الارهاب ظاهرة عالمية وليس حكراً على البيئة الاسلامية

نتنياهو.. وتسريبات مدبَّرة لترويج رواية بعينها.  (صحف)
تقارير، وثائق، تغطيات خاصة

في الآونة الأخيرة، أثارت قضية تسريب وثائق سرية من مكتب بنيامين نتنياهو جدلاً واسعاً في الرأي العام الإسرائيلي، حيث تحولت من قضية جنائية إلى موضوع سياسي مثير. تتمحور القضية حول تسريب مجموعة من الوثائق السرية، التي نُسبت إلى حركة حماس، وعُثر عليها داخل أحد الأنفاق التابعة لها. وقد تم نشر هذه الوثائق في صحيفتين عالميتين بعد تسريبها من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، كما نشر في الإعلام الإسرائيلي.

في إثر هذا التسريب، تم اعتقال خمسة أفراد، أربعة منهم ينتمون إلى وحدة سرية مكلفة بمنع تسريب المعلومات الأمنية الحساسة، بينما كان الشخص الخامس هو إيلي فيلدشتاين، المتحدث الرسمي باسم مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. تم تمديد فترة احتجاز فيلدشتاين، بالإضافة إلى تمديد اعتقال ضابط احتياط برتبة رائد، وجرى اعتقاله لاحقاً من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك).

يهدف هذا المقال إلى استكشاف أبعاد هذه القضية، عرض آراء بعض الصحافيين حولها، وتحليل تأثيراتها على المنظومة الأمنية والسياسية في إسرائيل.

تسريبات مشابهة 

قضية تسريب الوثائق ليست جديدة على إسرائيل، إذ سبق أن شهدت، مثلاً، في العام 2010 قضية "عنات كام"، الجندية السابقة التي تسلمت أكثر من 2,000 وثيقة عسكرية "شديدة السرية" من مكتب قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، يائير نافيه، وسلمتها للصحافي أوري بلاو من صحيفة "هآرتس".[i]

تضمنت الوثائق المسربة معلومات حساسة تتعلق بعمليات عسكرية، بما في ذلك أوامر اغتيال وتجاوزات للقانون الدولي في الضفة الغربية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً. فقد كشفت التسريبات عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما دفع رئيس جهاز الشاباك، يوڤال ديسكين، للتحذير من تداعيات هذه التسريبات على الأمن القومي الإسرائيلي.

وفي ما يتعلق بمسار القضية، تم اعتقال كام في كانون الأول 2010 ووضعت رهن الإقامة الجبرية، بينما ظل الصحافي أوري بلاو خارج إسرائيل ورفض العودة وتسليم جميع الوثائق التي بحوزته. وكان قد تم تسريب المعلومات في العام 2006، عندما كانت "كام" تعمل مساعدة في مكتب اللواء يائير نافيه، قائد القيادة المركزية في ذلك الوقت. حيث قامت بنسخ آلاف الوثائق من مكتبه قبل أن تقوم بتسريبها بعد تسريحها من الجيش.

وفي العام 2008، بدأ الصحافي أوري بلاو بنشر هذه الوثائق في سلسلة من المقالات الصحافية التي قادت المحققين إلى كام. وفي شباط 2011، تم التوصل إلى صفقة قانونية تنص على عدم توجيه تهمة الإضرار بالأمن القومي إليها مقابل اعترافها بتسريب أسرار الدولة. وفي تشرين الأول من العام نفسه، صدر الحكم بسجن كام مدة أربع سنوات ونصف السنة، مع وضعها تحت المراقبة مدة 18 شهراً. وبعد الاستئناف، تم تقليص الحكم إلى ثلاث سنوات ونصف السنة.[ii]

التقارير الإعلامية والتسريبات المزعومة

بدأت القصة الجديدة بتقرير نشرته صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية خلال شهر أيلول من العام الجاري، استند إلى وثائق مزعومة لحركة حماس، زعمت فيه أن رئيس الحركة، يحيى السنوار، كان يخطط للهروب مع بعض الأسرى الإسرائيليين عبر محور فيلادلفيا إلى إيران، لكن سرعان ما تبين أن هذه المزاعم غير دقيقة.[iii] بعد ذلك، نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية تقريراً آخر، زعمت فيه أنها حصلت على وثيقة سرية يُعتقد أنها تعود إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، وقد تم إعدادها في ربيع 2024 تتضمن استراتيجيات الحركة في التفاوض مع إسرائيل بوساطة دولية.

كذلك تكشف الوثيقة عن خطط قيادة حماس "لإرباك" المجتمع الدولي واستخدام عائلات الأسرى الإسرائيليين كأداة لتحقيق هدف رئيس متمثل في تعزيز قدرات حماس العسكرية والاستمرار في إدارة قطاع غزة، مما دفع قيادة الجيش الإسرائيلي إلى فتح تحقيق رسمي في تسريب الوثيقة التي اعتمد عليها هذا التقرير.

وفي وقت لاحق، كشف الصحافي الإسرائيلي رونان بيرغمان في "يديعوت أحرونوت" أن هذه التسريبات تتماشى مع الرواية التي يروج لها نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا، الأمر الذي طرح تساؤلات حول الأهداف السياسية الكامنة وراء نشر هذه المعلومات. وتبين أيضاً أن الوثائق المشار إليها لم تكن موجودة أصلاً، وأن الوثيقة الأخرى التي أُشير إليها كانت عبارة عن وثيقة غير معتمدة داخل حركة حماس، ولا علاقة لها برئيس مكتبها السياسي السنوار،[iv] الذي استشهد في حي تل السلطان بمدينة رفح فيما بعد.

هل تشكل التسريبات تهديداً للأمن القومي؟

أشارت رواية الإعلام الإسرائيلي والرواية الرسمية إلى أن التسريبات الأخيرة قد تشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي الإسرائيلي، خاصة في ما يتعلق بكشف معلومات حساسة تتعلق بعمليات استخباراتية متقدمة. وقد أظهرت التحقيقات الأولية أن هذه التسريبات تتعلق بمعلومات عن اجتماعات حساسة داخل الحكومة تناولت قضايا الحرب والمفاوضات الخاصة بالأسرى والمفقودين. وهذا يشير إلى أن التسريبات قد تؤثر بشكل كبير على مسار الحرب والمفاوضات، مما يستدعي فتح تحقيق رسمي للكشف عن ملابسات هذه التسريبات، وفقاً لما أشار إليه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.

لكن الصحافي رونين بيرغمان رأى بأن هذه القضية تكشف عن سلسلة من الإخفاقات الأمنية والسياسية داخل مكتب رئيس الحكومة، حيث تم تسريب مواد سرية تهدد الأمن القومي الإسرائيلي. كما أضاف بيرغمان أن هذه التسريبات جزء من حملة أوسع تهدف إلى تشويه الحقائق بشأن قضية الأسرى الإسرائيليين، من خلال نشر معلومات مضللة لتفسير سبب عدم إتمام صفقة تبادل الأسرى. ويرى أن هذه التسريبات تتجاوز كونها مجرد تسريبات إعلامية، بل هي جزء من عملية منهجية لتوجيه الرأي العام الإسرائيلي وتبرير سياسات نتنياهو في التعامل مع هذه الأزمة.[v]

من جهة أخرى، اعتبر الصحافي ناحوم برنياع أن جوهر الأزمة لا يكمن في التسريب ذاته، بل في استخدام هذه الوثائق المسربة بشكل كاذب لخداع الرأي العام الإسرائيلي في قضية شديدة الحساسية تتعلق بحياة المواطنين الإسرائيليين. برنياع انتقد بشدة الطريقة التي تم بها استخدام هذه التسريبات لتحقيق أهداف سياسية ضيقة، مؤكداً أن ما يحدث هو عملية ممنهجة لتضليل الشعب الإسرائيلي، وهو ما يعكس فساداً وتلاعباً في توجيه الأحداث لصالح حكومة نتنياهو[vi].

لم تكن هذه التسريبات مجرد تسريبات عابرة، بل شكلت نقطة تحول تكشف عن تباينات عميقة داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وأثرت بشكل كبير على شكل العلاقة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وقيادة الجيش والمخابرات، خاصة في ظل الحرب المستمرة. وتحمل هذه القضية في طياتها رسائل واضحة حول الأساليب السياسية التي يتبعها نتنياهو ومحاولاته لإعادة هندسة الرأي العام الإسرائيلي لصالحه.

قضية أبعد من التسريبات

يبرز في تحليل قضية تسريبات وثائق حماس رأيان متناقضان، كل منهما يسلط الضوء على زاويته الخاصة، لكن يتفقان على أن هذه القضية تتجاوز التسريبات نفسها إلى ما هو أبعد من ذلك، وهما:

الرأي الأول: الصراع بين الأجيال داخل المؤسسة الأمنية

تُبرز قضية تسريبات وثائق حماس صراع الأجيال داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وهو خلاف بدأ يظهر بوضوح مع بداية الحرب الحالية. يراه البعض محاولة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للهيمنة على الساحة السياسية والأمنية عبر التأثير على الرأي العام الإسرائيلي لصالحه. ففي هذا السياق، يمكن اعتبار التسريبات التي نُشرت في الإعلام جزءاً من استراتيجية نتنياهو لإضعاف صورة القيادة العسكرية، وخلق حالة من الشكوك حول قدرة الجيش على اتخاذ القرارات الاستراتيجية السليمة.

إذ يظهر نتنياهو، من خلال هذه التسريبات، وكأنه القائد الوحيد القادر على اتخاذ القرارات الحاسمة والفعّالة، في وقت تسعى فيه هذه التسريبات إلى تصوير قادة الجيش كعاجزين عن تقدير المواقف الأمنية بشكل صحيح. وهذه خطوة تمثل سعياً لتكريس السلطة في يد رئيس الحكومة، مما يساهم في تعميق الخلافات بين الأجيال المختلفة داخل المؤسسة العسكرية. يُنظر إلى هذه التصرفات كجزء من حملة سياسية هدفها تقوية موقع نتنياهو وتفكيك وحدة القيادة العسكرية، التي قد تكون محورية في سياق الحرب الجارية.

الرأي الثاني: استنفاد المعارضة الإسرائيلية

من جهة أخرى، تكشف هذه القضية عن حالة من العجز السياسي الذي تعاني منه المعارضة الإسرائيلية. فرغم المحاولات العديدة لإزاحة نتنياهو عن منصبه، لا يبدو أن المعارضة قد تمكنت من تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الصدد. هذا الجمود السياسي يبرز عجز المعارضة عن مواجهة نتنياهو على الساحة السياسية بشكل حاسم، مما يطرح تساؤلات حول قدرة القوى المعارضة على التأثير في القيادة الحالية.

في ظل هذا العجز السياسي، يبدو أن الطريق الوحيد المتبقي لإزاحة نتنياهو من السلطة قد يكمن في المسار القانوني. إذ يمكن أن تُجبر الإجراءات القضائية نتنياهو على التنحي، إما عبر محاكمات قد تؤدي إلى إدانته بتهم قد تضر بمستقبله السياسي. ورغم أن المعارضة فشلت في التأثير على الموقف السياسي، فإن المسار القضائي قد يشكل إحدى الطرق التي قد تُفضي إلى الإطاحة بنتنياهو إذا ما تم استغلاله بشكل فعّال.

ختاماً، تسريب الوثائق ليس مجرد حادث عابر، بل هو نقطة تحول تكشف عن التباينات العميقة داخل المؤسسة الإسرائيلية، سواء على صعيد الصراع في قيادة الجيش أو على صعيد الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة. وبذلك، تتزايد التساؤلات حول قدرة إسرائيل على التأقلم مع هذه التحديات في ظل الصدوع الداخلية المستمرة، وهو ما يشير إلى بضعة تحولات في المشهد السياسي والأمني قد يمتد تأثيرها على المدى البعيد.

 

[i] نعامه كوهين فريدمان. "حُكم على عنات كام بالسجن مدة 4.5 سنة"، يديعوت أحرونوت، 30 تشرين الأول 2011، للمزيد: أنظر/ي https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4140991,00.html

[ii] تايمز أوف إسرائيل. " الإفراج عن عنات كام بعد أن أدينت بالتجسس"، 26 كانون الثاني 2014، للمزيد: أنظر/ي https://linksshortcut.com/pvTMK

[iii]  يديعوت أحرونوت. "غير دقيق: السنوار يخطط للهروب مع الأسرى عبر محور فيلادلفيا الى إيران"، 5 أيلول 2024، للمزيد: أنظر/ي https://www.ynet.co.il/news/article/byuze8pnc

[iv] رونين برغمان. "رقصة "المكيدة" في قضية الوثائق السرية"، يديعوت أحرونوت، 2 تشرين الثاني 2024، للمزيد أنظر/ي https://www.ynet.co.il/news/article/hkdrdr711ye

[v]  رونين برغمان. مصدر سبق ذكره.

[vi]  ناحوم برنياع. " ’القضية الأمنية’: لديناميكية آلة التضليل تأثيرها الخاص"، يديعوت أحرونوت، 3 تشرين الثاني 2024، للمزيد: أنظر/ي https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14138309