وثائق وتقارير

تلقّى "التعايش" بين مواطني إسرائيل اليهود وبين العرب ضربةً قاسية منذ أكتوبر 2000؛ هذه الضربة لم تحِدْ عن عدد من تنظيمات حقوق الانسان والمواطن. بنظرة أولى، هم بالذات من كان عليهم أن يتخطوا هذه الفترة الصعبة بسلام، لكن في كل تنظيم تقريبًا، بوسع النشطاء أن يحدثوك عن التوترات، والشكوك وعن الترسبات المتبادلة التي نشأت في السنتين وربع السنة الأخيرة. وأكثر من كل التنظيمات، على ما يبدو، حدث ذلك في التنظيم الأكبر والأقدم: "جمعية حقوق المواطن"

في جلسة عقدت قبل عدة أشهر في تنظيم إسرائيلي لحقوق الانسان، بلّغ أحد النشطاء عن دعوة لزيارة وصلت من قرية فلسطينية، سكانها معنيون بالتعاون من خلال مشروع إنساني. وأضاف هذا الناشط أن هذه القرية معروفة كقرية متماثلة مع "حماس". وعملا بما يلائم مبادئ التنظيم تم قبول الاقتراح بسرور، ولكن يهوديًا من أعضاء الطاقم أضاف على الموقف القليل من روح الدعابة السوداء: "لماذا علينا أن نذهب إليهم"، استعجب، "فهُم في كل حال يأتون إلينا". عدد من النشطاء اليهود انفجروا بالضحك، الذي ما فتئ أن خمد: لقد رأوا أن وجوه الزملاء العرب بقيت صفراء. النكتة لم تضحكهم.

تلقّى التعايش بين مواطني إسرائيل اليهود وبين العرب ضربةً قاسية منذ أكتوبر 2000؛ هذه الضربة لم تحِدْ عن عدد من تنظيمات حقوق الانسان والمواطن. بنظرة أولى، هم بالذات من كان عليهم أن يتخطوا هذه الفترة الصعبة بسلام، لكن في كل تنظيم تقريبًا، بوسع النشطاء أن يحدثوك عن التوترات، والشكوك وعن الترسبات المتبادلة التي نشأت في السنتين وربع السنة الأخيرة. وأكثر من كل التنظيمات، على ما يبدو، حدث ذلك في التنظيم الأكبر والأقدم: "جمعية حقوق المواطن". الأزمة وصلت ذروتها في "الجمعية" عندما استقالت د. نعماه كارمي، رئيسة الادارة، من منصبها بـ "طرقة باب"، بعد أشهر طويلة من النزاع بينها وبين العاملين العرب، النزاع الذي خلف من ورائه مسًا عميقًا في داخل كل المشاركين به. "هذه خسارة كبيرة"، تقول حدفاه ردوفينتش، عضو إدارة "الجمعية" إلى ما قبل أسابيع قليلة، "ففي النهاية الحديث يدور عن أناس جيدين مع نوايا حسنة، لا يستحق أحد منهم ما تلقاه".

كارمي، المحاضرة في الفلسفة السياسية وعضو كيبوتس معغان ميخائيل، أختيرت لمنصبها قبل حوالي السنة وربع السنة، لكن التصدعات الأولى طفت على السطح قبل ذلك بكثير، قليلاً بعد بدء الانتفاضة. لا يمكن التحدث عن هذه التصدعات بمعزل عن التطورات التي تمر بها جمعية حقوق المواطن في السنوات الأخيرة. تأسست "الجمعية" في العام 1972 على يد مجموعة متجانسة جدًا من ممثلي النخب الأكاديمية والقضائية، غالبيتهم من البروفيسورات الانغلوسكسيين من الجامعة العبرية، الذين رغبوا في إستيراد الليبرالية الغربية إلى إسرائيل، وأيضًا في طرح بديل معتدل لمجموعة حقوق الانسان، التي كانت متماثلة مع الحزب الشيوعي.

المؤسسون كانوا صهيونيين ووطنيين متحمسين، وجزءًا لا يتجزأ من المؤسسة الاسرائيلية. كان البروفيسور هنس كلينغهوفر، عضو كنيست عن حركة "غاحال" و"الليكود"، الرئيس الأول لـ "الجمعية". اليوم، في الوقت الذي تُعاد فيه حقوق الانسان إلى اليسار بشكل حكري، من الصعب رؤية شخصية ليكودية كحاملة لمنصب كبير في "الجمعية". وما زالت إدارة "الجمعية" – 1200 عضو في "الجمعية" يختارون أعضاء الادارة الاثني عشر - تشكّل الدالة المؤسساتية، وما زال أعضاؤها بالأساس من مجال القضاء والأكاديمية. وبالمناسبة، ما زالت الادارة خالية من عضو عربي واحد (كان هناك واحد وترك).

في طاقم العاملين، مقابل ذلك، وفيه حوالي (40) متلقي أجر، هناك (6) من العرب، الرقم الأكبر في تاريخ "الجمعية"، ثلاثة منهم محامون. القليل من العاملين اليهود مصنفون مع اليسار الراديكالي، لكن التوترات بين الشعبين تُشتق في أحيان من خلال وجهات نظر مختلفة، لا يمكن حتى للمعتقدات السياسية المتشابهة أن تجسر عليها. "منذ أكتوبر 2000 الوضع غير سهل"، تقول مريم ليدور، رئيسة قسم الاعلام والنشاطات الجماهيرية في "الجمعية". "وحتى لو حاولنا أن نكون منفتحين جدًا وأنقياء، إلا أن كل واحد في النهاية يأتي بنظرته الخاصة، وأنا عيناي يهوديتان. بشكل عام، وبعد أزمة عميقة، تكون هناك تجربة مصححة، لكن ضربة فوق ضربة فوق أخرى تراكمت هنا، من دون أن تكون هناك لحظة واحدة للتعافي. الواقع الاسرائيلي تغلغل إلى الداخل. الوضع الصعب في المناطق ألزم "الجمعية" بالعمل المتزايد، وفي واقع شديد الانفجار، يمكن لكل خطوة أن تصنع فضيحةً".

في المراحل الأولى للانتفاضة تركزت الخلافات في مسائل الصياغات. مثلا، هل من المسموح لموظفي "الجمعية" أن يستخدموا الاصطلاح "المناطق المحتلة"؛ المحامي نمر سلطاني يعتقد أن الجواب هو أيجابي. سلطاني توقف عن العمل في "الجمعية". والعديد من العاملين العرب احتجوا على أن "الجمعية" تستخدم الأسماء العبرية لمدن الضفة؛ "شْخيم" وليس نابلس، مثلا. هذا تخليد للاحتلال، ادعى العرب، حتى الأسماء نصادرها من الفلسطينيين. واستخدام كلمة "قواتنا" أيضًا في توجهات "الجمعية" إلى رئيس الحكومة أو إلى العناصر الأمنية، يثير عدم الارتياح عند بعضهم. "يبدو لي أن هناك من ينسى في ‘الجمعية‘ أن قسمًا من العاملين هم من العرب غير الصهيونيين"، يقول أليف صباغ، الذي يعنى بتوجهات الجمهور في فرع "الجمعية" في حيفا. "ماذا، هل عليّ أن أسلّم بأن ‘قواتنا‘ تمثلني أيضًا؟"

- هذه الجمعية لحقوق المواطن في إسرائيل، وهذه القوات، شئت أم أبيت، هي القوات التي تنشط بإسم دولة إسرائيل.

"شكليًا، هذا صحيح، ولكن كتنظيم لحقوق الانسان هم لا ينشطون باسمنا. على ‘الجمعية‘، كما الدولة، أن تقرر مرة وللأبد ما إذا كانت ‘جمعية‘ يهودية فيها أقلية عربية، أم أنها ‘جمعية‘ مشتركة للقوميتين، وتعمل حسب قيم أممية لحقوق الانسان".

- من هم الـ "قواتنا" خاصتك؟

"جمهور نشيطي حقوق الانسان".

* شركاء في الألم الفظيع

المحامية منال حزان، من قسم "المناطق"، بدأت بالعمل في "الجمعية" في صيف 2001. وقد مرت بالأزمة الأولى بعد بضعة أشهر، في النقاشات التي جرت بعد هدم البيوت الجماعي الذي نفذه الجيش الاسرائيلي في رفح: "موقف ‘الجمعية‘ كان واضحًا، ضد هدم البيوت، لكنه كان من الصعب جدًا عليّ أن أتعامل مع المصطلحات التي أستخدمت في النقاش. تحدثوا هناك عن ‘هدم بيوت مخربين‘ و‘المخربون الفلسطينيون الذين يطلقون النار من داخل البيوت‘، وهذا في المحصلة تَبنٍ لوجهة نظر المؤسسة الاسرائيلية وجهاز الأمن، وكأن نقاشنا معهم ليس في الفرضيات الأصلية، وإنما حول سؤال حجم القوة التي يُسمح باستعمالها في مثل هذه الظروف. أنا، مقابل ذلك، أعتقد أنه عند الحديث عن هدم أحياء كاملة فإنه ليس بوسعك الادعاء أن كل من يسكن هناك هو مخرب. أكثر من ذلك، الفلسطيني الذي يطلق النار من داخل بيته على جنود أتوا لهدمه، ليس إرهابيًا. هذا الأمر أضاء عندي إشارةً حمراء، لأننا تنظيم يحرص على فحص كل رسالة تخرج منه، وهناك نقاشات حول كل صياغة، وفجأة يستخدمون توصيفات مثل ‘مخربين‘ على اليمين وعلى اليسار".

لكن كل هذه المعضلات كانت بمثابة تهيئة للشرخ الكبير الذي حدث في نيسان من هذه السنة، بعد وقت قليل من بداية حملة "السور الواقي". في الأيام الأولى للحملة اتخذت "الجمعية" موقفًا واضحًا ضد خروقات حقوق الانسان التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية، والتي وصفها رؤساء الجمعية بـ "الأصعب خلال الـ 35 سنة من الاحتلال". في العاشر من نيسان نشرت "الجمعية" في "هآرتس" إعلانًا كبيرًا، صيغ بحدة لم تميز "الجمعية" من قبل. تحت عنوان "حملة القضاء على حقوق الانسان"، كُتب أنه "بموجب المعلومات التي وصلتنا، يرزح مخيم جنين للاجئين منذ أسبوع تحت طائلة هدم جماعي وجارف للبيوت... العشرات من الجثث تتكوم في البيوت وفي الشوارع. الجيش لا يمكّن من إخلاء الجرحى- وهم ينزفون حتى الموت. جمعية حقوق المواطن في إسرائيل تنذر بألم كبير بأن هناك جرائم حرب تُرتكب على يد الجيش الاسرائيلي في المناطق".

جرّ هذا الاعلان، مثل تصريحات أخرى لشخصيات من "الجمعية"، هجومًا شاملاً، تصدّره المستشار القضائي للحكومة. "لا أفهم جهات إسرائيلية، ترشق التهم غير المفحوصة باستخفاف وبكل بساطة"، قال روبنشطاين في محاضرة ألقاها في جامعة بار أيلان. كرد فعل، دعاه سامي ميخائيل، رئيس جمعية حقوق المواطن، إلى الاستقالة من منصبه، وادعى أن المستشار القضائي "تلوّث سويةً مع المؤسسة الحاكمة". تم إلغاء مشاركة المحامي دان يكير، المستشار القضائي لـ "الجمعية" ومشاركة د. إيال غروس، عضو الادارة، في مؤتمر في "المركز متعدد المجالات" في هرتسليا نتيجة ادعاءاتهما بأن الجيش الاسرائيلي يقوم بجرائم حرب. يوآف دوتان، محاضر في القضاء في الجامعة العبرية، نشر مقالاً لاذعاً في "هآرتس" لقّب فيه "الجمعية" بأنها "الفرع المقدسي لـ ‘عدالة‘"، وردّتْ نعماه كارمي في مقال آخر على ذلك. "كان هناك الكثير من الضغط"، يستعيد عضو الادارة الذي فضّل أن يتحدث من دون الكشف عن إسمه. "الجهات التي تحاول بناء علاقات عامة لـ ‘الجمعية‘ عند الجمهور اليهودي قالت إن الاعلان الذي نشرناه متطرف وإنهم يواجهون صعوبات في تجنيد الأموال".

وفي الوقت الذي اضطرت فيه "الجمعية" لمواجهة التهجمات عليها من الخارج بسبب مواقفها الراديكالية، اضطرت كرمي لمواجهة نقد داخلي من الجهة المعاكسة. الرسالة التي أرسلتها إلى رئيس الحكومة ووزير الأمن بعد يومين من المجزرة في فندق "بارك" في نتانيا، في اليوم الذي دخلت فيه قوات الجيش الاسرائيلي إلى المناطق الفلسطينية، أثار غضب عدد من العاملين العرب. "نحن شركاء في الألم الفظيع النابع من العمليات الفتاكة التي تتم داخل إسرائيل وفي المناطق"، كتبت كارمي. "من حق إسرائيل ومن واجبها، ككل دولة، أن تذود عن مواطنيها من المس بحيواتهم وسلامتهم.. مع ذلك علينا أن نحذر من أنه حتى في أوقات الطوارئ، فإن على نشاطات الدولة أن تتلاءم مع مبادئ القوانين الانسانية والدولية".

مرة ثانية اتضح أن هناك فجوةً سحيقةً بين وجهات النظر عند الطرفين. يُفهم من رسالة كارمي أن إسرائيل في نظرها، تنشط في المناطق من أجل الدفاع عن مواطنيها، ولو كان ذلك من خلال تفعيل قوة أكبر من اللازم، وهي تقوم بذلك "كرد فعل على العمليات الدموية"، كما هو مذكور في قسم آخر من الرسالة. مقابل ذلك، يرى العاملون العرب في "الجمعية"، وعدد من زملائهم اليهود، الأمور بمنظار مختلف تمامًا. في نظرهم، الاحتلال المستمر منذ 35 سنة هو الارهاب الحقيقي، ولا يمكن اعتبار اجتياح الجيش للمناطق، ولا بأي حال من الأحوال، كرد فعل على العمليات؛ العمليات بالذات، انطلاقًا من هذه الرؤية، هي رد الفعل اليائس على القمع الاسرائيلي. "كان ممنوعا أن تخرج هذه الرسالة بالصياغة التي خرجت بها"، تقول منال حزان.

كارمي مقتنعة بأن ما ضايق المعترضين كان أصلا التعاطف مع الضحايا الاسرائيليين الذي جاء في مقدمة الرسالة. "في ليلة الفصح اليهودي زارني إبنٌ لاصدقاء يبلغ الخامسة عشرة"، تروي. "عندما بدأت التقارير عن العملية بالوصول نظر إلي وقال، ‘أليس صحيحًا أنكم تهتمون بقتلانا أقل؟‘. هو لم يقصد ‘الجمعية‘ بالذات، وإنما كل اليسار، ووصلت إلى استنتاج بأنه ليس هناك أي سبب في عدم التعبير عن تعاطفنا".

* في قفص الاجماع

أليف صباغ كان التالي في الدور. في بلاغ أرسله عبر البريد الالكتروني الداخلي لعاملي "الجمعية"، صاغ بحدة عدم رضاه عن رسالة كارمي. في رأي عدد من زملائه، فإنه قام بذلك بحدة زائدة بعض الشيء. "يؤسفني أن أبلغ الجميع"، كتب صباغ، "بأن بيان جمعية حقوق المواطن حول عمليات جيش الاحتلال الاسرائيلي، فيما يلي جرائم الحرب التي يتحمل مسؤوليتها الجنرال الكاذب، كما هو معروف لكل مواطن إسرائيلي، بأن هذا البيان لا يعكس رأيي كعامل في "الجمعية" ولا يعبر في تقديري عن أي شخص محب للسلام ولحقوق الانسان. لقد جاء الوقت لأن تخرج ‘الجمعية‘ من قفص الاجماع الصهيوني وأن تتحرر من تدعيمات أعضائها اليمينيين...

"لا أوافق على أن أعمال جيش الاحتلال هي رد فعل على العملية في نتانيا. العكس هو الصحيح، العمليات هي الرد الوحيد الذي تبقى متاحًا للفلسطينيين ليقولوا للعالم كله وللاسرائيليين خاصةً، إنه لن يكون سلام ولا أمن لطرف واحد من دون أن يكون للطرف الآخر. لن يستطيعوا أن يترفهوا وأن يرقصوا في تل أبيب، في الوقت الذي لا يستطيعون في رام الله أن يخرجوا من البيوت، وحتى الأطفال لا يستطيعون النوم، خوفًا من أن تقتحم عصابات جيش الاحتلال الباب وأن تأخذ أباهم من دون أن يُتاح لهم الحصول على قبلة أخيرة منه. فقط من يستطيع أن يفهم أو أن يتخيل وضعًا كهذا، بإمكانه أن يفهم ما الذي يدفع بهؤلاء الناس للخروج إلى عمليات انتحارية. الشاب الفلسطيني الذي يخرج إلى عملية ‘إنتحارية‘ يمرر للآخرين بلاغًا واحدًا وهو: لماذا الانتظار لكي يصل الاسرائيليون إليّ ويقتلوني وأنا في السرير؟ في كل الحالات سأُقتل، وهكذا من الأفضل لي أن أجني الثمن من القاتل قبل أن يصل إليّ... ومثلما أن "واجب وحق" كل دولة أن تدافع عن حياة مواطنيها، فإن من واجب السلطة الفلسطينية ومن واجب كل أب وأم وكل أخ وأخت أن يدافعوا عن أبناء عائلاتهم بالشكل الذي يبدو لهم ممكنًا".

نعماه كارمي ذُهلت بعد قراءة الرسالة. "رأيتُ أنه يتجاوز كل الخطوط الحمراء التي يستطيع تنظيم لحقوق الانسان أن يتعايش معها، وبأن هناك فهمًا وحتى تبريرًا للعمليات التفجيرية. زد على ذلك، وبتقديري، فإن هناك طلبًا بأن تتحول ‘الجمعية‘ إلى تنظيم سياسي لكل شيء". فيما بعد، هي تتأسف من أنها لم تعرض الرسالة على أعضاء الادارة، ولم تطالب باتخاذ خطوات ضد كاتبه. كارمي تركت علاج الموضوع بيدي مديرة "الجمعية" العامة، فيرد ليفناه.

ليفناه تحدثت إلى صباغ، وحصلت على توضيحه بأنه لم تكن لديه أية نية في دعم العمليات التفجيرية. المحامي دان يكير، المستشار القضائي لـ "الجمعية"، يقول أيضًا إن "أليف أوضح أنه لم يدعم العمليات التفجيرية في حياته وأن هذا لم يكن مقصده، وأنا لا أرى سببًا للحظة في التشكيك بذلك". منال حزان: " أعرفه وأعرف مواقفه منذ سنوات عديدة، وأنا أعتقد أنه كان بإمكانه أن يعبر عنها بطريقة ناجحة أكثر. لدي مشكلة مع البريد الالكتروني الذي أرسله، ويمكنني أن أفهم لماذا فسروه كما فسروه، لكن هذا لا يعني أن التفسير الأخير هو صحيح".

صباغ يوضح: "أنا أضع كل مس بمواطنين تحت تعريف الارهاب. المشكلة تكمن في أن "الجمعية" تميل إلى رؤية كل مقاومة للاحتلال كإرهاب. أنا أسألك، رمي الحجارة هو إرهاب؟ المسّ بالجنود والمسّ بالمواطنين هو الأمر ذاته؟ على تنظيم لحقوق الانسان أن يميّز بين ما هو شرعي وغير شرعي، أنا أقوم بهذا التمييز. وأنا أعتقد أن ‘الجمعية‘ لا تقوم به. وبالاضافة إلى ذلك، أنا أعتقد أن كل عملية فلسطينية، شرعية كانت أم لا، هي في المحصلة نتيجة مباشرة للاحتلال، ومن يتحمل مسؤوليتها هي حكومة إسرائيل".

- هل تفهم لماذا فسر الكثيرون رسالتك على أنها إعطاء شرعية للعمليات التفجيرية؟

"أنا أعتقد أن هناك سوء فهم جوهريًا. لقد أخذت على عاتقي دور المعلق، وأوضحت كيف يرى الفلسطينيون في المناطق المحتلة كل ما يجري. شعرت بأن من واجبي أن أمرر لطاقم ‘الجمعية‘ الأمور من وجهة نظرهم. وليس صدفةً أنني أستعين في الرسالة بكلمة ‘هم‘ وليس ‘نحن‘، لأنني أفسرهم هم، ولا أفسر موقفي".

"في غالبية الوقت لا يقومون في إسرائيل بالتمييز بين الفهم وبين التبرير"، تقول حدفاه ردوفنيتش. "عندما يقول يهودي إنه من الممكن فهم ما يحرك المنتحرين، فإنه من الواضح أنه يُعتبر كمُفسّر، وعندما يقوم عربي بذلك فهو يتحول فورًا إلى مشكوك بتبريره للعمليات".

* فؤوس سياسية

من الأيام الأولى لـ "الجدار الواقي"، تتذكر منال حزان بشكل خاص، أزمة نفسية متواصلة، والشعور بأنها بقيت في الجبهة لوحدها تقريبًا. "كنتُ عندها المحامية الوحيدة في قسم المناطق، وإلى جانبي كان موظف واحد، الياس صباغ. كلهم كانوا في عطلة بسبب العيد، ونحن قطعنا عطلة الفصح لدينا وجئنا إلى العمل. وردتنا توجهات أصعب من أن تُحتمل. طيلة اليوم وصلت إلى المكتب مكالمات مليئة بالرعب من أطباء في مستشفى جنين، رووا أن المستشفى يُقصف، أو من أطباء من مستشفى رام الله رووا أن الجيش الاسرائيلي اقتحم المستشفى وعزل الطاقم الطبي في إحدى الغرف. جلسنا هناك نحن الاثنين، وكأننا في غرفة حرب، ومن مرة إلى أخرى وصل أحد العاملين للمساعدة، ولكن أحدًا لم يلزمهم بذلك، من رغب أتى ومن لم يرغب لم يفعل. وفي الوقت الذي عملت فيه تنظيمات أخرى لحقوق الانسان على مدار الساعة، لم يكن في ‘الجمعية‘ تنظُم سليم وأرى في ذلك عطبًا خطيرًا".

جلسة الادارة الأولى التي التأمت بعد إندلاع "السور الواقي" كانت صاخبةً. وفي ضوء الشائعات عمّا يحدث في مخيم جنين، أُقتُرِح أن تتوجه "الجمعية" إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان، بطلب إجراء فحص لما يحدث في المخيم. كارمي عارضت الاقتراح بشدة، وتزودت برأييْن لمختصين قضائييْن عرضتهما في الجلسة: بروفيسور دافيد كرتشمير، الذي شغل لمدة ثماني سنوات منصب عضو لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، وبروفيسرو إيال بنبنيشتي. الاثنان قالا إن هذه فكرة سيئة جدًا. واحد من التبريرات الأساسية: دول عربية مثل سوريا وليبيا تشغل دورًا مركزيًا في المفوضية، التي تحولت إلى فأس سياسية للحفر بها.

إيال غروس ودان يكير كانا من الداعمين البارزين للفكرة. يكير: "هناك دور للضغط الدولي في الدفاع عن حقوق الانسان. فكرتُ في أنه ليس هناك مانع من التوجه إلى الأمم المتحدة". الاقتراح رُفض بغالبية الأصوات. الذين دعموا الاقتراح، من العرب واليهود، خرجوا بشعور بأن ما وقف من وراء القرار هو الرغبة في مهادنة الاجماع الاسرائيلي وعدم الإغضاب أكثر من اللازم. أليف صباغ: "القول عن مفوضية الأمم المتحدة، إنها ‘جسم موجه سياسيًا ومحكوم بيد العالم العربي‘ هو حديث قوموي. بعد قليل سيقولون إن العرب يسيطرون على جمعية حقوق المواطن".

كل شيء كان مهيئًا للانفجار الكبير، الذي لم يتأخر في المجيء. في الأيام الأخيرة من أيار أجرت "الجمعية" في بلدة "ياد هشموناه" يومًا دراسيًا عن حقوق الانسان والسياسة، من خلال التركّز في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. العديد من العاملين العرب أعلنوا تذمرهم: كيف يمكن في مثل هذه الأيام إجراء يوم دراسي عن حقوق الانسان من دون التحدث عن الاحتلال؟ منال حزان كانت الوحيدة من العاملين العرب التي حضرت النقاشات. كارمي من جهتها فسرت غياب الآخرين على أنه استعراض احتجاجي؛ هم ينفون ذلك مطلقًا، ويوضحون أن الغياب المركز نبع من دمج بين ظروف شخصية وعائلية. في مرحلة الردود طلبت حزان حق الكلام. "تساءلتُ كيف يمكن إدارة هذا النقاش من دون الحديث عن الاحتلال"، قالت بلهجة تنم عن غير قليل من السخرية، "وسررت حين سمعت كل المتحدثين وكيف أنشأوا الربط المطلوب بين الاحتلال وبين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في إسرائيل".

كارمي غضبت جدًا. في خطابها التلخيصي لم تسكت: "يؤسفني أن هناك بعض العاملين لم يحضروا إلى هنا لأن الحديث لا يدور حول الاحتلال"، قالت، "وأنا أعتقد أنه بالامكان السؤال عن مدى إلتزامهم بحقوق الانسان غير المتعلقة بالاحتلال، وهناك مثل هذه الحقوق".

أقوال كارمي وقعت على آذان منذهلة. وفسر الحضور أقوالها على أنها تشكيك في العاملين العرب في "الجمعية"، وفي إلتزامهم للقيم الأممية لحقوق الانسان. الكثيرون من الحضور توجهوا إلى حزان وعبروا أمامها عن عدم إرتياحهم من هذه الأقوال. حزان احتجت أمام كارمي على ما عرّفته كـ "أقوالها الخطيرة" وقالت لها: "إنك أصلا لم تتحدثي مع من لم يأتوا ولم تتكلفي عناء الاستفسار". كارمي أوضحت أنها مصرة على أقوالها.

من هنا تدحرجت كرة الثلج في إتجاه واحد فقط. لم يكن بوسع العرب أن يغفروا على الاتهام الجماعي. أليف صباغ: "أنا أعمل ما يقارب الأربع سنوات في ‘الجمعية‘ كمركّز لتوجهات الجمهور، وناشط ميداني. عندما وصلتُ طلبوا مني أن أعالج توجهات العرب، ولكن بعد مدة قلت، لحظة، لماذا عليّ أن أعالج توجهات العرب فقط؟ اليوم أنا أعالج ضائقات للمهاجرين الجدد من روسيا وأثيوبيا والعرب والعائلات أحادية الأهل اليهودية والعربية ومعدومي السكن من كل الأوساط. ولي يقولون إنني غير ملتزم بحقوق الانسان عندما لا يتعلق الأمر بالاحتلال؟"

وكما يحدث في غالب المرات، اختلط المبدئي مع الشخصي وتحولا إلى عجينة من الشكوك والتشكيكات. الاختلافات المبدئية التي كان يمكن أن تُحل بروح طيبة، تحولت إلى سبب لاعلان الحرب. حتى المصطلحات "ترقت" عسكريًا. كارمي لقبت العاملين العرب بـ "المتمردين"، واندلع نزاع مكشوف بينها وبين عدد من العاملين اليهود أيضًا، الذي أيدوا العرب. في واحدة من الجلسات قالت لطالي غور، الناطقة بلسان "الجمعية"، "لا يمكن حقًا منافسة يساريّتك".

طُلب من الادارة أن تبحث في هذا الحريق في جلسة عقدت في تموز. في مثل هذه الجلسات يحق للعاملين المشاركة أيضًا، مع أنهم لا يملكون حق التصويت. أليف صباغ أتى ليطالب الادارة بإرغام كارمي على الاعتذار عن أقوالها. وبسرعة، تطورت بين الاثنين مشادة كلامية صاخبة. صباغ يدعي أن كارمي استغلت صلاحياتها كمديرة للجلسة لتسد له فمه؛ كارمي تعرّف تصرفاته وتصرفات زملائه كـ "تفعيل إرهاب في داخل ‘الجمعية‘". في مثل هذا الجو "الاحتفالي"، تطرق الجميع إلى موضوع يحوي امكانيات "تفجيرية" حتى في أيام أكثر هدوءًا: هل على جمعية حقوق المواطن أن تعرّف الاحتلال نفسه كخرق أساسي لحقوق الانسان، أم يجب التركيز على الخروقات التي تنبع منه؟

* بفارق صوت واحد

النقاش حول الاحتلال يحمل في طياته واحدة من أكثر المعضلات تعقيدًا في عالم تنظيمات حقوق الانسان: للجميع واضح أنه من غير الممكن الفصل المطلق بين حقوق الانسان وبين السياسة، لكن هناك فهمًا بأنه يجب وضع حدٍ بين الاثنين، في مكان ما. النضال من أجل حقوق المرأة مثلا، ناهيك عن مثليي الجنس، يعارض المنظومة الحياتية لعدد من الأحزاب، لكن جمعية حقوق المواطن في مثل هذه المجالات، مثل تنظيمات أخرى، لا تتورع عن اتخاذ موقف قاطع. في مقابل ذلك، ومع مرور السنوات، امتنعت "الجمعية" عن صياغة موقف جارف ضد الاحتلال.

ناعماه كارمي اعتقدت بأن هذا هو التوجه الذي على "الجمعية" أن تتبعه، في المستقبل أيضًا: "دائمًا وأبدًا حافظت ‘الجمعية‘ على الفصل بين السياسة وبين النتائج المشتقة منها. نحن أيضًا لا نناضل من أجل فصل الدين عن الدولة، وإنما نناضل ضد النتائج المترتبة عن وضع ليس فيه مثل هذا الفصل. وبشكل مثابر، نحن نقول ما لا يجب فعله، وليس ما يجب، وإلا، فسنتحول إلى حكومة ظلال مع مخططات سياسية واقتصادية خاصة بنا. على تنظيم لحقوق الانسان أن يكون متعلقًا للمجتمع الذي يعيش فيه. هناك ما يكفي من التنظيمات التي ليست كذلك، لا يجب تحويل ‘الجمعية‘ إلى تنظيم آخر كهذا. كفرد وقّعتُ على عرائض ضد الاحتلال أو في قضايا سياسية أخرى، ولكن كجمعية فإن إلتزامي يختلف. هناك مشكلة مع الذين يرغبون في تحويل "الجمعية" إلى جسم يحقق كل آمالهم السياسية. هذا ليس بالمكان الصحيح لذلك".

تم قبول موقف كارمي بأغلبية صوت واحد. وتقرر أن تواصل "الجمعية" نضالها فقط ضد نتائج الاحتلال، ولكن أن تمتنع عن تعريف الاحتلال نفسه كخرق أساسي لحقوق الانسان. البعض من أعضاء الادارة، والذين كانوا في الأقلية، فكروا في الاستقالة في نهاية التصويت. واحدة منهم هي حدفاه ردوفينتش: "هذا قرار فظيع في نظري، لأنه يعارض كل نظرية في مجال حقوق الانسان. كنت أود أن يُخبّأ في الأرشيف وألا يعرف أحد عنه. هذا يبدو وكأننا وافقنا على أن من حق إسرائيل غزو المناطق، ولكن عليها أن تتصرف هناك بأدب".

إيال غروس: "هناك اختلاف كبير حول ترسيم الحدود بين المقولة السياسية وبين مقولة حقوق الانسان، التي بوسع الناس أن يتفقوا عليها، مهما اختلفت منظوماتهم. كل من اختار الانضمام إلى ‘الجمعية‘ يقبل بأنه اختار الانضمام إلى أداة تقيم هذا الفرق. هناك أداة لحقوق الانسان، وهي أداة قضائية وأممية، وهي ليست حزبية. نتيجةً لذلك، مثلت ‘الجمعية‘ أيضًا أناسًا من "كاخ"، عندما كانت لديهم قضية عادلة. علينا أن نقيم نوعًا من اللا- سياسة للنقاش، لأن لمثل هذه اللا- سياسة أفضليات: يمكنك أن تذهب إلى المحكمة وأن تدعي ضد هدم بيت من خلال موقف أممي. السؤال هو عما يمكن أن تدخله إلى خطاب حقوق الانسان، مع المعرفة بأنك لو حاولت أن تُدخل أكثر من اللازم، فإنك قد تخسر أفضليتك النسبية".

- ومع ذلك اعتقدت بأن على "الجمعية" أن تعلن عن أن مجرد الاحتلال هو مس أساسي بحقوق الانسان.

"صحيح. أنا لا أعتقد أن هذا كان سيغير شيئًا ما على أرض الواقع، فـ ‘الجمعية‘ لم تكن لتقدم إلتماسًا إلى محكمة العدل العليا لإنهاء الاحتلال، يجب أن نكون واقعيين. وبشكل عملي أنا أعتقد أن على ‘الجمعية‘ أن تعالج الخروقات في المناطق تمامًا كما تفعل، لأنها تقوم بعمل جيد، لكن بحسب رأيي جاء الوقت للقول بشكل واضح إنه ليس هناك احتلال متنور ولا يمكن الحفاظ على حقوق الانسان في ظروف إحتلال".

- ليس هناك وضع يكون فيه الاحتلال شرعيًا؟

"الاحتلال معرّف على أنه مساحة أُمسِك بها في زمن الحرب والدولة تمسك بهذه المساحة من الأرض بإخلاص، إلى حين التوصل إلى حل. في مثل هذه الحالة، المسّ هو نتيجة مرحلية للوضع. الاحتلال الاسرائيلي تعدى هذا الوضع منذ مدة. استمرارية الاحتلال تخلق وضعًا يحث على المقاومة بشكل طبيعي، وتتم محاولة قمع هذه المقاومة عن طريق العنف من خلال المسّ بحقوق الانسان. يجب الاضافة إلى هذا المستوطنات التي تخلق نوعين من السكان ومن النظم القانونية. ليس صدفةً أن القضاء الدولي يمنع نقل مواطنين من داخل الدولة إلى المنطقة المحتلة. هذا ينشئ هرمية إثنية ويكون مبنيًا على سلب السكان المستمر. في نظري، يجب الاعتراف بأن هذا موقف حقوق إنسان، وقول ذلك. لهذا الأمر معنى اعلاني معين، على الأخص تجاه الداخل، وليس للخارج".

منال حزان توافق: "ليس هناك حاجة لجلسة إدارة للتوصل إلى الاستنتاج بأن ‘الجمعية‘ ستعمل ضد خروقات حقوق الانسان. ماذا، هل هذا إكتشاف؟ القول عن إحتلال من 35 سنة، والذي يتغلغل لكل أجهزة الحياة عند الناس، إنه لا يشكل خرقًا لحقوق الانسان- أعتقد أن علينا أن نخجل من هذا القرار".

المديرة العامة للجمعية، فيرد ليفناه، رفضت كشف بروتوكولات الجلسة، وكل الأحداث المذكورة هنا، بادعاء أن "قرارات ‘الجمعية‘ مكشوفة للجمهور، ولكي يستطيع المشاركون في النقاشات أن يعبروا عن آرائهم بحرية، يجب أن نحافظ على السرية". هذا الأسبوع وصل إلى العاملين في "الجمعية" بلاغ عن طريق البريد الالكتروني، طُلب منهم فيه أن يبلغوا الجهات المخولة في حالة توجه صحفي إليهم. يمكن التوقع من تنظيم يناضل من أجل قيم كحرية التعبير، الشفافية وتطبيق قانون حرية المعلومات، أن يتصرف بذعر أقل أمام الاعلام.

* غياب تظاهري في الناصرة

في أعقاب الجلسة قرر العاملون العرب ألا يصمتوا، وفي الخامس عشر من تموز بعثوا إلى أعضاء الادارة برسالة فصلوا فيها تسلسل حيثيات العلاقة المعكورة بينهم وبين رئيسة إدارة "الجمعية" وطالبوا بتنحيتها: " كان بالامكان الاعتقاد بأن تصرفات رئيسة الادارة تنبع من غضب لحظوي أو من زلة لسان بائسة، لولا تكرر الحوادث، والمثابرة في إبراز الاستهزاء وفي تعاملها الفظ معنا، واستغلال مكانتها غير السليم لاسكاتنا وعدم تراجعها عن الاتهامات التي رشقتنا بها؛ كل ذلك لا يترك مجالا للشك في أن الحديث يدور عن أسلوب وعن مواقف متجذرة، ونتيجة لهذا لا تلائم د. كارمي إشغال منصب إداري أيًا كان، في جمعية حقوق المواطن". وقد وقع على الرسالة كل العاملين العرب في الجمعية.

في بداية أكتوبر، في نهاية سلسلة من محاولات التسوية الفاشلة، ردت الادارة أخيرًا، ولكن الرد –بحسب اعتقاد الطرفين المتنازعين- سبب الضرر أكثر من الفائدة. ففي قرار من الفاتح من أكتوبر، دعت إدارة "الجمعية" "أعضاءالادارة وطاقم العاملين لبذل جهود مشتركة لترميم المسّ وأزمة الثقة المندلعة"، والمزيد من الجمل المحرَجة التي ترشح تفاؤلاً غير واقعي. العرب شعروا بأن لا أحد يتعامل مع ادعاءاتهم بجدية ويفحصها حتى العمق؛ كارمي أحست بأنها لا تحظى بالدعم.

القشة التي قصمت ظهر رئيسة الادارة كانت قبل شهر، في النشاطات الاحتفالية لمناسبة عيد الميلاد الثلاثين لـ "الجمعية". واحد من الاجتماعات تم في تل أبيب؛ الثاني في الناصرة. عندما جاءت لتحضر الاجتماع في الناصرة، اكتشفت كارمي أن العاملين العرب في "الجمعية" بقوا خارج القاعة بتظاهرية. "لو لم أصل"، تحتج، "لكانوا سيقولون إنني لا آتي لنشاط للعرب". كارمي قررت أن تترك المنصب الذي شغلته تطوعًا. "دخلت إلى موقف وقفت فيه قبالتي مجموعة من الخداعين، مثيري الخصام، الذين يرسلون طيلة اليوم رسائل ألكترونية وفاكسات من وراء ظهري. كم يمكن لفرد لا يتلقى قرشًا أن يواجه هذا الأمر؟"

الآن، الجميع يحاول جمع الشظايا، وهناك الكثير منها: بموازاة استقالة كارمي أعلنت فيرد ليفناه، المديرة العامة، أيضًا، عن إعتزالها القريب لأسباب عائلية. الناطقة أيضًا، طالي غور، ستترك عن قريب. وقد وضحت لأصدقائها أنها ملّتْ من الترويج لمواقف يصعب عليها في أكثر من مرة أن تدعمها. هي ليست الوحيدة التي تشعر بذلك، وهم ليسوا من العرب بالذات. في نظر نعماه كارمي، مشكلة "الجمعية" تختلف كليةً: "هناك حاجة لشجاعة كبيرة للتعبير عن رأي مختلف في ‘الجمعية‘. شخصان عزيزان تركا ‘الجمعية‘ قالا لي إنهما لم يستطيعا صبرًا على أنك إذا لم تقل ما يلائم اليسار الأكثر راديكالية، فإنك تصبح فورًا في خانة الفاشست العنصري. أنا أيضًا حولوني إلى عنصرية، وحقيقة أنني عملت سابقًا لمدة سنة كمحققة ميدانية في "بتسيلم"، لا تشفع لي. فأنا أعرف كل هذه البولشيوفية من الكيبوتس، وهذا يقلقني. وهناك في ‘الجمعية‘ ما يمكن أن أسميه ‘إرهاب التصحيح السياسي‘. أنا أومن بأن حقيقة إنتماء أحدهم إلى أقلية، لا يعني أن بوسعه أن يفعل كل شيء. أنا عرضت نفس المطالب على الجميع، لكن ببساطة كان هناك من لم يكونوا على إستعداد لقبول هذا".

كارمي مقتنعة بأنها كانت مجرد رادّة للصواعق، و"الآن سيرى الجميع أنني لم أكن المشكلة. الخلافات والتوترات بين أعضاء الطاقم بدأت بالظهور". آخرون يعتقدون بأن تركها كان شرطًا ضروريًا لبدء عملية الترميم، لكنه ليس شرطًا كافيًا بالتأكيد. "الخلافات لم تختفِ، لكن النقاش سيصطبغ بلون مهني أكثر"، يأمل يكير. "سجلُ إنجازاتنا في الانتفاضة يتحدث بذاته، وحول هذا يمكن التوحد". حدفاه ردوفينتش: "الأمر الأساس الذي فشلنا فيه هو القدرة على العيش مع الخلافات، مع عدم الموافقة، مع الآراء المختلفة. وهذا فشل، لا يجب أن يحدث في تنظيم لحقوق الانسان".

 

(أفيف لافي، ملحق "هآرتس"، 17 كانون الثاني)