عن شارون، اقرأ كيمرلنغ

وثائق وتقارير

 

استعراض موثق لتقلبات السياسة الاسرائيلية تجاه مستقبل قطاع غزة

هكذا قررت حكومة ليفي إشكول ضم قطاع غزة وتبني "خطة ألون" بشأن مستقبل الأراضي المحتلة

 

بقلم: رؤوفين بدهتسور

 اثار حادث الهجوم على الموقع العسكري في مستوطنة "نتساريم" الشهر الفائت، النقاش مجددًا حول مستقبل المستوطنات اليهودية في قطاع غزة. ويظهر استعراض السياسة الاسرائيلية تجاه قطاع غزة، منذ حرب حزيران 1967 وحتى اليوم، التقلبات المثيرة التي مر بها زعماء وقادة الدولة العبرية في هذا الصدد.

قبل فترة وجيزة من اندلاع حرب العام 1967 انضمت قائمة "غاحال" برئاسة مناحيم بيغن الى حكومة ليفي اشكول. بعد الحرب مباشرة، وعندما بدأت المناقشات الاولية حول مستقبل المناطق المحتلة، كانت هناك منطقتان فقط ساد حولهما توافق تام بين المتداولين من اليمين واليسار في اسرائيل.

فقد تمت بلورة اجماع واسع حول مستقبل مدينة القدس، حيث تقرر في 11 حزيران 1967 ضم الشطر الشرقي من المدينة بالاضافة الى عدد من القرى الفلسطينية المحيطة الى القدس الغربية.

كذلك لم تظهر اية خلافات حول مستقبل قطاع غزة، إذ اتفقت جميع اطراف الحكومة الاسرائيلية على ان قطاع غزة يجب ان يكون جزءًا لا يتجزأ من اسرائيل.

بعد يومين من انتهاء المعارك، اي في 12 حزيران 1967، عقد وزير الدفاع موشيه ديان في مكتبه "مشاورات بشأن مناطق الاحتلال"، شارك فيها مساعد ديان، رئيس الاركان السابق تسفي تسور، ورئيس الاركان اسحاق رابين، ومساعد رئيس قسم العمليات الجنرال رحبعام زئيفي، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الجنرال أهارون ياريف، والجنرال حاييم بارليف، كذلك شارك رئيس قسم العمليات الجنرال عيزر وايزمان في جانب من هذه المشاورات.

موقف ديان فيما يتعلق بسيناء، كما عبر عنه في تلك المشاورات ذاتها، نص على انه يجب "الصمت والسيطرة"، مع الامتناع عن اقامة منشآت هناك لتحلية المياه، وعدم القيام ايضًا، وبشكل مؤقت، بتطوير ضخ او استخراج البترول.

وفي تلميح لتأييده ضم قطاع غزة الى اسرائيل قال ديان انه سيكون من السهل اكثر على اسرائيل قبول اقتراح يقدم لها في هذا الخصوص من ان تقول مسبقاً إنها تطالب بالاحتفاظ بالقطاع. واقترح ديان اتباع سياسة مشابهة فيما يتعلق بهضبة الجولان.

وعقدت اللجنة الوزرارية لشؤون الامن جلستين لمناقشة موضوع مستقبل المناطق المحتلة، وذلك يومي 14 و15 حزيران 1967، وقد اتخذت في الجلستين قرارات تنسب لها اهمية كبيرة. فخطوط السياسة التي بلورها اعضاء اللجنة الوزرارية طرحت على وزراء الحكومة، وشكلت اساساً لواحد من اكثر القرارات التي اتخذتها الحكومة اهمية خلال العقد الذي انتهى بـ "انقلاب" العام 1977 (الذي اطاح فيه "الليكود" بزعامة مناحيم بيغن بحكم حزب "العمل").

في ختام اليوم الاول من المشاورات تبلور في اللجنة الوزرارية اقتراح يقضي بأن تعرض اسرائيل على مصر وسورية التوصل الى معاهدات سلام تتضمن ترتيبات أمنية على اساس الحدود الدولية. وقد استندت هذه التسويات السلمية المقترحة الى المبادئ التالية:

 

  • فيما يتعلق بهضبة الجولان ذكر انه اذا وافق السوريون على السلام فان الحدود الدائمة مع سورية ستكون الحدود الدولية، وهذا يعني الغاء المناطق المنزوعة السلاح. مع ذلك فقد جرت الاشارة الى ضرورة إجراء تعديلات حدودية طفيفة، وذلك ضمن توجّه لابقاء منابع البانياس في الجانب الاسرائيلي من الحدود مع سورية. كلك اقترح خلال مداولات اللجنة الوزارية إبقاء الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا ضمن حدود اسرائيل، كما جرى الحديث عن جعل هضبة الجولان منطقة منزوعة كليا من السلاح.
  • فيما يتعلق بسيناء، ذُكر ان شبه جزيرة سيناء بأكملها يجب ان تكون منطقة منزوعة السلاح، وان تتمتع اسرائيل بحرية الملاحة في قناة السويس ومضائق تيران.
  • وفيما يتعلق بقطاع غزة، اقترح بقاء القطاع كجزء من دولة اسرائيل.

 

في اليوم التالي عقدت اللجنة الوزارية لشؤون الأمن جلسة مشاورات اخرى تم في نهايتها بلورة مشروع قرار أُحيل على الحكومة للمصادقة عليه، وشكل اساساً لقرار الحكومة في 19 حزيران 1967، والذي نص في جوهره على استعداد اسرائيل لأن تعيد الى مصر وسورية جميع المناطق التي احتلتها مقابل ابرام اتفاقيات سلام، إلا ان القرار ذاته نص على التالي: "تأسيساً على الحدود الدولية، فان قطاع غزة يقع ضمن مناطق دولة اسرائيل". وبالفعل، ففي الفترة الاولى التي تلت حرب 1967 كان واضحا لكل ذوي الصلة بعملية اتخاذ القرارات (في اسرائيل) أن النية تتجه الى ضم قطاع غزة خلال فترة قصيرة.

وكان ديان قد طالب خلال المشاورات التي سبقت اتخاذ هذا القرار، بأن تقرر الحكومة بشكل صريح ضم قطاع غزة بأكمله الى اسرائيل. وخلافا لموقف زملائه في اللجنة الوزارية، لم يقترح ديان قيام اسرائيل بمبادرة بشأن إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين.

بعد فترة قصيرة، وفي منتصف تموز1967، بلوَر يغئال ألون الخطة التي تحمل اسمه (مشروع ألون) والتي اصبحت أساسًا لسياسة حكومات "المعراخ" لغاية "انقلاب" العام 1977. وفي تطرقه لموضوع قطاع غزة كتب ألون في وثيقة قدمها للحكومة:

"قطاع غزة سيكون مع سكانه الدائمين جزءًا لايتجزأ من دولة اسرائيل. ربط القطاع رسمياً بالدولة سيتم فقط بعد توطين لاجئي القطاع خارج حدوده. والى ان يحين ذلك، سيتمتع القطاع بمكانة منطقة احتلال مُدارة بواسطة الحكم العسكري. ستتخذ الترتيبات اللازمة التي تمكن الاونروا من القيام بمسؤلياتها تجاه اللاجئين، وستتولى وزارات الحكومة معالجة شؤون السكان الدائمين في القطاع".

هذا البند، الذي اهمل بمرور السنوات، هو المفتاح لفهم مكانة قطاع غزة منذ عام 1967 وحتى اليوم. لقد فضل يغئال الون، الذي تخوف من ضم القطاع على ما فيه من مئات الالاف من اللاجئين، العمل بداية على تنفيذ مشاريع لتفريغ القطاع منهم، الا انه سرعان ما تبين له أن دول الغرب، عدا عن الدول العربية، ليست مستعدة على الاطلاق لحل مشكلة اللاجئين في قطاع غزة (وفق التصور الاسرائيلي).

ادرك الون، الذي قاد عمليا صنع سياسة حكومة اشكول، بأن على اسرائيل التحرك بشكل احادي الجانب فيما يتعلق بموضوع اللاجئين، ودعا، منذ منتصف حزيران 67، الى العمل بسرعة على حل مشكلة اللاجئين، معتبراً ان "هذا الحل سيكون ممكنًا فقط عن طريق توطين اللاجئين في مناطق سيناء.."

واضاف الون قائلا: "لا داعي للانتظار، يجب توطين جميع لاجئي غزة في سيناء وليس في العريش فقط. اذا لم نقم بتوطينهم سيكون علينا ان ننسى غزة او ان نستوعب 400 الف لاجئ من غزة".

غير ان خطة الون هذه ظلت مجرد فكرة نظرية. بعد ذلك طرح الون فكرة اخرى عبر عنها خلال المشاورات التي سبقت قرار 19 حزيران 1967 ودعا بموجبها الى "تشجيع الهجرة" او، بكلمات اخرى، الى "ترانسفير طوعي"، وقال الون موضّحاً امام زملائه الوزراء: "انا مع تشجيع الهجرة – هجرة الفلسطينيين - الى وراء البحار، ولا بد من التعامل مع الامر بمنتهى الجدية، وليس بالنسبة للاجئين فقط، فانا مستعد لتشجيع هجرة غير اليهود بصورة عامة".

 

خطة تهجير سرية

النتيجة العملية لافكار الون عبرت عن نفسها في خطة سرية كلف بها جهاز "الموساد". فقد تقرر بذل جهود لتشجيع لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة على الهجرة بما يؤدي الى تفريغ القطاع من سكانه اللاجئين وبالتالي إتاحة الامكانية أمام ضم القطاع الى اسرائيل حسب خطوط مشروع الون. وقد كلفت مؤسسة "الكيرن كييمت" بمهمة شراء اراض في دول مختلفة، لتقام عليها مزارع تعطى للاجئين الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم. وبالفعل، قامت "الكيرن كييمت" بشراء اراض لهذا الغرض في عدة دول في اميركا الجنوبية وحتى في ليبيا في عهد الملك ادريس السنوسي. بعد ذلك قامت الجهات الاسرائيلية المكلفة باصدار جوازات سفر مزورة للاجئين الذين وافقوا على الهجرة، لكن عدد هؤلاء لم يتجاوز بضع مئات.

في اواخر الستينات اطلقت عيارات نارية باتجاه سفارة اسرائيل في برغواي، وعلى ما يبدو فان الحادث الذي لم تتبن مسؤوليته اية منظمة فلسطينية، كان من تدبير لاجئين فلسطينيين ممن استجابوا لعرض الهجرة، لكنهم كانوا غاضبين ازاء عدم وفاء اسرائيل بالوعود التي قطعتها لهم. وفي اعقاب هذا الحادث شطبت خطة تشجيع الهجرة التي لم تتكلل أصلاً بالنجاح.

وبمرور السنوات ادت وتيرة التكاثر الطبيعي الكبير لسكان القطاع الى ازدياد عدد سكان القطاع ليصل الى اكثر من مليون نسمة.

بالتالي، لم يعد هناك من يؤمن في اسرائيل بامكانية تنفيذ خطة هجرة اللاجئين.

 

خطط الاستيطان اليهودية

على رغم قرار الحكومة الاسرائيلية من يوم 19 حزيران 1967 بشأن اعتبار قطاع غزة جزءًا من حدود دولة اسرائيل، فان البرامج الاستيطانية في القطاع جاءت متأخرة، مُقارنةً مع انشطة الاستيطان في باقي المناطق التي احتلت عام 1967.

فالقرار الرسمي الاول باقامة مستوطنات يهودية في القطاع اتخذ في 2 حزيران 1970، وفي 13 ايلول من نفس العام قررت الحكومة الاسرائيلية بناء اول مستوطنتين في قطاع غزة، وهما "كفار دروم" و"نتساريم". ويمكن ارجاع هذا التأخير في تنفيذ برامج الاستيطان في القطاع الى نية الحكومة الاسرائيلية انتظار ايجاد حل لمشكلة اللاجئين هناك. وعندما اتضح ان خطط التوطين المختلفة للاجئي القطاع خارج المنطقة غير قابلة للتنفيذ، عندئذ طرأ تغير على توجه الحكومة لتقرر الشروع بتنفيذ مشاريع الاستيطان اليهودي في القطاع.

في اواخر العام 1968 طرح يغئال الون فكرة لافتة للنظر دعا بموجبها الى نقل مدينة غزة ومخيمات اللاجئين المحيطة بها الى الاردن (...) وكان الون يقصد ادراج فكرة تسليم غزة للملك حسين في نطاق تسوية شاملة مع الاردن تستند الى مبادئ خطة الون المتعلقة بالضفة الغربية. وتتمثل افضلية هذه الفكرة وفقًا لرؤية الون، بتولي المملكة الاردنية السيطرة على سكان مدينة غزة ومخيمات اللاجئين المحيطة بها، بما يعفي اسرائيل من مسؤوليات حكم غالبية سكان القطاع، وهو ما سيوفر في الوقت ذاته منفذًا للاردن على البحر الابيض المتوسط. في جلسة الحكومة التي عقدت في 9 كانون الاول عام 1968، ذكر (وزير الخارجية في حينه) آبا إيبان ان الملك حسين اشترط موافقته على ااستيعاب غالبية لاجئي القطاع بتسلم بلاده للسيطرة على جزء من قطاع غزة.

وعلق الوزير مردخاي بنطوف (مبام) على اقوال إيبان بقوله: "اذا كان الامر سيسهل على الملك حسين فانني اقترح عدم الممانعة في إعطائه مدينة غزة زائد مخيمات لاجئين هناك، والتي تشكل نصف عدد السكان في القطاع".

وفي جلسة اللجنة السياسية في 27 كانون الاول 1968 استعرض ابا ايبان الاتصالات مع الملك حسين قائلا: "سيكون ملك الاردن على استعداد للتباحث في اجراء تعديلات حدودية، لكنه يطالب بتنبادلية في هذا المجال". على هذه الارضية يلقي - الملك – كلمة غزة. انه يقول: انتم تقترحون علينا منفذاً علىالبحر، هذا المنفذ يمكنه ان يكون في غزة وليس في حيفا او اشدود، وعندئذ ستتم تعديلات الحدود هناك. أي: سيكون بمثابة جيب.. بالنسبة لمدينة غزة وخانيونس. يقول بانه لا معنى لاعطائه المدينة بدون المنطقة او الاراضي".

بعد ان اتضح ايضا ان فكرة تسليم غزة ومخيماتها الى الاردن اصبحت محكومة بالفشل، قررت الحكومة الاسرائيلية اقامة مستوطنة يهودية وسط قطاع غزة على مقربة من مدينة غزة ذاتها. وكما اسلفنا فقد تقرر بناء مستوطنة "نتساريم" في 13 ايلول 1970، حيث جرى في البداية توطينها بنواة من لواء "ناحال" العسكري، وفي مرحلة لاحقة استبدلت هذه النواه بمستوطنين مدنيين بعضهم لا يزال يقيم في "نتساريم" حتى اليوم.    

(هآرتس، 9/11)