عرض ونقد لخطة "إسرائيل 2028"

ابحاث ودراسات

أنجز المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار ترجمة عربية لخطة "إسرائيل 2028"، التي أشرفت على إعدادها لجنة جماهيرية عامة برئاسة أحد كبار رجال الأعمال في إسرائيل، وضمت مجموعة كبيرة من الأكاديميين وذوي الاختصاص، وتم إنجازها في الربيع الفائت. كما أنها أدرجت في جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية وحازت على دعمها. وجرى تعريفها بأنها "رؤية استشرافية وإستراتيجيا اقتصادية- اجتماعية في عالم عولمي". هنا قراءة فيها

 

(*) أنجز المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار ترجمة عربية لخطة "إسرائيل 2028"، التي أشرفت على إعدادها لجنة جماهيرية عامة برئاسة أحد كبار رجال الأعمال في إسرائيل، وهو إيلي هوروفيتس، الذي أشغل منصب رئيس اتحاد أرباب الصناعة، وضمت مجموعة كبيرة من الأكاديميين وذوي الاختصاص، وتم إنجازها في ربيع 2008. كما أنها أدرجت في جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية في شهر أيار (مايـو) 2008 وحازت على دعمها. [1]

وتقدّم الترجمة العربية مقاطع واسعة من الخطة، التي جرى تعريفها بأنها "رؤية استشرافية وإستراتيجيا اقتصادية- اجتماعية في عالم عولمي".

تكمن أهمية هذه الخطة في أمرين:

أولاً- أنها أول خطة من نوعها في تاريخ الدولة العبرية.

ثانيًا- كونها مدعومة رسميًا، أولاً من قبل الحكومة الإسرائيلية، وثانيًا من جهة أميركية مخولة [هي "مفوضية العلوم والتكنولوجيا الأميركية – الإسرائيلية"]، تنظر إلى العلاقة بين الدولتين، في الحاضر القريب والمستقبل البعيد، باعتبارها عنصرًا مهمًا في سياق الحفاظ على مصالحهما الإقليمية والدولية.

تتطلع خطة "إسرائيل 2028"، أساسًا، إلى تحقيق نمو سريع ومتوازن، وإلى تقليص الفجوات الاجتماعية سعيا إلى جعل دولة إسرائيل تحتل، في غضون الأعوام العشرين المقبلة، موقعًا بين الدول الـ 10 - 15 الرائدة دوليا في المنجزات الاقتصادية وفي جودة الحياة.

وهي تبحث في عدد كبير من الموضوعات والمجالات، على غرار: الاقتصاد والمجتمع، السلطة والإدارة العامة، العولمة، العلوم والتكنولوجيا. كما تبحث في قضايا السياسة العامة المتصلة، أيضا، بسوق العمل، البنى التحتية الوطنية، التعليم، التعليم العالي، البحث العلمي، الصناعات التقليدية والاندماج في سيرورة العولمة.

ووفقًا لما أشير إليه في تصدير الخطة، فقد كان المبادرون ينوون، بداية، بأن يتمحور عملهم في الموضوعات ذات الصلة، المباشرة والفورية، بتطوير التعاون المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبالنمو السريع والاندماج في سيرورة العولمة، وخصوصا في مجالات العلوم، التكنولوجيا المتطورة وبنى الإنتاج التحتية. غير أن الواقع المركب الذي تعيشه إسرائيل، والتي ينشط فيها قطاع اقتصادي متطور ومندمج في العولمة إلى جانب قطاع واسع يعاني من التخلف التكنولوجي والإنتاجية المتدنية، الواقع الذي تميزه فجوات شاسعة في المداخيل وفجوات كبيرة في التعليم ومشاركة متدنية في القوة العاملة، أظهر لهم أن النمو السريع والدائم، المطلوب أيضا لدفع التعاون مع الولايات المتحدة، يشكل تطورا متعدد الأوجه، وهو مرهون بجملة من العوامل والوسائل المنهجية، وأن مجال الأبحاث والتكنولوجيا المتطورة لا يخصّ إلا جزءًا منها فقط. أما الجزء الآخر منها فيختص بتطوير الفروع الاقتصادية التقليدية، كما يختص بجودة الحكم وماهية المؤسسات، وسياسة التشغيل، وتوسيع التعليم الجامعي، وتحسين جهاز التعليم، وتقليص الفجوات الاجتماعية، وتطوير البنى التحتية المادية وتحسين جودة البيئة. وثمة روابط وثيقة وتأثيرات متبادلة فيما بين المجالات المختلفة، على الرغم من أن هذه الروابط تكون خافية عن الأنظار أحيانا.

لعل ما قد يعنينا في هذه الخطة، أكثر شيء، هو ما تقدمه من مسح شامل للأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية في إسرائيل على مختلف الصعد، وكذلك لمترتباتها في المستقبل المنظور.

ويشير واضعـو الخطة، على وجه الخصوص، إلى المصاعب التالية:

- كون نمو الاقتصاد الإسرائيلي غير متوازن منذ ما يقارب العقدين. فقد ظهر في إسرائيل نمط من النمو يؤدي إلى نشوء اقتصاد ثنائي/ مزدوج: هناك من الجهة الأولى، نمو سريع وإنتاجية مرتفعة في فروع التكنولوجيا الراقية وفي الفروع المتطورة الأخرى التي يتمتع الاقتصاد الإسرائيلي فيها بتفوق نسبي ملحوظ، ومن الجهة الأخرى هناك مراوحة وإنتاجية متدنية، بل وتراجع في بعض الأحيان في الفروع التقليدية. وبينما أفلحت الفروع العلمية في جني الفائدة القصوى من العولمة، فإن الفروع التقليدية تضررت من جراء اندماج الاقتصاد الإسرائيلي في السيرورة العولمية. والجزء الأكبر منها لم ينجح في المحافظة على أسواقه الخارجية، ولم ينجح في مواجهة الاستيراد المنافس، بل وخسر الكثير منها أيضا حتى أسواقه المحلية.

- يرتبط الاقتصاد الثنائي، عبر علاقة سببية وثيقة، بالواقع الاجتماعي البائس القائم في إسرائيل. فعلى مدى حقبة زمنية طويلة تواصلت وتعمقت، باستمرار، الفروق الكبيرة في المداخيل في المجتمع الإسرائيلي. وبعد أن كانت إسرائيل، في بدايات طريقها، من بين الدول "الأكثر عدالة ومساواة في العالم"، كما يؤكد أصحاب الخطة، فإنها تحتل الآن إحدى المراتب العليا بين الدول المتطورة في مقياس عدم المساواة في المداخيل. إن عدم المساواة البارز في الأجور نابع، إلى حد كبير، من الفوارق في الإنتاجية وفي الناتج للعامل بين الفروع العلمية والفروع التقليدية. هذا يعني أن نشوء الاقتصاد الثنائي غذى اتساع فجوة عدم المساواة في المداخيل في إسرائيل. وعدم المساواة هذا يخلق عدم استقرار اجتماعي ويمس بالنسيج الهش في مشاعر الانتماء والتماسك الاجتماعي، كما أنه يمس أيضا بالنمو الاقتصادي. وإذا ما وُجدت الطريق لدفع نمو الفروع التقليدية ومنع التقاطب في الاقتصاد الثنائي، فسيخدم هذا أيضا الحاجة الاجتماعية الماسة إلى تقليص الفجوات في المداخيل، وخاصة بواسطة زيادة المداخيل من العمل لدى الأعشار الدنيا وكذلك، وإن بدرجة أقل، بواسطة منظومة الضرائب ومخصصات الإعانة. ومن هنا، فإن زيادة المساواة ستتحقق، أساسا، بواسطة وضع سلم للصعود في تدريج المداخيل من العمل لدى الفئات المتدنية الدخل.

- ثمة ظاهرة أخرى قال أصحاب الخطة إنها مثيرة للقلق تتمثل في نسبة المشاركة المتدنية في قوة العمل في إسرائيل مقارنة بالدول المتطورة (في سنة 2006 بلغت نسبة المشاركة في قوة العمل في إسرائيل 55% وفي الولايات المتحدة 65%). ونسبة المشاركة المتدنية في قوة العمل قد تحول دون تحقيق الناتج المطلوب للفرد لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، حتى لو كانت إنتاجية العمل في إسرائيل مساوية لتلك التي في الدول المتطورة. إن هذه النسبة المتدنية من المشاركة في قوة العمل تنبع، بدرجة كبيرة، من أنماط المشاركة المتدنية لدى فئتين سكانيتين: الرجال المتدينون "الحريديم" والنساء العربيات. هاتان الفئتان تمتنعان حتى، في الغالب، من الانخراط في مسارات التعلم المناسبة لسوق العمل العصرية (نسبة المشاركة بين الحريديم في قوة العمل تبلغ 40% ونسبة المشاركة بين النساء العربيات في إسرائيل تبلغ، هي أيضا، 40%، في مقابل 61% بين فئات الأغلبية بين السكان). وتشكل نسبة التكاثر الطبيعي المرتفعة لدى هاتين الفئتين، وعلى خلفية أنماط العمل القائمة وغياب الثقافة العامة، تهديدا جديا وحقيقيا لفرص تحقيق أهداف الاقتصاد والمجتمع خلال الأعوام المقبلة. وتشير التوقعات الديمغرافية المبنية على أنماط الولادة القائمة إلى أن نسبة فئات الأغلبية (ليست من الحريديم ولا من العرب) من مجموع السكان في إسرائيل، ستهبط من 71% في سنة 2007 إلى 61% في سنة 2028. هذه المعطيات الديمغرافية ستنعكس، إن لم يطرأ تغيير في أنماط التعلم والعمل لدى فئات الأقلية، في تراجع نسبة المشاركة في قوة العمل من 56% حاليا إلى 53% في العام 2028. بينما من أجل تحقيق أهداف الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل، في المقابل، ثمة حاجة إلى ارتفاع نسبة المشاركة في قوة العمل إلى 60%. إن التوجهات القائمة حاليا تؤثر، إذن، بمنحى معاكس تماما لمنحى التطورات المطلوبة. ونسبة المشاركة المتدنية تشكل علامة مميزة، عادة، للفئات المحدودة الدخل عامة، وليس لفئتي الأقلية المذكورتين فقط. ولذا ثمة ضرورة ملحة لتحسين شروط حياة الفئات السكانية التي تعيش في ظروف الفقر، بواسطة رصد موارد حكومية واستثمارها في تعليم الأطفال وفي رأس المال البشري بين البالغين. لكن هذا وحده ليس كافيا في كل ما يتصل بالفئتين المذكورتين – الحريديم والعرب – حيث ثمة معارضة من منطلقات دينية، تقليدية أو سواها، للانخراط في المسارات التعليمية العامة التي تُكسب المؤهلات المطلوبة للعمل بمستويات رفيعة. لا بل ثمة بين هاتين الفئتين معارضة حتى للخروج إلى العمل. إن مشكلة نسبة المشاركة المتدنية في قوة العمل بين هاتين الفئتين، والأجور المتدنية التي يحصل عليها أفرادها حين يعملون، مرتبطة، ارتباطا وثيقا جدا، بمسألة امتناعهم من اكتساب العلم والمعرفة الضروريين لسوق العمل العصرية.

- في نهاية سنة 2006 بلغ عدد العمال "غير الإسرائيليين" الذين عملوا في إسرائيل 240 ألفا، من بينهم 190 ألف عامل أجنبي ونحو 50 ألف عامل من المناطق [الفلسطينية المحتلة]. نسبة هؤلاء من بين إجمالي عدد العمال المستخدمين في إسرائيل آنذاك بلغت 9.5%، وهي نسبة مرتفعة بالمقاييس الدولية. الزيادة الجدية في عدد العمال الأجانب بدأت في أوائل التسعينيات (وهي عملية حركتها الانتفاضة الأولى وما ترتب عليها من هبوط حاد في عدد العمال من المناطق)، إذ سجل عددهم في سنة 2002 رقما قياسيا بلغ 269 ألفا. ومنذ ذلك الحين، قامت الحكومة بمحاولات معتدلة لخفض عدد العمال الأجانب، لكن تلك المحاولات لم تكن مجدية إلا قليلا جدا إذ تم لجمها وهي في بداياتها. ويعمل العمال الأجانب في إسرائيل، بالأساس، في فروع الزراعة، البناء والتمريض المساعد. ويزيد عدد العمال الأجانب في إسرائيل، الآن، عن عدد العاطلين عن العمل ذوي التحصيل العلمي المتدني. وإن العمال أصحاب الدخل المتدني هم الذين دفعوا الجزء الأساس والأكبر من ثمن العولمة، إذ انكشفت الفروع التي يعملون فيها على استيراد منافس من دول تتمتع بأفضلية العمل الرخيص. وهكذا أصبح هؤلاء عاطلين عن العمل، بل خرج بعضهم من دائرة العمل، إطلاقا. الملاذ الطبيعي لهؤلاء العمال حيال سيرورات العولمة في التجارة الدولية هو في الفروع غير القابلة للاتجار الدولي ـ البناء، بعض فروع الزراعة والخدمات الشخصية. هذه الفروع (ومعها، أيضا، الخدمات العامة) غير مكشوفة على الاستيراد المنافس. ولكن، في أعقاب الضغوط التي مارستها مجموعات الضغط الاقتصادية التابعة لأصحاب العمل، حُرِم العمال الإسرائيليون أصحاب الدخل المحدود والمتدني من الملاذ الطبيعي أيضا، وذلك حين اقتحمت العولمة، بكل قوة، مجال تنقل القوى البشرية، وخاصة العمال القابعين في أدنى سلم المداخيل. هذه السياسة عمقت الفوارق في المداخيل واضطرت ميزانية الدولة العامة إلى تحمل عبء إضافي يتمثل في دفع مخصصات تأمين البطالة وضمان الدخل لهؤلاء العاطلين عن العمل. وقد سببت هذه السياسة ضررا اجتماعيا وإنسانيا كبيرا واضطرت ميزانية الدولة إلى تمويل مشغّلي العمال الأجانب، بصورة غير مباشرة، من خلال ميزانيات الرفاه الاجتماعي.

- تكمن إحدى المشكلات المركزية التي تعيق أداء الاقتصاد الإسرائيلي وتهدد مستقبله في القصورات الجوهرية التي يعاني منها جهاز التربية والتعليم، بكل مستوياته ومراحله، من روضات الأطفال وحتى التعليم العالي. في جهاز التعليم يطورون، عادة، "رأس المال البشري" الذي يمنح إسرائيل أفضلياتها النسبية. ومن دون التغييرات التي أتت الخطة عليها تفصيليا، قد يتواصل التراجع الخطر في مستوى التعليم العالي في إسرائيل وستستمر ظاهرة هروب الأدمغة. وبناء عليه فإن أفضلية إسرائيل الوحيدة في عالم تنافسي وفي منطقة معادية ستكون موضع خطر جدي وحقيقي.

- حصل تآكل متواصل في مدى فاعلية الأجهزة السلطوية ونجاعتها، وفي مدى فاعلية القطاع العام بالمعايير المختلفة الخاصة بسيرورة اتخاذ القرارات، تنفيذ القرارات، مدى مهنية وتخصص مستخدمي الجمهور في القطاع العام، الحرص على حفظ القانون، الالتزام به وتطبيقه، الحفاظ على موضوعية الاعتبارات وسلامتها والاستقرار السلطوي. هذا التآكل يشكل تهديدا للمجتمع والاقتصاد. إن البحث في مسألة طريقة الحكم، التي تمس العديد من أمراض السلطة وفاعليتها ونجاعتها، يتجاوز مجالات اهتمام هذا الخطة. ومع ذلك، ثمة في هذه الخطة بحث يتطرق إلى جوانب مختلفة ومهمة تتصل بفاعلية ونجاعة اتخاذ القرارات وتنفيذها، بمهنية وتخصص مستخدمي الجمهور في مجالات العمل المختلفة. ذلك أن مستوى القدرة على الحكم، أداء المؤسسات الرسمية وجودة البحث في قضايا السياسة الجماهيرية العامة تشكل عوامل مركزية في تنمية الاقتصاد والمجتمع لدى الدول الرائدة في العالم.

 

علاوة على ما تقدّم تبين هذه الخطة الدوافع الاقتصادية المخصوصة، التي وقفت من وراء "جنوح إسرائيل" نحو "عملية التسوية"، سواء مع الشعب العربي الفلسطيني أو مع سائر الأقطار العربية. ولا بُدّ من الإشارة، في هذا الشأن، إلى أن واضعي الخطة لا يكفون عن التوكيد على أن فرص الازدهار الاجتماعي والاقتصادي في إسرائيل مرهونة، إلى حدّ كبير، بـ "تعزيز وترسيخ التوجهات نحو السلام والهدوء في منطقتنا، مع الدول العربية المعتدلة، في الدائرة الصغيرة التي تشمل جيراننا الفلسطينيين، السوريين واللبنانيين، وفي دائرة التهديدات الأبعد، من طرف إيران وغيرها من بؤر الإسلام المتطرف والمعادي".

كما أن هذه الخطة مبنية على فرضية فحواها "أنه لن يطرأ تغيير أساسي جوهري على أوضاع إسرائيل الأمنية. وأن تحقيق سلام دائم سيغير منظور التطور في الاقتصاد الوطني وسيسهل، بدرجة كبيرة، مهمة تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. وفي المقابل، من شأن حرب شاملة أن تعيق تحقيق الأهداف".

 

بطبيعة الحال من الصعب أن نحكم على خطة تصوغ برامج وخطوات من أجل المستقبل، على غرار خطة "إسرائيل 2028". ويقينًا أن هذا الحكم يبقى خاضعًا لامتحان النتيجة النهائية. لكن على الرغم من ذلك لا بُدّ من الإشارة إلى أن الأهداف الرئيسية للخطة تظل في موضع شكّ منطقي لسبب بسيط للغاية، هو أنها لا تأخذ في الاعتبار واقع أن الدول المتطورة، التي تتطلع الخطة لأن تصبح إسرائيل في عدادها في غضون الأعوام العشرين المقبلة، لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء مضامير التطور، التي تلح الخطة على ضرورة استثمار الموارد فيها. وبناء على ذلك فإنه حتى في حال النجاح في تحقيق الأهداف المعتمدة فلن يؤدي ذلك بصورة تلقائية، حسبمـا أشار بعض المنتقدين للخطة، إلى جعل إسرائيل تتبوأ هذه المكانة، وإن أدى إلى تحقيق نمو سريع.

 

مستقبل المواطنين الفلسطينيين

 

ثمة قضية أخرى تحتاج إلى وقفة هي تعامل هذه الخطة مع مستقبل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. ومن الواضح أنها تنطلق من اعتبار هؤلاء المواطنين مجرّد وسط لا أكثر "ينبغي العمل، بصورة حثيثة، من أجل تغيير أوضاعه واندماجه الاقتصادي والاجتماعي التامّين"، وتتغاضى عن العمق الكامن في مسألة حقوقهم الجمعية.

وتدل على جوهر هذا التعامل الفقرة التالية من الخطة:

"يعاني الوسط العربي في إسرائيل من سوء التطوير المتواصل مقارنة بالوسط اليهودي. وأسباب ذلك مختلفة: التمييز الحكومي المتواصل طوال أعوام كثيرة، إلى جانب وجود أطر ثقافية تقليدية مستقلة وتوجه قومي انفصالي بين جزء من الأقلية العربية. نحن نعتقد بأنه ينبغي العمل، بصورة حثيثة، من أجل تغيير وضع الأقلية العربية في إسرائيل واندماجها الاقتصادي والاجتماعي التامّين. يشكل المواطنون العرب نحو خُمس مجموع السكان في إسرائيل وقد يرتفع وزنهم النسبي خلال الأعوام المقبلة. إن الطاقة، الاقتصادية والاجتماعية، الكامنة في هذا الوسط كبيرة. ويحظر على إسرائيل إهمال جزء كبير كهذا من السكان والتخلي عن تحسين أوضاعه وعن مساهمته في الاقتصاد والمجتمع. إن شراكة جيدة في مجالات الاقتصاد ستساهم في تغيير وجه المجتمع العربي في إسرائيل وستساهم، كثيرا، في العلاقات اليهودية ـ العربية وفي الاقتصاد الإسرائيلي. طريقة العمل المقترحة هنا يجب أن تبدأ برفع مستوى وعي الحكومة والمجتمع المدني اليهودي إزاء الوسط العربي وخصوصية طابعه. والعمل المطلوب في هذا المجال ينبغي أن يدمج بين سياسة تطوير قطاعية وسياسة تشغيل ملائمة لاحتياجات الوسط العربي، على أن تنطلقا من قاعدة إلغاء التمييز المتعدد الأوجه والجوانب، إدراك وفهم الاختلاف في الإدارة التجارية في الوسط العربي واحتياجاته الخاصة، وعلى أساس تفهم المصاعب والقيود التي تلازم هذا الوسط في عالم العمل والتجارة بين الأغلبية (اليهودية). ينبغي إزالة العقبات في مجالات الإدارة التجارية بحيث تظهر القوة الإنتاجية لهذا الوسط أيضا، وليس قوته الاستهلاكية فقط. إن النزعة الانعزالية عن سائر المجتمع الإسرائيلي، سواء أكانت إرادية أو إكراهية، تعني استمرار تكريس الفجوات الاجتماعية".

بناء على ذلك في الإمكان القول، على وجه العموم، إن توصيات خطة "إسرائيل 2028" في هذا المجال تبقى أدنى حتى من توصيات إسرائيلية سابقة خلال الآونة الأخيرة، ومنها تلك التي وردت في تقرير "لجنة أور" [لجنة التحقيق الإسرائيلية الرسمية التي تم تشكيلها عقب هبة أكتوبر 2000]، والتي اعتبرت بمنزلة "الوثيقة الرسمية القانونية الأولى منذ سنة 1948 التي تتطرق إلى التمييز التاريخي اللاحق بالعرب في إسرائيل". وفي السياق المذكور أعلاه ورد في ذلك التقرير: لقد تم إهمال التمييز والغبن اللاحقيْن بالعرب خلال أعوام طويلة، ويجب العمل على دفع المساواة، على المستوى الفوري، وعلى المدى البعيد. كذلك، يجب العمل على جسر الهوّات والمبادرة إلى تطوير خطط، خاصة في مجالات التربية والإسكان والميزانيات، بالإضافة إلى إيلاء ضائقة العرب البدو وظروف معيشتهم في النقب، الاهتمام اللازم. كذلك ذكرت اللجنة، في موضوع الأراضي والتخطيط، أنه يجب دفع مبدأ التقسيم العادل في محاصصة الأراضي، والمبادرة إلى وضع خطط لإيجاد حلول ملائمة لمسألة البناء "غير المرخص"... ومع أن لجنة التحقيق رفضت التطرق إلى عُمق مسألة الحقوق الجمعيّة للعرب، إلا أنها ذكرت في التقرير: "إننا نذكّر أن وظيفة الدولة في هذا الموضوع لا تنحصر في الشؤون المادية فقط. على سلطات الحكم إيجاد طرق تمكّن المواطنين العرب من التعبير عن ثقافتهم وهويتهم في الحياة الجماهيرية، بشكل ملائم ومحترم".

وقد يحيل هذا التعامل، من جانب واضعي خطة "إسرائيل 2028"، إلى عقيدة راسخة في الممارسات الإسرائيلية مؤداها إخضاع مسائل المواطنين العرب كلها إلى الحاجات اليهودية فقط، حتى عندمـا يدور الحديث على المستوى الاقتصادي- الاجتماعي.

[عن "الحيـاة"]

 

__________________

[1] صدرت في إطار سلسلة "أوراق إسرائيلية" – العدد 47- وقام بترجمتها سليم سلامـة.