تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

على هامش المشهد

 

موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية يحتجون على ظروف عملهم: واحد من كل ثلاثة يترك العمل بعد أقل من عشرة أعوام

صعد موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبوع الماضي إجراءاتهم الاحتجاجية على ظروف عملهم، وخاصة رواتبهم المتدنية. وكانت نقابة الموظفين، وغالبيتهم العظمى من الدبلوماسيين والعاملين في السفارات، قد بدأت، قبل شهور معدودة، إجراءاتها من خلال تشويشات في العمل، لكنها اتسعت لتشمل التوقف عن تقديم خدمات لمواطنين إسرائيليين في خارج البلاد وعن تنظيم زيارات مسؤولين إسرائيليين لدول أجنبية أو زيارات مسؤولين أجانب لإسرائيل. ووصلت الأمور إلى حد امتناع موظفي وزارة الخارجية عن تنظيم ومرافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لدى زيارته إلى الصين مؤخرا.

 

وقال تقرير نشرته صحيفة "معاريف"، يوم الجمعة الماضي، حول إضراب موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية عن العمل، إن القنصل الإسرائيلي في العاصمة البرازيلية، برازيليا، سيصل إلى البلاد خلال الأسبوع الحالي، ولن يعود إلى وظيفته المرموقة هذه. ورغم أن هذا القنصل يعتبر أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين الواعدين والموهوبين، إلا أنه انهار بسبب الوضع الاقتصادي في البرازيل والذي "لا يمكّنه من العيش بكرامة". والسبب المباشر الذي جعله يتخذ قراراه بالتخلي عن منصبه، هو أنه بسبب تدني راتبه اضطر إلى رفض طلبات أبنائه الثلاثة المشاركة في رحلة مدرسية، بتكلفة 2500 دولار، لأنه "ببساطة لا يملك المال".

وقال السفير الإسرائيلي في البرازيل، رافي إلداد، في محادثة هاتفية من برازيليا، إن "الأمر المحزن في كل هذا الأمر، هو أنه لا يوجد أحد يريد أن يحل مكاني في المنصب. فالبرازيل هي دولة كبيرة وجميلة ومثيرة وتضع تحديات من كافة النواحي، وفي الماضي كان هناك 20 دبلوماسيا على الأقل أرادوا المنصب، لكن عندما يعرفون ظروف العمل وغلاء المعيشة المتصاعد في هذه الدولة، يتراجعون عن اهتمامهم بالمجيء إلى هنا".

ونتيجة لتشويشات العمل التي ينفذها موظفو وزارة الخارجية، فإن هناك مجموعة إسرائيلية من الفتية ومعلمتهم، عالقة في ألمانيا، في هذه الأيام، رغم انتهاء رحلتها، لأن اثنين من التلاميذ فقدا جوازي سفرهما. وترفض السفارة الإسرائيلية في برلين إصدار وثائق عبور لهما بسبب تشويشات العمل التي ينفذها موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي تصاعدت الأسبوع الماضي وبدأت تشمل عدم منح خدمات قنصلية.

كذلك طلب رئيس الوكالة اليهودية، نتان شيرانسكي، من نتنياهو التدخل في نزاع العمل في وزارة الخارجية، لأن الموظفين يرفضون إصدار تأشيرات لمهاجرين جدد إلى إسرائيل. وادعى شيرانسكي أن هناك 1500 يهودي يريدون الهجرة إلى إسرائيل، في هذه الأثناء. وقال شيرانسكي إنه "توجد انعكاسات فورية على وضع المهاجرين، الذين باع بعضهم أملاكه، وينبغي إصدار تأشيرات لهم بأسرع وقت".

وقالت الصحيفة إن إحباط موظفي وزارة الخارجية كبير، لأن إضرابهم عن العمل لا يؤثر على المواطن الإسرائيلي العادي، وإنما أيضًا على مواطنين قلائل عالقين خارج البلاد وعلى كبار المسؤولين وأعضاء الكنيست وحتى على رئيس الحكومة. كما أن وسائل الإعلام تكاد تتجاهل قضيتهم. وعلى سبيل المثال، تم رفض طلب وزير المالية الإسرائيلي، يائير لبيد، إصدار جواز سفر دبلوماسي له ولزوجته قبيل سفرهما إلى أوروبا لقضاء إجازة.

وكان جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) قد نظم زيارة نتنياهو إلى الصين وبولندا، مؤخرا. ورأى موظفو وزارة الخارجية أن الشاباك التف على عملهم. وقال موظفون في وزارة الخارجية إنه بسبب ذلك تعرض نتنياهو "للحرج"، عندما أبلغ مسؤولون في مكتبه وسائل إعلام بأنه سيصدر بيانا، في أعقاب اجتماع مشترك للحكومتين الإسرائيلية والبولندية في وارسو، يعترف بحق الفلسطينيين في دولة، وهو ما نفاه نتنياهو لاحقا. ووفقا للموظفين في الخارجية فإنه لو أن نتنياهو لم يلتف على التشويشات في العمل التي ينفذونها لتم تجنب هذا "الحرج". وقال أحد الموظفين إنه "فقط لوزارة الخارجية توجد المعرفة والخبرة والقدرة المهنية على فهم التعقيدات وترجمتها إلى اللغة الدبلوماسية المطلوبة".

واحد من كل ثلاثة

يترك العمل

قال رئيس لجنة الموظفين في وزارة الخارجية، يائير فرومير، وهو دبلوماسي وباحث في الوزارة، إنه يتقدم آلاف الشبان الإسرائيليين للعمل في وزارة الخارجية كل عام، لكن "أحلامهم بالوظائف المرموقة تتحطم على صخرة الراتب الضئيل. وقد وصلنا إلى وضع يترك فيه واحد من بين كل ثلاثة أشخاص في الخارجية الإسرائيلية الخدمة بعد أقل من عشر سنوات. وقسم كبير منهم يتسرب في مرحلة ملاءمة التوقعات، وعندما يتضح لهم حجم الحلم وواقعه. ويؤدي هذا الأمر إلى مشكلة كبيرة لأنه في الوزارة يواجهون صعوبة، رغم مدى غرابة ذلك، في إشغال وظائف كثيرة".

وأضاف فرومير "إن مشكلتنا هي أننا نعرف كيف نخوض حرب إسرائيل في الخارج، ولكن عندما نصل إلى البلاد فإننا نستخدم خلال نضالنا المهني أمام وزارة المالية الأسلوب الدبلوماسي نفسه الذي نستخدمه جيدا في الخارج، لكنه لا يحقق نتيجة هنا. ولم يكن هناك منذ أكثر من ستين عاما نزاع عمل في وزارة الخارجية، وهذا يضر قدرتنا على رفع السقف من ناحية الحصول على موارد، ويضر بقدراتنا على تنفيذ المهمات. ولم نعرف كيف ندافع عن أنفسنا ووصلنا إلى وضع تآكلت فيه رواتبنا بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 25%. والتآكل الهائل في ظروف خدمتنا أنشأ الفجوة الكبيرة بين صورتنا والواقع".

وأشار إلى أن حياة الدبلوماسي في دولة أجنبية تتطلب قضاء معظم الأمسيات خارج البيت والتنقل كثيرا "وهذا يشمل الثمن الشخصي والعائلي الكبير الذي ندفعه. فعندما يتم إبلاغي بأن عليّ السفر إلى طشقند، فإن هذا يعني رزم احتياجاتي الشخصية، وبيع السيارة، وإخراج الأولاد من المدرسة وفصلهم عن أصدقائهم والعائلة، وليس للمرة الأولى. ويتعين على الزوج أو الزوجة ترك مكان العمل وبدء حياة جديدة، غالبا ما تكون في بيئة غير مريحة وبمستوى حياة أدنى بكثير مما هو موجود في إسرائيل".

ولفت فرومير إلى أنه قبل خمسين عاما تم تشكيل لجنة وزارية بهدف تحديد شروط راتب الدبلوماسي الإسرائيلي في كل دولة وتوفير حلول. وأردف "لكن لم يتم تعديل هذه الحلول منذ عشرات السنين. فقد كان متبعا، مثلا، أن يعمل أحد الزوجين فقط، وهذا الوضع ليس قائما اليوم. ولم تعد هذه اللجنة الوزارية تعمل، إذ تحولت إلى لجنة مؤلفة من موظفي وزارة المالية الذين لا يعرفون ظروف الخدمة في خارج البلاد ولا يدركون التحديات".

راتب ضئيل

يعتبر الدبلوماسيون الإسرائيليون أن خدمتهم في البرازيل هي مثال جيد لتوضيح الواقع الذي يعيشونه. فهم يتقاضون رواتبهم بالدولار ولكن يتم دفعه بالعملة المحلية. وفي الوقت ذاته، فإن راتبهم لم يرتفع منذ سنوات، لكن التضخم المالي في البرازيل يصل إلى 6% في كل عام. وقال السفير إلداد إن راتبه تآكل بحوالي 30% خلال العامين الأخيرين اللذين قضاهما هناك.

وقال إلداد "إن وضعي جيد نسبيا، إذ ليس لدي أولاد صغار ومصاريف تعليم، ولدي أقدمية 35 عاما في الخدمة الخارجية، لكن قياسا بي فإن لا أحدا من الموظفين هنا ينهي ولاية كاملة. ويطلب جميعهم الانتقال إلى سفارة أخرى أو العودة إلى البلاد. ووزارة المالية تبصق في وجوهنا بكل بساطة. وهم ليس فقط لا يتعاملون مع مطالبنا بجدية وإنما ينشغلون بأمور تافهة أيضا. ويفترض أن تكون البرازيل مكانا جذابا، لكن الموظفين غير مستعدين للمجيء هنا ليجوعوا. فالأسعار هنا جنونية. وعشية الألعاب الأولمبية، في العام المقبل، وصلت أسعار الفنادق إلى مبالغ خيالية. وأسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير. فالجميع يشاهد في التلفاز الاحتجاجات والمظاهرات، وكل هذا على خلفية غلاء المعيشة. ماذا سنفعل؟ نجلس في برازيليا، العاصمة القفراء، ولا نتجول، ولا نعيش بمستوى عال، وبالكاد توجد بحوزتنا سيارة وليس بإمكاننا الذهاب إلى أماكن ترفيه".

وتبين أن راتب الدبلوماسي الإسرائيلي المبتدئ يقارب الخمسة آلاف شيكل. وبعد خمس سنوات ينخفض الراتب، لكن الدبلوماسي يحصل على إضافات يصل الراتب على أثرها إلى حوالي ستة آلاف شيكل. ويبقى في هذه الدرجة حوالي عشر سنوات. ويشدد فرومير على أن "هذه مبالغ أدنى من أي وظيفة أكاديمية أخرى في الوزارات المختلفة".

من جانبهم، يشير موظفو وزارة المالية إلى اتفاق الأجور الجماعي الذي وقعته الوزارة مع نقابة العمال العامة (الهستدروت) قبل عامين، وحصل موظفو الخارجية في إطاره على علاوة استثنائية، "علاوة الخدمة الخارجية"، والتي يمكن أن تصل نسبتها إلى 15% من الراتب، إضافة إلى منحة تميز في العمل تصل إلى ما بين 2% و 3% من الراتب. ويدعي المسؤولون في وزارة المالية أن متوسط الأجور في وزارة الخارجية يصل إلى 17 ألف شيكل، وهو من أعلى الأجور في القطاع العام.

ميزانية وزارة الخارجية

4ر0% من الميزانية العامة

قال فرومير إن "ميزانية وزارة الخارجية هي الأدنى من حيث نسبتها قياسا بالميزانية الأمنية ومقارنة مع هذه النسبة في جميع دول العالم الغربي. وهذه الميزانية تشكل 4ر0% من الميزانية العامة، وأقل بأربعين ضعفا من الميزانية الأمنية. وهذا يدل على سلم الأولويات وانعدام الفهم إلى أي مدى تشكل الشؤون الخارجية جزءا من جهاز الأمن القومي".

ويحاول نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، زئيف إلكين، الذي يعمل كوزير للخارجية بسبب عدم تعيين وزير كهذا، التوسط بين موظفي وزارته ووزارة المالية. وقال إلكين إن "معظم المطالب مبررة، والظروف ساءت مع مرور السنين، والرواتب التي تُدفع اليوم ليست ملائمة لتكلفة الخدمة في خارج البلاد. ونشأ اليوم وضع يضطر فيه شبان كثيرون في الخدمة الخارجية إلى إحضار المال من البيت أو من ذويهم لكي يعتاشوا. وخذ مثالا السفارة في موسكو، التي زرتها قبل أسبوع. كانت هذه مدينة يطيب العيش فيها في الماضي، لكن اليوم ارتفع غلاء المعيشة بشكل هائل ولا أحد يريد أن يخدم فيها. وهناك مشكلة أخرى تتمثل بترك موظفين الخدمة لصالح عالم الأعمال الخاص. والشخص الذي عمل عدة سنوات في الوزارة، وحصل على خبرة وعلاقات ومعرفة لغات، أصبح مطلوبا في عالم الأعمال. ونحن لن نتمكن أبدا من منافسة عالم الأعمال، لكن إذا لم يحسنوا ظروف العمل في الخدمة الخارجية، فإن التسرب سيتزايد".

صراع على الصلاحيات

يواجه موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية صراعا على الصلاحيات، بعد إقامة وزارة العلاقات الدولية، التي يتولاها الوزير يوفال شتاينيتس، في أعقاب تشكيل حكومة نتنياهو الحالية وإقامة وزارة موازية بتأثير من الاتفاقيات الائتلافية. ولهذا السبب، فقد انتقلت ميزانية الإعلام من وزارة الخارجية إلى وزارة الإعلام، التي يتولاها رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت. وانتقلت "ميزانية [يهود] الشتات" إلى وزارة شتاينيتس.

وقال فرومير "لا يوجد مثيل لذلك في العالم. فما هي وزارة الخارجية إن لم تكن الوزارة التي لديها صلاحيات إدارة العلاقات الخارجية؟ والحكومة، ببساطة، تلحق ضررا بمكانة الوزارة وقدرتها على العمل. هذه فضيحة. فمدير وزارة شتاينيتس، يوسي كوبرفاسر، التقى مع حلقات الوصل لوزارة الخارجية، وهم رؤساء المنظمات اليهودية الذين يقيمون علاقات معنا منذ سنين طويلة، ويقدم نفسه كممثل عن الحكومة. وهم لا يدركون أنهم يتسببون بارتباك بالغ، والجانب الآخر لا يعرف دائما من يقف أمامه ويتوقف عن الانصات لنا".

وأضاف فرومير "إذا لم يحدث تقدم فإننا سنصعد التشويش في العمل. حتى الآن كنا نزيهين، ومنحنا الحكومة ووزارة المالية حيزا للتنفس... لقد انتهينا من أداء دور الشاب اللطيف. ونحن نريد أن يتمكن المبعوثون إلى خارج البلاد من تخطيط حياتهم، وأن يعرفوا ما إذا كان بإمكانهم إرسال أولادهم إلى الدورات التي يريدونها، وما إذا كان هناك مستقبل للزوجة الممنوعة غالبا من العمل، وتتلقى مبلغا ضئيلا للغاية بعد أن تنازلت عن مستقبل مهني وراتب تقاعد. نحن نريد التوصل إلى اتفاق جماعي لأنه بعد خمس سنوات سيكون الوضع مزريا أكثر".