على هامش المشهد

هذا ما يحذر منه نائب رئيس مجلس التعليم العالي في إسرائيل، البروفسور إسحق غالنور، الذي قدم استقالته مؤخرا احتجاجا على تقليص ميزانيات مؤسسة التعليم العالي واتهم وزارة المالية والحكومة الإسرائيلية بالمسؤولية المباشرة عن الوضع الذي آلت إليه المؤسسة الأكاديمية

 

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

 

حذر نائب رئيس مجلس التعليم العالي في إسرائيل، البروفسور إسحق غالنور، من أن "مؤسسة التعليم العالي أصبحت على حافة الانهيار". وكان غالنور قد قدم مؤخرا استقالته من منصبه لوزيرة المعارف، يولي تامير، التي عينته العام الماضي في هذا المنصب الرفيع في مجلس التعليم العالي، المسؤول عن التنظيم والإشراف والموازنة في كافة الجامعات والكليات والمعاهد الأكاديمية في إسرائيل.

 

ونقلت صحيفة هآرتس، أمس الأربعاء – 30.4.2008، عن غالنور قوله إنه أراد من خلال استقالته "إطلاق صرخة" ضد وزارة المالية الإسرائيلية التي تمنع إعادة ميزانيات التعليم العالي التي قلصتها. وقال غالنور إن "إسرائيل هي الدولة المتطورة الوحيدة التي قلصت في السنوات الأخيرة ميزانيات التعليم العالي بنسبة 20%. والمسؤولية تقع مباشرة على عاتق قسم الموازنة في وزارة المالية وعلى الحكومة التي وافقت على هذه التقليصات".

 


وقال غالنور إنه أمل لدى تسلمه مهامه بتنفيذ "إصلاح شامل" في مؤسسة التعليم العالي، لكنه قرر الآن الاستقالة من المنصب بعدما أدرك أنه يتعذر عليه تنفيذ ذلك. وأضاف "نحن الآن في نهاية شهر نيسان 2008، وما زلنا بالضبط في النقطة ذاتها التي كنا فيها في العام الماضي. ولا توجد مؤشرات لاحتمال تنفيذ الإصلاح" في المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية. وأوضح "قلت إني جئت (للمنصب) لتنفيذ هدف عام واحد، وهو وضع سياسة لمدى عشر سنوات لإعادة التعليم العالي إلى مكانته المناسبة والتي كان فيها في الماضي. لكني لا أرى أن ثمة احتمالا لأن يتم تطبيق البرامج الهامة خلال السنتين القريبتين".

 

وردت وزارة المالية على أقوال غالنور بالقول إن "ادعاءات بروفسور غالنور مستهجنة، إذ أنه خلال السنة الدراسية الحالية، وبموجب اتفاق مع رؤساء الجامعات عشية افتتاح السنة الدراسية، تم إعطاء جهاز التعليم العالي مئات ملايين الشواقل، كإضافة على الميزانيات. كذلك تم التوقيع على اتفاق أجور مع السلك الأكاديمي الكبير بتكلفة تزيد عن نصف مليار شيكل".

 

وكانت مجلة "قضايا إسرائيلية" قد أجرت مقابلة موسعة مع غالنور ونشرتها في عددها الأخير. وفي رده على سؤال عن حال المؤسسة الأكاديمية في إسرائيل قال: "إنها تعاني من أزمة. وهي أزمة مستمرة منذ حوالي عشر سنوات. وتنبع هذه الأزمة من سببين: واحد سيء وآخر جيد. السبب السيء للأزمة هو أن الحكومة قلصت أكثر من مليار شيكل من ميزانية التعليم العالي، وحتى أن الحكومة لم ترصد الميزانية التي رصدتها في الماضي لكل طالب جامعي. في إسرائيل يوجد اليوم قرابة ربع مليون طالب جامعي، وهذا يعني أن عدد الطلاب ارتفع فيما الميزانية انخفضت. ونشأت جراء ذلك فجوة تمس بالمستوى التعليمي وبالغرف الدراسية التي أصبح عدد الطلاب فيها كبير، كما تمس بتجهيز المختبرات والمكتبات والأبحاث. إضافة إلى ذلك هناك ظاهرة هجرة أدمغة من البلاد، فاليوم هناك 800 باحث غير متواجدين في البلاد. وهذا الوضع يعكس أزمة كبيرة. وهذا الوضع معاكس لوضع المؤسسة الأكاديمية في العالم حيث يتم رصد ميزانيات متزايدة، بينما عندنا تنخفض الميزانيات باستمرار. علما أنه كان لدينا في الماضي تفوق، فقد كانت إسرائيل تعتبر قوة عظمى في المجال الأكاديمي والآن سيتجاوزنا العالم كله في التحصيل العلمي".

 

(*) لماذا تم تقليص الميزانيات برأيك؟ هل بسبب الاحتلال المتواصل والحروب ورصد ميزانيات هائلة على الأمن، مثلا؟

 

- غالنور: "نعم. توجد تقليصات في الموازنة، ولم يحدث هذا في عهد الحكومة الحالية وإنما كانت هناك حكومات أخرى وضعت أمامها سلم أولويات آخر. ولا شك في أن المال صُرف على أهداف أخرى، وببساطة اعتبروا التعليم العالي أنه ليس بالأمر المهم بالقدر الكافي. والتقليص الأكبر كان في فترة وزيرة المعارف السابقة ليمور ليفنات (في حكومتي أريئيل شارون الأولى والثانية بين السنوات 2001 وبداية 2006). ومثلما قلت أنت هناك أمور أخرى أكثر أهمية على ما يبدو، وإلا فإنه لا يمكن تفسير سبب التقليص. إذ أنه عندما كانت الدولة فقيرة في سنوات الخمسين والستين، فإن النسبة التي تم رصدها للتعليم العالي من الموازنة العامة للفرد ومن الناتج القومي كانت من أعلى النسب في العالم. ورغم أنه كان القليل من المال للجميع حينئذ إلا أن الحكومات عندها أولت أهمية للتعليم العالي. ولذلك لدينا الآن جائزة نوبل. وهذا نتيجة ما تم استثماره في حينه. ولهذا السبب أيضا وصل تدريج الجامعة العبرية في القدس بين المراتب الأولى في العالم. لكن إذا استمرت الحال كما هي اليوم فإن هذه الانجازات ستزول، ولن تبقى الجامعة العبرية مرموقة ولا جامعة تل أبيب ولا معهد وايزمن ولا التخنيون. ففي الفترة الأخيرة أصبحت أزمة التعليم العالي في إسرائيل صعبة للغاية.

 

"السبب الثاني للأزمة، والذي قلت إنه سبب جيد، هو أنه في السنوات الـ15 الأخيرة طرأ ارتفاع كبير جدا على عدد طلاب الجامعات. يوجد اليوم ربع مليون طالب. قبل عشرين عاما كان يصل للجامعات 20% من أبناء سن 20 إلى 25 عاما، وعندما درست أنا في الجامعة ربما كانت النسبة 10%. أما اليوم فتصل هذه النسبة إلى 43%. وهذه قفزة كبيرة. وقد تم بناء عدد كبير من المؤسسات الجامعية. قبل 20 عاما كان يوجد سبع جامعات واليوم أصبح لدينا، سوية مع كليات تأهيل المعلمين، 64 مؤسسة للتعليم العالي. ربما هذا عدد أكثر مما ينبغي. وهذا الوضع طبعا أفضل من الماضي. وهذا يسري على اليهود ويسري أيضا، من الناحية المبدئية، على العرب، رغم أن هناك فجوات بين المجتمعين. وهكذا فإن هذه الأزمة كان يتوجب أن تنشأ بصورة طبيعية. ولدينا الآن إشكالية في نوعية المحاضرين أيضا. ونحاول أن نفكر الآن كيف نصحح الوضع. فمن جهة، المجتمع الإسرائيلي مستمر في التزايد، وخصوصا لدى مجموعتين غير ممثلتين في الارتفاع الحاصل في عدد الطلاب، وهما العرب والحريديم. ومن الجهة الأخرى علينا أن نحافظ على مستوى أكاديمي عال".