على هامش المشهد

*يتعين على إسرائيل أن تفكر بإمعان في

كيفية الرد على الخطوة الفلسطينية*

 

 

بقلم: عوديد عيران وروبي سايبـل (*)

 

 

نشرت مؤخرا وثيقتان فلسطينيتان تستحقان الاهتمام: أولا، الطلب الفلسطيني للحصول على مكانة دولة غير عضو (مراقب) في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وثانيًا، الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في الحادي عشر من تشرين الثاني 2012 في مناسبة إحياء الذكرى السنوية الثامنة لوفاة ياسر عرفات.

 

وعلى الأرجح فإن الطلب المقدم إلى الأمم المتحدة سيناقش في 29 تشرين الثاني الجاري، ومما لا شك فيه أن الحديث يدور على محاولة من جانب الفلسطينيين لتعزيز موقفهم في المفاوضات، عبر حشد التأييد الدولي. فعوضا عن التباحث مع إسرائيل في مسألة الحصول على مكانة دولة، يأمل الفلسطينيون بنيل هذه المكانة من خلال تأييد واسع من المجتمع الدولي، من دون أن يضطروا للتفاوض على ذلك مع إسرائيل، أو الموافقة على تقديم أية تنازلات لصالحها.

هذا الوضع يتناقض مع رغبة إسرائيل في رؤية منح مكانة دولة كنتيجة نهائية لمحادثات السلام مع الفلسطينيين.

وفي الخطاب الذي ألقاه في 11 تشرين الثاني الجاري، أوضح أبو مازن أن التوجه إلى الأمم المتحدة يستهدف من ضمن ما يستهدف، سحب البساط من تحت أقدام الادعاء لإسرائيلي بأن أراضي الضفة الغربية موضع خلاف، أو متنازع عليها، والتأكيد على أن الأمر يتعلق بأرض محتلة.

وأوضح مسؤولون فلسطينيون مقربون من أبو مازن في حديث خاص أن المغزى الذي ينبع من قرار بهذه الفحوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة سيتيح للرئيس عباس الشروع في مفاوضات مع إسرائيل من دون الشرط المسبق المتمثل في تجميد الاستيطان، الذي أعلن عنه في السابق. هذا التفسير أو الإيضاح يتناقض مع التأكيد الذي عبر عنه أبو مازن في خطابه في خصوص مسألة الاستيطان، وتصريحاته المتكررة بأن المستوطنات غير شرعية. ومما لا شك فيه أن مسودة الطلب الفلسطيني المقدم للجمعية العامة لنيل مكانة دولة غير عضو في الأمم المتحدة تشكل بالتأكيد وثيقة محكمة الصياغة. ففي الوقت الذي تعيد فيه مقدمة المسودة التذكير بالعدد الكبير للقرارات المناهضة لإسرائيل التي اتخذتها الجمعية العامة، فإن المسودة تلامس أيضا جميع "المفاتيح الصحيحة" في المسعى الرامي لحشد التأييد الأوروبي الغربي. وتؤكد المسودة مجددا على قرار مجلس الأمن 242 وتتطرق إلى اتفاق أوسلو الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1993، بالإضافة إلى مبادرة السلام العربية التي أقرت في مؤتمر قمة بيروت العام 2002. وتتطرق المسودة بصورة صريحة إلى "دولة فلسطين التي تعيش إلى جانب دولة إسرائيل بسلام وأمن، على أساس حدود ما قبل العام 1967". ويدور الحديث هنا على صيغة تؤيدها جميع دولة أوروبا الغربية.

كذلك تتضمن المسودة الفلسطينية، بشكل متعمد كما يبدو، عدة تلميحات تقبل التأويل، فهي تتطرق لقرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر في العام 1947 بشأن مشروع التقسيم. ويمكن تفسير ذلك كإعادة تذكير بالدعوة إلى قيام دولتين في فلسطين التاريخية، إحداهما ذكرت بشكل صريح في القرار 181 كـ "دولة يهودية". تجدر الإشارة إلى أن إعلان استقلال دولة إسرائيل تطرق أيضا للقرار ذاته. مع ذلك ثمة تفسير صارم آخر ربما يكون مؤداه أن الحدود المشار إليها في مشروع التقسيم من العام 1947، ما زالت مطروحة على مائدة المفاوضات.

فالمسودة الفلسطينية تتحدث عن الحدود "على أساس حدود ما قبل العام 1967"، وقد تحدث الرئيس أبو مازن في خطابه عن دولة "داخل حدود 1967". قد يكون مغزى التعبيرين- اللفظين "على أساس" و"داخل" هو أن الفلسطينيين يقبلون حقيقة أن العودة الكاملة إلى حدود 1967 غير ممكنة، مع ذلك فإن التفسير الأقل سخاء يمكن أن يومئ إلى أن الفلسطينيين سيكون لهم مطالب في أراض داخل دولة إسرائيل قبل العام 1967.

مسألة القدس تمت الإشارة إليها بأشكال مختلفة ثلاث مرات في هاتين الوثيقتين، إذ تشير مقدمة مسودة القرار إلى القدس الشرقية باعتبارها جزءا من الأراضي التي احتلت في حرب العام 1967. وتتطرق مقدمة المسودة إلى القرار 18/66 الصادر عن الجمعية العام للأمم المتحدة في العام 2011، والذي يؤكد ضرورة تسوية مكانة القدس كعاصمة لدولتين وتتحدث الفقرة العملية في المسودة عن دولة فلسطين على أساس حدود ما قبل العام 1967، لكنها لا تتطرق نهائيا للقدس.

وفي خطابه في 11 تشرين الثاني 2011، تحدث الرئيس أبو مازن عدة مرات عن القدس كعاصمة، من دون تمييز بين قدس غربية وقدس شرقية.

وفي حالة الاعتراف بفلسطين كدولة من قبل الجمعية العامة، فإن منظمات ووكالات مختلفة تعمل باسم الأمم المتحدة، مثل منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الملاحة الجوية المدنية العالمية، سوف تعترف بدورها أيضا بفلسطين كدولة، ولن يكون للولايات المتحدة حق الفيتو لمنع قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في مثل هذه المنظمات.

وقد قاست منظمة اليونسكو ودفعت الثمن بخسارتها لأموال التبرعات الأميركية (60 مليون دولار) حين وافقت على قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في المنظمة. وعلى الأرجح فإن المنظمات الأخرى لن تبدي الاستعداد للإقدام على انتحار مالي فقط من أجل إرضاء رغبات وتطلعات سياسية فلسطينية. وتشكل المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة مثالا على منظمة تابعة للأمم المتحدة، لا يسري عليها التهديد بوقف ضخ التبرعات الأميركية.

فالولايات المتحدة ليست طرفا في المعاهدة التي شكلت أساسا لإنشاء المحكمة، وعليه فهي لا تشارك في تمويل نشاطها. مع ذلك في حالة قبول دولة فلسطينية لصلاحية المحكمة، فإن ذلك سيعني أن جميع الفلسطينيين الذين يتورطون في ارتكاب جرائم حرب في المستقبل، ومن ضمنهم القاطنون في قطاع غزة، يمكن أن يجدوا أنفسهم خاضعين للصلاحية القضائية لهذه المحكمة. ومن الممكن بالتأكيد أن تتردد الزعامة الفلسطينية في اتخاذ خطوة "جريئة" من هذا القبيل.

هناك موضوع لم يحظ باهتمام عام وهو أن مسودة الطلب الفلسطيني تسعى لمنح فلسطين "مكانة" دولة عضو مراقب. فإعطاء "مكانة" دولة ليس مماثلا بالضرورة للطلب الموجه للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الاعتراف بفلسطين كـ "دولة". تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه حين منحت الجمعية العامة مكانة دولة مراقبة للفاتيكان، كانت الصيغة هي "تعترف بالكرسي المقدس بحكم مكانته كدولة مراقبة". وقد اعترف أبو مازن ذاته بأن الحصول على مكانة دولة مراقبة لن يشكل "العامل المنقذ للوضع بحيث تنشأ بواسطته دولة مستقلة".

إذا ما عمل الفلسطينيون على دفع مبادرتهم في الجمعية العامة فإن النتيجة المعروفة مسبقا هي أنهم سيحصلون على أغلبية كبيرة لتبني القرار. إن قرارا بهذه الروحية من جانب الأمم المتحدة يمكن أن يمنح الفلسطينيين شعورا بالرضا والارتياح، وأن يفسر كمحاولة ناجحة لتدويل النزاع. مع ذلك فإن هذا القرار ربما يسفر عن نتيجة لم يجر التكهن بها مسبقا، وهي حدوث تغيير في موقف الرأي العام العالمي من النزاع العربي- الإسرائيلي. فعوضا عن رؤيته كنزاع بين إسرائيل وبين وفلسطينيين لا وطن لهم يسعون للاستقلال فإنه قد ينظر إليه عندئذ كنزاع حدودي هامشي تقريبا بين دولتين شرق أوسطيتين، وهي مسألة لا ينتظر أن تثير حماسا دوليا كبيرا.

يتعين على إسرائيل أن تفكر بإمعان في كيفية الرد على الخطوة الفلسطينية.

لقد تحدثت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية بإسهاب عن أن إسرائيل ربما تقرر إلغاء اتفاق أوسلو وتقدم على ضم المستوطنات الإسرائيلية. مع ذلك فقد أكد مسؤولون كبار في الخارجية الإسرائيلية لكاتبي هذا المقال بأنه لم يتخذ بعد أي قرار بهذه الروحية، وأن التقديرات تستند إلى إحدى أوراق الخلفية التي قدمت لوزير الخارجية.

إن من الجدير بإسرائيل التفكير برد فعل محسوب ومدروس جيداً لا يضر بمصالحها ومكانتها الدولية، عوضا عن الرد بغضب وعصبية.

___________________________

 

(*) عوديد عيران: باحث رفيع في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، عمل سابقا سفيرا لإسرائيل في الأردن وفي الاتحاد الأوروبي، وترأس طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع الفلسطينيين في الأعوام 1999- 2002. والبروفسور روبي سايبل يعمل محاضرا في القانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس، وعمل سابقا مستشارا قانونيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية. ترجمة : س. عياش