في سابقة قضائية - المحكمة العليا الإسرائيلية تمنع نشر رواية أدبية

على هامش المشهد


سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

 

 

ترافق عملية انتخاب الحاخامين الأكبرين لإسرائيل، الأشكنازي والسفارادي، صراعات بين الحاخامين في كل واحدة من الطائفتين اليهوديتين الغربية والشرقية. لكن الانتخابات المقبلة للحاخامين الأكبرين، التي ستجري قريبا، تشهد ما تصفه وسائل الإعلام والمحللون في إسرائيل بـ "حرب أهلية" و"حروب اليهود".

 

وتتخلل هذه "الحروب" سجالات عاصفة حول قضايا شرعية، بين الحريديم المتشددين وحاخامين "إصلاحيين" و"ليبراليين". إلا أن هؤلاء الأخيرين ينتمون إلى التيار الصهيوني - الديني، والاستيطاني، وهم مدعومون من أحزاب يمينية، مثل "البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا". وتشمل هذه "الحروب" تنافسا بين حاخامين أشقاء وأنجال حاخامين سابقين تولوا منصب الحاخام الأكبر.

رغم ذلك، فإن من شأن إعلان رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن موقفه حيال الحاخامين اللذين يرى أنه ينبغي تعيينهما في المنصبين الدينيين المرموقين، أن يحسم الصراع، ويوجه أعضاء الهيئة التي ستنتخبهما، وعددهم 150. وتشير بعض الأنباء إلى أن نتنياهو ربما سيدعم مرشحين اثنين للمنصبين. ويبدو أن دعم نتنياهو لأحدهما على الأقل، الأشكنازي، نابع من علاقات عائلية حميمة للغاية. وفيما يتعلق بانتخاب الحاخام الآخر، فإنه سيتعين على نتنياهو أن يمرر قانونا في الكنيست.

 

تشدّد المؤسسة الحاخامية

 

يمر المجتمع الإسرائيلي بتحولات وتغيرات، كغيره من المجتمعات. وأحد هذه التغيرات مرتبط بالعلاقة بين المؤسسة الدينية، الحاخامية، والجمهور الواسع. وفي حالة إسرائيل، كدولة مهاجرين، تكتسب هذه العلاقة أبعادا وجوانب متعددة، وبخاصة تلك المتعلقة بالزواج. إذ يسيطر على هذه المؤسسة الحاخامية التيار الحريدي الأرثوذكسي، بشقيه الأشكنازي والسفارادي، الذي يعتبر أكثر التيارات اليهودية تشددا في مسألة الأحوال الشخصية، وفي مسألة التهوّد.

ولذلك فإن الكثيرين من الأزواج، خاصة بين أولئك الذين هاجروا إلى إسرائيل من دول الاتحاد السوفياتي السابق، يواجهون صعوبات لدى قدومهم إلى مراكز الحاخامية لغرض الزواج. والكثيرون منهم اعتقدوا عندما هاجروا إلى إسرائيل، خلال العقود الأخيرة، أنهم يهود، لكن تبين لهم أن الحاخامية في إسرائيل لا تعترف بيهوديتهم، وأن عملية تهودهم ترافقها أداء فروض دينية ومصاعب كثيرة.

كذلك يواجه اليهود عامة في إسرائيل صعوبات في الطلاق، إذ لا يمكن تطبيق الطلاق من دون موافقة الزوج، بموجب الشريعة اليهودية. وبما أن 20% من النساء اليهوديات في إسرائيل اللاتي يطلبن الطلاق يصطدمن برفض الزوج، فإن إجراءات الطلاق تمتد لسنوات. وهناك نساء "معلقات"، بسبب رفض أزواجهن الطلاق، لمدة تصل إلى عشرات السنين.

وهناك تشدد كبير من جانب الحاخامية في منح رخصة "حلال" ("كَشير" بالعبرية) للبضائع والمطاعم وما إلى ذلك. إضافة إلى ذلك هناك قضية "إقصاء النساء" من الحيز العام، وارتياد الحريديم لأماكن الترفيه، مثل دور السينما والمسارح وغيرها.

 

"حاخامون إصلاحيون

وليبراليون"

 

تنشط خلال العقدين الأخيرين جمعية "تْسوهار" من أجل تخفيف الأعباء البيروقراطية لدى توجه الجمهور إلى مراكز المؤسسة الحاخامية للحصول على خدماتها في مجالي الأحوال الشخصية والخدمات الدينية. وتقول هذه الجمعية، وفقا لموقعها الالكتروني، إن "تسوهار" هي رابطة حاخامين أرثوذكس، ويزيد عدد أعضائها عن 800 حاخام، "ووضعت أمامها هدفا هو جسر الفجوات بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل". وقد تأسست هذه الجمعية في أعقاب اغتيال رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، إسحاق رابين، في العام 1995، "بهدف المشاركة في بلورة الهوية اليهودية لدولة إسرائيل، من خلال التحاور والبحث عن عناصر الهوية المشتركة رغم الشروخ الموجودة في المجتمع".

ويرأس جمعية "تسوهار" الحاخام دافيد ستاف، وهو حاخام بلدة "شوهم". وستاف، كباقي أعضاء الجمعية، ينتمي للتيار الصهيوني - الديني ويعتبر "إصلاحيا" و"ليبراليا" فيما يتعلق بأحكام الشريعة اليهودية. وهو، الآن، أحد المرشحين لمنصب الحاخام الأشكنازي الأكبر لإسرائيل، ويحظى بتأييد أحزاب "إسرائيل بيتنا"، الذي يمثل اليهود الروس، و"الحركة"، برئاسة تسيبي ليفني، و"يوجد مستقبل"، برئاسة يائير لبيد، وقسم من حزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الصهيوني - الديني، وأعلن رئيسه، وزير الاقتصاد والشؤون الدينية نفتالي بينيت، عن تأييده لستاف.

ويعتبر ستاف أن التحول إلى اليهودية ينبغي أن يستند إلى مبدأ الانضمام القومي لليهودية، إضافة إلى قبول المتهود مبادئ إيمانية أساسية وتراث إسرائيل، وأنه لا ينبغي أن تركز دورات التهود على تفاصيل الفرائض العملية. وفيما يتعلق بالزواج، فإن ستاف يؤيد عقد اتفاق سابق للزواج بين الزوجين، ويسعى إلى تحقيق تأييد واسع بين الحاخامين لصيغة متفق عليها لاتفاق كهذا، بهدف منع ظاهرة رفض الأزواج تطليق زوجاتهم، وفرض عقوبات على هؤلاء الأزواج. كذلك يدعو ستاف إلى تخفيف التشدد المتعلق بمنح تراخيص "الحلال" بموجب الشريعة اليهودية.

وفي المجال العام، عبر ستاف عن تأييده لخدمة الحريديم في الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي يعارض فيه الحريديم بشدة فرض هذه الخدمة على شبانهم. وندد ستاف بكتاب "عقيدة الملك"، الذي يدعو إلى قتل غير اليهود. وكتب في أحد مقالاته أنه "يحظر حتى التظاهر بأنه مسموح قتل الفلسطينيين" وأن "قتل غير اليهودي أخطر من قتل اليهودي". وأصدر فتوى قال فيها إن "منع إنقاذ حياة غير يهودي في يوم السبت ليس ساريا في أيامنا".

لكن من الجهة الأخرى اعتبر ستاف أنه "ينبغي خوض نضال من أجل الحفاظ على مناطق يمكن أن يستوطنها العرب من خلال تكثيف الاستيطان اليهودي، وليس من خلال إصدار فتاوى ’ستلحق ضررا على المستوى العام’". وأعلن ستاف أنه في حال تعيينه كحاخام أكبر فإنه لن يعتمر قبعة كالتي يعتمرها عادة الحاخام الأكبر الأشكنازي لإسرائيل. وقال لصحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، إن "اللباس هو مظهر خارجي، لكن ليس صدفة أنني أعتمر القلنسوة المنسوجة، إذ إنني أريد أن أقول إنني أنتمي لحركة معينة [الصهيونية - الدينية]، وإنني فخور بها وجزء منها ولا أنوي التنازل عن هذا الرمز".

ويصف خصوم ستاف من الحريديم بأنه "حاخام السينما" تهكما، وذلك بعد أن عبر في أحد كتبه عن تأييده لمشاهدة الأفلام في دور السينما وارتياد المسارح، وكتب أنه يقصد هذا "عندما يدور الحديث على فيلم ذي قيمة إيجابية كبيرة، وتوجد فيه مشاهد قليلة ذات إشكالية بسيطة من ناحية الحشمة"، وأنه "مسموح مشاهدة مسرحية نسائية تستند بالأساس إلى مضامين وليس إلى إبراز جسد المرأة". كما عبر عن تأييده لقراءة كتب "توجد فيها مقاطع غير محتشمة ولا تكون أساس الرواية، إذ بالإمكان تصفحها بسرعة أو تجاوزها". ودعا ستاف إلى التساهل مع المثليين "من الناحية الإنسانية"، رغم أنه يعتبر أن المثلية "ممنوعة" بحسب الشريعة اليهودية.

وأعلن ستاف، في مقابلات معه نُشرت مؤخرا، أنه في حال تم تعيينه كحاخام أكبر، فإنه يعتزم إجراء تغييرات في المؤسسة الحاخامية بروح الأفكار التي يدعو إليها، وخاصة فيما يتعلق بقضية الزواج، إذ تعقد جمعية "تسوهار" ثلاثة آلاف عقد زواج كل عام.

 

ستاف "شرير وخطير"

 

وشن الزعيم الروحي لحركة شاس، الحاخام عوفاديا يوسيف، هجوما كاسحا على ستاف، خلال خطبته الأسبوعية، مساء يوم السبت من الأسبوع الماضي. ووصف ستاف بأنه "شرير"، وقال إنه "لا يليق لشيء" و"شخص غير جدير" و"لا يخشى السماء أبدا".

وأضاف يوسيف أن "أصدقاءه، في حزبه المفدال [المقصود "البيت اليهودي"]، شهدوا أمامي بأن هذا رجل يشكل خطرا على اليهودية والحاخامية والتوراة، فهل أسكت؟". وتابع أن "الحاخام [السفارادي الأكبر لإسرائيل شلومو] عمّار، واحترامه في مكانه، هو إنسان عظيم وصدّيق ومستقيم. لكن يستخدمون اسمه من أجل انتخاب إنسان شرير [أي ستاف]. ويعتزمون تعيينه حاخاما أكبر، بينما هو ليس لائقا لأي شيء".

كذلك هاجم يوسيف السياسيين الذين يدعمون تعيين ستاف في المنصب، وقال لمستمعيه "أنتم تعلمون كم يكره لبيد وبينيت التوراة، فهما يريدان إبعاد أبناء الييشيفوت [أي تجنيد طلاب المعاهد الدينية اليهودية] عن توراتهم. ولو كان [ستاف] تلميذا حكيما حقا لكرهوه. كيف سأصمت وأسكت؟ هل عليّ أن أتملق الحاخام عمار الذي أحبه؟ وأن يدخل شخص غير نزيه.. صنم في المعبد".

ويأتي هجوم يوسيف في أعقاب أنباء ترددت حول صفقة بين ستاف وعمار، بشأن تعيينهما في منصبي الحاخامين الأكبرين. وردت إدارة جمعية "تسوهار" ببيان قالت فيه إن أقوال يوسيف "تدل على وجود حاجة ماسة إلى تغيير وجه الحاخامية في إسرائيل. وشعب إسرائيل بحاجة إلى حاخامية تعرف كيف تربط اليهودية به ولا تكرهه بالتهجمات والشتائم. والصهيونية الدينية ليست بحاجة إلى مصادقة أي كان على كبار علمائها في التوراة وستعرف كيف تغرس تراثها الصهيوني - الديني في شعب إسرائيل كله. وندعو الحاخام يوسيف إلى العودة إلى رشده وطلب الصفح".

مصالح شخصية

 

هجوم يوسيف ضد ستاف، لم يكن موجها فقط ضد الأخير الذي عبّر عن أفكار دينية متساهلة وعن نيته إجراء تغييرات في الحاخامية في حال تولى المنصب. كما يؤكد رموز الحريديم والحريديم - القوميين عن رفضهم لترشيح ستاف. وإنما هذا الهجوم كان موجها ضد الحاخام عمار، الذي كان في الماضي أكثر المقربين من يوسيف، لكنه أصبح الآن خصما لدودا بعد التعبير عن رغبته بتمديد ولايته كحاخام أكبر سفارادي، وبعد أن توصل إلى تفاهمات بهذا الصدد مع ستاف ومع حزب "البيت اليهودي"، خصم شاس.

وكان حزب "البيت اليهودي" قد أعلن عن دعمه لترشيح ستاف لمنصب الحاخام الأكبر، قبل أسبوعين. وفي أعقاب ذلك أعلن حزب شاس بدوره أنه سيعمل من أجل إحباط هذا التعيين. كذلك نفى قادة شاس وجود صفقة لانتخاب الحاخامين الأكبرين، تقضي بتعيين عمار وستاف، وعبروا عن معارضتهم لتعيين ستاف. وفي غضون ذلك هاجم مقربون من عمار قائدي شاس، عضوي الكنيست أرييه درعي وأريئيل أتياس، بادعاء أنهما يسعيان إلى زرع الخلاف بين يوسيف وعمار.

وتبين من تقارير صحافية إسرائيلية، أن المنافسة على منصب الحاخام الأكبر السفارادي بالغة التوتر، إذ يريد أبناء الحاخام عوفاديا يوسيف الثلاثة، الحاخامون أبراهام وإسحق ودافيد، أن يرشحوا أنفسهم لهذا المنصب. كذلك يريد أن يرشح نفسه لهذا المنصب الحاخام بنيامين أتياس، شقيق عضو الكنيست أتياس، والحاخام يهودا درعي، شقيق عضو الكنيست درعي.

وفي هذا السياق تساءل محللون في الشؤون الدينية اليهودية حول ما إذا سيكون بإمكان الحاخام عمار الاهتمام بمصالح عائلة الحاخام يوسيف، الروحانية والاقتصادية، في السنوات المقبلة؟ وهل ثمة من يواصل طريق الحركة الحريدية - السفارادية، أي شاس، في الفترة التي بات يوسيف فيها مريضا وطاعنا في السن؟

وأعلن حزب شاس، قبل نحو عشرة أيام، عن عدم تأييده لقانون يسمح بتمديد ولاية الحاخام الأكبر، في محاولة لمنع تمديد ولاية عمار. ومن جهة ثانية، وفقا لتقارير إعلامية، فإن عمار يسيطر على قسم كبير من أعضاء الهيئة التي تنتخب الحاخامين الأكبرين. ووفقا لهذه التقارير فإن عمار توصل إلى اتفاق مع حزب "البيت اليهودي"، يقضي بأن يؤيد نواب هذا الحزب في الكنيست قانون تمديد ولاية الحاخام الأكبر مقابل دعم ترشيح ستاف في الهيئة التي تنتخب الحاخامين الأكبرين. وقد أصبح تعلق ستاف بعمار أكبر بعدما أعلن "البيت اليهودي" عن تراجعه عن تأييد زيادة عدد أعضاء الهيئة التي تنتخب الحاخامين الأكبرين.

 

نتنياهو: لا هذا ولا ذاك

 

فيما ركزت وسائل الإعلام على ترشيح ستاف وعمار لمنصبي الحاخامين الأكبرين، بدا أن نتنياهو يسعى إلى اختيار حاخامين آخرين، لم يذكر اسماهما بقوة كمرشحين لهذين المنصبين حتى الآن. وقالت تقارير صحافية إن مدير مكتب نتنياهو السابق، نتان إيشل، وهو أحد أكثر المقربين من رئيس الحكومة الإسرائيلية، يعمل من أجل انتخاب الحاخام دافيد لاو، لمنصب الحاخام الأكبر الأشكنازي.

ولم يعبر نتنياهو حتى الآن عن مرشحيه المفضلين لهذين المنصبين. رغم ذلك فإن التقديرات تشير إلى أنه يفضل الحاخام دافيد لاو، وهو حاخام مدينة موديعين. ومن شأن إعلان نتنياهو عن مرشحه المفضل أن يؤثر على أعضاء الهيئة التي تنتخب الحاخامين الأكبرين، وبينهم رؤساء سلطات محلية سيحتاجون إلى دعم نتنياهو في الانتخابات التي ستجري في شهر تشرين الأول المقبل.

ويفضل نتنياهو لاو على غيره، كونه نجل الحاخام الأكبر الأشكنازي السابق، الحاخام يسرائيل مئير لاو، الذي عقد قران نتنياهو وكان عرابا لنجلي رئيس الحكومة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أشخاص ضالعين في انتخاب الحاخامين الأكبرين قولهم إن إيشل هو محور مركزي في حملة لاو نحو المنصب، وأن إيشل يعتقد أنه يجب منع وصول ستاف إلى المنصب، لأن من شأن ذلك أن يعزز مكانة رئيس "البيت اليهودي" نفتالي بينيت.

وليس واضحا بعد موقف نتنياهو من هوية المرشح لمنصب الحاخام الأكبر السفارادي. لكن نائب وزير الأديان، إيلي بن داهان، يسعى إلى تعيين الحاخام شموئيل إلياهو، وهو نفسه حاخام مدينة صفد العنصري الذي يدعو إلى عدم بيع أو تأجير البيوت للعرب، في المنصب. وعلى ما يبدو فإنه في حال تبين أن نتنياهو سيعلن رسميا عن دعمه للحاخام لاو فإن بينيت قد يؤيد تعيين إلياهو، خاصة على ضوء العلاقات الحميمة بين الاثنين. لكن التخوف لدى بينيت في هذه الحالة هو من تقديم التماسات إلى المحكمة العليا ضد هذا التعيين على خلفية مواقف إلياهو العنصرية.