من هنا وهناك

تحليل أخباري

نائب رئيس "معهد دراسات الأمن القومي" يرى أن إسرائيل ستبلغ مفترق القرار المتعلق بشن هجوم عسكري على إيران بعد أن تتحقق بضعة شروط، هي فشل الطريق الدبلوماسية، واتخاذ الولايات المتحدة قرارًا بعدم القيام بالعملية العسكرية بنفسها، واستكمال عملية بناء القدرات العسكرية الإسرائيلية لضمان نجاح العملية

 (*) تجمع التحليلات الإسرائيلية لآخر سيل من التهديدات المباشرة أو التحركات المبطنة، التي تنطوي على تهديدات صريحة، أن إسرائيل باتت منهمكة، أكثر من ذي قبل، بتوجيه رسائل صارمة إلى إيران، مؤداها أنها لن تمرّ مرّ الكرام على مضيها في تطوير "برنامجها النووي".

 

 

وقد ربط أحد هذه التحليلات بين التحركات المذكورة وبين ما تعتبر إسرائيل أنه "الفرصة الأخيرة" لثني إيران عن مشروعها النووي، والمتمثلة في "اتصالات مباشرة، معظمها سريّ، بين مندوبي إيران والأسرة الدولية" عُرضت، في إطارها، محفزات بعيدة المدى في المجالات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية على الإيرانيين [في مقابل تخليهم عن المشروع النووي]. وأوضح أن الحملة الإسرائيلية "تهدف إلى إقناع إيران بقبول رزمة المغريات الغربية المعروضة عليها. وفي حالة رفضها، كما حدث بالنسبة لسلسلة اقتراحات سابقة في هذا الصدد، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، سيواجه خيارًا مصيريًا: إمّا مهاجمة إيران، أو التسليم بواقع تحولها إلى دولة نووية" [معاريف، أول من أمس الأحد- 6/7/2008].

 

ورأى تحليل آخر أن الإدارة الأميركية "تستعمل القوة العسكرية الإسرائيلية كأداة من أجل أن تؤدي الأزمة مع إيران إلى ما يشبه الانفجار، على أمل أن يسعفها ذلك في فرض التراجع عليها". وأضاف أن ما يحدث يبدو كما لو أنه "أزمة مُدارة" من قبل الطرفين الأميركي والإيراني، لا مكان فيها لأي خطوة تلقائية، أو عن طريق المصادفة. ولفت إلى واقع أن الأميركيين والأوروبيين يجرون حوارًا سريًا مع إيران، بالتزامن مع فرض عقوبات عليها. ولكن عندما تكون هناك حاجة للتلويح بالتهديد العسكري يتم الزجّ بإسرائيل. وبناء على ذلك فإن الرسالة إلى إيران واضحة، وفحواها: "إذا لم تتنازلوا عن المشروع النووي، فلن يكون في إمكاننا أن نكبح إسرائيل لفترة طويلة". وفي السياق ذاته فإن إسرائيل تعتبر، كذلك، سلاحًا ممتازًا في مقابل الروس والصينيين وغيرهم، من الذين ما زالوا مترددين بشأن المسألة الإيرانية [يديعوت أحرونوت، 2/7/2008].

 

غير أن تحليلاً ثالثًا [هآرتس، 2/7/2008] رأى أن الأنباء التي تتحدث عن اعتزام إسرائيل القيام بمهاجمة إيران، قبل نهاية هذا العام، والتدريبات الكبيرة التي أجراها سلاح الجوّ في البحر المتوسط قبل فترة وجيزة، من شأنهما أن تدلا على أن إسرائيل مصرّة، حتى لو اضطرت إلى العمل بمفردها، على أن تهاجم الخطر الإستراتيجي الذي تشكله طهران عليها. لكن ينبغي أن نفحص هذا الإصرار، الذي بالإمكان أن يُضاف تهديد الوزير شاؤول موفاز إليه، من خلال أخذ قدرات إيران على أن ترد على هجوم كهذا، أو أن توجه ضربة استباقية إلى إسرائيل، في الاعتبار. و"لقد حذرت إسرائيل، على مدار أعوام طويلة، من تسلح إيران الباليستي، وجرى النظر إلى صواريخ شهاب 3 وشهاب 4 باعتبارها التهديد الإستراتيجي الحقيقي الذي في إمكان إيران أن تستعمله".

 

وأضاف كاتب التعليق: قبل بضعة أعوام أعلن مدير الصناعات الجوية الإيرانية أن بلاده لا ترى في الولايات المتحدة هدفًا لصواريخها، وأن غاية تطوير السلاح الباليستي هي إسرائيل. وخلافًا لتهديد السلاح النووي، الذي ما زال بعيدًا عن متناول يد إيران، فإن لديها قدرة باليستية على أن تصيب أهدافًا إستراتيجية ومدنية في إسرائيل، وأن تلحق أضرارًا بشرية كبيرة بها. ويبدو أن هذا الخطر قد نُسي منذ أن تغلغل الموضوع النووي إلى الخطاب العسكري- السياسي.

 

وإلى جانب هذه التلميحات برزت التحذيرات من مغبة ما سوف يكون.

 

وقد تركزت التحذيرات، بالأساس، من حول محورين: الأول يتعلق بردة الفعل الإيرانية نفسها على هجوم محتمل، وبجهوزية إسرائيل نفسها لتحقيق الأهداف المرجوّة من هذا الهجوم. والثاني يرتبط بمترتبات هذا الهجوم على الوضع الإقليمي، وعلى أسواق المال العالمية.

 

وفي شأن المحور الأول كتب كبير المعلقين في هآرتس، يوئيل ماركوس، أن إسرائيل عبرت طريقًا طويلة إلى أن انتقلت من مرحلة السرية التامة [بشأن السلاح النووي الذي في حيازتها] إلى المرحلة، التي بات فيها العالم كافة يدرك كيف ومتى ستهاجم إيران. ومن آخر الدلائل على ذلك التدريب الجوي، الذي شاركت فيه مئة طائرة متطورة من سلاح الجوّ الإسرائيلي. غير أنه بدلاً من أن تخيف الإيرانيين، فإن إسرائيل تعطيهم المبرّر لتسريع وتائر إنتاج سلاحهم النووي، وعلى رأس ذلك صواريخ شهاب البعيدة المدى، التي في إمكانها أصلاً أن تلحق دمارًا كبيرًا في عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حتى من دون أن تُزوّد برؤوس نووية [4/7/2008].

 

وأضاف: إن الأنباء عن استعداد إسرائيل لمهاجمة إيران حتى نهاية العام الحالي لا تخدم مصلحتنا الأمنية. وعلى ما يبدو فإن الذي يقف وراء هذه المعلومات، هم عناصر متطرفة في الولايات المتحدة، ترغب في أن ترهب إيران بواسطة إسرائيل، أو أن تحث الرئيس جورج بوش على إنهاء ولايته في البيت الأبيض بالقضاء على المنشآت النووية الإيرانية. إن كل ذلك يحدث في ظل وجود حكومة إسرائيلية غير مؤهلة لمواجهة تحد من هذا القبيل. وقد طالعنا في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن إسرائيل ليست جاهزة تمامًا لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، على الرغم من صورة شمشون الجبار، التي تتميز بها. إن الذي في إمكانه أن يضع حدًا للخطر الإيراني هو الولايات المتحدة، سواء أتمّ ذلك بوسائل دبلوماسية أو عسكرية. وليست لدى إسرائيل أي مصلحة في أن تتصدّر هذه الحملة، أو في أن تتكلم عن الموضوع بصورة زائدة. إن المبادرة الإسرائيلية يجب أن تتركز في التوجه إلى العالم وإقناعه أن العقوبات الاقتصادية لم تحقق أهدافها، وأن عليه أن يتولى بنفسه مهمة وقف تسلح إيران النووي.

 

أمّا معلق الشؤون العربية في الصحيفة نفسها، تسفي برئيل، فأكد أنه على الرغم من أن الخطر النووي الإيراني أوجد تحالفًا مثيرًا مناهضًا لإيران يشمل دولا عربية تقف إلى جوار إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن هذا التحالف سيواجه صعوبة في تحمل هجوم إسرائيلي على إيران، خاصة إذا ما جرى شن هجوم إيراني على دول عربية مجاورة [2/7/2008].

 

من ناحيته رأى نائب رئيس "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إفرايم كام، أن إسرائيل ستبلغ مفترق القرار المتعلق بشن هجوم عسكري على إيران بعد أن تتحقق بضعة شروط فقط.

 

وهذه الشروط هي:

-         أولاً- عندما يمسي واضحًا أن الطريق الدبلوماسية لوقف البرنامج النووي الإيراني قد مُنيت بالفشل واستنفدت نفسها. وفي هذه الأثناء فإن جميع الدول، بما فيها إسرائيل، تؤثر أن تستنفد الطريق السياسية.

-         ثانيًا- عندما يصبح واضحًا أن الولايات المتحدة قررت عدم القيام بالهجوم بنفسها، وحتى الآن فإن إدارة بوش لم تسقط الخيار العسكري، غير أن أيامها باتت معدودة، وهذا بحد ذاته يقلل من احتمال لجوئها إلى هذا الخيار.

-         ثالثًا- عندما تُستكمل عملية بناء القدرات (العسكرية وخلافها)، التي في إمكانها تعزيز احتمالات نجاح الهجوم العسكري الإسرائيلي في إنجاز أهدافه القصوى.

 

وأوضح أنه في حال تحقق هذه الشروط فإن حكومة إسرائيل ستواجه حينها تحدي اتخاذ "أحد أكثر القرارات الصعبة والمعقدة في تاريخها".