وعلى مجمل الجهود الرامية إلى تحريك العملية السياسية.

فتحت عنوان "فشل إسرائيلي تكتيكي، عملي واستراتيجي"، كتب باراك رافيد، في صحيفة "هآرتس" معلقا: كانت المفاجأة هي الكلمة الأساس في النقاش العام الذي دار في الأيام الأخيرة في إسرائيل فيما يتعلق بعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد المستوطنات... لكن يبدو أن استخدام كلمة مفاجأة ليس ملائما، فكل حديث عن "مفاجأة لا يعدو كونه تغطية للعورة، وتضليلا للجمهور.. وإذا ما راجعنا ما حصل في السنوات الأربع الأخيرة في علاقات إسرائيل والاتحاد الأوروبي، في كل ما يتعلق بالجمود في العملية السياسية لتسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وسياسة البناء في المستوطنات، سنلاحظ أن العنوان كان مكتوبا على الحائط، كما يقال. لذلك فإن التعبير الملائم والأدق لوصف موضوع قرار الاتحاد الأوروبي، هو "الإخفاق" أو "التقصير" الإسرائيلي، تكتيكيا، وعمليا واستراتيجيا. فهو إخفاق تكتيكي من ناحية البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في بروكسل ومن ناحية وزارة الخارجية الإسرائيلية. وهو تقصير عملي واستراتيجي ناتج عن عدم وجود وزير خارجية لإسرائيل بوظيفة كاملة منذ سبعة أشهر، وعدم اهتمام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي احتفظ بحقيبة الخارجية، بصورة كافية بالعديد من المسائل والشؤون السياسية واستبعاده لنائب وزير الخارجية وكبار موظفي الوزارة من المشاركة في المداولات، وتجاهله لأوراق الموقف التي طرحوها، مؤثرا الاعتماد على وجهات نظر كبار ضباط الجيش والاستخبارات، بالإضافة إلى إهماله للعلاقات مع الدول الأوروبية وتجاهله لمواقف وبيانات الاتحاد الأوروبي المتكررة، المنددة بأنشطة البناء والتوسع في المستوطنات اليهودية. وذلك هو التقصير الأكبر الذي لا يجوز لنتنياهو في نهاية المطاف أن يتهم أحداً غيره بالمسؤولية عنه".

وتحت عنوان "في الطريق إلى جنوب إفريقيا يتوقفون في أوروبا" كتب ياريف أوبنهايمر (سكرتير عام حركة "السلام الآن" الإسرائيلية) مقالا نشر على الموقع الالكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" قال فيه: صحيح أن قرار الاتحاد الأوروبي يقتصر على المستوطنات، ولكن إذا استمرت أنشطة البناء والتوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة، فإن المقاطعة (الأوروبية) لإسرائيل بأكملها، ستغدو مسألة وقت فقط.

وأضاف أن صيحات اليأس ومزاعم "اللاسامية" و"ملاحقة اليهود" و"كراهية إسرائيل"، التي يطلقها قادة المستوطنين والحكومة الإسرائيلية، لم تعد تترك تأثيرا أو انطباعا على أحد ... فالعالم الديمقراطي، وإن كان يعترف بإسرائيل ويؤيدها ويريد مصلحتها، يعارض وجود المستوطنات وتوسيعها، ويرى فيها انتهاكا فظا وسافرا للمبادئ الأساس المتوقعة من دولة ديمقراطية ومتنورة في القرن الحادي والعشرين.

ومضى: إن الوضع المؤقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن دولتين وتفعل العكس، جعل الكثيرين يقررون عدم التعاون مع مشروع المستوطنات، حتى لا يكونوا جزءا من المحرك الذي يسمح لهذا المشروع المدمر بالنماء والتطور.

وأكد أنه ما زال هناك من يعتقد أنه يمكن الفصل بين إسرائيل الديمقراطية داخل حدود الخط الأخضر، وبين إسرائيل المحتلة خلف هذا الخط، وإقامة تعاون أمني وسياسي واقتصادي معها، كما لو أن الاحتلال غير قائم. لذلك فإن القرار الدراماتيكي الأخير للاتحاد الأوروبي بشأن الامتناع عن التعاون مع المستوطنات، اقتصر فقط على ما يحدث خلف الخط الأخضر (في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967)، ولكن هذا الفصل سوف ينتهي، في المستقبل غير البعيد، إذا بقي الوضع على حالة، وإذا استمرت إسرائيل في أنشطة البناء والتوسع الاستيطاني. إن فرض مقاطعة على إسرائيل بأكملها، من طراز المقاطعة التي فرضها المجتمع الدولي على جنوب إفريقيا في عهد نظام التفرقة العنصرية، بات مسألة وقت فقط. وإذا لم يتم تفهم الرسالة الآن، ولم نوقف بأنفسنا ومن أجلنا استمرار البناء الاستيطاني في المناطق المحتلة فإن المقاطعة الاقتصادية الجارفة ضد إسرائيل، حتى داخل حدود الخط الأخضر، ستكون لنا بالمرصاد.