تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 


الليكود ما بين اليمين المتشدّد واليمين المنفلت

 

كتب برهوم جرايسي

 

 

بيّنت الانتخابات الداخلية في حزب الليكود، التي جرت في الأسبوع الماضي، لانتخاب رؤساء الأطر التنظيمية في الحزب، مدى سيطرة من بالإمكان تسميتهم بـ "اليمين المتشدد المنفلت"، بقيادة مجموعات المستوطنين وقادتهم في هيئات الليكود، على حساب اليمين المتشدد، وأبرز رموزه رئيس الحزب بنيامين نتنياهو.

 

وقد ذهب عدد من المحللين الإسرائيليين بعيدا في إظهار نتنياهو وكأنه "الرجل الضعيف"، وكمن بات يفقد السيطرة على الحزب، إلا أن واقع الأمر يؤكد أن نتنياهو ما زال الرجل القوي، وأن ما جرى يعكس شكل مستقبل الليكود ما بعد نتنياهو، الذي لا يواجه أي تهديد حقيقي على مكانته الحزبية، حتى وإن قرر نتنياهو ترؤس الحزب وقيادته في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

 

وجرت في الأسبوع الماضي الانتخابات لرئاسة المجلس المركزي للحزب، وفاز برئاسته نائب وزير الدفاع، المتطرف داني دانون، الذي انتخب أيضاً قبل ذلك بأيام لمنصب رئيس المؤتمر، بتأخير دام عاما، كما أنه يشغل منصب رئيس حركة "الليكود العالمية". وانتخب المجلس المركزي نائب وزير الخارجية المتطرف زئيف إلكين رئيسا للمكتب السياسي، وجرى انتخاب وزير المواصلات يسرائيل كاتس، مجددا، رئيسا للسكرتارية العامة للحزب، وهو المنصب الذي يشغله منذ سنوات، وقد فاز الأخير على النائبة المتطرفة ميري ريغف.

 

وباستثناء الوزير كاتس، الذي لا تقل مواقفه اليمينية تشددا عن مواقف باقي المنتخبين، فإن نتنياهو كان يرغب في وصول أسماء أخرى إلى رئاسة هيئات الحزب، ليس خوفا على مكانته، بل في محاولة لعرض صورة أخرى لحزب الليكود أمام الرأي العام، وفي إطار سعي نتنياهو للحفاظ على ما تبقى من مصوتين، من جمهور "اليمين المعتدل"، بموجب التعريفات والمقاييس القائمة في داخل الحلبة الإسرائيلية، إلا أن نتنياهو ذاته ساهم بشكل قوي في تغيير طابع حزب الليكود، من حزب أيديولوجي عقائدي يميني، إلى حزب تخضع هيئاته كلها، ولوائح مرشحي الحزب، لمجموعات المستوطنين المتشددة، واليمين المغامر المنفلت، الذي يسعى إلى كل أشكال الصدام إن كان على مستوى الساحة السياسية الداخلية، أو على مستوى تصعيد السياسة العنصرية، وقوننة وشرعنة العنصرية، وحتى شكل حسم الصراع الإقليمي.

 

 

نتنياهو مدّ يده

لهم فنال لدغة

 

 

بدأت عملية التقلبات في حزب الليكود بصورة ملموسة في منتصف سنوات التسعين من القرن الماضي، فحتى تلك المرحلة كان التيار الأيديولوجي العقائدي هو المسيطر على الحزب كليا، والحديث يجري عمن كانوا في حزب "حيروت" الذي شكّل في العام 1973 حركة الليكود، بالشراكة مع أحزاب يمينية صغيرة، وكأي حزب أو اطار سياسي أو غيره، يعتمد خطاب التشدد، فإنه يكون مُطالبا خاصة أمام أعضائه وأيضاً امام قواعده الشعبية، بتصعيد الخطاب بشكل مستمر، وهذا ما فعله، ولذا كنا نرى دائما كل فوج جديد في قيادة الليكود متشددا أكثر من سابقه.

 

إلا أن ما جرى في منتصف سنوات التسعين، بمعنى انتقال حزب "الليكود" إلى نظام الانتخابات الداخلية المفتوحة لاختيار مرشحين للانتخابات البرلمانية، فتح أبواب الحزب على مصراعيها، امام عصابات المستوطنين، حتى أكثرهم تطرفا وارهابا، الذين كانوا وما زالوا ينتسبون إلى الحزب لفترة محددة من أجل المشاركة في انتخابات رئيس الحزب وانتخاب لائحة الحزب، ولكنهم في الانتخابات البرلمانية يتجهون لدعم أحزاب المستوطنين اليمينية المتشددة، وهذا ما جرى أيضاً في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام الجاري أيضاً، استنادا إلى نتائج انتخابات الليكود في مستوطنات الضفة الغربية والقدس، كأكبر معقل لليمين الأكثر تطرفا.

 

وفي بدايات هذه الظاهرة لم يسع التيار المركزي التقليدي في حزب الليكود إلى لجمها، لا بل إن أقطابا في الحزب كانوا يستعينون بهذه الجماعات والعصابات في معاركهم الانتخابية الداخلية، ومن بينهم نتنياهو ذاته، وبشكل خاص، حين حاول في العام 2002 منافسة أريئيل شارون على رئاسة الحزب، إلا أن نتنياهو تراجع عن تلك المنافسة.

 

وأمام هذا التغاضي نجحت تلك المجموعات في أن ترتبط في ما بينها، وأن تشكل قوة مركزية في قاعدة المنتسبين الموسعة، فمثلا، رمز هذه المجموعات المتطرف موشيه فايغلين كان شخصا هامشيا، ينافس في كل انتخابات على رئاسة الحزب ويحصل على نسب ضئيلة، ولكن في الانتخابات لرئاسة الحزب التي جرت في مطلع العام الماضي- 2012- شكّل فايغلين مصدر قلق لنتنياهو، الذي وضع لنفسه هدفا بأن يحصل على نسبة لا تقل عن 80%، في ظل غياب منافسين اقوياء، وبقيت المنافسة محصورة بينه وبين فايغلين، وفي النتيجة النهائية حصل نتنياهو على 77%.

 

غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن نتنياهو لم ينجح في شهر نيسان من العام 2012، في بسط سيطرته التنظيمية اكثر على المجلس المركزي للحزب، مثل أن يحصل على صلاحيات واسعة في تشكيل لائحة الحزب للانتخابات البرلمانية، بسبب معارضة هذه المجموعات، ولجوء شخصيات أخرى في الحزب اليها في هذه القضية بشكل خاص.

 

وأكثر من هذا، ففي الانتخابات الداخلية لتشكيل لائحة الحزب للانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام الجاري، مدّ نتنياهو يده ليتعاون مع تلك المجموعات لتصفية رموز بقايا التيار الأيديولوجي في الحزب، وهم: الوزير السابق في حكومة نتنياهو، بنيامين بيغن، نجل الزعيم التاريخي للحزب مناحيم بيغن، فهذا على الرغم من مواقفه اليمينية المتشددة كليا، إلا أنه في القضايا الداخلية، مثل حقوق العرب في إسرائيل، يتبع مواقف ليبرالية نوعا ما، تمشيا مع فكرة زئيف جابوتينسكي، الذي ارتكز على أفكاره حزب "حيروت"، وكان مع آخرين نأتي على ذكرهم، في كثير من المرات، "حجر عثرة" أمام تمرير قوانين عنصرية، رغم انها كانت تمر في نهاية المطاف، ولكن منها ما سقط عن جدول الأعمال.

 

كذلك تمت تصفية واستبعاد الوزيرين دان مريدور وميخائيل ايتان، اللذين بالإمكان تصنيفهما بأنهما أقل تشددا من بيغن، ولم ينجح نتنياهو في تصفية من كان رئيس الكنيست حتى الانتخابات، رؤوفين ريفلين، من أكبر مناصري "ارض إسرائيل الكاملة"، ولكن في القضايا الداخلية مواقفه مطابقة لمواقف بيغن، لكن نتنياهو لاحق ريفلين بعد الانتخابات ومنع انتخابه ثانية لرئاسة الكنيست.

 

والملفت في هذه المسألة تحديدا هو أن نتنياهو استعان في انتخابات 2009 بوجوه مثل بيغن ومريدور، ومعهم يوسي بيلد الذي اعتزل السياسة، وغيرهم من أجل إعادة الليكود إلى الصدارة، وهذه الوجوه حققت لليكود أصواتا من جمهور "اليمين المعتدل" وحتى "الوسط" وفق مقاييس إسرائيل وتعريفاتها السياسية.

 

 

لا خلافات سياسية

 

 

بالغ المحللون في وصف ما جرى في حزب الليكود، وكأنه "صفعة" أو "ضربة" لبنيامين نتنياهو، وأنه سيواجه مستقبلا عائقا في قضايا سياسية، بادعاء أن من يرأس الهيئات المركزية في الليكود هم وجوه التيار المتطرف المنفلت في الحزب، إذ أنه لا خلاف جوهريا في حزب الليكود بتركيبته الحالية، وحتى تنظيميا، فإن الأمور ليست بالشكل الذي يتم رسمه.

 

على المستوى التنظيمي، فإن انعقاد المجلس المركزي للحزب يجب ان يحصل على موافقة رئيس الحزب، وفق ما ينص عليه نظام الحزب، كذلك فإن هذه الأسماء لم تستطع، مثلا، لدى تشكيل الحكومة أن تفرض نفسها لتحصل على مناصب وزارية، لأنه في ساعة الحسم فإن القواعد الحزبية ستنصت إلى رئيس الحزب الذي "يحقق الانتصارات للحزب".

 

كذلك لا ننسى أن هناك مركز قوة جديا في المجلس المركزي الذي يضم أكثر من 3600 عضو، يتشكل من مقاولي أصوات، ومنتفعين من وجود الحزب في السلطة، أو أنهم "وكلاء" لمن يريد الاستفادة من السلطة، وهذه ظاهرة معروفة وقوية جدا في حزب الليكود، وهؤلاء يلجأون عادة إلى الشخص التنفيذي الأبرز في الحزب، وفي هذه الحالة رئيس الحكومة.

 

أما من ناحية سياسية، وبعد جلوسه في رئاسة الحكومة مدة تزيد عن 51 شهرا، فهل لدى أي كان ذرة شك بمواقف نتنياهو، وبأنها لا تبعد قيد أنملة عن مواقف أشد اليمين تطرفا؟. فعلى سبيل المثال، لم يعترض نتنياهو على مبادرة رئيس كتل الائتلاف الحاكم ياريف ليفين، قبل أكثر من شهر، لإقامة لوبي يدعو إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على ما يسمى "أرض إسرائيل الكاملة"، أي فلسطين التاريخية، فقد حظي هذا اللوبي بتهاني عدد من وزراء حزب الليكود، ونواب وزراء، وطبعا أعضاء كنيست، والقائمة تطول.

 

لذلك، فإن ما يعرضه المحللون، وكأن نتنياهو سيواجه عراقيل سياسية في حال جاء للحزب طالبا موافقته على خطة لحل الصراع، هي فرضية غير واقعية في الظروف القائمة، وأصلا لو كان نتنياهو يفكر بسيناريو كهذا، لكان غيّر الكثير في حزبه.



ولا منافس أيضاً

 

 

في الوضع القائم في حزب الليكود، لا يوجد بديل لنتنياهو في رئاسة الحزب، وحتى لو قرر نتنياهو الاستمرار في رئاسة الحزب أيضاً في الانتخابات المقبلة، فإنه سيحصل على ما يريد، وهذا بسبب غياب منافس واقعي وقوي في الحزب لشخصية وشعبية نتنياهو، أساسا في أوساط اليمين على كل تنوعاته. وكل هذه الأسماء التي ظهرت على السطح لتترأس هيئات الحزب القيادية، لا تطرح نفسها كبديلة لشخص نتنياهو.

 

لكن كل ما جرى في الليكود هو مؤشر إلى مستقبل الليكود بعد نتنياهو، لأنه لا توجد شخصية بهذا القدر من "الكاريزما" يمكنها أن تحل محل نتنياهو.

 

ورغم كل هذا تبقى فرضية ليست مستبعدة، من الضروري التطرق إليها، فقبل بضعة أشهر ظهر نبأ عابر في إذاعة الجيش الإسرائيلي قال إن نتنياهو وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان يبحثان في إمكانية تشكيل إطار سياسي حزبي واحد. ولم يتوقف كثيرون عند ذلك النبأ في حينه، إلا أنه في أيام الانتخابات الأخيرة لهيئات الحزب، ظهر الموضوع بقوة على ألسنة عدد من شخصيات الحزب الذين أبدوا اعتراضا شديدا لهذه الخطوة، لأنهم يدركون أن عودة ليبرمان إلى صفوف الحزب سيكون هدفها واحدا ووحيدا: الوصول إلى رئاسة الحزب بعد نتنياهو. ولذا، فعلى الأغلب أن نتنياهو سيفشل في هذه المبادرة، في ما لو كانت حقيقية.