في سابقة قضائية - المحكمة العليا الإسرائيلية تمنع نشر رواية أدبية

على هامش المشهد


مقابلة خاصة مع رئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط" في جامعة بن غوريون في بئر السبع والمتخصص في الشؤون المصرية

 

البروفسور يورام ميتال لـ "المشهد الإسرائيلي": المسؤولون في الولايات المتحدة وإسرائيل أخطأوا في تقدير قوة المجتمع المدني في مصر

 

*لست شريكا للتقديرات الإسرائيلية

بأن مصر على شفا حرب أهلية*

 

 

كتب بلال ضـاهر:

 

تثير التطورات الحاصلة في مصر، والتي أدت إلى عزل الرئيس محمد مرسي، اهتماما بالغا في إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالانعكاسات الأمنية للوضع في مصر وتأثير ذلك على إسرائيل والمنطقة الحدودية في شبه جزيرة سيناء. ويدعي الإسرائيليون أن إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر سيدفع تنظيمات الجهاد العالمي، التي تتخذ من منطقة شمال غرب سيناء مقرا لها، إلى شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، وأهداف مصرية أيضا.

ويعترف الإسرائيليون بأنهم فوجئوا من ثورة 30 يونيو، فيما تحدثت تقارير صحافية عن تنسيق وتعاون أمني كبير بين إسرائيل ومصر خلال فترة حكم مرسي، بينما التزم المسؤولون الرسميون الصمت بأمر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

وقال رئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط" في جامعة بن غوريون في بئر السبع والمتخصص في الشؤون المصرية، البروفسور يورام ميتال، لـ "المشهد الإسرائيلي"، بشأن رؤيته إزاء الثورة المصرية الثانية: "أولا، أعتقد أن ما يحدث في الأيام الأخيرة ليس انقلابا عسكريا. وادعائي هو أن الجيش المصري قرر أن يتدخل في الأزمة، وقام بنشر ’خارطة طريق’ هدفها محاولة إعادة غايات الثورة في كانون الثاني العام 2011 إلى مسار ما زال ممكنا. ما نراه هنا هو محاولة للتصحيح، وما رأيناه في 30 حزيران هو حركة تصحيح. وهذه حركة تريد إعادة شيء ما يوجد حوله إجماع في مصر. وقد كان هناك إجماع حتى في ثورة 25 يناير، وعندما انضم الإخوان المسلمون والسلفيون إلى شباب الثورة، وافقوا على أهداف ومبادئ الثورة. والنقطة الثانية هي أننا كمؤرخين لا يمكننا أبدا أن نتحدث عن الخطابات والتصريحات فقط. وإنما نحن ملزمون بالنظر إلى ما حدث فعلا من خلال التاريخ. وإذا ما نظرنا إلى ما حدث خلال العامين ونصف العام تقريبا، منذ إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، فسنرى أنه حدث أمران مهمان: الأول هو أن [رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية] الجنرال حسين الطنطاوي والمجلس العسكري الذي حكم بعد مبارك نشرا، بتأييد من الإخوان المسلمين، خارطة طريق، يعتقد الكثيرون، اليوم، أنها كانت خاطئة، وأنها كانت جزءا من المشكلة. وخارطة الطريق هذه كانت تتعارض مع المسار الذي أراد شباب الثورة السير فيه. وأذكر أن الجيش والطنطاوي والإخوان اتفقوا على إجراء انتخابات لمجلس الشعب وبعدها إجراء انتخابات رئاسية، وفقط بعد ذلك يتم وضع دستور. هكذا كانت خارطة الطريق التي وضعوها. ووافق الإخوان على ذلك لأنه كان واضحا أن الإخوان هم القوة السياسية الأكثر تنظيما، وأن لديهم القدرة التنظيمية والمالية لتحقيق إنجازات كبيرة. وقد طلب الشبان أن يتم تشكيل لجنة لصياغة الدستور، وأن يشكل الجيش حكومة مدنية مؤقتة، في هذه الأثناء، وبعد الاتفاق على صلاحيات هذه الحكومة وصلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان، يتم إجراء انتخابات. وكانت الفكرة حينذاك أن هذه العملية صحيحة من حيث تنظيم الحياة السياسية، وأن من شأن هذه العملية أن تمنح وقتا للمجموعات الشبابية، التي بادرت إلى الثورة، لتشكيل قوى حزبية وبلورة نفسها. هكذا ولد الخطأ الأول. والأمر المهم الثاني الذي حدث، هو أنه عندما تنافس مرشح الإخوان المسلمين مرسي ضد أحمد شفيق، الذي يعتبر من أتباع نظام مبارك، توجه مرسي إلى شباب الثورة وأطلق وعودا، بينها أنه ملتزم بغايات الثورة وأن حكمه سيمنحهم وسيمنح أحزابا أخرى مكانا في هذا الحكم، وأنه لن يكون حكم التيار الديني فقط. وما حدث في الواقع لاحقا هو أن الرئيس مرسي، وخلال عام واحد، ذهب في اتجاه مناقض للوعود التي منحها لناخبيه. إضافة إلى ذلك، فقد سعى للحصول على صلاحيات كبيرة جدا بواسطة نشر ’الإعلان الدستوري’ في شهر تشرين الثاني الماضي. كما أنه عين في المناصب العليا أشخاصا من التيار الإسلامي، وتدخل بصورة فظة في عمل لجنة إعداد الدستور، وطرح الدستور في استفتاء شعبي رغم الانتقادات الواسعة للغاية لدى الجمهور على هذه الخطوة. وكانت النتيجة أن الرئيس مرسي اعتُبر لدى جماهير متعددة في مصر، من متدينين وغير متدينين، مثل عبد المنعم أبو الفتوح، بأنه شبيه بنظام مبارك. وعندما فاز مرسي في الانتخابات، كان أول ظهور له في ميدان التحرير. ووقف على المنصة أمام مئات الألوف، وتعهد بأن يكون حكمه مستندا إلى ثورة 25 يناير وأن هذا سيكون حكم جميع المصريين ’سواء الذين انتخبوني أو خصومي’. وأضاف: ’حاسبوني إذا لم أنفذ تعهداتي’. وها هو عام قد مر بالتمام وميدان التحرير قال له: قدم الحساب".

(*) "المشهد الإسرائيلي": المثير في الأمر هو أن العالم، وبضمنه إسرائيل أيضا، لم يتوقع الثورة الحالية؟

ميتال: "هذا صحيح. لقد حدث هنا أمر مذهل. فقد بدأت أحزاب المعارضة تنتقد الرئيس وسياسته منذ شهر تشرين الثاني الماضي. وشكلوا حينها ’جبهة الإنقاذ الوطني’. لكنهم لم ينجحوا في حشد معارضة شعبية واسعة، وكانوا يعبرون عن انتقاداتهم من خلال مؤتمرات صحافية. ومن دون التقليل من أهمية انتقاداتهم، إلا أن هذه الانتقادات ليست هي التي أسقطت حكم مرسي. الذي نجح مرة أخرى في تحقيق المفاجأة هم مجموعة ’تمرد’. وقد تمكنت مجموعة شبان ’تمرد’ من مفاجأة إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما، لأنه إذا نظرنا إلى التطورات الحاصلة منذ نهاية العام 2010 في تونس، فإن العملية الأهم هي العملية الاجتماعية - السياسية. وعندما ننظر إلى هذه العملية ينبغي أن ننظر أولا إلى المجموعات المتعددة، وليس إلى الحكم فقط، وبالطبع ليس إلى الأحزاب فقط، لأن هذه المجموعات الشبابية هي التي أسقطت مبارك في حينه. ولذا فإنها فاجأت أولئك الذين لم يلتفتوا إلى أهمية القوى الحقيقية للمجتمع المدني، وتم التعبير عنها في هذه الحالة بواسطة حملة مجموعة ’تمرد’".

(*) كيف تصف العلاقات بين إسرائيل ومصر خلال فترة حكم مرسي والإخوان المسلمين؟

ميتال: "على المستوى السياسي كان هناك جمود من الناحية الرسمية، أي أن الجمود كان سيد الموقف في العلاقات بين مرسي ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. وعلى مستوى الخطاب السياسي للجانب المصري، كانت هناك محاولة لتجاهل إسرائيل بقدر الإمكان، وذلك حتى الأزمة الكبيرة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة [عملية "عمود السحاب" العسكرية] حيث لم يكن لديهم مفر وكانوا ملزمين بالإعلان عن رد فعل مصري. وهناك جانب مهم يجب ذكره وهو التعاون بين مصر وحماس. وعلى المستوى الأمني لم يحدث تغيير كبير مقارنة مع العلاقات في فترة مبارك. وعندما أصبح مرسي رئيسا فإن الاتصالات في المستويات الأمنية والاستخباراتية بين مصر وإسرائيل عادت إلى مسارها الطبيعي. وكان هناك موضوعان مهمان في العلاقات بين مصر وإسرائيل، الأول هو المواجهة بين إسرائيل وحماس، والموضوع الثاني هو الأمن في سيناء. ومثلث الحدود في سيناء، بين إسرائيل ومصر وقطاع غزة، يشهد نشاطا متصاعدا في السنوات الأخيرة من جانب مجموعات متطرفة وبعضها يتماثل مع فكر تنظيم القاعدة. وهذه المجموعات تخوض صراعا ضد القوات المصرية، وأحيانا ضد أهداف إسرائيلية. وعلى هذه الخلفية فإن أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والمصرية تتعاون مع بعضها، وهذا ما حدث خلال فترة الرئيس مرسي".

(*) قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، تخوفت إسرائيل من صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر. وقد تمحور هذا التخوف حول إمكانية إلغاء الإخوان لمعاهدة السلام بين الدولتين. هل هذه التخوفات الإسرائيلية ستزول أو تخف في حال صعود نظام علماني في مصر بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

ميتال: "في كثير من الأحيان تكون للتخوفات الإسرائيلية علاقة ضعيفة مع قراءة الواقع. هذا يعني أنه عندما نتحدث عن تخوفات، فإنها لا تكون دائما تعبيرا عن شيء ما يحدث بالفعل. وقد صرح الكثيرون في إسرائيل، بعد سقوط مبارك وصعود مرسي، بوجود مخاوف مؤكدة على معاهدة السلام مع مصر. وكان موقفي حينذاك، وقلته لـ ’المشهد الإسرائيلي’ قبل سنتين، أنه عندما يكون تأثير الجماهير واسعا فإن الانتقادات ضد إسرائيل تكون مكثفة جدا، وقد يؤدي ذلك إلى تقليص العلاقات بين الدولتين، لكن النتيجة هي أنه لا مصر ولا إسرائيل ستلغيان المعاهدة غدا، وأعتقد أن هذا لن يحدث، حتى لو انتخب حمدين صباحي رئيسا، وذلك رغم أن لديه انتقادات كثيرة تجاه إسرائيل، وقد يطرح مقترحات ليست مقبولة أبدا على إسرائيل، مثل إعادة فتح بنود معينة في اتفاقية كامب ديفيد. لكنني لا أعتقد أن معاهدة السلام ستنهار في المستقبل المنظور".

(*) خلال الانتخابات الرئاسية المصرية الماضية تنافس مرسي ضد شفيق، وهو أحد فلول نظام مبارك. هل تزايدت وتبلورت قوة المجموعات التي قامت بثورة "25 يناير" منذ صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم؟ هل أصبحوا منظمين بشكل يمكنهم من تحقيق مكاسب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة؟

ميتال: "أعتقد أن الإجابة هي نعم. ونحن موجودون في سياق مختلف تماما. وبالمناسبة يدور حاليا نقاش كبير حول ما إذا كان ينبغي الإسراع في إجراء انتخابات. وهناك من يقول إن أحد الدروس من الانتخابات السابقة هو أنه يجب الاتفاق على دستور أولا، ثم العمل على بسط الأمن وتحسين الاقتصاد، وبعد ذلك التوجه إلى انتخابات. وفي تقديري أنه ينبغي الانتباه إلى كيفية اندماج الرئيس المؤقت الحالي، عدلي منصور، في العمليات السياسية الحاصلة في مصر. ومنصور ليس منتميا إلى حزب سياسي، كما أنه يشرك القوى السياسية في مصر بشكل كبير، خلال الأيام القليلة التي مضت منذ تعيينه. فقد التقى حتى الآن مع الكثير من الشخصيات العامة. ويتشاور مع الكثير من الخبراء القانونيين، وهو بنفسه رئيس المحكمة العليا الدستورية. وهو يحاول اقتراح إعلان دستوري، ووضع مضمون عملي لخارطة الطريق التي وضعها الجيش. وهو أيضا لا يظهر في الميادين ويحاول إثارة حماس الجماهير، وإنما يحاول الدفع في اتجاه استقرار الوضع، وأعتقد أن أوساطا كثيرة في المجتمع المصري تصبو إلى إنجاز شيء مشابه لما يحاول منصور تحقيقه. أنا لا أعرف ما الذي سيحدث بعد عدة شهور، لكن لن أفاجأ إذا ما طالبت جماهير واسعة بأن يبقى منصور رئيسا وليس مؤقتا، والسبب هو أن المجتمع المصري يواجه الآن خطرا أكبر من الوضع الاقتصادي أو وضعا مشابها للعام الأخير، والخطر الأكبر الذي تواجهه مصر الآن هو الاستقطاب داخل المجتمع المصري وهو استقطاب غير مسبوق تاريخيا. وقد يكون الزعيم القادم، الذي يبحث عنه المصريون، أصبح موجودا، على شكل منصور أو شخصية أخرى مشابهة له، ويمد يده نحو المعسكر الإسلامي. وأعتقد أنه مع مرور الوقت ستطالب مجموعات في المعسكر الإسلامي الانضمام إلى حكم كهذا. وهذا لن يحدث مرة واحدة وإنما احتمال نجاح ذلك أكبر من استمرار التدهور. ومن هذه الناحية فإنني لست شريكا للتقديرات والعناوين التي صدرت في إسرائيل بأنه ستنشب في مصر حرب أهلية".

(*) في إسرائيل يتحدثون عن أن حالة فوضى ستسود في مصر لمدة خمس سنوات أو حتى عشر سنوات. وهذه تقديرات لشعبة الاستخبارات العسكرية. ما رأيك؟

ميتال: "في تقديري أن الوضع متعلق كثيرا بخارطة الطريق في المرحلة الانتقالية. ووفقا للخطوات الأولى التي يتم تنفيذها الآن، أعتقد أنه توجد هنا بداية ستؤدي إلى استقرار الوضع، ورغم ذلك فإن الطريق للوصول إلى غايات ثورة ’25 يناير’ ما زالت طويلة جدا ومليئة بالصعوبات. لكن يبدو لي أن تدخل الجيش وتغيير الحكم الحاصل الآن قد يؤديان إلى اتجاه إيجابي أكثر".

(*) هل توافق على الآراء في إسرائيل التي تتحدث عن أن الولايات المتحدة، بإدارة الرئيس باراك أوباما، أظهرت ضعفا وفشلت في التعامل مع كل ما حدث في مصر خلال العامين الأخيرين؟

ميتال: "إنني أرى كذلك الانتقادات للإدارة الأميركية التي ظهرت في وسائل الإعلام الأميركية أيضا. وهذه الانتقادات لا تتحدث عن ضعف الإدارة تجاه ما يحدث في مصر. ولكن ما أوافق عليه هو أن إدارة أوباما تقرأ، مرة أخرى، الواقع بصورة إشكالية للغاية. وبيانات إدارة أوباما، في الأيام الأخيرة، كانت مرتبكة في البداية، ولا ترى هذه الإدارة التغيير الحاصل الآن في مصر بشكل إيجابي. إضافة إلى ذلك فإن الحزب الجمهوري، وعلى لسان السيناتور جون ماكين، يدعو إلى دراسة وقف المساعدات الأميركية لمصر. وأعتقد أن الأميركيين لم يلتفتوا بالشكل الكافي والدقيق إلى الخطوات التي نفذها الجيش والمجتمع المدني في مصر من أجل عزل مرسي. وهذا لم يكن انقلابا عسكريا. والأمر الثاني هو أن الأميركيين والإسرائيليين لم يدركوا كفاية قوة المجتمع المدني، مثل حركة ’تمرد’. والأمر الثالث هو أن الموقف الأميركي تجاهل السياق السياسي لنزول أكثر من عشرين مليون مصري للتظاهر، في 30 حزيران الفائت. والفرصة التي أهدرها الأميركيون والإسرائيليون نابع من مفهوم أن مرسي انتخب في انتخابات حرة ولذا لم يتعين على الجيش أن يتدخل. لكن هذا ادعاء مفند، لأن النظام الديمقراطي لا يمكنه أن يكون نظاما يستند إلى ديكتاتورية الأغلبية، وكونه يمثل الأغلبية لا يمنحه الحق بأن يتحول إلى ديكتاتور، وإنما عليه الحفاظ على حقوق الأقلية. والأمر الآخر هو أنه مع نزول أكثر من 20 مليون مصري للتظاهر، فإنهم عمليا صوتوا بأرجلهم أنه بدلا من أن يعمل الرئيس مرسي لصالح المجتمع كله، فإنه نفذ عملية أسلمة وأخونة للدولة، وبذا خسر الشرعية لاستمرار حكمه، إلى جانب المس بعملية صياغة الدستور".