مصادر في مكتب أولمرت: إسرائيل تبحث في عقد قمة خماسية

تحليل أخباري

 

رغم شهرة إسرائيل وتميزها عن غيرها من الدول في العالم بمقدار اختلاط الداخلي بالخارجي في كل ما يتعلق بالسياسة فإن هذه الحال في عهد إيهود أولمرت حققت أرقاما قياسية. فإيهود أولمرت كان أول رئيس حكومة في إسرائيل يعلن أنه لن يبدأ مفاوضات مع سورية لأن الإدارة الأميركية لا تريد ذلك، وهو أول رئيس حكومة يتمسك بمنصبه بدعوى قدرته على تحقيق اختراق في المحيط العربي.

 

 

والواقع أن أولمرت خاض حربه في لبنان من أجل ترسيخ زعامته داخل حزبه وفي الحلبة السياسية محاولا بذلك ملء الفراغ الذي خلفه الإرث الحربي الكبير لسلفه أريئيل شارون. وربما أنه بسعيه لتحقيق اختراقات في الأداء الإسرائيلي مع الفلسطينيين سلما أو حربا حاول أكثر من سواه تأكيد ظلم الحلبة السياسية له بتأخير وصوله إلى هذا الموقع.

 

وفي ظل كل ذلك يجد رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه في مواجهة ليس فقط مع الحلبة السياسية أو الشارع وإنما كذلك مع المؤسسة القضائية. وعبر تركيزه على ترسيخ مكانته سياسيا يحاول إضعاف المحكمة العليا ودور المؤسسة القضائية. وقد اضطر في ظل الجدل حول "انهيار المنظومات" إلى التأكيد في مستهل اجتماع الحكومة على أن "المحكمة هي المرجع الذي أحترم، وأنا لا أريد محاربة المحكمة العليا".

 

فأولمرت الذي كان من "أمراء" الليكود والذي بدأ حياته السياسية مبكرا في حزب حيروت كان يستعجل التغيير في الواقع الداخلي من خلال التصلب في الموقف الخارجي. وقد أسهم أكثر من سواه، عندما كان رئيسا لبلدية القدس، في إضعاف اتفاق أوسلو، وآثاره على المدينة عبر ملاحقة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية فيها. واعتبر أثناء تلك الفترة أن مواجهته لنتائج هذا الاتفاق في القدس يعتبر مساهمته الكبرى.

 

واليوم بعد أن كان الفشل، تحت زعامة أولمرت، ذريعا في لبنان وقطاع غزة وكبيرا في الداخل الإسرائيلي يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية مواجهة ذلك بطرق التفافية. فالفشل الذي يتطرق إليه تقرير مراقب الدولة حول ضعف حماية الجبهة الداخلية في زمن الحرب يمكن الالتفاف عليه بالحديث عن الرغبة في تطبيقه والحديث عن السعي للسلام مع الدول العربية.

كما أن الالتفاف على خطر تقرير فينوغراد النهائي الذي تأجل نشره إلى مطلع العام المقبل يتمثل أيضا في تحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين أو سورية. والمطلوب لذلك ليس أكثر من إعلان وجود خطة لتحريك الأمور سواء كانت خطة فصل بالتوافق أو مؤتمر أو لقاء دولي يعلن عنه الرئيس الأميركي.

فمثل هذه الإعلانات تضمن بقاء حزب العمل في الحكومة وتشكل، وفق بعض التقديرات، عناصر ضاغطة على أصحاب القرار في لجنة فينوغراد بأن لا يذهبوا بعيدا في استنتاجاتهم ضد أولمرت. فالمطلوب، دوليا ومحليا وإقليميا، المحافظة على استقرار الحكم في إسرائيل لأسباب بينها هشاشة الوضع الإقليمي.

وربما لهذا السبب شعر أولمرت بأن عليه الإيحاء على الدوام بأن كل ما تفعله أميركا في المنطقة يتم بالتعاون معه ووفق مصالح إسرائيل. وقد أشار المقربون منه إلى أن اللقاء أو المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الرئيس بوش مؤخرا كان في الأصل فكرة إسرائيلية. ويجري التأكيد على أن المخرج من الواقع القائم يتمثل في تشكيل حاضنة عربية ودولية للسلطة الفلسطينية تستطيع تشجيعها على التقدم نحو بدايات حل سياسي على الأقل.

وربما لهذا السبب اندفع أقرب حلفائه، حاييم رامون، إلى إطلاق ما بات يسمى بخطة الفصل بالتوافق وتحدث إلى الصحافة بالعموم بشأن تأييد خطوطها العامة. ومن الجلي أن أولمرت، بحالة الضعف القائمة، ليس في موضع تقرير قضايا مصيرية. ولكن أولمرت يتطلع فقط إلى عناوين الصحف بما يعنيه ذلك من تأثير على الرأي العام وليس إلى تغيير الواقع. فكل ما يريده هو البقاء في المنصب أطول فترة ممكنة وليس الاندحار أمام فينوغراد أو مراقب الدولة جراء إخفاقات حرب لبنان الثانية.

 

ويبدو أن البرنامج الزمني المعد لأولمرت في سبيل الالتفاف على القضايا الداخلية بالخارجية مكثف جدا. فاليوم أو غدًا يصل إلى القدس وزيرا خارجية مصر والأردن ممثلين للجامعة العربية. ومثلما حاول أولمرت الإيحاء باقترابه من المبادرة العربية فإنه سيحاول جعل زيارة الوزيرين العربيين مادة إعلامية خصبة، حتى لو كانت من دون جدوى.

 

وبعد ذلك تأتي زيارات وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس للمنطقة تمهيدا للمؤتمر الدولي الذي سيعقد على ما يبدو في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. والمهم هو الإيحاء بأن شيئا ما يطبخ وأن هذا الشيء يثير أملا جديا وبالتالي على الجميع التزام الصمت بانتظار النتائج.