على هامش المشهد

كتب ب. ضاهــر:

 

أفادت تقارير صحافية في الأيام القليلة الفائتة بأن التوتر في العلاقات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، قد تصاعد بشكل كبير، الأسبوع الماضي. وذكرت هذه التقارير أن الخلاف بينهما بلغ ذروته، يوم الجمعة الماضي، عندما صوت وزراء حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يتزعمه ليبرمان، في اجتماع الحكومة ضد مشروع الموازنة للعامين 2011 - 2012، ولدى إعلان وزارة الخارجية عن تعيين السفير في كولومبيا، ميرون رؤوفين، سفيرا مؤقتًا لإسرائيل في الأمم المتحدة بدون علم نتنياهو بذلك.

 

والشعور السائد، منذ عدة أسابيع، في ديوان نتنياهو، بحسب الصحف الإسرائيلية، هو أن ليبرمان بات "صداميا"، وخصوصا في أعقاب غضبه على إخفاء اللقاء بين الوزير الإسرائيلي العمالي بنيامين بن اليعازر ووزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو، عنه. وقال تقرير إن "نتنياهو وجد نفسه متفاجئا أكثر فأكثر من خطوات وزير خارجيته".

ووصف المقربون من نتنياهو إعلان ليبرمان عن سياسة جديدة إزاء قطاع غزة تتمثل في الانفصال نهائيا عنه وتسليم مسؤولية تزويده بالبضائع لدول أوروبية، بمثابة "وضع الإصبع في عين مصر". وقال هؤلاء المقربون إن نتنياهو أوضح للرئيس المصري، حسني مبارك، خلال لقائهما، يوم 18/7/2010، معارضته لهذه الخطة. وقال نتنياهو لأحد المقربين منه إن "تحديد السياسة في هذه المواضيع يتم من قبل رئيس الحكومة والحكومة. هكذا كان ذلك دائما وهكذا سيكون الآن أيضا".

ووصل التوتر بين نتنياهو وبين ليبرمان ووزراء حزبه إلى ذروته خلال التصويت على مشروع الموازنة. وذكرت التقارير الصحافية أن نتنياهو ذُهل من سلوك وزراء "إسرائيل بيتنا". ورأى مقربون منه أن سلوك هؤلاء الوزراء جاء بموجب تعليمات من ليبرمان. وقال مسؤول حضر اجتماع الحكومة إن وزير السياحة، ستاس ماسجنيكوف، من "إسرائيل بيتنا"، تحدث مع نتنياهو بصورة مهينة "وبعد ذلك انضم إليه بقية وزراء إسرائيل بيتنا، الذين شكلوا جوقة منظمة بصورة جيدة".

وفي السياق ذاته قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن وزراء "إسرائيل بيتنا" يهددون بالتصويت ضد الموازنة لدى طرحها على الهيئة العامة للكنيست، ما يعني خرق الطاعة الائتلافية واحتمال خروج هذا الحزب من التحالف الحكومي.

من جهة ثانية، التقى وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، مع رئيسة حزب كاديما والمعارضة، تسيبي ليفني، في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، الأحد الماضي، وذلك في ظل التوتر بين نتنياهو وليبرمان وفيما كان الأول في مصر. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن بيان صادر في ختام الاجتماع بين باراك وليفني أن "وزير الدفاع أطلع ليفني على مواضيع سياسية وأمنية، وسيواصل الاثنان عقد لقاءات في هذا الإطار".

رغم ذلك فإن التقديرات في الحلبة السياسية الإسرائيلية تفيد بأن باراك وليفني خصصا قسما من اللقاء للتباحث في الموضوع السياسي الداخلي والوضع في الحكومة خصوصا وأن باراك يتحدث منذ شهور حول تغيير تركيبة الحكومة بضم حزب كاديما إليها ودفع حزب "إسرائيل بيتنا" إلى الانسحاب منها.

وقال مقربون من ليفني بعد لقائها مع باراك إن انضمام كاديما إلى الحكومة ليس مطروحا الآن. وأضافوا أن شروط كاديما للانضمام إلى الحكومة تستدعي تغيير سياسة الحكومة وتركيبتها، مشددين على أنه "لا يوجد أي تغيير بذلك حتى الآن، كما أن بيبي (أي نتنياهو) وباراك يعرفان ذلك".

وتشير التقديرات في إسرائيل إلى أن شيئا لن يحدث في الفترة القريبة، لكن سياسيين إسرائيليين قالوا لموقع يديعوت أحرونوت الالكتروني إنه "لا شك في أن هذا اللقاء يرمز إلى بداية خطوات، ويجدر الالتفات إليه".

حول هذا التوتر وتداعياته، أجرى "المشهد الإسرائيلي" اللقاء التالي مع المراسل السياسي لصحيفة هآرتس، باراك رافيد.

 

(*) المشهد الإسرائيلي: هل توجد أجواء أزمة في الحكومة الإسرائيلية؟

رافيد: "الأجواء توحي أن هناك أزمة آخذة في التشكل وهناك توتر بين ليبرمان ونتنياهو. ويوجد بين هذين الرجلين أربعة أو خمسة مواضيع ما زالت مفتوحة، والخلافات بينهما حول هذه المواضيع شديدة للغاية. الموضوع الأول يتعلق بالموازنة العامة. ويشعر ليبرمان أن نتنياهو كذب عليه، لأنه وعده أن تتم الاستجابة لمطالب حزب ’إسرائيل بيتنا’ أكثر من بقية الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، لكنه لم يفعل ذلك. والموضوع الثاني يتعلق بـ ’قانون التهويد’. وهذا موضوع هام بالنسبة لليبرمان لأنه خاص لجمهور ناخبيه، الذين هم بغالبيتهم من المهاجرين الجدد وبحاجة إلى عملية التهويد ولأن تكون هذه العملية سهلة. لكن نتنياهو يعارض هذا القانون لأنه يثير غضبا بالغا في صفوف اليهود في الولايات المتحدة [الذين ينتمون إلى تياري اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة]، بينما يمنح ’قانون التهويد’ اليهودية الأرثوذكسية [أي اليهودية الربانية التقليدية] احتكارا لتنفيذ عملية التهويد. ويذكر أن يهود الولايات المتحدة يتبرعون بأموال طائلة لنتنياهو ولذلك فإنه يريد إرجاءه وعدم طرحه للتصويت في الكنيست. والموضوع الثالث يتعلق بتعيين سفير لإسرائيل في الأمم المتحدة. وفي الواقع تناقش نتنياهو وليبرمان حول هذا الموضوع فترة طويلة، لكن الأخير قرر القيام بخطوة من جانب واحد وعيّن أحد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية [السفير في كولومبيا ميرون رؤوفين] سفيرا مؤقتا في الأمم المتحدة. والأنظمة المتبعة هي أنه عندما يتم تعيين سفير مؤقت فإنه لا حاجة لمصادقة رئيس الحكومة على ذلك. وعمليا فإن السفير المؤقت قد يتولى المنصب لمدة عام كامل. وهذه الخطوة أغضبت نتنياهو كثيرا. والموضوع الرابع يتعلق بالعملية السياسية. وهنا توجد خلافات كبيرة جدا، لأن ليبرمان لا يؤمن بالمفاوضات مع الفلسطينيين. وهو يعتقد أنه لن ينتج عنها أي شيء. كذلك فيما يتعلق بموضوع قطاع غزة، ليبرمان يرى أنه يجب الانفصال نهائيا عن القطاع. وفي المقابل فإن نتنياهو يحاول الدفع في اتجاه مفاوضات مباشرة، ويحاول أيضا التوصل إلى تفاهمات مع السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي ومصر بشأن موضوع غزة. وهكذا فإن هناك انعدام توافق مطلق بين الرجلين حول أربعة مواضيع كبيرة وهامة".

(*) لكن لماذا تفجرت كل هذه المواضيع مرة واحدة الآن؟

رافيد: "هذا سؤال جيد ومستشارو نتنياهو يطرحون هذا السؤال طوال الوقت، وعمليا هناك ثلاثة روايات حول سبب تفجر كل هذه المواضيع الآن. الرواية الأولى تقول إن هذا حدث مصادفة وأن هذه المواضيع تجمعت مرة واحدة الآن بسبب ظروف عفوية. الرواية الثانية تقول إن ليبرمان يشعر بأن نتنياهو على وشك التوجه إلى عملية سياسية هامة جدا، وهو يريد بث أجواء رعب في الحكومة ويفتعل حالة فوضى وإثارة مشاكل لنتنياهو وبعد ذلك يتراجع هذا الأخير، وليفني لا تنضم للحكومة. والرواية الثالثة، التي يفكر فيها مستشارو نتنياهو، هي أنه ربما أن كل شيء مرتبط بأمور يعلم بها ليبرمان وحده، وتتعلق بالتحقيقات التي تجريها الشرطة ضده [في شبهات فساد سلطوي]. وهذا يعني أنه ربما هناك تطورات في التحقيق لا علم لنا بها حتى الآن، بينما ليبرمان يعرفها".

(*) هل توجد أهمية للقاء الذي عقده باراك وليفني، يوم الأحد الماضي؟

رافيد: "لم تكن هناك أية نتائج من هذا اللقاء. وأعتقد أن هذا اللقاء خدم باراك وليفني. فقد أراد باراك أن يظهر لليبرمان ولنتنياهو أنه يعرف ماذا يفعل وأنه لا يجلس هادئا وإنما يجري اتصالات ومحادثات مع تسيبي ليفني. وبالنسبة لهذه فإنها تعرف أن هذا اللقاء سيثير قلق نتنياهو وبذلك تمرر له رسالة مفادها أنها لا تكترث بإثارة قلقه".

(*) هل التوتر الحاصل بين نتنياهو وليبرمان من شأنه أن يؤدي إلى انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" من الحكومة؟

رافيد: "أعتقد أنه، في المدى المتوسط - البعيد، ليبرمان يريد الانسحاب من الحكومة. ولست واثقا من أن هذا الأمر سيحدث في المرحلة الحالية".

(*) لماذا يريد الانسحاب؟

رافيد: "لأن ليبرمان يعتقد أن نتنياهو ملزم بالتوجه نحو عملية سياسية ما. وهو يعتقد أن بإمكانه تفكيك الحكومة وأن يأخذ من نتنياهو ما بين 10 إلى 15 نائبا في الكنيست ويتحول إلى أكبر حزب في اليمين. هذا، على الأقل، ما يعتقد ليبرمان أنه أمر ممكن. لكن ليس واضحا متى سيحدث هذا الأمر. لكن على المستوى الإستراتيجي، أعتقد أن إستراتيجيا ليبرمان هي: الانسحاب من الحكومة على خلفية معارضة العملية السياسية وعرض نفسه على أنه الممثل الحقيقي لليمين الإسرائيلي".

(*) ما تقوله يعني أنه يصعب على نتنياهو إدارة سياسة مستقلة لحكومته؟

رافيد: "هناك ظروف اضطرارية. لكني ما زلت أعتقد أن نتنياهو ما زال في وضع أسهل مما تبدو الأمور. فهو لا يزال زعيم أكبر حزب في التحالف. وهو يعرف أيضا أنه عندما يقرر الذهاب نحو عملية سياسية فإن بإمكانه دائما أن يضم كاديما للحكومة. ولكاديما 28 عضو كنيست [بينما لـ "إسرائيل بيتنا" 15 عضو كنيست]، ولهذا فإن وضعه ليس سيئا كثيرا. والسؤال دائما هو إلى أي مدى هو يعتمد على ليبرمان وعلى ليفني، والأصح هو على أي منهما يعتمد أقل".

(*) بالنسبة للعملية السياسية، نتنياهو يطالب بالانتقال إلى مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين. ما الذي بإمكانه أن يطرحه على الفلسطينيين، خصوصا وأن مواقف الجانبين معروفة فيما يتعلق بقضايا الحل الدائم مثل الحدود والقدس واللاجئين؟

رافيد: "ما يقوله نتنياهو: ’استغلوني. سوف أفاجئكم. سوف أريكم ما الذي سأفعله وسأتوصل إلى اتفاق’. لكن لا أحد يعرف ما الذي يريده نتنياهو، وما هي أفكاره الحقيقية. ولا أحد يعرف ما الذي قاله لمبارك [الرئيس مصري حسني مبارك الذي التقى نتنياهو على انفراد أول من أمس، الأحد]. والمصريون حثوا أبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس] على المشاركة في القمة الثلاثية [مع نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما] وعلى المشاركة في المحادثات غير المباشرة، بينما لم يصدر عن ذلك نتائج. وأعتقد أن السؤال مختلف، وهو لماذا يرفض أبو مازن الانتقال إلى محادثات مباشرة؟ ففي نهاية المطاف ستلزم المحادثات المباشرة نتنياهو، للمرة الأولى، بأن يقول ما هي مواقفه. وحتى اليوم هو لم يكن ملزما بالإفصاح عن مواقفه. لكن في المحادثات المباشرة لا يمكنه التهرب من ذلك. وأنا أعتقد أن على أبو مازن الذهاب إلى المحادثات المباشرة، وهناك سيكتشف ما إذا كان نتنياهو أرنبا، أو أنه جاد. وإذا تبين أنه كاذب فإن المجتمع الدولي سيمارس ضغوطا عليه وسيعزله، وإذا كان صادقا فإن هذا أمر جيد. لكني لا أفهم لماذا أبو مازن ما زال يصر على عدم الانتقال إلى المحادثات المباشرة".

(*) هل توجد أغلبية داخل الحكومة الإسرائيلية والتحالف الحكومي في الكنيست تؤيد التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، أو على الأقل التقدم في العملية السياسية؟

رافيد: "أعتقد أنه واضح لجميع الموجودين في الحكومة والكنيست أن الوضع الحالي القائم لا يمكن أن يستمر. والنقاش هو ما الذي ينبغي وبالإمكان عمله".

(*) هل تتوقع أن ينضم حزب كاديما إلى الحكومة؟

رافيد: "لا أرى أن هذا سيحدث في هذه المرحلة. ومن أجل انضمام كاديما إلى الحكومة سيتعين على نتنياهو إجراء تغيير راديكالي في تركيبة الحكومة وفي سياستها. وهذا عمليا ما قالته ليفني لباراك خلال لقائهما. وعمليا هي تقصد إخراج إسرائيل بيتنا وحزب شاس من الحكومة".

(*) عندما لم يستجب نتنياهو لمطالب "إسرائيل بيتنا" فيما يتعلق بالموازنة، وعندما يرفض طرح "قانون التهويد"، هل هو يفعل ذلك كي يدفع "إسرائيل بيتنا" إلى الصدام معه وإخراجه من الحكومة؟

رافيد: "أنا شخصيا لا أعتقد أن هذه عملية مقصودة وأن نتنياهو سيدفع ليبرمان إلى خارج الحكومة".

(*) ألا تعتقد أن الإدارة الأميركية مارست ضغوطا على نتنياهو كي يغير تركيبة الحكومة؟ هناك محللون في إسرائيل يقولون إن الإدارة الأميركية تحاول تغيير تركيبة الحكومة.

رافيد: "لا أعتقد أن الإدارة الأميركية مارست ضغوطا، وإنما أعتقد أن نتنياهو يدرك أن الأميركيين يفضلون رؤية تسيبي ليفني وزيرة للخارجية على ليبرمان. هل هذا يعني أنهم مارسوا ضغوطا لإخراج ليبرمان من الحكومة؟ لا أعرف".

(*) هل أوضح الأميركيون هذا الأمر لنتنياهو؟

رافيد:"أعتقد أن بالإمكان تقدير أن الأميركيين يفضلون تحالفا مختلفا يساعدهم على التقدم في عملية السلام".