أولمرت مصاب بسرطان البروستاتا

وثائق وتقارير

سُجل في السنة الأخيرة إرتفاع كبير في عدد حالات سرقة الأسلحة من الجيش الاسرائيلي * التقرير التالي المنشور في الملحق الاسبوعي الاخير لصحيفة "معريف" يسلط الاضواء على الظاهرة، ويتناولها من زاوية الرؤية الاسرائيلية "الوطنية"، ويكشف عن "حالة إشكالية للغاية" يعانون منها في الجيش الأسرائيلي، جديرة بالاهتمام..

بقلم: إيتاي آشير

بعد سيطرة محاربي الكوماندو البحري من الجو والبحر على سفينة السلاح الفلسطينية "كارين إيه"، في الثالث من كانون الأول 2002، بعدة ساعات، سارع كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية إلى نفض أيديهم من القضية. وفي الوقت الذي أوردت فيه وسائل الاعلام العالمية صورًا للأسلحة الكثيرة من الانتاج الأيراني، التي عرضها الجيش الاسرائيلي باعتزاز في خليج إيلات، ادعى الفلسطينيون، دفاعًا عن نفسهم، وعلى رأسهم ياسر عرفات: "لا يوجد أي منطق في أن نشتري سلاحًا من أيران، من الأسهل والأرخص بكثير أن نحصل على وسائل قتالية من عناصر إسرائيلية".

بعد أكثر من سنة من القبض على "كارين أيه" يعترفون في الجيش الاسرائيلي بأن الوسائل القتالية ما زالت تنساب باستمرار إلى داخل مناطق السلطة. ولكن في الوقت الذي يدير فيه جنود الجيش الاسرائيلي قتالا عنيدًا ضد مصانع "الأسلحة الفلسطينية"، التي تنتج في المناطق وقطاع غزة كميات كبيرة من وسائل القتال بجودة منخفضة نسبيًا، فإن مخازن الطوارئ والسلاح التابعة للجيش الاسرائيلي تزود تنظيمات "الارهاب" الفلسطيني بأسلحة وذخائر بكميات مخيفة وبجودة عالية.

"المخربون" يستعينون أقل من السابق ببنادق "كلاشنيكوف" السوفييتية، في حربهم ضد الجيش الاسرائيلي. في المواجهتين الأخيرتين مع الجيش الاسرائيلي في منطقة الخليل مثلا، كَمَنَ للجنود في "محور المصلين" وفي "مفترق الخرفان"، "مخربون" من "الجهاد الاسلامي" ومن "حماس"، مسلحين ببنادق "إم 16" تابعة للجيش الاسرائيلي. وقد أصابت رصاصات بقطر 5.56 ملم (للكلشنيكوف رصاصات بقطر 7.62) الجنود الخمسة عشر ورجال خلية التأهب في كريات أربع، حيث قتلوا جراء هذه الاصابات في هذين الحادثين. هذه الرصاصات وصلت إلى صليات "المخربين" من مخازن الجيش الاسرائيلي رأسًا.

* يسرقون بسبب الضائقة

في الوقت الذي تدير فيه إسرائيل حربًا نازفة ضد تنظيمات "الارهاب" الفلسطينية، يُسرق في كل ثلاثة أيام سلاح أو وسيلة قتالية أخرى من الجيش الاسرائيلي، تنتقل على الأغلب إلى تلك التنظيمات. وبحسب معطيات الشرطة العسكرية فإن هذه الظاهرة آخذة بالتفاقم. في سنة 2002 سُرقت 159 بندقية، مقابل 106 بنادق في سنة 2001. ارتفاع بحوالي 50%. في السنة الماضية سُرقت من الجيش أيضًا حوالي 360 قنبلة يدوية وكميات كبيرة من المتفجرات والأسلحة الخفيفة.

الأسابيع الأولى من سنة 2003 لا تبشر بالخير أيضًا. في هذه الأيام، تجري الشرطة العسكرية أربعة تحقيقات واسعة على الأقل حول سرقة عدد كبير من الأسلحة، بما في ذلك العشرات من رشاشات "ماغ" من معسكرات الجيش الاسرائيلي في أنحاء البلاد. الشكوك تتمحور حول سرقة هذه الأسلحة في أعقاب "طلبية" من عناصر في السلطة الفلسطينية، تحاول أن تضع أيديها على أسلحة "ثقيلة".

تحقيق آخر يتركز في وحدة المستعربين "دوفدوفان" (كَرز)، التي سُرقت منها أسلحة من أنواع مختلفة، بما في ذلك "عوزون" (عوزي مقلص) وبندقية قنص.

الحقيقة الاكثر إقلاقًا في ظاهرة سرقة الأسلحة من الجيش الاسرائيلي هي أن واحدة من الخلايا المركزية في عملية نقل الأسلحة والوسائل القتالية من المعسكر أو الخندق إلى عناصر فلسطينية، هي الجنود الاسرائيليون بالبزات العسكرية، في الخدمة النظامية أو الاحتياطية.

<<من الممكن أن يتمحور ضلوع الجنود في إخراج السلاح من الجيش، في مساعدة عناصر إجرامية في الدخول إلى المعسكر أو في نقل معلومات لتلك العناصر عن مكان الأسلحة والوسائل القتالية في داخل الوحدات العسكرية>>، يوضح الضابط في الاحتياط، المحامي كوبي سودري، الذي خدم سابقًا كرئيس وحدة الوكلاء في الشرطة العسكرية، وهو اليوم يرافع عن عدد من الجنود الذين اتهموا بسرقة الأسلحة من الجيش. <<بشكل عام، ينجح جهاز التصنيف في الجيش بغربلة ومنع دخول مجرمين كبار بجيل صغير إلى الجيش. وعلى الرغم من ذلك، ما زال في الجيش بعض الجنود الذين يتمتعون بعلاقات جنائية، ولهم الامكانية الكبيرة في الاقتراب من الوسائل القتالية، التي ينقلونها بدورهم إلى مجرمين أكبر. يمكن أن تختلف الدوافع، ومن تجربتي اكتشفت أن غالبية المتهمين الضالعين في سرقة الأسلحة أو الوسائل القتالية هم شباب يغلبهم الاغراء لفعل ذلك، نتيجة إحساس بولاء ساذج لمجرمين أكبر منهم، أو بسبب ضائقة إقتصادية أو نتيجة غباء لا غير.

<<الوسائل القتالية التي يسهل إخراجها أكثر من غيرها، هي الذخيرة والمتفجرات، التي تكون خاضعة أحيانًا لمراقبة أقل، لكن تُخرج أيضًا أسلحة من أنواع مختلفة. السلاح الذي يُخرج من الجيش يصل بشكل عام إلى عناصر إجرامية، عربية أو يهودية، ويمر بسلسلة طويلة من "الوسطاء" إلى يصل في نهاية الأمر إلى عناصر إجرامية أو إلى "تنظيمات إرهابية معادية" فلسطينية. ليست هناك حالات تقريبًا يبيع فيها الجنود السلاح للفلسطينيين مباشرةً. الجنود هم البرغي الصغير، ولكن الأهم في العملية>>.

* بنادق في الحمام

شمعون (إسم مستعار)، من سكان جنوب البلاد، كان في الآونة الأخيرة "وسيطًا" في صفقة بيع بندقيتي "إم 16"، سُرقتا من الجيش الاسرائيلي، ونُقلتا إلى الفلسطينيين. <<أنا أعرف الفلسطينيين الذين بعتهم البنادق منذ أن كنت في الخامسة عشرة>>، يروي. <<عملنا معًا في السوق، وعلى الرغم من كونهم عربًا، فهم مثل أخوتي. قبل بدء الانتفاضة كنا ننقل إليهم سيارات مسروقة إلى داخل المناطق، وبالمقابل، كنا نحصل على بضائع، مثل الخضروات والملابس، التي كنا نبيعها في السوق. في أحد الأيام توجهوا إليّ وطلبوا مني أن أحصل لهم على "آلات". وقد رووْا لي إن لديهم نزاع مع الشرطة الفلسطينية التي تطلب منهم رسوم "حماية"، وهم يرغبون في الدفاع عن أنفسهم.

<<سألت أصدقاء في الحي عن كيفية حصولي على بنادق، فقال لي جاران اثنان يخدمان في معسكر جنود مبتدئين، إن ذلك أسهل ما يكون في المعسكر الذي يخدمان فيه. وقالا لي إن المبتدئين هم أولاد، مضى عليهم يوم ونصف اليوم في الجيش، أغبياء لا يتوقفون عن إضاعة أسلحتهم. طيلة الوقت نجد بنادق مرمية في الحمام أو المطبخ نسيها المبتدئون.

<<وعدتهم بأن يحصل كل واحد منهم على ألف شيكل، في حالة جلبوا لي بندقية، وبعد أسبوعين حصلت على بندقيتي ‘إم 16‘>>، يضيف شمعون. <<شخص مُهم أخذني حتى إلى المعسكر وقال: ‘إذا أردت، يمكنك أن تدخل وأن تأخذ ما شئت من البنادق، ليست هناك أية مشكلة‘. أخذت البندقيتين اللتين باعهما لي، خبأتهما تحت مقعد سيارة وبعثت بهما مع شخص إلى المناطق. بالمقابل، حصلت من الفلسطينيين على ثلاثة آلاف شيكل عن كل بندقية. أنا أعرف أنه حصلت فوضى كبيرة في المعسكرين جراء السرقة. حققوا مع عدد كبير من الناس وأجروا تفتيشات لكنهم لم ينجحوا في معرفة هوية السارق. أنا لا أهتم بهؤلاء المتدربين، فهذه مشكلتهم أنهم أخذوا لهم أسلحتهم. أصلا، سرقة الأسلحة من الجيش هي المهمة الأسهل في العالم. أنا أعرف الآن أناسًا أخرجوا ثلاثة صواريخ صغيرة من الجيش. بشكل عام، أنا لا أتعامل مع مثل هذه الأمور، ولكن لو كان لي صديق مضغوط، فأنا أساعده>>.

- ألا تخشى من أن تصل البنادق التي بعتها إلى أيدي "مخربين" ينفذون بها عمليات؟

<<لو كنت أخشى ذلك، لما كنت بعت. أنا أعمل في السوق، وهنا توجد طيلة الوقت تحذيرات بعمليات ولذلك لم أكن لأبيع البنادق لـ ‘مخربين‘. الناس الذين بعتهم البنادق هم أصدقائي، مثل أخوتي. هناك عرب وهناك عرب، وهم رجال، لن يخرجوا ضدنا أبدًا. حتى لو حققوا معهم في ‘الشاباك‘ فإنهم لن يشوا ولن يقولوا من باعهم السلاح>>.

في الشرطة العسكرية يعتقدون أن السببين الأساسيين من وراء الارتفاع الحاد في سرقة الأسلحة والوسائل القتالية من الجيش هما "سوق الطلبات" والوضع الاقتصادي الصعب في إسرائيل. وقد اكتشف الفلسطينيون على ما يبدو الطريقة الأسهل من ناحيتهم للحصول على السلاح: <<إستغلال الضائقة الاقتصادية للجنود في الجيش>>، في الوقت الذي يبذلون فيه كل جهد من أجل الحصول على السلاح والذخائر، بما في ذلك حفر عشرات الأنفاق التحتية لتهريب الوسائل القتالية من الطرف المصري لمدينة رفح إلى الطرف الفلسطيني، من خلال دفع ثمن باهظ بحياة البشر>>.

في تحقيق لجريدة "الأيام" الفلسطينية، نُشر قبل حوالي سنة، جاء أن الانتفاضة، وخاصة حملة "السور الواقي" التي صادر خلالها الجيش الاسرائيلي آلاف الأسلحة من الأنواع المختلفة، ضاعفت من أثمان الأسلحة الاسرائيلية المسروقة. الدفع الفوري مقابل الأسلحة المسروقة أو مقابل التعاون مع السارقين، يحوّل الأمر إلى عملية جذابة في نظر مجموعات مختلفة من الجنود. <<المبلغ الذي يحصل عليه الجندي الذي يسرق بندقية يمكن أن يتراوح بين 2000 شيكل و2000 دولار، وهذا متعلق بالسعر الذي تُباع فيه في النهاية>>، يروي مصدر في الشرطة العسكرية. <<يمكن للجندي الذي يساعد على السرقة بطرق مختلفة، مثل إدخال السارقين إلى المعسكر أو نقل معلومات لهم، أن يحصل على مبلغ يتراوح بين 500 إلى 1000 شيكل>>.

<<نحن ندير حربًا صعبة ضد إدخال السلاح والذخيرة إلى السلطة الفلسطينية، عبر البحر، عبر الحدود المصرية أو عبر الأنفاق. جنودنا يصابون خلال ذلك، وفي النهاية تصل إليهم أسلحة من معسكراتنا، هذا أمر خطير>>، يشدد قائدة وحدة البر، الكولونيل يفتاح رون - طال. <<عندما تسأل نفسك في النهاية ‘لماذا يحدث هذا‘، يكون الجواب أن قسمًا من السرقات يكون وليد مجموعات سكنية ليس لديها ما تأكل. الواقع المعاش اليوم هو أن هناك شبيبة يخدمون في الجيش، جائعين. نحن نعتني بهم، ولكن يوجد اليوم جنود، يخدمون في وحدات قتالية، لا يسرقون السلاح من أجل المخدرات، وإنما لاحضار الطعام إلى البيت. لم نرَ مثل هذا الأمر في الماضي>>.

في الآونة الأخيرة، حكمت المحكمة العسكرية في قيادة المركز في يافا، بثلاث سنوات من الحبس التنفيذي وبسنة مع وقف التنفيذ، على الملازم ب.ر. الذي أدين بمحاولة بيع بندقية "إم 16"، سرقها من صديقه للوحدة مقابل مبلغ 6000 شيكل.

ب.ر. هاجر إلى إسرائيل لوحده قبل عدة سنوات من كازاخستان. لم يعرف أباه مطلقًا، وأمه أهملته في جيل مبكر، واضطر في البلاد لمواجهة ضائقة أقتصادية صعبة جدًا، لوحده.

قبل سنتين تجند للجيش وخدم كطباخ في كتيبة "نيلي" – كتيبة "هناحل" الحريدية القائمة في غور الأردن. في ايلول 2001 أعتقل وسجن في "سجن 4" في تسريفين جراء مخالفة قام بها. وفي واحدة من المحادثات مع سجين آخر في غرفة حبسه، عرض عليه سلاحًا للبيع. فأجاب زميله في الغرفة بأنه يمكنه مساعدته في بيع السلاح لشخص من منطقة سكنه.

مع خروجه من الحبس في مطلع كانون الأول هذه السنة، دخل ب.ر. إلى غرفة سكن في معسكر الكتيبة التي خدم بها، وفيها جندي نائم. ثم أخذ سلاح الجندي الشخصي من نوع "إم 16" مع قاذفة قنابل (إم - 203) كانت موضوعة إلى جانبه وخرج من الغرفة. ثم خبّأ السلاح بين الأعشاب وراء مطبخ المعسكر. وفيما بعد، توجه إلى عيادة الوحدة وطلب "توجيهًا" لفحص في عيادة خارجية ليكون بمقدوره الذهاب إلى البيت.

عندما حصل على الاذن للخروج إلى العيادة، فكّك السلاح، وضع القطع في داخل حقيبة وخرج معه من القاعدة إلى بيته. في اليوم التالي سافر في باص من المحطة المركزية باتجاه معسكر تسريفين، والسلاح المسروق معه. نل في واحدة من المحطات في الطريق، دفن السلاح بجوارها واستمر في سفرته.

بعد ذلك التقى ب.ر. بشخصين طلبا شراء البندقية منه. في البداية طلب مبلغ 2500 دولار، وبعد ذلك طلب 2000 دولار، ولكن في النهاية طلب مبلغ 6000 شيكل. وقد وعد ب.ر. الاثنين بأن يعطيهما في المستقبل أربع قنابل للقاذفة الموضوعة على البندقية، وكـ "بونوس" على الصفقة الناجحة أعطاهما صليتين مليئتين بالرصاص. فيما بعد أخذ ب.ر. الاثنين إلى المكان الذي خبّأ فيه البندقية، وبعد أن أرَوْه المبلغ الموعود، أخرج السلاح من مخبأه وأعطاهما إياه.

"لسوء حظ" ب.ر. كان المجرمان اللذان اشتريا منه البندقية عملاء للوحدة المركزية التابعة للشرطة العسكرية، تحت قيادة العقيد حاييم ساسون. وأوقف الاثنان ب.ر. وأخذاه إلى التحقيق، الذي قال فيه إنه أراد بيع السلاح لـ "أناس يكرهون العرب"، لكنه اعترف أن الدافع المركزي للسرقة كا إقتصاديًا. في الفحص النفساني الذي أجري له تقرر أنه <<يبدو أن الحديث لا يدور عن مجرم، بل عن شخص بيع السلاح بالنسبة له هو بيع غرض معدوم المعنى - مقابل نقود للمعيشة>>.

في الجيش الاسرائيلي يبذلون جهودًا كبيرة في التربية والإيضاح في موضوع أهمية الحفاظ على السلاح، من خلال التشديد على الخوف من أن كل سلاح، أو أية وسيلة قتال أخرى، يُسرق من الجيش، من الممكن أن يصل إلى أيدٍ فلسطينية ينفذون به عملية ضد إسرائيليين. ولكن في الفترة الأخيرة على الأقل، وعلى الرغم من توسيع دائرة الأيضاح، إلا أن ارتفاعًا حصل في عدد المرات التي تغلّب فيها الطمع على ضمير الجنود.

<<في المجمل، فإن غالبية الجنود يفهمون الخطورة الكامنة في السرقة أو في المساعدة على سرقة سلاح من الجيش، لكنّ هناك إستثناءات تسري عليها مقولة الحكماء: ‘النقود تعمي أبصار الحكماء‘>>، يشدد مصدر كبير في النيابة العسكرية. <<بشكل عام، فإن الجنود الذي يُمسَك بهم بعد سرقة السلاح يدعون أنهم لم يعلموا بإمكانية وصول السلاح إلى جهات "تخريبية". هذا إدعاء يصعب علينا جدًا قبوله>>، يضيف مصدر في الشرطة العسكرية.

<<على الجيش أن يقيم وحدة خاصة تكون مسؤولة عن حماية السلاح والذخيرة وأن تهتم بتوثيق كل إخراج صغير للأسلحة>>، يقول المحامي آفي عميرام، الذي كان موكلا لعدد من الجنود الذين كانوا ضالعين في سرقة أسلحة ووسائل قتالية من الجيش. "لقد حان الوقت لأن يقيم الجيش بنية لوجستية، تكون مسؤولة عن إرفاق كل رصاصة بإشارة مسجلة (بركود)، وأن يكون كل إخراج لأية ذخيرة مُحَوسبًا. على الجيش في هذا الموضوع أن يسير تمامًا كما في ‘سوبر ماركت‘، بحيث يُرفع كل نشاط شاذ فورًا، إلى الهيئات المسؤولة في وقت قصير جدًا. اليوم، لا أحد يبلّغ عن هذه النشاطات، وبالتالي يضطر الجيش للحاق بالخيول التي هربت من الأسطبل.

* 55 أغورة للرصاصة

واحدة من الحالات الأكثر ذيوعًا حول إخراج وسائل قتالية من الجيش وبيعها للفلسطينيين، هي "قضية أدوره". في آب 2002 قدمت النيابة العسكرية، للمحكمة العسكرية، لائحة اتهام ضد ثلاثة جنود نظاميين وفي الخدمة الثابتة، من سكان مستوطنتي "تيلم" و "أدورة" الواقعتين جنوبي جبل الخليل، باعوا عشرات الآلاف من الرصاص للفلسطينيين. وبحسب الاتهام، وصلت هذه الرصاصات إلى تنظيمات "إرهابية معادية".

وقد أتهم الثلاثة – الضابط موشيه كوهين (24 عاماً)، والجنديان النظاميان نداف كوهن وروعي عمار - بمساعدة العدو، وهي جناية، الحكم الأقصى عليها هو الاعدام. وقدمت لائحة إتهام أخرى في المحكمة المركزية في القدس ضد سيلع عمار، ضالع آخر في القضية، ومن سكان "أدوره". وقد أثارت هذه القضية عاصفة عامة وحظيت بتغطية إعلامية موسعة، لأن الشرطة العسكرية وشرطة إسرائيل كشفت عنها، بعد ثلاثة أشهر فقط من دخول "مخربين" إلى مستوطنة "أدوره"، التي سكن فيها المشبوهان الرئيسيان، وقتل أربعة مواطنين، منهم دانيئيلا شيفي، إبنة الخامسة. تسعيرتهم كانت 55 أغورة للرصاصة.

يسكن المتهم المركزي في هذه القضية، الضابط موشيه كوهن، في مستوطنة "تيلم". وبحسب لائحة الاتهام فقد سرق بنقسه آلاف الرصاصات، ونقلها سوية مع أخيه الجندي، نداف كوهن وجنود آخرين يسكنون في مستوطنات، إلى الوسيط الخليلي عصام جباري. قام جباري، الذي كشف عن القضية وهو الآن شاهد مركزي فيها، بنقل الرصاص إلى وسطاء آخرين. التقدير هو أن الذخيرة انتقلت إلى أيدي رجال "التنظيم" الناشطين في منطقة الخليل. وقد نشط الأخوان روعي وسيلع عمار من "أدوره" بموازاة الأخوين كوهن، وأحيانًا تعاونوا واقتسموا الأرباح. ضالع آخر في القضية هو الضابط رافي شوشان، المشبوه بتزويده لكوهن بذخيرة من مخزن الأسلحة في قاعدة سلاح الجو التي خدم بها الاثنان، مقابل معدات جنائنية سرقها كوهن من القاعدة.

وبحسب لائحة الاتهام، هكذا سارت الأمور: بطلب من موشيه كوهن، هرّب أخوه نداف آلاف الرصاصات من القاعدة التي خدم فيها. الأخوان حصلا على مساعدة من جنود آخرين، هرّبوا الذخيرة في حقائب أو في صناديق سياراتهم، مقابل مئات الشيكلات. خارج بوابة القاعدة جمع موشيه كوهن "البضاعة" وسافر في سيارته صوب محطة الوقود عند مدخل الخليل. هناك باع الذخيرة لجباري ولفلسطينيين آخرين.

<<مرة واحدة طلبت من أخي نداف أن يخرج ذخيرةً>>، قال كوهن لمحققي وحدة المهات الخاصة التابعة للشرطة العسكرية. <<بعد عدة ايام قال إنه نجح في جمع ألف رصاصة مفرقة. سافرت إلى قاعدته، أخذت الرصاصات داخل محفظة. بعد عدة أيام نقلنا أنا وسيلع الرصاصات إلى عصام، وحصلنا على 1500- 2000 شيكل. نداف حصل على حوالي 300 شيكل. قبل حوالي نصف السنة طلبت من سيلع عمار أن ينقل كيسًا فيه 600- 700 رصاصة لعصام، وحصلنا على حوالي 1500 شيكل. وقد تقاسمنا النقود سواسية: سيلع، عصام وأنا>>.

عندما سأله محققو الشرطة العسكرية عن سبب موافقته على بيع الذخيرة للفلسطينيين، أجاب: <<عرفت بأن هذه الرصاصات نُقلت لغرض أعراس أبناء الأقليات. لم أعرف حتى اليوم بأن هذه الرصاصات انتقلت أو وصلت إلى تنظيمات "إرهابية معادية". لم يكن في نيتي ولا مرة أن أنقل الرصاص إلى جهات معادية، وجهات أخرى مرتبطة بها. لم أحاول أبدًا المسّ بجيراني، بأهلي، بأصدقائي وبي. قمت بذلك تحت التهديد. كل القصة بدأت بطلب عصام أن أحصل له على ذخيرة. وقد أوضح لي أنه يعرف مواعيد سفر الباص في البلدة، ومتى يسافر أبي ومتى يعود إلى البلدة، الأمر الذي حملني على الخوف والقيام بما طلبه مني. أنا أفهم خطورة ما فعلت، لكنني فهمت في غالبية الصفقات التي نفذتها، أن الحديث يدور عن رصاص لهدف إطلاقها في الأعراس، وبعد ذلك فهمت أن هذه الذخيرة نُقلت إلى مصدر معادٍ. ولذلك لم أنقل باقي الذخيرة التي معي، على الرغم من أنني جلبت ذخيرة أخرى>>.

الى جانب الأسئلة الأخلاقية التي تنبع من قضية "أدوره"، فإنه من الصعب تجاهل سهولة إخراج كميات كبيرة من الذخيرة، على يد عدد قليل من الجنود. <<الوسائل الحربية العسكرية مُمتدة من شمال البلاد إلى جنوبها وبكميات ضخمة، نتيجة الوضع الأمني، لكن السيرورة العامة في الجيش الاسرائيلي في موضوع الوسائل القتالية هي نفس السيرورة الاسرائيلية ‘الصّاحباكيت‘ (هذه الكلمة مأخوذة من العربية، ‘صاحب‘، وهي تدلل على الاهمال الاداري الاسرائيلي - المحرر)>>، يشدد المحامي كوبي سودري، قائدة وحدة الوكلاء في الشرطة العسكرية سابقًا. <<هذه الطريقة من الادارة لا تتمتع بفائق النظام والمراقبة، وخاصةً في كل ما يتعلق بالوسائل القتالية الخفيفة، مثل الذخيرة للأسلحة الخفيفة، المتفجرات والقنابل اليدوية. هناك رقابة أكبر على الأسلحة الخفيفة، لكن في الواقع، هناك عقلية إسرائيلية عسكرية تعتمد على أمانة الجنود إلى جانب الكثير من السذاجة. المفهوم العام والساذج في الجيش الاسرائيلي هو أن العدو هناك، ونحن هنا. نقابله عند الخروج إلى المعركة فقط. ونتيجة صورة الوضع النفسانية هذه يتجاهلون إمكانية أن تتسرب هذه الوسائل القتالية إلى العدو في كل نقطة زمنية ومكانية معطاة>>.

* القط يحرس "البونكر"

القصة التالية تجسد أيضًا السهولة غير المحتملة في سرقة الوسائل القتالية من الجيش. فقد نجح جندي يخدم كسائق في معسكر إحتياط للمظليين في "سيركين"، بإخراج حوالي 34 ألف رصاصة، من الغرفة المحصنة التحتية (البونكر) التابعة للوحدة، وبيعها للفلسطينيين. وكان من المفترض أن يحرس السائق، مهاجر جديد من اتحاد الدول، "البونكر" في الليلة التي نفذ فيها السرقة. لكن، بدلا من حراسة المكان، وصل إليه في سيارة "جيب" وخلال ساعات حمّل عليه عشرات الصناديق من الذخيرة. وقد طلب منه جندي آخر حرس "البونكر" أن يتوقف، لكن السائق، بحسب أقواله، "ضغطه" ولذلك لم يوقفه. وعلى الرغم من السرقة فإنه واصل حراسة "البونكر" كالمعتاد.

وبعد أن انتهى السائق من تحميل "الجيب" اتصل بعربي إسرائيلي من سكان الرملة وبفلسطيني من الخليل. وفي الغد، وصل إلى منطق "بسغات زئيف" (مستوطنة ملاصقة للقدس - المحرر)، وهناك التقى على ما يبدو مع وسطاء وسائل قتالية. عشرات الآلاف من الرصاصات لم يُكتشف مكانها حتى اليوم، وبحسب التقديرات، فقد وصلت إلى جهات عدائية.

هذه القضية كُشفت في أعقاب شهادة حارس "البونكر" المنضغط. وبعد اعتقاله ادعى السائق أنه في النهاية "كسر الحراسة" ليس إلا، وأنه خرج من المعسكر لزيارة صاحبته المريضة. وقد أنكر أية علاقة بالسرقة، لكن محققي الشرطة العسكرية الذين تساعدوا بتقنيات متقدمة، نجحوا في تعقب المسار الدقيق الذي قام به السائق بعد السرقة. وقد حكمت عليه المحكمة العسكرية بسنتين وتسعة أشهر من الحبس الفعلي، وبـ 18 شهرًا حبس مع وقف التنفيذ، وإنزاله إلى رتبة جندي مبتدىء.

حماية وتأمين "البونكرات" ومخازن الطوارئ ووحدات مخازن الطوارئ، هما نقطة الضعف المركزية. فهذه منشآت كبيرة وممتدة على مساحات شاسعة، مخزّنة فيها كل الوسائل القتالية، الأسلحة والذخيرة للاحتياطيين. ويقوم بحماية هذه المنشآت، في غالبية الحالات، جنود نظاميون من أنظمة دعم القتال، لا يقومون بتنفيذ المهمة الصعبة الملقاة على عواتقهم، بحماس زائد. ويمكن للعلاقات بين الجنود أيضًا أن تكون إشكالية ومبنية على القوة، مما يمكن بعض الجنود من تفعيل "ضغط" على أصدقائهم وحملهم على عدم التبليغ عنهم أو أيقافهم عند التنفيذ أو المساعدة في تنفيذ السرقة.

في الجيش الاسرائيلي يعون هذه الاشكالية في تأمين الحماية لمخازن الطوارئ، وتقرر مؤخرًا إتخاذ عدة خطوات تهدف للتقليل من احتمالات نجاح خطط سارقي السلاح. وفي غطار هذه الخطوات ضُمت محازن أسلحة في الجيش إلى بعضها البعض، من أجل تركيز عدد أكبر من الحراس حولها. كما تقرر إنزال كل الرشاشات التي وضعت بشكل دائم على الدبابات وناقلات الجند الحربية التابعة للاحتياطيين، كجزء من الاستعداد للحرب، وتخزين هذه الرشاشات في داخل براميل خاصة اشتراها الجيش الاسرائيلي لهذا الغرض. في المقابل، بدأ الجيش الاسرائيلي بعملية بناء جدارات حول كل المعسكرات والقواعد ومخازن الطوارئ، وفي كثير منها، غُيّرت أنظمة الحماية وزاد عدد الحراس في "النقاط الاشكالية".

لكن الجيش الاسرائيلي الذي يقوي من الحراسة على مخازن الأسلحة، يخرج منها أيضًا آلاف السلحة ويعطيها للجنود. السبب في هذا هو أمر أعطي قبل حوالي سنة، وقرر أن على كل ضباط أو ملازم أن يحمل سلاحًا عند خروجه من المعسكر. هذا الأمر نقل في المحصلة آلاف الأسلحة من المخازن الآمنة، إلى بيوت الضباط، وجعل مهمة السارقين أسهلَ.

وإلى جانب الخطوات الدفاعية ينشط الجيش الاسرائيلي أيضًا في المجال الاستخباراتي، من خلال الاستعانة بالتقنيات الاستخباراتية الأكثر تطورًا. وبالإضافة، رُفع عدد الجنود في وحدة الاستخبارات التابعة للشرطة العسكرية، في السنوات الثلاث الأخيرة. "يجب أن يكون علاج سرقة الأسلحة جهازيًا. فهناك مواطنون مجرمون ضالعون وبالتالي من غير الممكن حصر هذا العلاج على الجيش، وإنما يجب القيام بذلك بالتعاون مع شرطة إسرائيل ومع جهات أمنية أخرى"، يوضح مصدر في الشرطة العسكرية. "من المعقد إجراء منع مسبق. ومع ذلك، نجحنا في الكشف عن 40% من الأسلحة المسروقة، وهذه نسبة محترمة، نسبيًا للكميات وللتعقيد ولحقيقة أن الحديث يدور عن جناية يصعب جدًا حلها". السؤال هو أين ومتى سيلتقي الـ 60% المتبقية مواطني دولة إسرائيل.

(الملحق الاسبوعي لصحيفة "معريف"، 14 شباط – ترجمة: "مدار")