ما الذي يقف وراء التخوف الأميركي- الإسرائيلي من "التمدد الإيراني" في أمريكا اللاتينية

تحليل أخباري

بإعلان زعيم حزب العمل إيهود باراك (يوم 3/2/2008) أنه باق في حكومة إيهود أولمرت وأنه يقفز عن تعهده السابق بالانسحاب منها، تنتهي المقامرة باحتمالات تقديم موعد الانتخابات جراء تقرير فينوغراد. فالطرفان الأساسيان في الحكومة الحالية، العمل وكديما، أكدا عمليا وبالتصريحات وقوفهما خلف أولمرت واستمرار سلطته حتى وإن حاولا اشتراط ذلك.

 

فوزيرة الخارجية من كديما، تسيبي ليفني، التي كانت بين أول من دعوا في أعقاب التقرير المرحلي للجنة فينوغراد إلى وجوب استقالة أولمرت دعت بعد التقرير النهائي إلى مواصلة الطريق. كانت المسؤولية في أيار من العام الفائت تعني لها استقالة أولمرت وصارت المسؤولية تعني لها اليوم بقاء أولمرت. وكذا الحال مع آخرين في كديما وحزب العمل ممن ناصبوا أولمرت العداء.

 

ولا ريب أن ليفني وباراك وكل من شابههما يتحدثون عن أن مبررات التغيير في الموقف هو الوضع الذي تعيشه إسرائيل: حرب غزة، الخطر الإيراني والعملية السلمية. وبالتأكيد فإنهم يضيفون إلى ذلك أيضا قضية إصلاح كل من عيوب الجيش والمؤسسة السياسية ـ الأمنية. غير أن أحدا في إسرائيل لا يشك بأن الدافع لكل هؤلاء هو الحساب الحزبي الضيق.

 

كديما تشعر أن الإطاحة بأولمرت يشكل هزة لا يمكن بعدها توحيد كديما للبقاء كحزب حتى نهاية الولاية الحالية للكنيست. والأهم أن أي انتخابات سواء كانت مبكرة أو متأخرة لا تضمن لهذا الحزب ليس فقط البقاء حزبا أول على رأس الحكومة وإنما كذلك البقاء كحزب ذي أهمية في الحلبة السياسية الإسرائيلية.

 

ومقياس حزب كديما هو استطلاعات الرأي وانعدام توفر قيادة كاريزمية تستطيع اجتذاب الأصوات بشكل جارف. وبديهي أن استطلاعات الرأي تؤكد أن اليمين عموما والليكود خصوصا هو من يستطيع تأليف الحكومة المقبلة إذا جرت الانتخابات قريبا.

 

وهذه المشكلة هي أيضا دافع إيهود باراك لابتلاع تعهداته والقبول بتصدع مصداقيته العامة والقبول بالبقاء تحت إمرة إيهود أولمرت. وفي نظر الكثيرين فإن أولمرت أعطى باراك عمليا أكثر مما يستحق حين ساعده على الفوز بوزارة الدفاع ولعب الدور الذي يلعبه اليوم. والواقع أن الجمهور الإسرائيلي لا يستسيغ غطرسة باراك الذي ذهب إلى كامب ديفيد من أجل "تمزيق القناع" عن وجه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وانسحب من لبنان من طرف واحد معلنا أنه سوف يرد بحرب على أي اعتداء من هناك. وفي الحالين كانت نتائج خطوات باراك صدمة في نظر الجمهور الإسرائيلي. بل إن آخر استطلاعات الرأي أشارت إلى أن شعبية أولمرت المنهارة لا تزال أفضل من شعبية باراك. وهذا يعني أنه ليست لباراك اليوم فرصة لقيادة معسكر قادر على الوقوف في وجه بنيامين نتنياهو واليمين عموما.

 

ويمكن القول إن أولمرت نال دعما واضحا في كل ما يتعلق بتقرير فينوغراد من الزعيم الروحي لحركة شاس، عوفاديا يوسيف، على أساس أن يسهم هذا الدعم في تقليص الاندفاعة نحو التسوية مع الفلسطينيين. وقد أفاد أولمرت من ذلك كثيرا لدرجة أنه بات يسعى إلى تخفيض صوته في مواجهة تبعات تقرير فينوغراد ويرفض مجابهة منتقديه ويسعى إلى احتضانهم، وليس إلى تصفية الحساب معهم.

 

ويمكن القول أيضًا إن ميل أولمرت لطأطأة رأسه أمام عاصفة فينوغراد ينجح في إسكات الأصوات المعارضة له سواء في الشارع أو في الحلبة السياسية. فاستقرار الائتلاف الحكومي يعني أن الاحتجاجات بطابعها القائم ستبقى مجرد صرخات في واد، وهي عاجزة عن إسقاط الحكومة. وليس هناك اليوم ما يوحي أن في الأفق حركة شعبية واسعة يفجرها جنود الاحتياط أو العائلات الثكلى ستغير وجه الحلبة السياسية الإسرائيلية قريبا.

 

صحيح أن هناك أصواتا قليلة في كديما لا تزال تجاهر بمعارضة أولمرت ولكنها أصوات تنسحب من الحياة السياسية وليست صاخبة لتخلق موجة احتجاج. كما أن هناك في حزب العمل حالة تذمر واحتجاج ضد البقاء في الحكومة ولكن ليست هناك طوابير من الانتحاريين لتفجير الوضع من الداخل.

 

وهكذا فإن الخطر الحقيقي الذي يتهدد حكومة أولمرت لم يعد الماضي ممثلا في حرب لبنان الثانية وإنما المستقبل ممثلا بالمفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. حينها، ولا أحد يعرف متى، ولكن نظريا يفترض حدوث "اختراق" خلال العام الجاري، يمكن أن يقوم كثيرون بتصفية الحساب مع أولمرت سواء في كديما أو الائتلاف أو في الحلبة السياسية عموما.

 

ففي كديما ما يكفي من اليمينيين الذين قد يجدون أن مصلحتهم "الأيديولوجية" تكمن في الالتفاف حول الليكود ومواقفه. وحركة شاس أعلنت بوضوح أنها ليست فقط ضد البحث في قضية القدس وإنما في التفاوض مع الفلسطينيين في ظل استمرار ما تسميه بالإرهاب. ومن الجائز أن مرور الوقت هو ما تريده عدة أطراف، بما في ذلك حزب العمل. حينها ليس من المستبعد أن تعيد قوى مختلفة تقييم موقفها واختيار لحظة مـناسبة للانقضاض على الواقع القائم بقصد تغييره.