أولمرت يهدد بضرب صواريخ روسية في حال نشرها في سورية

تحليل أخباري

*قد تكون حكومة ثابتة لفترة طويلة وقد تنجح في اجتياز العام 2009 من دون انهيار *لكن ملامح الاتفاقيات المبرمة بين مركبات الائتلاف تشير إلى ضعف في قيادة مسارات مصيرية *الأزمة المالية العالمية خلقت تعقيدات جمّة أمام الاقتصاد العالمي وعلى مستوى الدول، ولكنها فككت تعقيدات تشكيل الحكومة كما يظهر حتى الآن *مصير الحكومة الجديدة في حالة تشكيلها سيتحدد حتى نهاية العام، مع إقرار ميزانية الدولة للعام القادم*

 

 

 من المفترض أن تتسارع في الأيام القليلة القادمة وتيرة المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، برئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، بعد أن حصلت على تمديد لفترة تشكيل الحكومة من الرئيس شمعون بيريس، بـ 14 يوما، بموجب القانون.

وكما يبدو حتى مطلع الاسبوع الجاري، فإن كل المؤشرات تدل على أن مسألة تشكيل الحكومة هي تحصيل حاصل، إذا لم تنشأ مفاجأة جديدة تنسف ما تم التوصل إليه من اتفاقيات أو تفاهمات مبدئية.

كما يبدو أن تركيبة الحكومة ستكون مطابقة لتشكيل الحكومة التي شكلها إيهود أولمرت في ربيع العام 2006، وتشمل حزب "كديما"- 29 مقعدا، و"العمل"- 19 مقعدا، و"شاس"- 12 مقعدا، والمتقاعدين بعد وحدتهم من جديد- 7 مقاعد، بمعنى 67 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وهو الحد الأدنى لحكومة ثابتة، بإمكانها أن تتجاوز مناورات برلمانية في حال تم ضمان وحدة صفوفها، نتيجة للفجوة التي ستكون بين الائتلاف والمعارضة، بـ 14 مقعدا، أي أكثر من نصف عدد وزراء الحكومة.

ولكن قد تحدث مفاجأة بإدخال حزب "ميرتس" اليساري العلماني، وله 5 مقاعد، رغم أن هذا يبقى احتمالا ضعيفا، ولا يواجه "فيتو" من حزب "شاس"، ولكن حتى وإن دخل، فإنه سيكون محور صدام داخلي في الحكومة، ولن يصمد طويلا.

إلا أن الاتفاق المبرم مع حزب "العمل"، وحتى التفاهمات التي جرت من حيث المبدأ مع حزب "شاس"، لا تشير إلى ان هذه الحكومة وضعت في برنامجها ما يجعلها قادرة على تخطي مسارات مصيرية، وأساسًا في المجال التفاوضي خاصة في المسارين الفلسطيني والسوري.

فالاتفاق مع حزب "العمل" الذي من المفترض أن يكون داعما للعملية التفاوضية، لم يشمل بوضوح مطالبة الحكومة بدفع العملية السياسية، ومنع عوائق إسرائيلية لها، مثل مسألة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ولا حتى المطالبة بإزالة البؤر الاستيطانية، بل تم تسليط الضوء على جانب ميزانية الدولة للعام القادم 2009، ومكانة زعيم الحزب، إيهود باراك في الحكومة، ومنحه حق الفيتو على قضايا قد تطرح على جدول أعمال الحكومة.

أما حزب "شاس"، فحتى عندما طرح معارضته لبحث قضية القدس المحتلة في المفاوضات مع الفلسطينيين بشكل يؤدي إلى انسحاب الاحتلال من المدينة، فإنه طرح هذا في إطار العلاقات العامة، علما منه أن موقف رئيسة الحكومة المقبلة، تسيبي ليفني، ليس بعيدا كثيرا عن موقف "شاس"، الذي لم يعترض أيضا على بناء جدار الفصل العنصري في داخل المدينة، مما يعني موافقة "شاس" ضمنا على الشكل الإسرائيلي لتقسيم القدس في الفترة القادمة.

وهكذا أيضا بالنسبة لحزب "شاس"، فإن التركيز الأساس في المفاوضات يتمحور في الجانب المالي، ومطالب هذا الحزب من ميزانية الدولة للعام القادم، ورفع مخصصات اجتماعية كهذه أو تلك، لتكون مكسبا في جيبه، في حال جرت الانتخابات في موعد مبكر.

وليس من المتوقع ان تكون المفاوضات مع حزب "المتقاعدين"، على غير هذه الحال، لأن هذا الحزب أصلا قائم على القضايا الاجتماعية ولا يلوح بأي أجندة سياسية، كالمفاوضات مع الفلسطينيين وغيرهم.

 

الأزمة المالية العالمية تحل العقد

 

 

في حين كان المستثمرون في البورصات العالمية "يندبون حظهم" أمام الخسائر التي يتكبدونها، فقد كانت هذه الأزمة، ولاا تزال، بالنسبة لليفني، بموجب القول القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، لأن هذه الأزمة باتت بمثابة السلم الذي أنزل ليفني وشركاءها المحتملين عن شجرة عالية، كادت في لحظة ما تمنع إقامة حكومة جديدة.

 

فقد كان حزب "العمل" يصرّ بقوة، على مطلب رفع ميزانية العام القادم 2009 بنسبة 5ر2% بدلا من 7ر1% قياسا بميزانية العام الجاري، وهو ما رفضته بشدة وزارة المالية التي ادعت أن الوضع الاقتصادي في إسرائيل لا يسمح بهذه الزيادة، التي أرادها حزب "العمل" لمنع تقليصات في مجال الخدمات الاجتماعية والحيوية، المتوقعة في ميزانية العام القادم.

 

ومع ظهور حدة الأزمة وانهيار البورصات في العالم، عقد باراك وشريكته المستقبلية ليفني اجتماعات مشتركة مع قادة الاقتصاد الإسرائيلي، وأعلن باراك فورا، أنه "اطلع" على حجم الأزمة، التي تستوجب التعامل بحذر مع ميزانية العام القادم، و"التراجع مرحليا"، عن مطلب زيادة الميزانية بنسبة 5ر2%، وبهذا عمليا رفع حاجزا وعجّل من العملية التفاوضية.

وحتى حزب "شاس" الذي كان يصر على رفع المخصصات الاجتماعية، وخاصة مخصصات الأولاد التي تتقاضاها كل عائلة عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، وأن يتم رفعها دفعة واحدة، فقد بات على استعداد اليوم لتقسيم الزيادة على ثلاث سنوات. وبحسب نهج الحكومات في إسرائيل، خاصة في هذا المجال، فإن تقسيم الزيادة يعني القبول بالقسم الأول، ووضع ما تبقى على كف عفريت، رهنا بالظروف، ورهنا بالتقلبات الحكومية، وهو أيضا تنازل واضح يفهمه "شاس".

وكما يظهر فإن هذه الأزمة المالية، وتهديدها للاقتصاد الإسرائيلي في العام القادم، وفق توقعات وتقديرات مختلفة، قد تسهّل عملية إقرار ميزانية الدولة للعام القادم 2009، حتى نهاية العام الجاري، من دون أزمات تهدد كيان الحكومة في حالة تشكيلها، ما يعطي هذه الحكومة متنفسا لتجتاز مرحلة إقرار الميزانية، ويطيل بعمرها أكثر.

 

حكومة تصريف أعمال

 

 

مهما تكن القاعدة التي ستنشأ عليها الحكومة برئاسة ليفني، ومرة أخرى، في حالة تشكيلها، فستبقى في نظر مبلوري الرأي العام في إسرائيل على أنها حكومة قامت في ظروف غير عادية، رغم أن الكثير من المتغيرات قد طرأت عليها، مثل أن كل من كان مطالبا بالاستقالة، إما على خلفية الحرب على لبنان، أو على خلفية الفساد، بات خارج الحكومة.

ولكن ما يساهم في خلق انطباع في الرأي العام، بأن هذه حكومة مؤقتة، هو أن مجموع المقاعد التي تتوقعها استطلاعات الرأي العام لجميع مركبات الحكومة المحتملة، أقل من الأغلبية البرلمانية المطلوبة، وهذا نابع من توقع زوال حزب المتقاعدين من الحلبة البرلمانية، وله 7 مقاعد، وخسارة إضافية لحزب "العمل" ببضعة مقاعد، وكذا الأمر بالنسبة لحزب "كديما" حتى وإن بات بزعامة ليفني.

وكل هذا يضعف الشرعية التي يمنحها الرأي العام في إسرائيل لخوض مسارات مصيرية على الصعيد السياسي، وهذا يتعزز أكثر كلما اقترب الموعد القانوني للانتخابات البرلمانية، بعد عامين كاملين من الآن، فمسارات كهذه تحتاج وفق المقاييس الإسرائيلية إلى قاعدة برلمانية واسعة جدا، بإمكانها أن تتغلب على صوت اليمين المتطرف العالي جدا، رغم انه لا يشكل أغلبية في الحكم.

وتغيير هذا المشهد يتطلب عدة متغيرات هامة، أولها أن تنجح ليفني في طرح خطاب سياسي واضح المعالم، يحظى بتأييد كافة مركبات الائتلاف، وأن تسعى إلى حصول تأييد من خارج الائتلاف، مثل حزب "ميرتس" اليساري، في حال بقي خارج الائتلاف، ولكن ما يعيق متغيّرات كهذه هو وجود حزب "شاس"، الذي لا يزال يراهن على الجمهور اليميني، رغم أنه اثبت في الماضي إمكان تأقلمه مع العمليات التفاوضية.

وثانيا أن تنجح ليفني في توسيع القاعدة الائتلافية مع كتل أخرى، تتفق في ما بينها على خطوط مشتركة، مثل "شاس" و"يهدوت هتوراة"، رغم مواقفها الأقرب من اليمين، ولكن هذا يبقى خيارا من الصعب تحقيقه.

إن السيناريو الأكثر واقعية، في حالة استمرار الظروف الراهنة، هو أن تنجح ليفني في اجتياز العام 2009 من دون عقبات أساسية، أو أن تؤجل الأزمات إلى نهاية العام القادم، لتتفجر على خلفية إقرار ميزانية العام 2010، لتجري انتخابات برلمانية في ربيع ذلك العام، وليس قبل ذلك.

 

الدورة البرلمانية الشتوية

 

 

في يوم الاثنين القادم سيفتتح الكنيست (البرلمان) دورته الشتوية التي ستستمر لفترة خمسة أشهر، ومن المتوقع ان تكون الأيام الأولى باردة بعض الشيء لسببين:

 

الأول عدم الوضوح في ما إذا سيكون في إمكان ليفني تشكيل حكومتها حتى ذلك اليوم، أخذين بالحسبان أن المفاوضات لا تزال جارية، ثم سيكون عليها اختيار الوزراء من حزبها، وهي مهمة ليست سهلة، نظرا للاصطفافات التي أفرزتها الانتخابات الداخلية في حزب "كديما" لانتخاب رئيس جديد للحزب.

 

والثاني أن هذه الدورة ستفتتح في أوج الحملة الانتخابية للحكم المحلي في إسرائيل (المجالس البلدية والقروية) وانشغال قادة الأحزاب في دعم مرشحيهم في البلدات المختلفة، وهذه الحال ستستمر في الأسابيع الثلاثة الأولى لهذه الدورة، أي حتى تاريخ الحادي عشر من الشهر القادم تشرين الثاني.

 

ولكن في حالة تم تشكيل الحكومة الجديدة فإن الامتحان الواقعي سيكون في أيامها الأولى وحتى الإقرار النهائي لميزانية الدولة بعد نحو شهرين من الآن، أي حتى نهاية العام الجاري، علما ان إقرار الميزانية بالقراءة الأولى من المفترض أن يكون في أول أسبوعين من الدورة البرلمانية، ولكن هذا يبقى موعدا صعبا، نتيجة لتأخر بلورة الحكومة، وإعادة نظر الحكومة الجديدة في بعض بنود الميزانية بموجب الاتفاقيات المبرمة، أو تلك التي ستتبلور مع الكتل البرلمانية المرشحة لدخول الحكومة.

 

إن كلمة السر في هذه المعادلة ستكون تماسك الائتلاف، وأن لا يتكرر المشهد الذي ساد الائتلاف الحاكم في الأشهر الأخيرة، وحالات التمرد المتعددة في مختلف الكتل البرلمانية، وخاصة في حزب "العمل"، الذي يبدو الآن أكثر توافقا من ذي قبل.