إسرائيل تعترف باستخدام القنابل العنقودية خلال حرب لبنان

على هامش المشهد

بقلم: ليندا عفروني *

 

على الرغم من تغير قواعد اللعبة في الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن المحاضرين في الجامعات، ومن قبلهم المعلمين، أغفلوا أخذ ذلك في الحسبان. فقد اختار المحاضرون طريقة عمل مشابهة لتلك التي وجهت نضالهم في سنة 1995. ولكن حيث أن الاقتصاد الإسرائيلي سار في طريق الخصخصة، فإنه لم يعد يحتمل الإضرابات. رؤساء الاقتصاد لم يعودوا يعبأون بالرفاه والتعليم والصحة، فكل شيء يقاس لديهم بمقياس الربح، ومن المفضل أن يذهب هذا الربح إلى جيوب أصحاب رؤوس الأموال الذين باتوا يسيطرون على وسائل الإعلام أيضاً. فهذه الأخيرة هي التي تقرر مصير السياسيين.

 

 

إن ما يقرر اليوم هو من الذي سيجني الربح الأكبر، ولذلك يمكن رؤية الصمت البائس من جانب كل الذين يجيدون بصورة عامة تنظيم حملات الدعاية. رؤساء الاقتصاد والأثرياء لديهم الكثير مما يقولونه عن السلام والفلسطينيين وجدولة الديون، لكنهم لا يعرفون التحدث عن التعليم والرفاه ومخصصات الشيخوخة. فالأمر ببساطة غير مجد لهم. حينما يقلصون المخصصات والأجور يقولون إن التقليص ضئيل جداً وإن "الحديث يدور فقط عن خصم 100 شيكل من الراتب أو المخصص". ولكن هذا يعني في المحصلة 100 مليون شيكل تذهب إلى جيوب 100 غني أو رجل صناعة على شكل إعفاءات ضريبية وخفض دفعات للتأمين الوطني أو التأمين الصحي.

 

يشكل المحاضرون الكبار مجموعة ضئيلة وضعيفة. فمعظم العمل في الجامعات يقوم به طاقم الكادر الأكاديمي. ويتم تشغيل هؤلاء المحاضرين على أساس عمل بحسب الإنتاجية، كخادمات البيوت. في الصيف والعطل لا يحصلون على راتب على الرغم من أن الحديث يدور عن أشخاص متفوقين من نواحي امتلاك المعرفة والخبرة والمؤهلات. وهكذا فإنهم مجردون من قوتهم، لا سيما وأن الإضراب تحول إلى وسيلة غير فعالة، في ظل استمرار طاقم التدريس الأكاديمي بمزاولة عمله كالمعتاد في الجامعات، والذي كان قد أقام لنفسه نقابة مهنية منفصلة. وفي اللحظة التي تتبع فيها سياسة "فرق تسد" فإن من السهل جداً التغلب على الإضراب. كذلك فإن عملية الفصل هي التي تبعد اليوم مجلس رؤساء الجامعات عن المحاضرين وتخلق حالة من انعدام التضامن. وهكذا فإن كل واحد يهتم بنفسه ويسعى لتحقيق مصالحه حتى ولو على حساب زملائه.

 

ثمة طرف آخر في هذا النزاع وهو محكمة العمل برئاسة ستيف أدلر. وتعتقد هذه المحكمة أنها "الوسيط الوطني" رغم أن أحداً لم يعينها للقيام بذلك... فالوظيفة المحددة للمحكمة هي الاستماع إلى مواقف أطراف النزاع وأن تقرر إذا كان ثمة ما يبرر الإضراب أم لا. الإضراب في إسرائيل ما زال أمراً مشروعاً وقانونياً... ففي حال انتهاء مدة اتفاقية العمل كما حصل مع المحاضرين الجامعيين، ولم يتمكن الطرفان عبر المفاوضات من التوصل إلى اتفاق جديد، فإن من حق الموظف أو المستخدم الإعلان عن إضراب وعن نزاع عمل. في الماضي كان التهديد بالإضراب سلاحا فعالاً، إذ كانت وزارة المالية تدرك أنها إذا لم تتوصل إلى اتفاق فإن الطرف الثاني سيلحق الضرر بها عن طريق تعطيل العمل أو الدراسة الخ...

 

لكن الوضع اليوم أصبح مختلفًا. فليست هناك أية دافعية تحدو وزارة المالية إلى حل الأزمة. فهي تعمل كمشغل عام لمعظم المحاضرين المضربين وليست لها مصلحة في إجراء مفاوضات بحسن نية أو إبداء مرونة. لقد تراجعت المالية عن وعودها لكونها تنطلق من فرضية بأنها ستحصل على أوامر منع (للإضراب) من محكمة العمل القطرية. وتجد هذه المحكمة نفسها تحت طائلة التهديد من جانب الجهات السياسية التي دعت في غير مرة إلى إلغاء هذه المحكمة ذاتها، ولذا فإنها (أي المحكمة) تصارع بدورها أيضاً من أجل مصلحتها وبقائها، ومن هنا نجدها تتوسط وتقترح اقتراحات حل وسط عوضا عن أن تقرر إذا ما كان من حق المحاضرين أن يضربوا أم لا؟! من البديهي أن أي قرار قضائي محض سيعطي المضربين الحق باستخدام سلاح الإضراب، لكن المحكمة تخشى أن تثير الحكومة عليها.

 

وفي ظل وضع يستشري فيه انعدام التضامن ويسيطر أصحاب رؤوس الأموال على متخذي القرارات فإن من الطبيعي عندئذٍ أن نجد التعليم والصحة قد أقصيا إلى الهامش.

 

لذلك ليست هناك أية فرصة للنضال النقابي، بغض النظر عما إذا كان هذا النضال عادلاً أم لا.

 

___________________________________

 

* الكاتبة خبيرة في علاقات العمل والأجور. المقال ترجمة خاصة بـ "المشهد الإسرائيلي".