يعمل الكنيست الإسرائيلي، مستغلاً أجواء الحرب على غزة ولبنان، على المصادقة على العديد من مشاريع القوانين الهادفة إلى ترسيخ التمييز العنصري، وقمع حقوق المواطنين الفلسطينيين، وتعزيز السيطرة على الفلسطينيين في الداخل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في 28 تشرين الأول الماضي، أقر الكنيست قانونين يهدفان إلى إيقاف عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- "الأونروا". يحظر القانون الأول على "الأونروا" العمل داخل "المناطق السيادية" لإسرائيل، مما سيؤدي إلى إغلاق المقر الرئيس لها في القدس المحتلة. ويحظر القانون الثاني على السلطات الإسرائيلية التواصل أو التعامل مع "الأونروا" أو ممثليها وينهي الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل و"الأونروا" والتي سمحت وسهلت عمليات الوكالة والتنسيق مع سلطات الدولة. مثل هذه القوانين ستوقف جميع خدمات وأنشطة "الأونروا" في القدس المحتلة وتقيّد بشدة عملياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك يعد دور "الأونروا" حيوياً بشكل خاص في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية التي ما زالت تفاقم وتوسع الأزمة الإنسانية. ستحرم هذه القوانين أكثر من 2.5 مليون لاجئ فلسطيني من حقوقهم الأساسية وستقطع شريان الحياة الحيوي الذي تقدمه "الأونروا" للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة العام 1967.
وأصدر مركز عدالة الأسبوع الماضي ورقة إحاطة تسلط الضوء على عدة مشاريع قوانين قمعية تستهدف حقوق المواطنين الفلسطينيين وسكان القدس. وفي ما يلي أبرز مشاريع القوانين العنصرية والتمييزية والتي تتناول مجالات بالغة الأهمية.
(*) توسيع استخدام "قانون مكافحة الإرهاب": يسعى أحد مشاريع القوانين إلى توسيع نطاق الجرائم المتعلقة بحرية التعبير حيث يهدف إلى خفض الحد الأدنى للأدلة والبيّنات المطلوبة للتجريم الجنائي. يقضي القانون حالياً بوجوب إثبات "احتمال كبير" بأن التعبير الذي يُعتبر أنه ينطوي على تحريض سيؤدي إلى عمل إرهابي، وبحسب التعديل المقترح سيتم استبدال "الاحتمال الكبير" بـ "الاحتمال المعقول"، وبذلك يخفف المتطلبات القانونية للملاحقة القضائية. يهدف هذا التعديل إلى قمع حقوق الفلسطينيين مواطني الداخل وسكان القدس المحتلة لمجرد المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحرب ونشر المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
(*) تقويض جهاز التعليم العربي: هذا مشروع قانون خطير آخر يمنح وزارة التعليم صلاحيات واسعة لفصل معلمين عرب وإلغاء تمويل المدارس المتهمة "بدعم الإرهاب". يهدف مشروع القانون هذا إلى تقويض المدارس العربية والمعلمين ويشمل جهاز التعليم في القدس المحتلة.
(*) انتهاك حقوق الأطفال العرب: يسعى مشروعا قانون إلى تجريد الأطفال الفلسطينيين، بمن فيهم سكان القدس المحتلة، من الحماية ومعاملتهم كبالغين. يتيح أحد مشاريع القوانين بالحكم بالسجن على القاصرين الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، بما في ذلك السجن المؤبد، في حال "أُدينوا بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية". ويسمح مشروع قانون آخر بعدم وجود محامٍ أثناء استجواب القاصرين المشتبه بهم في ارتكاب مخالفات أمنية. هذه التعديلات تعزز نظام الفصل العنصري الذي يستهدف الأطفال الفلسطينيين.
(*) قطع مخصصات الرعاية الاجتماعية: يسعى الاقتراح إلى إلغاء مستحقات الرعاية الاجتماعية عن أمهات وآباء الأطفال الذين أدينوا بارتكاب مخالفات أمنيّة، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة على أسر تعاني غالبيتها العظمى من الفقر والتهميش. مشروع القانون هذا، المشابه لقانون سابق كانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد ألغته في العام 2021، يعيد فرض العقوبة الجماعية بحجة مكافحة الإرهاب.
(*) ترحيل عائلات كشكل من أشكال العقاب الجماعي: مشروع القانون هذا يمنح وزير الداخلية صلاحيات واسعة لترحيل أفراد عائلات الفلسطينيين المتهمين بالإرهاب، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء الأقارب متورطين في أي نشاط غير قانوني. ينتهك هذا المشروع القانون الدولي ويهدد بتهجير عائلات بأكملها، خارج إسرائيل أو الضفة الغربية أو أي منطقة أخرى تحت السيطرة الإسرائيلية.
وهناك مشروع قانون آخر يسعى إلى منع القوائم والنواب العرب من الترشح في انتخابات الكنيست ويحد من صلاحيات المحكمة العليا للإشراف على قرارات لجنة الانتخابات المركزية. ويحظر القانون الحالي ترشح قوائم أو مرشحين يدعمون الكفاح المسلح لدولة معادية أو منظمة إرهابية ضد دولة إسرائيل، بشرط أن تقدم أدلة عديدة تشير إلى ممارسات منهجيه لمثل هذا الدعم. ويضيف مشروع القانون الجديد تعديلاً للمادة السابعة من قانون أساس: الكنيست، الذي بموجبه يمكن الاكتفاء ببينات قليله جدا وحتى دليل واحد سيكون كافياً، كما يوسع أسباب منع المشاركة في الانتخابات ليشمل دعم "منفذي عمليات فردية" ويدرج عبارة "ضد المدنيين الإسرائيليين".
وأكد مركز عدالة أن هذه الاقتراحات تشكّل تحولاً خطيراً نحو إضفاء الطابع المؤسسي على الملاحقة السياسية، وتآكل الحقوق الأساسية تحت غطاء "مكافحة الإرهاب"، وتجريد الأطفال الفلسطينيين من الحماية القانونية. وتعيد بعض مشاريع القوانين إحياء الإجراءات القاسية التي اعتُمدت خلال فترة الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على المواطنين الفلسطينيين بين العامين 1948 و1966، وترسخ نظام فصل عنصري. والدعم الواسع لهذه القوانين في الكنيست يؤكد الإجماع المتزايد داخل الساحة السياسية الإسرائيلية لصالح انتهاكات حقوق الفلسطينيين.
وقد صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية، يوم الأربعاء الماضي، على مشروع قانون ينصّ على توسيع أسباب شطب مرشحين للانتخابات البرلمانية ومنها دعم "إرهابيين". ويوسّع مشروع القانون هذا، الذي قدمه رئيس كتل الائتلاف الحكومي عضو الكنيست أوفير كاتس، من حزب الليكود، دائرة منع ترشُّح العرب للكنيست من خلال سحب صلاحية المحكمة العليا في إلغاء قرار تتخذه لجنة الانتخابات بشطب قائمة، أو شخص، من الترشح للكنيست، وأن يتحول إجراء شطب المرشح في المحكمة العليا إلى استئناف عادي، بهدف تقليص تدخُّلها في القرار.
وكانت طلبات الاستئناف بشأن شطب حزب، أو مرشح يُقدّم إلى المحكمة العليا، التي تقرر من جانبها، إمّا إلغاء الطلب، وإمّا عدم إلغائه، من دون الاستماع إلى طعون مندوبي الأحزاب في لجنة الانتخابات المركزية الذين أيّدوا الشطب، بينما يُلزم مشروع القانون الجديد المحكمة الاستماع إلى طعون مؤيّدي الشطب.
ويوسّع مشروع القانون البند 7أ في قانون أساس: الكنيست، الذي يتعلق بذرائع شطب الترشيح للكنيست، ويقضي بمنع ترشُّح مَن يدعم "الكفاح المسلح" لأيّ دولة، أو منظمة "إرهابية"، ضد دولة إسرائيل بشكل واضح وممنهج، في حين أن مشروع القانون، الذي صودق عليه الآن، يوسّع دائرة منع الترشح، ليصبح التماهي مع "حدث واحد"، أو مع "عملية واحدة"، ضد دولة إسرائيل، كافياً لمنع الترشح. وبحسب مشروع القانون، يكفي تصريح واحد يعبّر فيه المرشح عن دعم "الإرهاب" لكي يُشطب ترشيحه.
وقال كاتس: "لا توجد أيّ دولة أُخرى في العالم تسمح لمؤيّدي ’الإرهاب’ بأن يكونوا أعضاء في البرلمان. وأنا أقول لقضاة المحكمة العليا إن الشعب ليس مستعداً لتقبّل ذلك بعد الآن. هل تعتقدون أن هذه القرارات تجعلكم متنورين أكثر منا؟ وأكثر ليبراليةً وتقدماً؟ إنكم لستم كذلك، ولن يكون هناك جوائز لـ’الإرهاب’ بعد الآن".
وأعلنت كتلة "المعسكر الرسمي"، برئاسة عضو الكنيست بني غانتس، أن مشروع القانون هذا يأتي ضمن خطة الحكومة لإضعاف الجهاز القضائي.
وأعلنت الكتلة في بيان صادر عنها أنها تعتزم في الأيام المقبلة تقديم مشروع قانون لتوسيع إمكان منع شخص، أو حزب، يؤيّدان "الإرهاب" من الترشح للكنيست، وخلافاً لمشروع قانون الائتلاف، لن يستهدف نظام الرقابة القضائية.
ولمّح رئيس حزب "يوجد مستقبل" وزعيم المعارضة عضو الكنيست يائير لبيد إلى أن مشروع القانون يستهدف أعضاء الكنيست العرب فقط، ووصفه أيضاً بأنه مشروع قانون لإلغاء المعارضة.
وقبل ذلك أقرت لجنة الكنيست البرلمانية، يوم الثلاثاء الماضي، مشروع القانون الذي ينص على طرد عائلات "مخربين" من حمَلة الجنسية الإسرائيلية. وسيُطرح مشروع القانون على الكنيست بكامل هيئته اليوم الإثنين للتصويت عليه.
ويخوّل مشروع القانون هذا وزير الداخلية الإسرائيلي صلاحية ترحيل أبناء عائلة "مخرب" من الدولة، ولا سيما الزوجة والأم والأب والأطفال والأشقاء، في حال علموا مسبقاً بالاعتداء، أو دعموه بعد وقوعه.
يُذكر أن ممثل جهاز الأمن العام ("الشاباك") أعلن خلال جلسة لجنة الكنيست أن الجهاز يعارض بشدة طرد أشقاء "مخربين"، حتى إذا كانوا على عِلم بنيتهم ارتكاب الاعتداء، وأكد أن "الشاباك" يدعم ترحيل أولياء الأمور فقط. غير أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أكد ضرورة إبعاد جميع أبناء العائلات من دون استثناء.
وأوضحت كتلة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية)، التي بادرت إلى مشروع القانون، أنها ستستمر في العمل من أجل تمرير القانون بكل بنوده.
وتحت عنوان "ذريعة من أجل استبعاد العرب" أنشأت صحيفة "هآرتس" يوم 28/10/2024 افتتاحية أكدت فيها أن مشروع قانون النائب أوفير كاتس هو جزء من الانقلاب الدستوري.
وجاء في الافتتاحية:
لم تتخلّ حكومة اليمين المتشدد، برئاسة بنيامين نتنياهو، لحظةً، عن مشروعها تنفيذ انقلاب دستوري. وضمن هذا الإطار، تتوجه الآن نحو إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية، أي الحق في الترشح، وفي الاقتراع. ولهذه الغاية، تبحث اللجنة الوزارية للتشريعات اليوم في اقتراح تعديل قانون أساس: الكنيست، والذي قدمه رئيس الائتلاف أوفير كاتس الذي يطالب بتوسيع ذريعة استبعاد مرشح، أو حزب، من الكنيست، وذلك بناءً على البند رقم 7 في قانون أساس الكنيست.
أُدخلت على الاقتراح تعديلات خطِرة، بينها تعديلات، هدفها الحدّ من صلاحيات المحكمة العليا. لكن التعديل الأساس هو الذي يطالب بالاستناد إلى بند ذريعة "دعم النضال المسلح لدولة، أو تنظيم ’إرهابي’، ضد إسرائيل"، فيكفي عمل واحد، أو تصريح واحد، وليس أفعالاً مستمرة منذ وقت، من أجل استبعاد مرشح عن الترشح إلى الكنيست. والدافع وراء ذلك هو تجاوُز حُكم طويل الأمد أصدرته المحكمة العليا، ويقضي بإعطاء تفسير محدود لذريعة عدم الأهلية، من منطلق الحفاظ على الحق في الترشح إلى الانتخابات، وفي الاختيار، وهو حق أساس في الديمقراطية، وهو حرية التعبير. لذا، طالب قضاة المحكمة العليا بالحصول على دلائل قاطعة على أن المقصود فعل، أو تصريح مهم ومستمر، وليس محدوداً، وهذا تحديداً ما يطالب الائتلاف بترسيخه من خلال نزع أهلية مرشح، أو حزب، بناءً على تصريح واحد، حتى لو قيل في الماضي، ولا يعكس موقف المرشح حالياً.
يجب ألّا تختلط علينا الأمور؛ الائتلاف لا يحارب "الإرهاب"، بل يحارب العرب. حتى اليوم، وفي القانون الحالي، جرى صوغ هذه الذريعة بصورة تحمي مؤيدي الإرهاب اليهودي، بحجة أن تأييد الإرهاب اليهودي ضمن حدود الضفة الغربية لا يُعتبر ذريعة لنزع الأهلية قط، وذلك انطلاقاً من حجة سخيفة تقول إن هذا الإرهاب غير موجّه ضد دولة إسرائيل، أو المواطنين الإسرائيليين. إن توسيع هذه الذريعة الآن، سيزيد في حدة أنها موجهة ضد المواطنين العرب في إسرائيل، ولا شك في أن الائتلاف سيستخدمها من أجل نزع أهلية المرشحين العرب الذين لديهم تاريخ من التصريحات المرفوضة. ويمكن أن تكون النتيجة مقاطعة الجمهور العربي للانتخابات، الأمر الذي سيكون مدعاة سرور للائتلاف، ومن المحتمل أن يكون هذا هو هدف القانون منذ البداية.
يجري الدفع قدماً بالانقلاب الدستوري بأساليب كثيرة: المسّ بحرية التعبير من خلال توسيع تعريف "التحريض على الإرهاب"؛ المسّ بمكانة وصلاحيات المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف - ميارا؛ والمسّ بالمحكمة العليا من خلال وقف تعيين القضاة شهوراً، وعدم تعيين رئيس دائم؛ المسّ بسلسلة التعيينات المهنية في وظائف الدولة، والسيطرة على الشرطة في إسرائيل.
وختمت الصحيفة افتتاحيتها قائلة: يجب أن يُرفض اقتراح قانون عضو الكنيست كاتس رفضاً مطلقاً. وإذا لم ترفض الحكومة هذا الاقتراح، فسيكون دليلاً على أن ائتلاف نتنياهو يفعل كل ما في وسعه، ليس فقط لتخريب الديمقراطية، بل أيضاً لتخريب جوهرها الإجرائي، أي قوانين الانتخاب.