مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

على هامش المشهد

 

*عملية إنتاج الغاز الطبيعي والطاقة في إسرائيل تعاني حاليًا من السيطرة الاحتكارية وارتفاع الأسعار، فضلا عن تفاقم خطر النقص في الكهرباء*

 

 

كتبت هبة زعبي:

 

ألغي في شهر نيسان المنصرم العقد الموقع بين الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وبين شركة غاز شرق البحر المتوسط (إي. إم. جي)، وهي شركة مقامة طبقا للقانون المصري، وإسرائيل والذي يبلغ أجله 20 عاما، وأوقفت مصر رسميا إمدادها لإسرائيل بالغاز الطبيعي.

 

وعلى الرغم من التصريحات لدى الجانبين بأن الإشكاليات التي أدت إلى فسخ العقد تعود إلى أسباب تجارية، لكن كما هو معروف فإن هذا العقد هو من إرث النظام المصري السابق، وكل الضالعين في قضية تصدير الغاز لإسرائيل ينتمون إلى هذا النظام ويقبعون حاليا في السجون.

فكيف تأقلمت إسرائيل بعد توقف الإمدادات في موضوع تشغيل المحطات التي اعتمدت على الغاز الطبيعي؟ وهل أثر هذا على اقتصادها؟ وهل هناك احتمال بتجديد العقد؟.

من جهة أخرى تجري في إسرائيل منذ عدة سنوات أعمال تنقيب عن الغاز الطبيعي، وقد اكتشفت خلالها حقول غاز كبيرة في البحر الأبيض المتوسط، وستصل الإمدادات منها فقط بعد سنتين. وتسيطر شركة "تمار" الإسرائيلية (وهي مجموعة من الشركات) على 80% من إنتاج الغاز الطبيعي في إسرائيل، وهذه السيطرة تمنحها قوة لفرض أسعار عالية، ووفق تقرير أخير لمنتدى الطاقة الإسرائيلي بمشاركة جمعية الاقتصاد "بات كايما"، نشر في 11 حزيران 2012، فإن السعر الجديد المقترح في الاتفاق بين شركة الكهرباء وتمار هو 4 أضعاف تكلفة استخراجه، وقد انتقد هذا الاتفاق كثيرا في إسرائيل وطولبت الحكومة بانتهاج سياسة مختلفة مع شركة تمار، لكن هل مشروع قانون تحديد المركزية في الاقتصاد، والذي هو قيد النقاش في الكنيست، سيحد من سيطرة هذه الشركة على إنتاج الغاز الطبيعي ومن فرض أسعار باهظة؟.

في المقابل ارتفع سعر الكهرباء في إسرائيل بنسبة 25% خلال العام المنصرم، ومن المتوقع أن تشهد إسرائيل أزمة في توفير الطاقة الكهربائية عند وصول كمية الاستهلاك إلى ذروتها خلال أيام الصيف، ويأتي ذلك عقب النقص في حجم احتياطي الطاقة الكهربائية والذي انخفض هذا العام إلى نسبة 1% .

وقد أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع عميرام بركات، وهو خبير ومحلل في شؤون الطاقة والبنى التحتية في صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، حول موضوع الطاقة في إسرائيل، والصعوبات التي ستواجهها في الفترة القريبة.

(*) سؤال: كيف ستتدبر إسرائيل أمرها في شأن الطاقة والكهرباء بعد إلغاء عقد استيراد الغاز مع مصر؟

- جواب: بشكل أساس هناك إمكانية لأن تشغل إسرائيل محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي بوقود السولر أو المازوت، وبالتأكيد فإن هذا الأمر سيكبدها تكلفة مادية أكبر، ذلك بأن تكلفة هذه النوع من الوقود أغلى بكثير من الغاز، وهو في نفس الوقت ملوث للبيئة، ويقذف جسيمات مضرة بالصحة، وغازات تزيد من حرارة الجو. أعتقد أن إسرائيل ستتدبر وتحل مشكلة النقص في عملية إنتاج الطاقة الكهربائية، ولكن سيكون لهذا الأمر ثمن اقتصادي وبيئي باهظ.

(*) سؤال: هل تتوقع أن تسير الأمور التي ستتخذها إسرائيل وفق ما هو مخطط لها بدون مشاكل على الرغم من النقص الكبير في احتياطي الطاقة؟

- جواب: هذا الوضع يتعلق بأمور ليست كلها تحت سيطرتنا. إن سارت الأمور وفق الطريقة المخطط لها لن تكون هناك أية مشكلة، لكن من الممكن أن تحدث أمور غير متوقعة كحالة طقس متطرفة (حر شديد)، أو حدوث خلل تقني في إحدى محطات الطاقة، واستهلاك الكهرباء يتأثر كثيرا من حالة الطقس، فكلما زادت درجة الحرارة فإن المواطنين يشغلون المكيفات وهي أجهزة تستهلك الكهرباء بصورة غير اعتيادية، وحتى اليوم استطاعت إسرائيل تلبية الحاجة للاستهلاك الكهربائي في أعلى أوقات الطلب على استهلاك الكهرباء في فصل الصيف. لكن وفق معطيات شركة الكهرباء في الصيف القريب ستتوفر طاقة احتياط قليلة عند وصول كمية استهلاك الطاقة إلى قمتها، وستشغل كافة المحطات عدا بعض المحطات، وحجم الاحتياطي هو أقل من 1% من الطاقة، وعلى ما يبدو لن يقوموا باستغلاله، ويعتبر هامشا أمنيا ضيقا جدا، وفي حال حدوث خراب في إحدى محطات الطاقة الكبيرة سيضطرون إلى قطع الكهرباء عن المستهلكين. في السنوات السابقة كانت نسبة الاحتياطي في الطاقة تتراوح بين 7% حتى 10%، ولم تصل إسرائيل في أي مرة إلى النسبة المثلى من الاحتياطي وهي 20% نظرا للاستهلاك المتزايد والنقص في عدد محطات الطاقة.

(*) سؤال: هل النقص في الغاز الطبيعي المصري خفض حجم الاحتياطي الإسرائيلي في الطاقة؟

- جواب: بشكل أساس لم يمس بكمية الاحتياطي لأن كافة المحطات التي تعمل بالغاز يمكن بنفس الوقت تشغيلها عن طريق السولر أو المازوت، عدا محطة واحدة وهي "محطة تريدينغ" في تل أبيب والتي تعمل عن طريق الغاز وصادقت الحكومة حاليا على القيام ببعض التصليحات لإمكانية تشغيل هذه المحطة عن طريق المازوت، وهذه المحطة حاليا مشلولة لعدم توفر الغاز الطبيعي المصري لتشغيلها، أما باقي المحطات فإنها تعمل بوقود السولر والمازوت، وهو أغلى بكثير من الغاز، وهذا ما سبب زيادة بنسبة 25% في سعر الكهرباء منذ شهر آب الأخير.

(*) سؤال: هل لهذا الوضع تأثير على الاقتصاد الإسرائيلي؟

- جواب: بكل تأكيد كان له تأثير، وذلك من ناحيتين: أولا يؤثر على شركة الكهرباء حيث يضطرها لأن تطلب قروضا لتتمكن من شراء الوقود ما يضعها أمام حجم ديون كبير، ومن ناحية أخرى فإن الأمر يؤثر على المواطن العادي الذي سيضطر إلى دفع حجم أكبر من المبالغ على استهلاك الكهرباء وسيؤثر ذلك على وضعه الاقتصادي، وبصورة أبعد من هذا يمكن أن يؤثر هذا الأمر على النمو الاقتصادي حيث يوقفه قليلا، لكن الوضع عندنا أفضل بكثير من الأردن والتي اعتمدت بنسبة 80- 90% على الغاز المصري، في حين أن إسرائيل اعتمدت عليه فقط بنسبة 20%.

(*) سؤال: متى بدأت إسرائيل باستخدام الغاز الطبيعي في مجال الطاقة؟ وما هو حجم كمية الغاز المتوفرة لديها؟

- جواب: بدأت إسرائيل باستخدام الغاز الطبيعي في العام 2004 والمستخرج من حقل بالقرب من أسدود وهو صغير نسبيا ومن المتوقع أن يفرغ قريبا، وبدأت منذ العام 2008 باستخدام الغاز المصري، وطوال الوقت لم يصل بطريقة منتظمة، ودائما تعرضت أنابيب الغاز لمضايقات حتى وصوله، ما عدا العام 2010، وفي العام 2011 تقريبا لم يصل غاز. لكن في إسرائيل توجد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تكفيها لـ100 عام تقريبا لكنها لم تصل بعد، ولتوصيلها هناك حاجة لربطها بأنابيب في قاع البحر، ويجري العمل حاليا على إقامتها وتصل تكلفة هذه العملية إلى 3 مليارات دولار، ومن المتوقع الانتهاء من توصيل الغاز من حقل تمار حتى نيسان 2013 ويستطيع توفير غاز حتى 50 -60 عاما. ويقع حقل تمار على بعد 90 كيلومترا غربي حيفا، واكتشفت في العام 2009، والحقل الثاني "لفياتان" اكتشف في شهر كانون الأول 2010 ويقع على بعد 130 كيلومترًا غربي حيفا.

(*) سؤال: معروف أن إسرائيل تواجه مشاكل إقليمية مع دول الجوار بسبب وقوع هذه الحقول قريبا من الحدود مع لبنان وقبرص؟

- جواب: هناك اتفاق بين إسرائيل وقبرص يحدد الحدود الاقتصادية بين الدولتين وبموجبه فإن هذه الحقول من الغاز لا تقع خارج الحدود الإسرائيلية، ولا يوجد أي خلاف مع قبرص بخصوصها، لكن يوجد خلاف مع لبنان يتعلق بحيز ومساحة معينة من المنطقة الحدودية البحرية المختلف عليها، حيث يدعي لبنان أن هذه المنطقة تابعة له، وهي قريبة من الحقول لكن هذه الحقول لا تقع داخلها، وحتى اليوم لم تجر أي أعمال تنقيب في هذه المنطقة تحديدا.

(*) سؤال: هل يوجد نفط في إسرائيل؟

- جواب: توجد كمية قليلة اكتشفت في حقل "ميجد" بالقرب من "روش هعاين" (راس العين)، جزء من هذا الحقل يقع في إسرائيل، والجزء الثاني يقع في الضفة الغربية، ويحتوي على 16 مليون برميل.

(*) سؤال: من المسؤول عن أعمال التنقيب؟ ومن يتكبد العبء الكبير لتكلفة هذه العملية؟

- جواب: أعمال التنقيب مكلفة جدا ولا تجري إلا في المناطق التي فيها احتمالات اكتشاف الغاز كبيرة، والدولة لا تمنح أي مبالغ للشركات التي تقوم بالحفريات وهي التي تتكبد الخسائر الكبيرة في حال عدم اكتشاف ما تبحث عنه، بشكل أساس هذه الأموال تجند من البورصة، والشركة المبادرة تقوم بمسح المنطقة المحتمل اكتشاف غاز فيها، وتتوجه للبورصة وتقوم ببيع أسهمها فيها، وبعد اكتشاف الغاز يتم تقاسم الأرباح بين الجانبين، وبهذه الطريقة أفلحت هذه الشركات في تجنيد مئات الملايين من الشواكل والتي تمول عمليات الحفريات، وليس بإمكانها نيل أي قرض من البنوك لتمويلها أو حتى من الدولة حيث أن بها مراهنة ومخاطرة كبيرة، وفي الفترة الحالية فإن الوضع أصعب حيث لا تقتنع البورصة بسهولة بفكرة إمكانية نجاح الحفريات .

(*) سؤال: هل يوجد احتكار وسيطرة على الغاز في إسرائيل؟

- جواب: الدولة هي التي تملك الغاز، لكن مجموعة من الشركات الإسرائيلية تسيطر على كافة حقول الغاز بالاشتراك مع شركة "نوبل إنرجي" الأميركية، وهي تملك التصريح بتطوير حقول الغاز، وتوصيله للبلاد وبيعه، وتأخذ الدولة الضرائب من الأرباح التي حصلت عليها، وتنال الدولة 60 سنتا عن كل دولار من مجمل الربح الذي حصل عليه المبادرون من بيع الغاز.

(*) سؤال: هل هذا الأمر يمنحها قوة وسيطرة؟ وهل يمكن لشركات أخرى دخول هذا المجال؟

- جواب: هذه الشركات فازت بالمناقصة التي عرضتها الدولة لأنه توفرت لديها المعطيات الأفضل، وفعلا فإن هذا الوضع يمنحها قوة، وحاليا توجد حرب شرسة أمام وزارة المالية على اتفاق بيع الغاز مع شركة الكهرباء وهذا الاتفاق سيحدد سعر الكهرباء وبسبب سيطرتها على الحقول فإنها تريد تلقي سعر أعلى من شركة الكهرباء، لذلك فإن وزارة المالية ستتدخل في الموضوع وعلى ما يبدو لن يسمح لها بنيل سعر أعلى مما تستحقه.

(*) سؤال: هل وضع إسرائيل في مجال الطاقة يؤثر على السلطة الفلسطينية من ناحية توفيرها وسعرها هناك؟

- جواب: تنال السلطة الفلسطينية الكهرباء من إسرائيل، لكنها بصدد إقامة 4 محطات طاقة جديدة خاصة بها، عندها يمكنها إجراء مفاوضات مباشرة مع مزودي الغاز وإجراء اتفاق لشرائه مباشرة من المزودين. لكن حتى تلك الفترة من الممكن أن يتأثر الاقتصاد الفلسطيني مما يحدث في إسرائيل كونه يدفع نفس السعر الذي نقوم بدفعه، وهناك أيضا ديون متراكمة على شركة كهرباء القدس لشركة الكهرباء الإسرائيلية بمبلغ 600 مليون شيكل، وهذه الشركة مزود كبير للطاقة الكهربائية في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة، وبشكل عام فإن السلطة تدفع نفس الأسعار التي ندفعها لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وما يمر علينا هنا يمكن أن يؤثر عليها.

(*) سؤال: كيف تأثرت الصناعة الإسرائيلية من أزمة الطاقة والغاء اتفاقية الغاز؟

- جواب: لقد تأثرت فعلا، مثلاً هناك مصنع كبير هو "نيار حديرا" (ورق الخضيرة) كان يعتمد على الغاز، وبعد توقف إمدادات الغاز واجه أزمة أدت إلى إقالة 400 من عماله وهو على وشك الإغلاق. وتعتبر الكهرباء رافعة اقتصادية هامة وهي أهم مادة أساسية في الصناعة وذات تأثير أكثر من أي أمر آخر، وفي حال زيادة سعرها فإن أسعار المنتجات ستزيد بطبيعة الحال، كما أنه في حال حدوث نقص في تزويد الكهرباء فإن الأمر سيخلق أزمة.

(*) سؤال: هل تتوقع أن تحل أزمة الغاز مع مصر؟

- جواب: هذا الأمر هو سياسي بالدرجة الأولى، فكل من كان له ضلع في الاتفاقية من الجانب المصري يقبع الآن في السجن، لكن في نفس الوقت فإن مصر ذاتها لديها أزمة مع الغاز فهي لا تملك كمية من الغاز تكفي سكانها، صحيح أن لديها كميات كبيرة من الغاز لكن في نفس الوقت فإن عدد سكانها يتضاعف والطلب على الغاز يزيد والسعر هناك منخفض جدا، والمواطنون هناك يشترون كميات كبيرة وتتضاعف كمية الطلب عليه سنويا 8 أضعاف، وإن أرادوا تصدير الغاز فإنه سيكون على حساب شعبهم، حكومة مبارك لم تأبه بموقف الشعب واحتياجاته لكن الحكومات التي ستأتي ستكون حساسة لطلبات الشعب وإرادته.

(*) سؤال: هل حل الأردن مشكلته مع مصر؟

- جواب: جددت مصر تمديد الغاز إلى الأردن بعد أن قامت الحكومة الأردنية بشرائه بسعر مضاعف، كلفها 6 مليارات دولار، وهي في نفس الوقت لم ترفع سعر الكهرباء لأن الأمر كان سيضعها في مواجهات مع الشعب ويسبب ثورة داخلها، وباعتقادي أن هذه التجربة علم الأردن درسا بألا يعتمد على مزود واحد ويجب إيجاد مصدر آخر.

(*) سؤال: ذكر عدة مرات في وسائل الإعلام أن هناك اقتراحات لاستيراد غاز من قطر، هل هذا صحيح؟

- جواب: الحديث هنا يدور على الغاز السائلLNG الذي يتم تبريده بدرجات منخفضة جدا ويتم نقله عبر السفن، وقطر هي أكبر الدول التي تقوم بإنتاجه، وقامت شركة الكهرباء بنشر مناقصة عن طلبها لشراء هذا النوع من الغاز، وسمعت أن الأسعار لم ترض شركة الكهرباء وهي عالية جدا، لكن لم أعلم بالضبط من هي الأطراف التي قدمت هذه العروض، ولقد دار حديث بأن إسرائيل حاولت شراء هذا الغاز من قطر، غير أن هذه المعلومات ليست مؤكدة.

(*) سؤال: كيف ترى مستقبل الطاقة في إسرائيل في غضون السنتين القادمتين؟

- جواب: أعتقد أن الوضع في السنتين القادمتين سيكون سيئا جدا، وبعدها سيشهد تحسنًا نتيجة وصول إمدادات الغاز من حقول البحر المتوسط، فهو رخيص ونظيف وغير ملوث للبيئة، لكن إلى أن يحدث ذلك سترتفع فواتير الكهرباء وأسعار المنتجات المحلية في الحوانيت، ومن المحتمل أن يكون هناك انقطاع متكرر في الكهرباء. وفي هذه الحالة يجب تشجيع استخدام الطاقة التي تعتمد على الطاقة الشمسية والتي يمكن أن تزودنا بالكهرباء في حال انقطاعها في الصيف، ومعروف أن هذه طاقة خضراء غير ملوثة لكن لا يتم تشجيعها بالصورة الكافية في إسرائيل بحجة أنها مكلفة، فضلاً عن ذلك فإن استخدام النفط مجددا سيلوث البيئة.