الورقة الإسرائيلية 22 من إصدار (مدار): حال الشعب اليهودي في 2004

على هامش المشهد

هذا ما يقولـه الصحافي الإسرائيلي التقدمي غدعون ليفي للمشهد الإسرائيلي مضيفًا: كل خطط نتنياهو في سياق "السلام" هي نكتة سمجة لا أكثـر * إسرائيل الآن هي دولة ذات نزعات قومية متطرفة وعسكرية كبيرة جدا * اليسار الإسرائيلي أنهى دوره قبل سنتين عندما وافق على كذبة باراك أنه لا يوجد شريك فلسطيني

 

كتب بلال ضـاهـر:

 

 

يسعى رئيس حزب الليكود المكلف تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، بنيامين نتنياهو، إلى تشكيل حكومة وحدة واسعة، تضم حزب كديما برئاسة وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، وحزب العمل برئاسة وزير الدفاع، إيهود باراك، إضافة إلى كتل الأحزاب اليمينية التي يصفها بأنها "الشريك الطبيعي" لليكود. ويجمع المحللون الإسرائيليون على أن نتنياهو يهدف من تشكيل حكومة كهذه إلى تحسين صورة حكومته من جهة، وإلى الاستفادة من العبر التي استخلصها من فترة ولايته الأولى على رأس حكومة يمين ضيقة، بين السنوات 1996 و1999، والتي تفككت قبل انتهاء ولايتها واضطر إلى إعلان حل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، من جهة أخرى. وهو يخشى أن تلقى حكومته الجديدة مصيرا شبيها.

ويظهر من تطورات اليومين الأخيرين أنه لا خيار أمام نتنياهو سوى تشكيل حكومة يمين ضيقة، تستند إلى أحزاب اليمين واليمين المتطرف، وبينها الأحزاب الدينية المتشددة (الحريديم)، التي تعتبر في إسرائيل أحزاب ابتزاز أموال وموارد الدولة. فقد رفض نتنياهو خلال لقائه مع ليفني، مساء أول من أمس الأحد، الاعتراف بحل "الدولتين للشعبين" للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما رفض إلغاء اتفاقه مع حزب شاس وتغيير طريقة الحكم.

وفيما تواصل ليفني الحديث عن أن وجهة كديما هي نحو المعارضة، إلا أنه ليس مؤكدا بعد أن هذا ما سيحدث فعلا خصوصا وأن الاتصالات لتشكيل تحالف ما زالت في هذه الأثناء في بدايتها. فقد تلقى نتنياهو التكليف من الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، بتشكيل حكومة يوم الجمعة الماضي. ولا يزال أمامه 25 يوما وهناك إمكانية أن يحصل على 14 يوما أخرى، حتى نهاية عملية تشكيل الحكومة.

 

وفي موازاة إصرار ليفني على فرض شروط على نتنياهو، فقد طالب قياديون بارزون في كديما ليفني بإجراء مفاوضات مع نتنياهو بهدف الانضمام إلى حكومته. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قياديين كبار في كديما يعارضون موقف ليفني التي ترفض الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو وتشكيل حكومة واسعة. ويطالبونها بإجراء مفاوضات مع نتنياهو، على الأقل، والاستماع منه حول ما إذا كانت هناك إمكانية للانضمام إلى الحكومة الجديدة. وأضافت الصحيفة أن بين القياديين في كديما الذين يؤيدون إجراء مفاوضات ائتلافية، الوزير شاؤول موفاز والنائب الأول لرئيس الحكومة، حاييم رامون، والوزير زئيف بويم ورئيسة الكنيست، داليا ايتسيك. ولهؤلاء القياديين تأثير كبير على القرار النهائي.

 

من جهة أخرى، يسود تخوف في إسرائيل من حدوث تراجع في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. كذلك يسود تخوف من تدهور العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. وأعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرا عن تجميد قراره تحسين مستوى علاقاته مع إسرائيل إلى حين تشكيل حكومة جديدة واستئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين.

 

حول هذه القضايا وغيرها أجرى "المشهد الإسرائيلي" الحديث التالي مع الصحافي الإسرائيلي التقدمي في صحيفة هآرتس، غدعون ليفي.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": رفض نتنياهو خلال لقائه مع ليفني أول من أمس الاعتراف بمبدأ "دولتين للشعبين" لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ما هو الحل الذي يريده نتنياهو؟

ليفي: "الحل الذي يريده نتنياهو هو النكتة المسماة 'السلام الاقتصادي'. وهذه نكتة تمت تجربتها في الماضي، وبالطبع فشلت فورا. ونتنياهو يريد كثيرًا شمل كلمة 'سلام' في برامجه السياسية، لكنه لا ينوي فعلا تنفيذ شيء في هذا الاتجاه. ومن هنا جاء هذا الاقتراح الذي يقضي، مرة أخرى، بإقامة مجمعات صناعية واستثمار المزيد من الأموال في الأراضي الفلسطينية، وكأنه إذا حصل الفلسطينيون على عمل فسيتنازلون عن حلمهم وحقهم في دولة وعن حق تقرير المصير. وهذه الفكرة التي يطرحها نتنياهو هي فكرة مشوهة للغاية ونابعة من التفكير بأنه يكفي الفلسطينيين الحصول على الطعام وكأنه لا يعنيهم أي شيء آخر. وهذا تفكير ينطوي على أساس عنصري. إذ أن نتنياهو يدرك جيدا أن ذويه لم يحلما بالطعام وإنما بالحقوق والدولة والحرية. ولا يوجد أي سبب يستدعي التفكير بأن الفلسطينيين يريدون شيئا آخر. إضافة إلى ذلك فإن هذه الفكرة لن تنجح من الناحية العملية، فالعالم لن يستثمر أموالا الآن في فلسطين من دون وجود حل سياسي، خصوصا وأن الحالة الاقتصادية للعالم صعبة، وحتى من دون أخذ الأزمة الاقتصادية العالمية بالحسبان فإنه لا أحد سيتعاون مع خدعة كهذه، تقضي برصد أموال من دون وجود حل سياسي. إذ لا يمكن أن يزدهر الاقتصاد بين الحواجز، ومن دون وجود مخرج إلى العالم، مثل ميناء ومطار في غزة ومخرج مباشر من الضفة إلى خارج البلاد. وعلاوة على ذلك فقد شهدنا مناطق صناعية كهذه في طولكرم وإيرز وعطاروت، وهذه المناطق خالية الآن، لأنه بعد أول عملية ضد هدف إسرائيلي سيتم إغلاق هذه المناطق الصناعية. وهكذا فإن كل خطط نتنياهو في هذا السياق لا تتعدى كونها نكتة محزنة".

(*) يعكف نتنياهو الآن على تشكيل حكومة. إلى أي مدى سيذهب بعيدا من أجل تشكيل حكومة وحدة، وهل تتوقع تطورا من شأنه أن يمكن حزب كديما وليفني من الانضمام إلى حكومة نتنياهو؟

ليفي: "أولا علينا أن نتذكر أن ليفني هي ليست سيدة السلام. فقد كانت في حكومة شنت حربين خلال سنتين ونصف السنة. وحقيقة أنها التقت أبو العلاء (رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني أحمد قريع) وأن إيهود أولمرت التقى مع أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) كل أسبوعين لم تدفع السلام بتاتا. وهذان الشخصان، أي ليفني وأولمرت، يعشقان المفاوضات ولا يريدان التوصل إلى أي سلام وإنما إجراء مفاوضات وحسب، من أجل نيل إعجاب الأميركيين. وأنا أفضل حكومة يمين على حكومة كديما- ليكود، لأنه بوجود حكومة يمين نعرف أين نقف، وإذا انضم كديما فإنهم سيموهون لسنتين أو ثلاث أخرى، من خلال مفاوضات لن تؤدي إلى أي شيء. وكما تظهر التطورات الآن فإن ليفني لن تنضم إلى حكومة نتنياهو، لكن هذا الوضع قد يتغير".

(*) كيف سيكون أداء حكومة نتنياهو تجاه الفلسطينيين في حال لم ينضم حزب كديما إليها؟

ليفي: "أعتقد أن نتنياهو سيعقد لقاءات مع أبو مازن، من أجل نيل إعجاب الأميركيين. وسيتحدث معه عن السلام الاقتصادي، وأنا لست واثقا من أن نتنياهو سيشن حروبا مثل حكومة أولمرت. فقد كان نتنياهو رئيسا للحكومة في الماضي ولم يشن أي حرب، فيما أولمرت شن حربين. ولا أعتقد أنه ينبغي التخوف من حكومة نتنياهو، رغم أنه لن يخرج شيء جيد من حكومة كهذه وإنما سيتم إهدار الوقت وبناء مستوطنات. ونتنياهو يختلف بصورة جوهرية عن تسيبي ليفني. وبالمناسبة نتنياهو، عندما كان رئيسا للحكومة، أنهى أحداث النفق بسرعة ولم يجعل هذه الأزمة تتفاقم، خلافا لايهود باراك الذي أخرجنا جميعنا إلى انتفاضة جنونية".

(*) ما هي التوقعات من نتنياهو إذن؟

ليفي: "لا توجد توقعات. التوقعات الوحيدة هي من (الرئيس الأميركي) باراك أوباما لا من نتنياهو. والتوقعات من أوباما هي الأخرى محدودة للغاية".

(*) هل تتوقع أن تسوء العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في حال شكل نتنياهو حكومة يمين ضيقة؟

ليفي: "ستسوء العلاقات بصورة ضئيلة وليس بحجم كبير. وأعتقد أن الأجواء ستكون أقل دفئا ولن يتم منح نتنياهو ضوءا أخضر لفعل كل ما يريده مثلما كان في حالة أريئيل شارون وأولمرت. وسيضطر نتنياهو إلى أن يكون حذرا أكثر ولن يحصل على موافقة أميركية لشن حروب وتوسيع مستوطنات وتنفيذ عمليات اغتيال".

(*) هل تعتقد أن أوباما سيمارس ضغوطا على إسرائيل؟

ليفي: "ليس بالشكل الكافي. ولا أعتقد أنه سيمارس ضغوطا كبيرة على إسرائيل".

(*) ماذا تعني حكومة يمين ضيقة بالنسبة لإسرائيل؟

ليفي: "هذا يعني قبل كل شيء أن معظم الإسرائيليين هم يمينيون. وينبغي الاعتراف بذلك. وإسرائيل الآن هي دولة ذات نزعات قومية متطرفة وعسكرية كبيرة جدا، وهي دولة تعارض السلام. وهذه حقيقة".

(*) هل انتهى دور اليسار الإسرائيلي؟

ليفي: "لقد أنهى اليسار الإسرائيلي دوره قبل سنتين، عندما وافق على كذبة باراك أنه لا يوجد شريك فلسطيني. ومنذئذ تتدحرج جثة اليسار في الشوارع والآن تم تشييعه. لكن اليسار الإسرائيلي مات منذ وقت طويل. فبعد تسع سنوات شملت حملة السور الواقي (أي اجتياح الضفة الغربية) وحربين (في لبنان وغزة)، لم يخرج اليسار إلى الشوارع. وهو ميت عمليا. وحزب ميرتس أنهى دوره وهذا أمر بات مؤكدا. فحزب سلام ويسار يدعم حربين، لم تكن اية حاجة لهما، هو ليس حزب يسار ولا حزب سلام. وبإمكان ميرتس أن يتهم نفسه وحسب على الوضع الذي وصل إليه. ودعم ميرتس للحرب على غزة هو خزي وعار على هذا الحزب".

(*) هل يتوقع أن يكون أداء وتعامل نتنياهو تجاه إيران مختلفا عن تعامل ونشاط أولمرت، مثلا، في هذا الملف؟

ليفي: "ما سيحدث بخصوص إيران سيتم إقراره في واشنطن وليس في القدس. ولذلك لن يكون هناك أي فرق. ولن يتمكن نتنياهو من عمل أي شيء من دون دعم أميركي. وأنا آمل ألا يكون هناك أي دعم أميركي لأي مغامرة عسكرية إسرائيلية".

(*) وهل تتوقع حدوث تطورات بين إسرائيل وسورية، علما أن نتنياهو أعلن أن هضبة الجولان ستبقى في يدي إسرائيل؟

ليفي: "ما الذي يمكن توقعه من شخص (أي نتنياهو) غرس شجرة في الجولان قبل أسابيع قليلة في الجولان وأعلن أننا لن ننسحب منه أبدا. صحيح أن شارون قال مرة إننا لن نخرج من غزة، وخرج، لكن نتنياهو ليس شارون. وأنا متشكك للغاية من إمكانية أن ينفذ شيئا ما بهذا الاتجاه، ورغم ذلك ليته يفاجئنا، إذ أن التوصل إلى سلام مع سورية هو أمر سهل للغاية، وبالإمكان التوصل إليه خلال خمس دقائق لو أرادت إسرائيل ذلك. لكن حكومة نتنياهو هي حكومة يمين ولا أعتقد أنها ستفعل شيئا".