سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد

 

أربعة عشر ألف جندي إسرائيلي في السجون العسكرية ومعظمهم بسبب الفرار من الخدمة العسكرية

 

كتب بلال ضـاهر:

 

 

يحتجز الجيش الإسرائيلي في السجون العسكرية في كل عام الآلاف من جنوده، بعد إدانتهم بمخالفات متنوعة، أبرزها الفرار من الخدمة العسكرية. وغالبية الفارين من الخدمة العسكرية تفعل ذلك على خلفية اقتصادية - اجتماعية. كما أن أغلبية كبيرة بين الجنود الإسرائيليين السجناء هي من أبناء المهاجرين الجدد إلى إسرائيل من أثيوبيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق. وأظهرت تحقيقات أن سلطات السجون العسكرية الإسرائيلية تنتهك حقوق الجنود السجناء، كما أن الوضع الصحي في هذه السجون مترد جدا.

وأصدر "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست، مؤخرا، تقريرا حول موضوع الجنود السجناء، استند كله إلى معلومات ومعطيات زودها الجيش الإسرائيلي والشرطة العسكرية للمركز البرلماني. وتجدر الإشارة مسبقا إلى أن المعطيات لا تتطرق أبدا إلى عدد الجنود المسجونين بسبب رفض الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية وسياسية لكون إسرائيل هي دولة احتلال.

ويوجد في إسرائيل سجنان عسكريان يتم احتجاز الجنود فيهما: الأول هو "قاعدة السجن 394 في صرفند"، التي تعرف باسم سجن صرفند، أو "السجن 4". والثاني هو "قاعدة السجن 396"، التي تعرف باسم سجن عتليت، أو "السجن 6". وهناك غرف اعتقال في مقرات وحدات الجيش وقواعد الشرطة العسكرية.

ووفقا لتقرير الكنيست، فإن سجني صرفند وعتليت العسكريين استوعبا 14042 جنديا خلال العام 2012. وتبين المعطيات أن هذا العدد من الجنود السجناء كان أقل من عددهم في العام 2011، لكنه أكثر من عددهم في العام 2010، الذي بلغ حينذاك 12636 جنديا سجينا، وبينهم 16% دخلوا السجون العسكرية أكثر من مرة. إلا أن العام 2010 تحديدا سجل انخفاضا في عدد الجنود السجناء قياسا بالسنوات السابقة، بسبب انخفاض حجم الأماكن في السجون العسكرية. ورغم ذلك فإنه في العام 2010 تم تسجيل ارتفاع في عدد الجنود الذين تم اعتقالهم بشكل يومي، ولم يتم استيعاب قسم منهم في السجون العسكرية بسبب النقص في أماكن الاحتجاز فيها.

وأفادت معطيات الجيش الإسرائيلي أنه خلال العام 2013 الجاري، وحتى نهاية شهر حزيران الفائت، استقبلت السجون العسكرية 6563 جنديا، بينهم 3,014 جنديا في سجن عتليت و3549 في سجن صرفند. وكما ذُكر أعلاه، فإن قسما كبيرا من الجنود السجناء هم من المهاجرين الجدد. فهناك 33% من بين المجندين الأثيوبيين الذين دخلوا إلى السجون العسكرية مرة واحدة على الأقل خلال فترة خدمتهم العسكرية.

أسباب سجن

الجنود

تتبع المحاكم العسكرية الإسرائيلية، لدى نظرها في مخالفات يرتكبها الجنود، نوعين من الإجراءات القانونية، أو القضائية: إجراءات الطاعة والإجراء الجنائي. ويتم تنفيذ إجراءات الطاعة بواسطة الوحدات العسكرية وتشرف عليها وحدة خاصة في النيابة العسكرية. بينما تدير الإجراء الجنائي النيابة العسكرية.

ويتبين من المعطيات أن النيابة العسكرية قدمت لوائح اتهام ضد 5873 جنديا خلال العام 2012، بينما كان هذا العدد 7486 في العام 2011. كذلك يتبين أن التهمة الأساسية في لوائح الاتهام هذه هي الفرار من الخدمة العسكرية، وأنه تم تقديم 2125 لائحة اتهام بسبب هذه التهمة خلال العام 2012. وتم تقديم لوائح اتهام ضد جنود خلال العام 2012 للأسباب التالية: 1441 لائحة اتهام بسبب مخالفات سير؛ 1330 لائحة اتهام بسبب مخالفات جنائية؛ 680 لائحة اتهام بسبب مخالفات تتعلق بالمخدرات. وهناك لوائح اتهام، وعددها أقل من 100 لكل نوع من المخالفات، تتعلق بمخالفات مثل العنف واستخدام السلاح بشكل غير قانوني وفقدان السلاح والسرقة ومخالفات جنسية ومخالفة واحدة بالتسبب بالموت.

وكما ذكر أعلاه، فإنه تواجد في السجون العسكرية الإسرائيلية 6563 جنديا، حتى نهاية حزيران الفائت. وهؤلاء الجنود سجنوا بسبب المخالفات التالية: 3329 بسبب الفرار من الخدمة العسكرية؛ 1392 بسبب التغيب عن الخدمة العسكرية؛ 1091 بسبب مخالفات طاعة؛ 564 بسبب مخالفات جنائية؛ 286 بسبب مخالفات مخدرات؛ 187 بسبب التهرب من الخدمة العسكرية؛ 64 بسبب مخالفات استخدام العنف؛ 35 بسبب استخدام السلاح بشكل غير قانوني؛ 15 بسبب مخالفات سرقة؛ 4 بسبب مخالفات اغتصاب؛ 5 بسبب مخالفات التسبب بالموت؛ 5 بسبب مخالفات سير؛ 1 بسبب مخالفة أمنية؛ 3 بسبب القتل. وهناك 146 جنديا مسجونا بسبب "مخالفات أخرى".

ويتبين من هذه المعطيات أن نسبة الجنود المسجونين بتهمتي الفرار والتغيب عن الخدمة العسكرية مرتفعة قياسا بباقي المخالفات، وتشكلان معا نسبة 67% من عدد الجنود في السجون العسكرية.

وقال ضابط الشرطة العسكرية في الجيش الإسرائيلي إن معظم الأحكام على الجنود تصل لمدة عام. وأضاف أنه يوجد ترتيب مع سلطة السجون بنقل جنود محكومين لعدة سنوات، بسبب مخالفات جنائية في غالب الأحيان، إلى سجون مدنية. وأضاف أن الجنود الذين يدانون بتهمة الفرار من الخدمة العسكرية تصل مدة الحكم عليهم إلى ما بين شهرين إلى شهرين ونصف الشهر.

الخلفية الديمغرافية والاجتماعية -

الاقتصادية للجنود المسجونين

طالبت شكاوى وصلت إلى لجنة شكاوى الجمهور التابعة للكنيست بالانتباه إلى أسباب سجن عدد كبير من الجنود، وأشارت إلى أنها تتعلق بخلفيتهم الديمغرافية والاجتماعية – الاقتصادية.

وتبين المعطيات المتعلقة بسن الجنود المسجونين، حتى نهاية حزيران الماضي، والفترة التي قضوها في الخدمة العسكرية، أن 1959 جنديا خدموا لمدة نصف عام، و1378 خدموا لفترة عام، و1086 خدموا لفترة تصل حتى عام ونصف العام، و769 خدموا لفترة تصل حتى عامين، و1361 خدموا لفترة تزيد عن عامين.

وتواجد في السجون العسكرية حتى نهاية حزيران الماضي 34 جنديا في سن 18 عاما، و1733 جنديا في سن 19 عاما، و2235 جنديا في سن 20 عاما، و1295 جنديا في سن 21 عاما، و1266 جنديا في سن 22 عاما فما فوق.

ويتبين من المعطيات أن المدينة التي سُجن أكبر عدد من الجنود من سكانها هي مدينة أسدود، وبلغ عددهم قرابة 350 جنديا. وتلتها مدينة بئر السبع حيث بلغ عدد الجنود المسجونين من سكانها حوالي 325 جنديا. وهناك ما بين 250 - 300 جندي مسجون من مدينة ريشون لتسيون، وعدد مشابه من القدس، وكذلك من نتانيا وأشكلون. وهناك ما بين 200 - 250 جنديا مسجونا من حيفا وعدد مشابه من كل واحدة من مدينتي بات يام وبيتاح تكفا.

وهناك ما بين 50 إلى 150 جنديا مسجونا من كل واحدة من المدن التي يعتبر المستوى الاجتماعي - الاقتصادي فيها دون المتوسط، وهي حولون، الخضيرة، كريات غات، الرملة، ديمونا، كريات آتا، العفولة، كريات ملآخي، بيت شيمش، إيلات، يفنه، اللد، عكا، نهريا، أوفاكيم وكرميئيل. ويوجد أكثر من 50 جنديا مسجونا من سكان مدينة هرتسيليا التي تعتبر مدينة ذات مستوى اجتماعي - اقتصادي مرتفع.

وتواجد في السجون العسكرية الإسرائيلية حتى نهاية حزيران الماضي قرابة 250 جنديا درزيا، وحوالي 100 جندي بدوي.

"التغيب" عن الخدمة العسكرية

بسبب صعوبات اقتصادية

المقصود بـ "التغيب" عن الخدمة العسكرية هو التهرب أو الفرار من هذه الخدمة. وكان مراقب الدولة الإسرائيلية قد أجرى تدقيقا بين الجنود المسجونين، شمل 275 جنديا في السجنين العسكريين الرئيسيين، في العام 2009.

وفيما يتعلق بالخلفية الاقتصادية للجنود المسجونين الأثيوبيين، تبين أن "جزءا من نشاط ’جهاز إعادة التجنيد لخدمة سليمة’ تم تخصيصه لمعالجة المسجونين من أبناء الطائفة الأثيوبية. ورغم أنه في العام 2008 طرأ انخفاض في نسبتهم قياسا بالعام 2007، إلا أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة مقارنة مع نسبة الجنود من أبناء الطائفة الأثيوبية في الجيش الإسرائيلي، وهي 9ر2%. وحوالي 80% من الجنود أبناء الطائفة الأثيوبية، الذين سجنوا خلال العام 2007، عادوا إلى السجن أكثر من مرة واحدة. والسبب الأساس الذي يقودهم إلى السجون العسكرية، هو التغيب عن الخدمة العسكرية بدون إذن نتيجة لصعوبات عائلية واقتصادية خطيرة جدا. وتجري في السجون العسكرية أنشطة هدفها دفع وتشجيع المسجونين من أبناء الطائفة الأثيوبية على العودة إلى الخدمة العسكرية السليمة".

وفي أعقاب تقرير مراقب الدولة، اجتمعت لجنة الهجرة والاستيعاب والشتات التابعة للكنيست، لبحث الموضوع. وقال ضابط التربية الرئيس في الجيش الإسرائيلي، العميد إيلي شيرمايستر، إن "91% من المسجونين بين أبناء الطائفة الأثيوبية هم فارون. و77% من [المسجونين من أبناء] المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق هم فارون أيضا".

وأكد شيرمايستر أن "معظم المسجونين فروا من الخدمة العسكرية نتيجة لمشاكل اقتصادية في بيوتهم. ليس نتيجة لمخالفات عسكرية، وإنما مشاكل في البيت. ونحن نعرف أن 52% من أبناء الطائفة الأثيوبية الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي يستحقون الحصول على امتيازات اقتصادية. وهذا يعني أنهم يأتون من خلفية اجتماعية - اقتصادية متدنية. وهذا سبب مركزي للتغيب عن الخدمة، ونتيجة لذلك يصلون إلى السجون في نهاية الأمر".

وأضاف شيرمايستر أن الجيش ووزارة الدفاع الإسرائيلية يمنحان امتيازات في السكن ومنحا مالية وبطاقات اتصال إلى خارج البلاد وبطاقات شراء احتياجات في الأعياد والمناسبات للجنود الفرادى، أي الشبان الذين هاجروا إلى إسرائيل بمفردهم، والمهاجرين الجدد.

لكن تبين من تقرير قدمته للكنيست المديرة العامة لجمعية "بيت دافئ لكل جندي"، التي تمنح مساعدات للجنود، أن "أكثر من 50 ألف جندي، أي ما يعادل ثلث الذين يؤدون الخدمة العسكرية كل عام، وقسم منهم جنود فرادى، قدموا خلال العام الأخير طلبا للحصول على مساعدة اقتصادية، في الوقت الذي لم يتم فيه تعديل الأجر الشهري في الخدمة النظامية خلال الـ 12 عاما الأخيرة". ورأت أن "هذا المعطى يفسر حقيقة أن معظم حالات الفرار من الخدمة العسكرية تحدث على خلفية أسباب اقتصادية شخصية للجندي أو صعوبات مالية في بيته".

وتوجه "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست إلى وزارة الدفاع، بعد جمع هذه المعلومات والمعطيات، ورد مكتب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بأن "اختيار عدم تنفيذ خدمة عسكرية سليمة ليس مقبولا علينا، فهناك آلاف الجنود الذين لديهم مشاكل اقتصادية ويختارون التجند وينهون الخدمة العسكرية الكاملة، وحتى في وحدات قتالية".

وأضاف مكتب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أن "جنودا كثيرين يصلون إلى السجن ويفسرون سلوكهم بوجود صعوبات اقتصادية وعائلية، لكن الجيش الإسرائيلي يوفر أفضل حل للفرد... ويتم التدقيق في كل ادعاء على حدة وبصورة مهنية مقابل احتياجات الفرد ذات العلاقة".

ظروف السجن

أظهرت التقارير السنوية لمفوضية شكاوى الجنود، خلال العقد الأخير، تكرار المعطيات الخطيرة حول ظروف سجن الجنود، وكذلك فيما يتعلق بظروف الجنود الذي يخدمون كسجانين في السجون العسكرية.

ولفت تقرير الكنيست إلى أنه تبينت من شكاوى كثيرة عالجتها مفوضية شكاوى الجنود "نتائج مثيرة للقلق فيما يتعلق بظروف اعتقال جنود، وبضمن ذلك مخالفات لأوامر صادرة عن هيئة الأركان العامة أو الضابط الرئيس للشرطة العسكرية".

كذلك أشار أحد تقارير مراقب الدولة إلى أن شكاوى الجنود المسجونين تشير إلى "معاملة صارمة من جانب السجانين في السجون العسكرية، واستخدام جارف للأصفاد، واستخدام غير معقول للقوة يحد بالعنف ويصل أحيانا إلى حد التنكيل، وأخطاء متكررة في نوعية العلاج الطبي الممنوح للمسجونين والخدمات الطبية المتاحة لهم. كما تبينت صحة شكاوى لجنود ينفذون مهاما متنوعة في السجون العسكرية فيما يتعلق بظروف خدمتهم".

وأضاف التقرير أن "حال البنى التحتية المادية والصحية في السجون العسكرية مزرية، وتمثل ذلك بانقطاع متكرر للتيار الكهربائي وفيضان مياه الصرف الصحي بشكل دائم، الأمر الذي يمس بشكل خطير بظروف الاعتقال في كلا السجنين العسكريين. ويضاف إلى ذلك الاكتظاظ النابع من نقص في الأماكن للسجناء".

ووفقا لتقرير الكنيست فإن "سجناء كثيرين عبروا عن عدم رضاهم من طبيعة الاتصال بينهم وبين محامي الدفاع العسكريين [الذين يوكلهم الجيش للدفاع عن الجنود المسجونين]، في كل ما يتعلق بتوافر المحامين وقدرتهم على الالتقاء مع موكليهم. وفيما يتعلق بمعالجة طلبات تخفيف عقوبة السجن، تبين في حالات عدة أنه يوجد انتهاك لحقوق المسجونين، مثل التأخر في الرد على الطلبات".

وفيما يتعلق بزيارة الجنود السجناء، فإن هناك فروقا بين زيارة الجنود والجنديات في السجون العسكرية. وتنص هذه الأنظمة على أنه يحق للجندي السجين استقبال زائر في المرة الأولى بعد سبعة أيام من سجنه، باستثناء جنود الاحتياط والجنود المتزوجين الذين يحق لهم استقبال زائر بعد ثلاثة أيام من دخول السجن. ويسمح للجنديات السجينات بالحصول على أول زيارة بعد 48 ساعة من دخولهن إلى السجن. ومن حق السجين أو السجينة الحصول على زيارة مرة كل أسبوعين، بينما يحق للجندي في الاحتياط الحصول على زيارة كل أسبوع.