سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

على هامش المشهد

أكد ناحوم برنياع، كبير المعلقين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الاثنين، أن الميزانية الأمنية الإسرائيلية ستبقى على ما هي عليه وربما ستزداد، وذلك على الرغم من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أعرب عن تأييده تقليصها في سياق تماشيه مع توصيات "لجنة تراختنبرغ" لتغيير السياسة الاقتصادية- الاجتماعية للحكومة، والتي قدمت في إطار المساعي الرسمية التي تبذلها الحكومة للتجاوب مع مطالب حملة الاحتجاج الاجتماعية والمطلبية التي شهدتها إسرائيل مؤخرًا والتي من المتوقع أن تستأنف نشاطها في نهاية الأسبوع الحالي.

 

 

وقال برنياع إن تأييد نتنياهو تقليص هذه الميزانية كان عبارة عن خدعة تهدف إلى إقرار توصيات "لجنة تراختنبرغ" من جانب الحكومة، وأن حجم الميزانية الأمنية يبقى موضوعًا لمداولات داخلية وسرية تجري بين وزارتي الدفاع والمالية، ولا تصل أصداؤها ووقائعها الحقيقية إلى مسامع الجمهور العريض.

 

وجاء تأكيد هذا المعلق في ضوء الحملة الطاحنة التي يخوضها كل من قادة الجيش ووزارة الدفاع في إسرائيل ضد تقليص الميزانية الأمنية، والتي وصفت في بعض التقارير الصحافية بأنها تهدف إلى التأثير على الجمهور الإسرائيلي، في إثر طرح حملة الاحتجاج الاجتماعية خطاباً جديداً وقواعد جديدة، جعل المسؤولين في وزارة الدفاع يدركون أن السلم الجديد للأولويات يتمثل في التقليص الجدي للزيادات الهائلة في ميزانية الأمن.

 

ورأى عضو الكنيست إيتان كابل من حزب العمل، في مقال نشره في صحيفة "معاريف" مؤخرًا، أنه منذ تقديم تقرير "لجنة تراختنبرغ"، أخرجت وزارة الدفاع أسلحتها الثقيلة لتخوض حرباً ساحتها صفحات الصحف وشاشات التلفزيون، وهدفها الوحيد التهويل على الجمهور الإسرائيلي، والمحافظة على ميزانية الدفاع. أمّا الأسلوب المستخدم في هذه الحرب فبسيط ومعروف ويقوم على المعادلة الكاذبة القائلة إن كل تقليص في ميزانية الدفاع معناه الإضرار بأمن إسرائيل. ومن أجل تأكيد ذلك يجري كل من وزير الدفاع، إيهود باراك، ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، بيني غانتس، مقابلات في وسائل الإعلام يرسمان خلالها صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط في مواجهة التهديدات والأخطار التي تتربص بها. كما أنه من أجل زرع الخوف في نفوس الإسرائيليين يتم نقل الأخبار عن مصادر رفيعة المستوى في وزارة الدفاع بشأن الحروب المقبلة، وسلاح حزب الله، والصواريخ البعيدة المدى الموجودة في حوزة "حماس".

 

وتابع كابل: مما لا شك فيه أن وضع إسرائيل الأمني معقد للغاية، والثورات التي يشهدها الشرق الأوسط زادت في المخاطر التي تتربص بنا، ولا يمكننا تجاهلها. لكن على الرغم من ذلك، فإن المعادلة القائلة إن التقليص في ميزانية الدفاع سيضر بأمن إسرائيل هي عملية تضليل مقصودة. ويعرف كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان جيداً أن التقليص لن يجري على حساب الأمن الجاري، أو على حساب الإعداد للحرب المقبلة، وإنما على حساب الترهل الذي تراكم خلال أعوام في وزارة الدفاع التي يرأسانها. كما يعرف الرجلان أنهما يستغلان حجة النقص في العتاد وعدم جهوزية الجيش الإسرائيلي لتبرير الإخفاقات التي وقعت في حرب لبنان الثانية، وهما في الحقيقة ليسا صادقين فيما يقولانه. فالإخفاقات في حرب لبنان الثانية لم يكن سببها النقص في العتاد ولا النقص في التدريبات، وإنما الإدارة الفاشلة للقيادة العسكرية التي لم تقرأ بصورة صحيحة الوضع على الصعيدين التكتيكي والإستراتيجي. وبالتالي يمكن تقليص مليارات الدولارات في ميزانية الدفاع من دون تغيير شيء في ساحة الحرب المقبلة. ويمكن استخدام هذه المبالغ في تمويل جزء واسع من مطالب الاحتجاجات الاجتماعية.

 

وختم قائلاً: لقد طرحت الحركة الاحتجاجية منذ البداية مبدأ تغيير الأولويات في كل ما يتعلق بتوزيع موارد الدولة. وفي مواجهة ذلك خاضت وزارة الدفاع حرباً للحفاظ على النظام القديم، ولا أتوقع من الحكومة الحالية ومن رئيسها تغيير النظام القديم وتحقيق توزيع أكثر عدالة لميزانية الدولة. ولذا آمل أن يثبت الجمهور الإسرائيلي نضجه من خلال مواجهته حملة التخويف والتهديدات، والاستمرار في مطالبته بتوزيع أكثر عدالة للميزانية.

 

في المقابل فإن كبار العسكريين السابقين تجندوا هم أيضًا في هذه الحملة لمنع تقليص الميزانية الأمنية.

 

وكان آخر من برز من بينهم العميد في الاحتياط عوديد طيرا، الذي تولى في السابق منصب رئيس اتحاد أرباب الصناعة.

 

وقد أكد طيرا في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" أن تقليص الميزانية الأمنية ينطوي على مخاطر جمّة.

 

وكتب يقول: تكشف المقارنة بين وضع إسرائيل الأمني الآن وبين وضعها قبل "الربيع العربي" أن الذين دعوا إلى تقليص الميزانية الأمنية قبل نشوب حركة الاحتجاجات في الدول العربية كانوا على خطأ وعرضوا حياتنا للخطر، إذ إن الاعتماد على العلاقات السلمية مع مصر والأردن، وعلى الوضع القائم بيننا وبين الدول المعتدلة الأخرى من أجل تحقيق هذا التقليص، كان سيؤدي إلى خفض عدد الألوية في الجيش الإسرائيلي وسيجعل الجيش أقل تدريباً وتسلحاً، في وقت يمكن أن تنشب فيه حرب شاملة في أي لحظة.

 

وأضاف: من الصعب دراسة الشرق الأوسط بمصطلحات جامدة، كذلك من المستحيل القول إن وجود السلام يسمح بتقليص قوة الجيش، وذلك لسببين، هما: أولاً، إمكان أن تنقلب الأوضاع في الشرق الأوسط في وقت قصير، وهذا ما حدث خلال الأشهر الستة الأخيرة، فالوضع اليوم ينذر بخطر سيطرة الإسلاميين على الحكم في مصر وسورية وعدد آخر من الدول. ثانياً، حتى في ظل السلام علينا أن نردع أعداءنا عن المبادرة إلى الحرب، لأن العداء لإسرائيل سيظل موجوداً في المنطقة لأعوام كثيرة مقبلة.

 

وبرأيه فإن الجيش الإسرائيلي يواجه في الوقت الحالي تهديدات كثيرة ومختلفة، فهناك صواريخ حزب الله التي تهدد معظم المدن الإسرائيلية، والسبيل الوحيد لوقف إطلاق الصواريخ من لبنان في اتجاهنا هو السيطرة على الأرض. كذلك في إمكان "حماس" استهداف مناطق واسعة من إسرائيل سواء بالقصف الصاروخي أو بالعمليات الإرهابية، والحل هنا شبيه بالحل في لبنان. وفي مقدور سورية أيضاً أن تقصف بالصواريخ كل إسرائيل، ولا توجد طريقة لوقف هذا القصف في أثناء الحرب إلاّ عبر السيطرة على الأرض وتهديد النظام العلوي في هذا البلد. ومن جهتها تستطيع إيران في وقت قريب تهديد إسرائيل بالسلاح النووي، إلى جانب الدعم الذي تقدمه إلى كل من "حماس" وحزب الله. ويمكن أن نضيف إلى هذا كله حالة عدم الاستقرار التي تعانيها السلطة العسكرية في مصر، الأمر الذي سيضطرنا في حال نشبت الحرب إلى إرسال قوات إلى حدودنا مع مصر من أجل الحؤول دون خرق محتمل لاتفاقية السلام. ويستنتج من هذا كله أن الجيش بحاجة إلى زيادة ثلاثة ألوية، ومضاعفة قوة نيرانه على المدى البعيد، ورفع مستوى التدريبات بدءاً من الأفراد، وصولاً إلى هيئة الأركان العامة، كذلك يجب تدعيم الدفاع عن الجبهة الداخلية في وجه الصواريخ بواسطة شراء عتاد جديد وعصري.

 

وقال طيرا: من أصل مبلغ 50 مليار شيكل، هو مجموع الميزانية العسكرية للجيش الإسرائيلي، هناك نحو 11 مليار مخصصة للتطوير وللتسلح وللتدريب، أمّا ما تبقى فهو مخصص للمحافظة على قوة الجيش. من هنا فإن تخفيض نحو 3 مليارات شيكل من ميزانية الجيش سيكون على حساب التدريبات والتسلح والتطوير، ومعنى ذلك الإضرار بنحو 20 بالمئة من قوة الجيش الإسرائيلي. وسيتجلى هذا التقليص بأن يصار إلى الاكتفاء بشراء ست منظومات من القبة الحديدية، فضلاً عن تضرر مشروعي العصا السحرية وصاروخ حيتس (المخصصان لاعتراض الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى). ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الميزانية التي أُقرت ستصل في العام 2012 إلى 58 مليار شيكل. ووفقاً للحسابات فإن التقليص المقترح سيوازي نحو 9 مليارات شيكل وليس نحو 3 مليارات، الأمر الذي سيلحق ضرراً لا يُحتمل بالقدرة الدفاعية لإسرائيل.