النواب العرب: ثلاث كتل وموقفان من الميزانية

وثائق وتقارير

مسيرة التعديل والتأجيل التي قطعتها خطة "خارطة الطريق"، قبل أن تنشر وتقدم للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مؤشر كاف على طبيعة وحجم الصعوبات والعقبات التي تواجه تطبيق هذه الخطة المطروحة من جانب "الرباعية" الدولية لحل سلمي للصراع.

محمد دراغمة

مسيرة التعديل والتأجيل التي قطعتها خطة "خارطةالطريق"، قبل أن تنشر وتقدم للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مؤشر كاف على طبيعة وحجم الصعوبات والعقبات التي تواجه تطبيق هذه الخطة المطروحة من جانب "الرباعية" الدولية لحل سلمي للصراع.

وكانت المسودة الأولى لهذه الخطة قد وضعت في اكتوبر الماضي، على أساس الخطاب الشهير للرئيس الأمريكي جورج بوش في الرابع والعشرين من حزيران 2002. ومنذ ذلك الحين تعرضت الخطة لتعديلين على الأقل.

وتحمل المسودة الثالثة للخطة تاريخ العشرين من كانون أول 2002.

ووصل مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون المحامي دوف فايسغلاس الاسبوع الماضي الى العاصمة الأمريكية حاملاً معه رزمة من التعديلات لإدخالها على الخطة قبل نشرها.

وكان بازار التعديلات الإسرائيلي للخطة بدأ بمائة تعديل، لكنه انتهى مؤخراً بخمسة عشر تعديلاً أساسياً.

وما انفك المسؤولون الأمريكيون يرسلون تطميناتهم للإسرائيليين بأن الخطة لن تفرض عليهم أي إجراء أو خطوة لا يريدونها، كما جاء على لسان اكثر من مسؤول ومنهم السفير الأمريكي في تل أبيب الذي أعلن قبل أيام في لقاء له مع مسؤولين إسرائيليين أن الخطة ستكون وسيلة لفتح المفاوضات بين الجانبين وليس لفرض أي شيء عليهما.

وتبعث المواقف الأمريكية هذه شكوكاً عميقة لدى الفلسطينيين بشأن توفر فرصة لتطبيق الخطة بحذافيرها دون فرض المزيد من الشروط الإسرائيلية عليها.

ويقول الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت: الخطة أولا ستنشر، لكن هذا لا يعني أنها ستطبق، بل ستطرح على الأطراف لإبداء ملاحظاتهم بشأنها".

واستدرك يقول: "ولا يعني نشر الخطة أن الإدارة الأمريكية معنية بتطبيقها، وباعتقادي أن طرحها سيكون بمثابة رد جميل لرئيس الوزراء البريطاني الذي شاركها حربها على العراق".

ويرى الجرباوي أن الرئيس الأمريكي سيكون منشغلاً في المرحلة القادمة بثلاث ملفات تحظى بالنسبة له بأهمية تفوق اهتمامه بالموضوع الفلسطيني، وهي: الترتيبات الداخلية في العراق ومعالجة الملف الاقتصادي في الولايات المتحدة والانتخابات الرئاسية القادمة، التي ستكون عاملاً هاماً في الحيلولة دون قيامه بتوجيه أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية.

وحتى في حال لجوء أمريكا لتطبيق هذه الخطة فإن المراقبين يتوقعون أن توجه ضغوطها على الطرف الفلسطيني وليس الإسرائيلي.

وقال الجرباوي: لا يوجد أي سبب يدعو إدارة بوش لمراعاة مصالح العرب عند تطبيق هذه الخطة لأن العرب كانوا الجهة الخاسرة في حربها على العراق، وإسرائيل هي الجهة الرابحة، لذا فإنها ستراعي مطالب ومصالح إسرائيل وليس العرب".

وكان الجانبان، الفلسطيني والإسرائيلي، قبلا خطة "خارطةالطريق" لدى طرحها، لكن كلا منهما أبدى العديد من التحفظات إزاء نقاط بعينها فيها.

وبيَّن الدكتور خليل الشقاقي مدير "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، في دراسة أعدها المركز مؤخراً حول الخطة، العقبات التي تعترض تطبيقها، مرجحاً أن تلاقي مصير سابقاتها مثل شرم الشيخ وتنيت وميتشل.

وخلص الشقاقي في دراسته إلى أن الخطة قد تفشل من الجانب الإسرائيلي لثلاثة أسباب هي: أن إسرائيل لن تقبل بالتعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولن تكون على استعداد لإعطاء الفلسطينيين تواصلاً جغرافياً حقيقياً لدولتهم ذات الحدود المؤقتة، ولا على إعطائهم سيادة فعلية لتلك الدولة.

أما في الجانب الفلسطيني فإنه توقع أن تفشل لسببين: أن الرئيس ياسر عرفات غير قادر على القيام بإجراء إصلاحات حقيقية جذرية تهمش دوره الشخصي، وربما غير راغب في القيام بها، ولأن السلطة الفلسطينية لن تتمكن على الأرجح من فرض وقف شامل لإطلاق النار في ظل النواقص العديدة التي تعتري الخطة.

وأشار الشقاقي إلى أن غموض بعض الالتزامات سيوفر للطرفين مخرجاً مناسباً: "الطلب من إسرائيل القيام "بخطوات أخرى متعلقة بالمستوطنات" في المرحلة الثانية من الخطة يثير الشفقة على أعضاء اللجنة الرباعية الذين افتقدوا الجرأة على مواجهة إسرائيل في موضوع حيوي مثل إخلاء مستوطنات، كذلك الحال في الطلب من الطرف الفلسطيني إعداد مسودة دستور يقوم على أسس "ديمقراطية برلمانية قوية"، كشرط مسبق للدخول في المرحلة الثانية من الخطة، رغم إدراك الجميع بعدم قدرة الطرف الفلسطيني على الخروج من نظام حكم الفرد منذ تأسيس السلطة الفلسطينية قبل تسع سنوات"، قال الشقاقي في دراسته.

وفي حال فشل الخطة، كما هو متوقعاً، فإن الشقاقي يتوقع أن تصل الولايات المتحدة وبقية أطراف المجتمع الدولي لقناعة بأن الطريق الوحيدة لإنهاء هذا الصراع هو عن طريق فرض وصاية دولية أمنية ومدنية على الفلسطينيين، مشيراً إلى إن التحضيرات لاحتمال كهذا تجري اليوم على قدم وساق في واشنطن ونيويورك وأوتوا بالإضافة لعواصم أوروبية عديدة. وتضم المسودة الثالثة لخطة خارطةالطريق، كما نشرها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أربعة أقسام هي المقدمة ومراحل الخطة الثلاثة.

وتتمحور المرحلة الأولى من الخطة حول وقف العنف والعودة للحياة الطبيعية وإجراء إصلاحات سياسية فلسطينية.

أما المرحلة الثانية فتتناول ما تسمى بـمرحلة انتقالية تقوم فيها دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة.

وتتناول المرحلة الثالثة مفاوضات الحل الدائم.

وفي مراحلها الثلاث تفصل الخطة التزامات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى جانب مسؤوليات والتزامات "اللجنة الرباعية" والدول العربية.

وتمتد مساحة تطبيق الخطة على مدار ثلاث سنوات.

المرحلة الأولى تمتد، كما يفصل الدكتور خليل الشقاقي في دراسته، على مدار حوالي نصف سنة، وتبدأ في مطلع عام 2003.

وتنتهي المرحلة الثانية في نهاية ذلك العام، فيما تستمر الثالثة حتى عام 2005.

ويسجل الفلسطينيون نقاطاً إيجابية عديدة في الخطة مثل إيجاد دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وأن الهدف منها هو إنهاء الاحتلال الذي بدا عام 67 واعتبار المبادرة السعودية أحد أسس الحل وتجميد الاستيطان وغيرها.

لكنهم لا ينسون النواقص والثغرات في الخطة، مثل عدم وضوح طبيعة الدول المؤقتة التي تتحدث عنها وعدم توفر ضمانات لنجاح مفاوضات الحل الدائم وعدم تقديم حلول لمشكلات اللاجئين والقدس سوى ذكر خطوط عامة مثل مراعاة مصالح الطرفين وإيجاد حل واقعي وعدم تفصيل النقطة المتعلقة وغيرها.

وقد خلص الدكتور الشقاقي إلى أن الخطة: لن تقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وإنهاء الاحتلال، بل ستقود لقيام وصاية أمنية ومدنية دولية تستبدل الاحتلال الإسرائيلي باحتلال عسكري دولي وتستبدل السلطة الفلسطينية بإدارة دولية وذلك عندما تستنتج الولايات المتحدة وبقية أطراف الرباعية أن طرفي الصراع غير قادرين وحدهما على إنهائه.

ورأى الشقاقي إن الطريق الأنجع لمنع حدوث تطور كهذا يكمن في اتخاذ القيادة الفلسطينية قراراً جريئاً وحاسماً بتطبيق خارطة الطريق بأي ثمن رغم ما فيها من مساوئ، أو اشتراط قبولها بإدخال تعديلات عليها تجعلها قابلة للتطبيق.

وتشير تركيبة الحكومة الفلسطينية الجديدة التي سيشكلها رئيس الوزراء المكلف محمود عباس إلى وجود توجه قوي لديه للتعاون مع الأطراف المعنية في تطبيق هذه الخطة.

وقد أخذ البعض يطلق تندراً على هذه الحكومة، التي تضم عدداً كبيراً من الداعين لإيجاد مخرج سلمي لحالة الاشتباك الراهنة بين الطرفين، يطلق عليها اسم "حكومة خارطةالطريق".

لكن المراقبين يرون الكثير من العوائق في الجانب الإسرائيلي من هذه الطريق المليئة بالمطبات والحفر.

ويقول الدكتور علي الجرباوي إن أكثر ما يقلقه في الخطة هو أن يعمل شارون، في حال تطبيقها، على جعل المرحلة الثانية منها، وهي التي تتحدث عن دولة بحدود مؤقتة، مرحلة نهائية وأخيرة.

وقال: أليست هذه هي خطة شارون وحلمه أن يعطي الفلسطينيين 42% أو أكثر قليلاً من الأرض، ويضم الباقي لإسرائيل؟".

ويرى الجرباوي أن على الفلسطينيين عدم التفاؤل إزاء تطبيق الخطة بسبب ما فيها من مزالق كثيرة، داعياً إلى عدم الإسراع في فتح هذا الملف قبل الملف الداخلي بكل جوانبه الشائكة.