الناطقة باسم أولمرت: رئيس الحكومة لا ينوي الاستقالة

على هامش المشهد

(*) خلفت الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 وراءها العديد من الملفات، التي لا تزال مفتوحة على مصاريعها. ولعل أحد أكثر هذه الملفات إثارة للاهتمام ذلك المتعلق بأداء الإعلام الإسرائيلي في هذه الحرب التي اعتبرت، بحقّ، الأشد إعلامية من كل الحروب السابقة.

 

 

1- من آخر ما ظهر في هذا الشأن (في كانون الثاني 2007) بحث إسرائيلي مقتضب، هو الأول في إطار سلسلة خاصة حول "الإعلام في حرب لبنان 2006" بدأت بنشرها "مدرسة روتشيلد- قيسارية للإعلام في جامعة تل أبيب"، جاء تحت عنوان "النقد الجماهيري للإعلام الإسرائيلي في حرب لبنان" يستهدف أساسًا، كما يقول معدّه البروفيسور غابي فايمان، تشخيص ملامح بؤر النقد بشأن أداء الإعلام الإسرائيلي إبان تلك الحرب، وذلك من خلال تحليل منابر الخطاب الجماهيري.

 

يؤكد كاتب البحث، وهو أستاذ ذو صولات وجولات في قسم الإعلام في جامعة حيفا ومستشار معتمد للإعلام الجماهيري، أن حرب لبنان الثانية أثارت عاصفة جماهيرية غير مسبوقة. وفي إطار ذلك وجهت إلى الإعلام الإسرائيلي اتهامات كثيرة، من قبل أوساط واسعة بين الجمهور، وكذلك من قبل المؤسسة الأكاديمية والسياسية والعسكرية، ومن قبل وسائل الإعلام نفسها، تحيل إلى سلسلة من الإخفاقات والقصورات والأخطاء والتجاوزات. ويضيف أن المعطيات التي توصل إليها تشير إلى توافر نقد واسع وعميق وحادّ لأداء الإعلام في أيام الحرب.

 

وبحسب رأيه فقد تضافرت عدة عوامل خلف ذلك.

ومن بين هذه العوامل يخصّ الباحث بالذكر، بدايةً، سلوك الإعلام الإسرائيلي في أثناء الحرب، الذي تميّز أكثر من أي شيء آخر "بإطلاق مقولات غير حذرة وتفاؤل مبالغ فيه وتفصيل زائد حول تحركات القوات العسكرية والعمليات الحربية". وتميّز أيضًا بالاعتماد على معلقين ذوي معلومات "يعلوها الصدأ" وليست مستجدة وعلى ثرثرة كبيرة استدعتها على ما يبدو ساعات البث الحيّ الطويلة، غير المبرّرة في أغلب الأحيان.

 

أما العامل الآخر فيتمثل في حقيقة أن من السهل إظهار الودّ لوسائل إعلام تجلب البشائر الطيبة مثلما أن من السهل مقت وسائل الإعلام التي تكون أنباؤها سيئة، جملة وتفصيلاً. ويشير فايمان في هذا الصدد إلى عنوان الملف الذي أعدته مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة)، المتخصصة في شؤون الإعلام والصادرة عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، حول أداء وسائل الإعلام في حرب لبنان وهو: "يضربون المبعوث- الشعب ضد الإعلام". ومن المعروف أنه في الحرب على لبنان كان الإعلام الإسرائيلي نذير أخبار السوء، سواء عن القتلى والمصابين والأضرار أو عن القصورات والإخفاقات. ويقتبس الباحث في هذا الصدد قول المعلق العسكري للقناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، الذي جاء فيه: "كانت تلك حربًا غير ناجحة؛ وقد عكسناها (كما هي). كانت بكل بساطة حربًا غير ناجحة... وأقول إن الإعلام عكس حربًا لم تكن جيدة. وقد خرج الناس بعد 33 يومًا من الملاجئ وهم خائبو الأمل جدًا من نتائج الحرب".

 

وهناك عامل ثالث يقف وراء اتساع دائرة النقد الجماهيري لوسائل الإعلام الإسرائيلية خلال حرب لبنان، هو أن الجمهور الواسع يرى في هذه الوسائل جزءًا من المؤسسة الحاكمة، أي جزءًا من الأجواء الرسمية، من جهة وكذلك يرى فيها حصن الإجماع ورمزه الفاقع، من جهة أخرى. ولذا فإن خيبة الأمل منها تبقى جزءًا من خيبة الأمل الأهم والأعم من المؤسسة الحاكمة، التي منيت بالفشل الذريع في مهماتها كافة. وفي هذا الشأن يقتبس قول الصحافي والمعلق السياسي عوزي بنزيمان، رئيس تحرير مجلة "العين السابعة" المذكورة والكاتب الدائم في صحيفة "هآرتس"، الذي ورد فيه: "في حرب لبنان شهدنا تكتلاً غير مألوف للإعلام حول عمليات الحكومة وخطواتها. ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الحادثة التي أدّت إلى انفجار الحرب (أي اختطاف الجنديين على الحدود مع لبنان، من جانب مقاتلي حزب الله) وحتى عشية إعلان مجلس الأمن الدولي عن اتفاق وقف إطلاق النار تداعت الصحافة الإسرائيلية، على قنواتها المتنوعة، للوقوف خلف قيادة الدولة والقيادة العسكرية العليا ومنحتهما تغطية لم نذكر مثلها منذ مدة طويلة. لقد تصرّف الصحافيون كوطنيين كاملين، فهم أيدوا قرارات المستوى السياسي وحركوا الرياح في أشرعة مبادرات المستوى العسكري. وقد استمر هذا التكافل طوال الحرب تقريبًا، إلى درجة لم يكن بالإمكان فيها تمييز ما إذا كانت مواقف الإعلام هي صدى لتوجهات أصحاب القرار، أم أنها تقود هذه التوجهات فعلاً. وفي هذا الانجرار أصبح الإعلام (الإسرائيلي)، باستثناء صحافيين قلائل غردوا خارج السرب، إعلامًا مجنّدًا".

 

وينوّه الباحث، بشكل خاص، إلى أنه في هذه الحرب واجهت إسرائيل خصمًا إعلاميًا ذكيًا ومتطورًا ذا قدرات إعلامية وبنية تحتية إعلامية لم تعرف إسرائيل مثيلاً لها في تاريخها. ويؤكد أن حزب الله كان خصمًا أشد ذكاءً، من جميع الخصوم.

 

ويشير كذلك إلى عامل أخير هو التكنولوجيا الإعلامية المتطورة في السنوات الأخيرة، التي جعلت الحرب في صيف 2006 "الحرب الأشدّ إعلامية" من أية حرب سابقة في تاريخ إسرائيل.

 

وفي الختام فإنه يؤكد أن من يتفحص الخطاب الجماهيري حول الإعلام في أثناء الحرب، يجدر به أن يصدر في الوقت ذاته رأيه حول ما قيل وما كتب. بيد أنّ الأهم من ذلك هو أن يتمّ تفحص ما تجاهله الخطاب وما تغاضى عنه النقد. وهذا يتطلب تطرقًا إلى المشاكل والإخفاقات ما قبل الحرب وبعدها على حدّ سواء. وفي ضوء ذلك فإن السؤال الرئيس الباقي بعد كل شيء هو: هل تعلم الإعلام الإسرائيلي فعلاً من العيوب والتحديات القاسية التي واجهها؟ أم أن من شأن الروتين اليومي والأحداث الجديدة أن تجعل كل شيء في طيّ النسيان، ما يعني أنّ ما كان هو ما سيظل، أولاً ودائمًا؟.

 

2- لا يعتبر بحث فايمان الأول حول أداء الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب. فقد أظهرت نتائج بحث سابق حول هذا الموضوع أن الدعاية والإعلام الإسرائيليين عانيا في ما يتعلق بالحرب من قصور شديد وعدم مصداقية، لدرجة أن قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي كانت ميّالة للاعتماد على تقارير "حزب الله" والثقة بصدقية بيانات أمينه العام، السيد حسن نصر الله، أكثر من ثقتها بصدقية سائر المتحدثين الإسرائيليين، السياسيين والعسكريين على حد سواء.

 

وقال معدّ هذا البحث، د. أودي ليفل، وهو محاضر بارز في علم النفس السياسي وعلاقات الجيش ووسائل الإعلام في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع: "لقد نشأ وضع إشكالي، فبدلاً من أن يعتمد الجمهور الإسرائيلي على متحدث قومي يُطلعه ويبيّن له مجريات الأحداث يومياً، أصبح الجمهور يولي ثقته في هذا الصدد لزعيم العدو الذي نحارب ضده".

 

وتابع ليفل موضحاً، في مقابلة أجريت معه حول النتائج التي توصل إليها بحثه الذي نشر أخيرًا في إسرائيل: "في مواجهة زعيم يتمتع بتأثير إعلامي مثل نصر الله كان يتعيّن على المؤسسة (الإسرائيلية) الرسمية تجنيد رد بنفس المستوى على الأقل". وأضاف أن زعيماً إعلامياً جيداً يجب أن يوفّر للمشاهد ثلاثة جوانب أساسية وهي: المصداقية واليقين والترقب. المصداقية بمعنى قول الحقيقة، واليقين بمعنى نقل واقع الأمور في الميدان، والترقب أو الانتظار لسماع بياناته.

 

في سياق البحث (الاستطلاع) الذي أجراه د. ليفل سئل المشتركون عن الشخص الذي وفر لهم (الخبر) اليقين بشأن مجريات القتال ومن هو الذي حظي بأقصى ثقة ومصداقية لديهم، وقد كانت النتائج قاطعة حيث أشار المشتركون إلى حسن نصر الله باعتباره أكثر مصداقية بكثير من سائر المتحدثين الإسرائيليين على اختلاف أنواعهم، إذ لم يحظ أي من المتحدثين الناطقين بالعبرية بعلامات مصداقية عالية كالتي حصل عليها نصر الله (الناطقة بلسان الجيش الإسرائيلي في أثناء الحرب، ميري ريغف، حصلت على 19% فقط). كما اعتبرت النتائج خطب نصر الله بأنها توفر للجمهور الإسرائيلي اليقين والترقب على حد سواء.

 

وأكد ليفل في استنتاجات بحثه أن مصداقية نصر الله لدى الجمهور الإسرائيلي أقوى بكثير من مصداقية الزعماء الإسرائيليين، وبالذات بعد انتهاء الحرب. وأضاف أنه نشأ خلال الحرب وضع نفسي غير مفهوم "فبدلاً من أن ينتظر الجمهور متحدثنا القومي ليوضح له ما يحدث كل يوم، وأن يبدو كمتحدث موثوق، فقد حدث شيء غير مسبوق، إذ بات الجمهور يرى في زعيم العدو الذي نحاربه متحدثاً موثوقاً أخذ الجمهور الإسرائيلي ينتظر ويترقب خطبه وبياناته".

 

المشتركون في البحث لم يعبروا عن كراهية تجاه نصر الله، بل عبروا عن نظرة فيها ازدواجية. ويقول د. ليفل في هذا الشأن: صحيح أن هناك كراهية لنصر الله كونه يمثل كل من يلحق بنا الأذى، ولكن ذلك يعكس نظرة من نوع معين لم تكن موجودة في السابق تجاه أي زعيم معادٍ. فالجمهور لم ينظر لنصر الله كشخص شرير مثير للاشمئزاز، وإنما نظر له بنوع من الغيرة والحسد. كان لسان حال الإسرائيليين يقول (عن نصر الله) "لقد أجاد اللعبة، ليذهب إلى الجحيم... ولكن يا ليته كان لدينا زعيم كهذا". لقد جسّد في نظر الإسرائيليين القدماء الدهاء الذي اعتقدوا أن إسرائيل كانت تجسّده فيما مضى. ويورد ليفل توصيفات أخرى في الخطاب الشعبي الإسرائيلي ترتبط بمصداقية نصر الله، من قبيل "صاحب كلمة" و"يمكن إبرام صفقة معه" ...الخ. ويؤكد ليفل أن نصر الله ما زال يعتبر في نظر الجمهور الإسرائيلي "شخصية تولد الإلهام والحسد".