في سابقة قضائية - المحكمة العليا الإسرائيلية تمنع نشر رواية أدبية

على هامش المشهد

*سيطرة اليمين على الخريطة السياسية في إسرائيل محكمة ولا تنبئ بإمكان حدوث تغيير في هذه الخريطة في المستقبل المنظور*

كتب بلال ضـاهــر:

 

تدل أحداث الأسبوعين الأخيرين على وجود تجانس فكري يميني متطرف بين قادة الحكومة الإسرائيلية، وعلى أنه لا توجد فروق بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان. وقد بدا قبل ذلك أن هناك فرقا بين أفكار رئيس الحكومة ووزير خارجيته، في أعقاب ادعاء نتنياهو أنه يريد التفاوض مع الفلسطينيين وأنه بالإمكان التوصل إلى اتفاق إطار حول قضايا الحل الدائم في غضون عام، فيما قال ليبرمان إن اتفاق سلام لن يتحقق "لا في العام المقبل ولا في الجيل المقبل" على حد تعبيره. لكن الحقائق أظهرت أن هذه الفروق هي سراب في أفضل الأحوال، وكلما تقترب من حقيقة الوضع تجد أن لا خلافات بين الاثنين، بل إن ليبرمان يتحدث بفكر نتنياهو.

 

في أعقاب خطاب ليبرمان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أسبوعين، والذي تحدث فيه بصورة مناقضة تماما لتصريحات نتنياهو حول عملية السلام، تعالت أصوات في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وكاد المحللون السياسيون أن يجمعوا على مطالبة نتنياهو بإقالة ليبرمان من منصبه كوزير للخارجية، لأنه لا ينفذ مهمته الأساسية وهي استعراض سياسة حكومته أمام العالم. وفي المقابل فإن نتنياهو لم يُقل ليبرمان، بل أصدر بيانا هزيلا قال فيه إن وزير الخارجية لم ينسق مضمون خطابه في الأمم المتحدة مع رئيس الحكومة. وبعد ذلك بأيام أعلن نتنياهو أنه يؤيد قانون "المواطنة والولاء"، الذي يلزم غير اليهود الذين يطلبون الحصول على المواطنة الإسرائيلية بالتصريح بالولاء لإسرائيل "كدولة يهودية وديمقراطية"، والذي قدمه ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا".

وفي اليوم ذاته الذي صادقت فيه الحكومة الإسرائيلية على "قانون المواطنة والولاء" العنصري، الذي أثار جدلا واسعا في إسرائيل، وهو يوم الأحد من الأسبوع الماضي، أقرت اللجنة الوزارية لشؤون سن القوانين قانون الاستفتاء الشعبي، الذي يراد منه منع إسرائيل من الانسحاب من القدس الشرقية وهضبة الجولان حتى لو توصلت حكومة إسرائيل إلى اتفاق مع الفلسطينيين أو السوريين يقضي بالانسحاب من هاتين المنطقتين [اقرأ مادة موسعة عنه في ص 2].

كذلك أعلن وزير الإسكان الإسرائيلي، أريئيل أتياس، الأسبوع الماضي، عن طرح مناقصات لبناء 238 وحدة سكنية جديدة في مستوطنتي "بسغات زئيف" و"راموت" في القدس الشرقية. وقال مسؤولون في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، في أعقاب ذلك، إن نتنياهو اقر هذه المناقصات وشدد على أن الاستيطان في القدس لم يجمد، وأنه حاول التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية على بناء هذه الوحدات السكنية، لكنه لم يتوصل إلى اتفاق كهذا. كما أن نتنياهو يرفض تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، ويدعي أنه في حال وافق على ذلك فإن حكومته ستسقط.

لكن تصريحات أطلقها ليبرمان ووزير الداخلية الإسرائيلية ورئيس حزب شاس، إيلي يشاي، الأسبوع الماضي، أكدت بما لا يترك مجالا للشك أن نتنياهو يرفض تجميد الاستيطان من الناحية المبدئية، وليس خوفا على حكومته. فقد أعلن ليبرمان ويشاي أن حزبيهما لن ينسحبا من الحكومة حتى لو قرر نتنياهو الاستجابة إلى مطلب الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا والفلسطينيين بتجميد الاستيطان. وتعني هذه التصريحات أن بقاء حكومة نتنياهو ليس مرهونا بتجميد الاستيطان، وخصوصا أن الحديث يدور عن التجميد لفترة محدودة.

ويستنتج مما تقدم أن نتنياهو ليس معنيا بالتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، أو مع دول عربية أخرى وخصوصا سورية. كذلك يتبين من تطور الأحداث السياسية في إسرائيل أن نتنياهو وليبرمان ويشاي متفقون إلى أبعد حد حول سياسة الحكومة، الأمر الذي يعني أن ليبرمان هو المتحدث الحقيقي باسم حكومة اليمين، وأن أقوال نتنياهو حول السلام لا تتعدى كونها مجرد كلام في الهواء.

وفي حديث لـ "المشهد الإسرائيلي" قال المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع، البروفسور نيف غوردون، إنه لا توجد فروق جوهرية بين نتنياهو وليبرمان، مشددا على أن سياسة حكومة نتنياهو لم تبق أي أفق سياسي لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، إضافة إلى أن سيطرة اليمين على الخريطة السياسية في إسرائيل هي سيطرة محكمة ولا تنبئ بحدوث تغير في هذه الخريطة في المستقبل المنظور.

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما الذي تريد حكومة إسرائيل تحقيقه من وراء تعديل قانون المواطنة وإلزام غير اليهود بقسم يمين الولاء ليهودية إسرائيل؟

غوردون: "لا أعتقد أن الحكومة تفكر بصوت واحد، وإنما يوجد فيها أشخاص يريدون تحقيق أمور مختلفة. من جهة، ليبرمان يريد تعزيز موقفه، أو موقف ناخبيه. وهو يريد، عمليا، إقصاء المواطنين العرب وجعل الولاء ليس للديمقراطية وإنما لليهودية. وهذا أمر إشكالي بالنسبة لأشخاص غير يهود، وحتى بالنسبة لقسم من اليهود. من جهة ثانية، فإن نتنياهو يفكر في توجيه ضربة قاتلة للحل الإسرائيلي - الفلسطيني، لأن ما يرمي إليه هذا القانون للأمد البعيد هو وضع حل ما لقضية اللاجئين الفلسطينيين. ومن دون حل مستقبلي لقضية اللاجئين فإنه من المستحيل حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، لأنه لن يأتي أي لاجئ ويكون مستعدا لأن يكون مخلصا لليهودية، وربما يكون مستعدا للولاء للديمقراطية".

(*) في سياق أقوالك، هل بإمكانك أن تتخيل أو ربما أنك تعرف ما الذي يريده نتنياهو. فهو لا يريد السلام، ماذا يريد بدلا من ذلك؟

غوردون: "أعتقد أن ما يريده نتنياهو هو مواصلة السيطرة على مناطق الضفة الغربية، وعلى القدس كلها، من دون الاستجابة لمطالب الفلسطينيين. وهو يحاول، في الواقع، ألا يحل الصراع، وبالنسبة له هو يعتقد أن الزمن يسير في صالحه. يصعب عليّ معرفة ما يفكر فيه، لكن الأمر المؤكد هو أن هذا القانون سوية مع قوانين أخرى، ربما يصل عددها إلى ما بين عشرة إلى عشرين قانونا، والتي سيتم بحثها خلال دورة الكنيست القريبة، تدل على عملية متسارعة لتحويل بقايا الديمقراطية الإسرائيلية إلى نوع من النظام الفاشي. ومعظم هذه القوانين الجديدة المطروحة على جدول أعمال الكنيست الآن، هي قوانين تطالب بالإخلاص لأيديولوجيا معينة، وفي الواقع هذا يدل، باعتقادي، على نهاية الصراع بين ممثلي المعسكر الليبرالي وبين ممثلي المعسكر القومي المتطرف في الصهيونية. وما نراه اليوم هو انتصار ساحق للمعسكر القومي المتطرف وإقصاء يكاد يكون مطلقا لليبراليين. وهذا لا يعني أنه كانت هناك مساواة وليبرالية كبيرة في الماضي، لكننا نرى اليوم أن القوانين تتجاهل الجانب الليبرالي بشكل كامل، ويتم زج الأيديولوجيا [اليمينية] في القانون".

(*) المشكلة تكمن أيضا في ترسيخ اليمين لحكمه في إسرائيل، بينما اليسار والوسط السياسي أصبحا ضعيفين. هل بالإمكان القول إنه لن يحدث تغير سياسي في إسرائيل في المستقبل المنظور؟

غوردون: "من الصعب رؤية حدوث تغيير في المستقبل، رغم أنه في عالم السياسة يوجد دائما مفاجآت وعجائب. لكن بصورة عامة، وإذا حللت الوضع، فإني لا أرى تغييرا، بل على العكس، أنا أرى أننا سنشهد ضعفا آخر لما تبقى من اليسار. وهذا يعني أنه لن يكون هناك يسار صهيوني. وأعتقد أن اليسار الصهيوني قد مات. وهذا الخيار لم يعد قائما لأن الصراع تم حسمه داخل الصهيونية بين الليبرالية والقومية المتطرفة. وباعتقادي أن الليبرالية الصهيونية لم تعد قائمة. وبواسطة هذه الرؤية أنا أدرك أيضا ضعف أحزاب مثل ميرتس وحمائم حزب العمل، الذين كانوا يمثلون يسارا صهيونيا لم يعد موجودا تقريبا. واليسار الوحيد الموجود في إسرائيل حاليا هو يسار غير صهيوني".

(*) هل التطرف اليميني لحكومة إسرائيل سببه وجود ليبرمان والاتفاقيات الائتلافية معه، أم أن هذا يتلاءم مع أفكار نتنياهو وغالبية أعضاء حزب الليكود؟

غوردون: "أنا أعتقد أن هذا يتلاءم أيضا مع أفكار قسم من أعضاء حزب كاديما. وفي الواقع نحن نرى اليوم في الخريطة السياسية في إسرائيل أنه يوجد في الكنيست ما بين 15 إلى 20 عضو كنيست لا تتلاءم أفكارهم مع أفكار الحكومة. والنقاش في إسرائيل بعد مصادقة الحكومة على قانون ’الولاء’ [ليهودية إسرائيل] لم يتمحور حول أن هذا قانون عنصري. ولم يحضروا أي متحدث فلسطيني إلى أي قناة تلفزيونية، وقد شاهدت جميع القنوات الإسرائيلية الثلاث. وقد تمحور النقاش حول كيف سيمس القانون بصورة إسرائيل في خارج البلاد. هذا يعني أنه لا يوجد بتاتا بحث حول معاني سن قانون كهذا بالنسبة للديمقراطية وسلطة القانون. ولم يجر حوار كهذا لأن جميع أعضاء الكنيست تقريبا يوافقون على هذا القانون. لقد جلست سبع ساعات أمام التلفاز وشاهدت البرامج الإخبارية التي تمت فيها مناقشة القانون، ولم يكن هناك سوى شخص واحد فقط الذي قال إن هذا القانون هو قانون عنصري".

(*) نشهد أحيانا أن ليبرمان يتحدث بشكل مناقض لنتنياهو، لكنك تقول إن ليبرمان هو صوت نتنياهو الحقيقي. ألا توجد فروق بينهما؟

غوردون: "لا توجد فروق جوهرية بين ليبرمان ونتنياهو".

(*) هل تعتقد أن هذا الوضع يزيد احتمالات نشوب حرب في المنطقة؟

غوردون: "لا أعرف. دعني أقول إن هذا الوضع لا يزيد احتمالات السلام. والأمر المؤكد هو أن الأفق السياسي ليس موجودا. وكل الأقوال حول أن إدارة الرئيس الأميركي تحاول تنظيم مسار سياسي معين ليست ذات أهمية لأنه لا يوجد أفق سياسي".

(*) في حال فاز الحزب الديمقراطي الأميركي في الانتخابات النصفية للكونغرس، التي ستجري في مطلع الشهر المقبل، هل هذا سيزيد من احتمالات السلام، أي أنه سيمكن أوباما من الضغط على نتنياهو؟

غوردون: "لا أصدق بأن أمرا كهذا سيحدث. لا يوجد لدي أمل كبير في احتمال حدوث تغيير للوضع الحالي".