اتساع ظاهرة "هروب الأدمغة" بين ضباط الجيش الإسرائيلي

تقارير، وثائق، تغطيات خاصة

أظهرت نتائج استطلاع جديد للرأي العام في إسرائيل أن نسبة متساوية، تقريباً، من الجمهورين اليهودي والعربي في داخل إسرائيل تؤكد حصول تغيير إلى الأسوأ في العلاقات بينهما منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (حرب "السيوف الحديدية") في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عقب الاجتياح المباغت الذي نفذته حركة حماس في عمق الأراضي الإسرائيلية صبيحة اليوم نفسه (عملية "طوفان الأقصى")، كما تدّعي نسبة متساوية من الجمهورين بأن العلاقات لم تشهد أي تغيير يُذكر خلال الفترة المذكورة، في الوقت الذي ترى نسبة أخرى من الجمهورين (بفارق كبير) أن تغييراً حصل في هذه العلاقات حقاً، لكنه كان في الاتجاه الإيجابي. 

فوفقاً لاستطلاع الرأي الجديد الذي أجراه "معهد دراسات الأمن القومي" ونَشر نتائجه التفصيلية أمس الاثنين (27 تشرين الثاني)، قال 50.5% من اليهود و54% من العرب الذين شاركوا في الاستطلاع إن العلاقات بينهم شهدت تدهوراً واضحاً ومتزايداً منذ بدء الحرب؛ بينما قال 11.5% من اليهود و5% من العرب إن التغيير الذي حصل في العلاقات بينهم منذ بدء الحرب كان إلى الأفضل، فيما أشار 29% من المشاركين اليهود و30% من المشاركين العرب إلى إنهم لا يشعرون بأن أي تغيير قد حصل في هذا العلاقات خلال الفترة منذ اندلاع الحرب. وقال 9% من اليهود و11% من العرب إنهم "لا يعرفون" إن كان قد حصل تغيير في العلاقات أم لا. 

وهذا هو استطلاع الرأي الأول الذي يُجرى في إسرائيل خصيصاً لفحص مدى تأثر العلاقات بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب في إسرائيل منذ اندلاع الحرب الأخيرة وكجزء من تأثيراتها الأفقية. وقد أجري الاستطلاع في الفترة ما بين 16 و19 تشرين الثاني الجاري وتولى تنفيذه الفعلي "معهد رافي سميث لاستطلاعات الرأي العام" وشمل عينة مشاركين تألفت من 800 شخص من اليهود والعرب فوق سن 18 عاماً (لم يُشر "المعهد" في المعطيات عن استطلاع الرأي إلى عدد الذين شملتهم عينة الاستطلاع من العرب أو من اليهود).

 

التقييدات على حرية التعبير والشعور بالأمن ـ فجوات كبيرة

لن يكون من المجازفة القول إن من الطبيعي تماماً أن تبيّن نتائج الاستطلاع وجود فجوة كبيرة بين مواقف الجمهور اليهودي في مقابل مواقف الجمهور العربي الفلسطيني حيال القيود والتقييدات التي تفرضها الدولة وتطبقها أجهزتها المختصة على حرية التعبير في زمن الحرب. ففي المحصلة، نجد أنّ أغلبية ساحقة من الجمهور اليهودي لا ترى أي تغيير في هذه التقييدات خلال هذه الفترة أو ترى أن هذه التقييدات "لائقة وجديرة في وقت الحرب": 66% (ثُلثان!) من الجمهور اليهودي يقولون إن "الدولة تتصرّف بصورة لائقة" و13% منه يقولون إنهم لا يرون أي تغيير في هذه التقييدات عمّا هي الحال في الفترات العادية. وفقط 12% من الجمهور اليهودي يرون أن التقييدات التي تفرضها وتطبقها الدولة في فترة الحرب هذه "ليست لائقة"، بينما قال 9% منهم إنهم "لا يعرفون" إن كانت فُرضت تقييدات جديدة أم لا.

أما بين المشاركين العرب في الاستطلاع فكانت النتائج على النحو التالي: قال 57% منهم إن "دولة إسرائيل تتصرف بصورة غير لائقة" في كل ما يتعلق بتقييد حرية التعبير خلال فترة الحرب، مقابل 23% منهم قالوا إنها "تتصرف بصورة لائقة". وقال 9% من المشاركين العرب إنه "لم يحصل أي تغيير في القيود على حرية التعبير"، فيما قال 11% منهم إنهم "لا يعرفون" إن كانت فرضت تقييدات جديدة أم لا.  

في الإجابات على السؤال حول الشعور بالأمن الشخصي، بينت نتائج الاستطلاع أن هذا الشعور متدنٍّ جداً بين العرب مقارنة بما هو عليه بين اليهود: 24% من الجمهور اليهودي قالوا إن شعورهم بالأمن الشخصي قوي جداً، مقابل 12% فقط من الجمهور العربي قالوا إنهم يملكون هذا الشعور القوي جداً. وبينما قال 47% من المشاركين اليهود و30% من المشاركين العرب إن شعورهم بالأمن هو بدرجة متوسطة، قال 28% من المشاركين اليهود مقابل 49% من المشاركين العرب إن شعورهم بالأمن هو بدرجة متدنية جداً. أي أن العرب مواطني إسرائيل الذين لا يشعرون بالأمن في فترة الحرب الحالية يعادلون ضعفيّ اليهود الذين لا يشعرون بالأمن.  

استمراراً للنتائج أعلاه، والتي بيّنت حصول تدهور في العلاقات بين اليهود والعرب الفلسطينيين خلال فترة الحرب، حسبما قال نصف المشاركين اليهود ونصف المشاركين العرب، إضافة إلى الفجوة الكبيرة في الشعور بالأمن لدى كل من الجانبين، تأتي إجابات المشاركين على السؤال (هل تخشى المسّ بك أو بعائلتك من جانب عرب/ يهود مواطني إسرائيل؟) لتثبت حالة انعدام الثقة والتشكيك بين الطرفين، وخصوصاً الآن منذ 7 تشرين الأول ومن جانب اليهود تجاه العرب بشكل خاص: فقد أجاب 52% من المشاركين اليهود بالإيجاب على السؤال المذكور، مقابل 46% أجابوا بالسلب. وقال 3% من اليهود إنهم "لا يعرفون" إن كانوا يخشون أم لا. أما المشاركون العرب، فقد أجاب 71% منهم بأنهم لا يخشون المسّ بهم أو بعائلاتهم من جانب مواطنين يهود، مقابل 21% قالوا إنهم يخشون مثل هذا المسّ، فيما قال 8% إنهم "لا يعرفون".

لكن يبدو أن نتائج الاستطلاع في الإجابات على السؤال التالي لا تنسجم منطقياً مع ما أظهرته النتائج في الإجابات على الأسئلة السابقة. فالسؤال الذي خُصص للمشاركين العرب وكان نصّه "هل تخشى الاعتقال في زمن الحرب؟" أتى بالنتائج التالية: 41% من المشاركين العرب يخشون الاعتقال مقابل 48.5% لا يخشون الاعتقال، بينما قال 11% إنهم "لا يعرفون" إن كانوا يخشون أم لا. 

من المعروف أن أية أزمة سياسية أو "أمنية" تمر بها إسرائيل يكون انعكاسها الاقتصادي الأقوى والأبرز على المواطنين العرب بشكل خاص. وهذا ما تؤكده نتائج هذا الاستطلاع الجديد أيضاً. فبينما قال 38% من المشاركين اليهود إن وضعهم الاقتصادي قد تضرر وساء نتيجة الحرب وانعكاساتها، قال ذلك 54% من المشاركين العرب. في المقابل، قال 59% من اليهود إن وضعهم الاقتصادي لم يتغير جرّاء الحرب، وهو ما قاله 36% من المشاركين العرب. غير أن المفاجأة الكبيرة في الإجابات على هذا السؤال، أن النتائج قد بينت أن 1.5% من المشاركين اليهود قالوا إن وضعهم الاقتصادي قد تحسن منذ بدء الحرب، مقابل 3.5% من المشاركين العرب أشاروا إلى تحسن وضعهم الاقتصادي خلال فترة الحرب! وبينما قال 1.5% من المشاركين اليهود إنهم "لا يعرفون" إن كان وضعهم الاقتصادي قد تحسن أم قد ساء خلال فترة الحرب، قال ذلك 6.5% من المشاركين العرب.

السؤال الأخير في استطلاع الرأي العام الذي أجراه "معهد دراسات الأمن القومي"، جاء بالنص التالي: "المستوى السياسي (في إسرائيل) حدّد أن هدف الحرب هو القضاء على سلطة حماس في قطاع غزة. إلى أي مدى تؤيد/ين أنت هذا الهدف؟". وقد جاءت الإجابات على هذا السؤال على النحو التالي: 34% من المشاركين العرب في الاستطلاع ـ و96% من المشاركين اليهود ـ قالوا إنهم يؤيدون هذا الهدف "بدرجة كبيرة" (15%) ـ 85% بين الجمهور اليهودي ـ أو "بدرجة كبيرة جداً" (19%) ـ 10% بين الجمهور اليهودي. في المقابل، قال 27% فقط من المشاركين العرب إنهم يؤيدون هذا الهدف "بدرجة قليلة" (17%) ـ 2% بين الجمهور اليهودي ـ أو لا يؤيدون إطلاقاً (10%) ـ 1% بين الجمهور اليهودي. وقال 1% فقط من المشاركين اليهود إنهم "لا يعرفون" إن كانوا يؤيدون هدف الحرب كما حددته القيادة السياسية الإسرائيلية، مقابل 39% من المشاركين العرب قالوا إنهم "لا يعرفون"، إن كانوا يؤيدون أم لا!