مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

وثائق وتقارير

 تفاقم ظاهرة المشردين ومعدومي المسكن في شوارع عدد من المدن

 كتبت هبة زعبي:

 أصبح المشردون أو "سكان الشوارع" ظاهرة يمكن رؤيتها في الشوارع والأماكن العامة في المدن الكبرى في إسرائيل، وخاصة في مدينة تل أبيب. وبدأت الظاهرة بالبروز للعيان منذ تسعينيات القرن الفائت، مع موجة "القادمين الجدد" الكبيرة والتي أحضرت مليون مهاجر جديد. ولا يمكن إحصاء أعدادهم لأن مكوثهم غير ثابت ومتغير، لكنه يحصى بالآلاف، وحجم هذه الظاهرة يزداد مع الأزمة الاقتصادية وأزمة المسكن التي تعاني منها إسرائيل والتي أجبرت فئات سكانية أخرى على الإقامة في الشارع بعد فقدان المسكن.

 

يخوض هذا التقرير في هذه الظاهرة من جوانب مختلفة ومتنوعة لفهمها بعمق، ولفهم الأسباب التي جعلتهم يسكنون في الشارع، ومعرفة الصعوبات والمخاطر التي يواجهونها، والطريقة التي تعالج بها إسرائيل الظاهرة.

ويقوم الناشط عمري أبراموفيتش بمساعدة هؤلاء المشردين، ويحضر رسالته للقب الثاني في الخدمات الاجتماعية عن معدومي السكن في مدينة تل أبيب. وينشط في مساعدتهم من خلال فعاليات مختلفة. كذلك أقام بالتعاون مع صديق له جمعية أطلق عليها "كرة قدم لمعدومي السكن"، تهدف لأن تعيد تأهيلهم وأن توفر لهم إطارا طبيعيا لتحسين ظروف حياتهم عبر الرياضة ليشعروا أنهم أشخاص عاديون.

(*) س: حسب رأيك كيف وصل هؤلاء إلى وضع السكن في الشارع؟

أبراموفيتش: ظاهرة "معدومي السكن" هي ظاهرة عالمية بدأت في أوروبا مع إقامة المدن الكبرى، وهي مشكلة منتشرة في العالم الغربي ودول أخرى، وتتعلق بأسباب كثيرة. في إسرائيل، كانت هناك صعوبات في مراحل معينة من إقامة الدولة في استيعاب أفواج القادمين وإسكانهم في مساكن ملائمة، هكذا كان بعد وقوع "الكارثة" في ألمانيا، وكذلك في سنوات التسعين حين استقبلت إسرائيل مليون قادم جديد. حتى سنوات الـ90 لم يهتموا بظاهرة "معدومي السكن"، وفقط في تلك السنوات ظهرت الحالة للعيان وأجبرت سلطات الرفاه على توفير الموارد الملائمة للاهتمام بمعدومي السكن، الذين بدأوا في البروز في أنحاء المدن الكبيرة.

(*) س: ما هو عدد المشردين في إسرائيل؟ وكيف يتوزعون في البلاد؟

أبراموفيتش: من الصعب إحصاء عدد "معدومي السكن"، لأن العديد منهم ينام في أماكن خفية. كما أن تعريف "معدومي السكن" في إسرائيل لا يضم فئات سكانية كاملة، كآلاف طالبي اللجوء الذين يعيشون في الشارع أو في أماكن لا تناسب عيش البشر. الاحصائيات المتوفرة من أقسام "سكان الشارع" تضم الأشخاص الذين يعيشون بصورة فعلية في الشارع وينامون فيه. ووصل عددهم العام 2011 الى 2000 مشرد لدى سلطات الرفاه. ويجب الإشارة إلى أن حوالي نصفهم في تل أبيب. ووفق معطيات قسم "سكان الشارع" في تل أبيب يوجد 935 معدومي سكن ومشرد، وفي القدس 233 وفي حيفا 150، إضافة الى مئات موزعين في المدن المختلفة. وتقدر خدمات الرفاه وجود 1000 "ساكن شارع" غير معروفين لديها وجهات أخرى تقدر وجود ما بين 5000 حتى بضع عشرات الآلاف من "معدومي السكن" (وليس سكان الشارع) في أرجاء إسرائيل.

(*) س: ما هي خلفيتهم الاجتماعية الاقتصادية؟ وما هي أصولهم؟

أبراموفيتش: في الماضي كان أغلبهم أو جميعهم من القادمين من الاتحاد السوفياتي سابقا. لم يتم استيعاب العديد منهم بصورة كافية في البلاد، لم يتعلموا اللغة العبرية وكانوا بدون شبكات دعم. عادة كان يمكن أن نجد بينهم أشخاصا متعلمين جدا، لم ينجحوا في التأقلم مع المجتمع الإسرائيلي ووجدوا أنفسهم في الشارع. اليوم يشكل القادمون من الاتحاد السوفياتي سابقا 50% بين معدومي السكن (أو"سكان الشارع") والسبب هو أنه مرت 20 سنة على قدومهم، وأن الأزمة الاقتصادية في البلاد جلبت فئات سكانية أخرى للشارع. أغلب الذين يأتون إلى الشارع هم من طبقات اجتماعية واقتصادية منخفضة وعاشوا الفقر أو كانوا على شفا الفقر أو مروا بمشاكل شخصية، مثل طلاق، وانهيار اقتصادي، وموت أحد أفراد العائلة، أو أدمنوا المخدرات ووجدوا أنفسهم في الشارع.

(*) س: ما هي أبرز المشاكل التي يعانون منها؟

أبراموفيتش: المشكلة الأبرز بين معدومي السكن هي الإدمان على أنواعه، فمن النادر أن تجد "ساكن شارع" غير مدمن على الكحول أو السموم. السبب في أن الإدمان يشكل استراتيجية للبقاء في الشارع وهي تساعدهم للتخفيف من الألم والخزي المتعلق بالحياة في الشارع. في تل أبيب على سبيل المثال، ينقسم "سكان الشارع" بين المدمنين على الكحول والمدمنين على الهيرويين. بالاضافة لذلك، يعانون من مشاكل صحية صعبة، فالمدمنون على الكحول يصيبهم مرض "الصرع" أو "سرطان الكبد" بسبب الشرب، والمدمنون على الهيرويين يمكن أن يصابوا بعدوى HIV والتهاب الكبد بسبب استعمالهم لإبر ملوثة، ويعانون من عزلة شديدة وكبيرة في الشارع، حتى بين الذين يتجولون في مجموعات.

(*) س: كيف يجدون لقمة عيشهم؟ هل يمكن أن يصلوا لوضع لا يجدون فيه طعاما وأن يموتوا من الجوع؟

أبراموفيتش: الحقيقة أن هناك مطاعم ومطابخ تقدم لهم الطعام، لكن عادة يمكن إيجاد مشردين يتجولون في الشارع عدة أيام مع معدة فارغة لأنهم لا يمتلكون القوة للبحث عن الطعام، وهي مهمة ليست سهلة ولا تأتي بسهولة. المشردون في تل أبيب يعتاشون من جمع القناني البلاستيكية والحديد وبيعها، ومن العمل في سوق الكرمل مقابل أجر زهيد، ومن جمع الصدقات.

(*) س: كيف يواجهون حالات الطقس الصعبة؟ وأين ينامون؟

أبراموفيتش: مات في العام 2011 أكثر من 46 مشردا في إسرائيل، أغلبهم بسبب الأضرار الناجمة عن الشرب (يموتون بسبب الجفاف في الصيف الحار وانخفاض حرارة الجسم في الشتاء البارد). ويمكن أن يناموا في الأماكن المعدة لأمثالهم في تل أبيب في الليل، لكن أغلبية المشردين يمتنعون عن التوجه لهناك، لأن المكان يشكل خطرا عليهم بسبب وجود مشردين آخرين يمكن أن يؤذوهم. في الشتاء ينامون في أماكن متروكة غير ملائمة لمعيشة البشر، مثل غرف الزبالة وبيوت الأدراج، وتحت الحوانيت وفي أي مكان يتدفأون به. في الصيف ينام العديد منهم على شاطئ البحر. يجب الإشارة إلى أنه لدى مقارنة إسرائيل مع أوروبا والولايات المتحدة فإن الطقس لدينا مريح ويمكن في أغلب أشهر السنة النوم في الخارج.

(*) س: هل توجد عائلات تعيش في الشارع؟

أبراموفيتش: من النادر إيجاد عائلات كاملة تعيش في الشارع، لأن وزارة الرفاه تهتم بكل قاصر تحت جيل الـ18. أيضا يمكن ايجاد عائلات مرت بظروف اقتصادية صعبة وتعيش في خيمة بعد أن فقدت بيتها، لكن وزارة الرفاه تهتم بالقاصرين من أبناء العائلة.

(*) س: كيف يتعاملون مع الشرطة؟

أبراموفيتش: وصف العديد من المشردين أمامي كيف تقوم الشرطة بإزعاجهم بصورة يومية. برأيي، الشرطة تخاف منهم لأنهم فئة سكانية متنقلة جدا وعليها الإشراف عليهم. بالذات الفئة السكانية الأكثر استبعادا هي الأكثر انزعاجا من الشرطة.

(*) س: هل ينالون مساعدة من جهات ليست حكومية؟ وكم جمعية تعمل حاليا على مساعدتهم؟

أبراموفيتش: على الرغم من وجود آلاف من "معدومي السكن" والمشردين، لكن فقط في السنة الأخيرة لربما بعد الاحتجاجات الاجتماعية العام 2011 انطلقت جمعيات جديدة لمساعدتهم. قبل ذلك عملت جمعية واحدة أطلق عليها "جاجون" (سقف) تابعة لشخص اسمه جلعاد حريش، وهذه الجمعية تدير مأويين لـ "سكان الشارع"، وتقدم لهم إمكانية المبيت ووجبات مجانية. وأقمنا أنا وصديقي جمعية "كرة قدم لمعدومي السكن" وآمل أن تقام جمعيات أخرى.

(*) س: إلى أي مدى يوجد وعي اجتماعي لوجودهم؟ وهل تشكل البيئة الاجتماعية عاملا داعما أم عاملا مسببا للمعاناة بالنسبة لهم؟

أبراموفيتش: المشردون أو معدومو السكن هم أكثر فئة سكانية شفافة نراها في الأماكن العامة، لكن عمليا نحن لا نراها، ذلك بأن للمجتمع العديد من الآراء المسبقة ضدهم، فهو يعتبرهم مرضى نفسيين، وعنيفين، وأشخاصا غير معنيين بالرجوع للعيش في المجتمع. ووجدت هذه النظريات من منطلقات الخوف من التعرف على المختلف، والرغبة في إبعاد من يهدد سلامة المجتمع. بالتأكيد يوجد بينهم مرضى نفسيون، وأشخاص عنيفون، وحتى مجرمون، لكن أغلبهم ليسوا كذلك. الأفكار المسبقة ضدهم تبدأ من المجتمع، وتستمر عند الطبيب، والشرطة، وحتى لدى العاملين الاجتماعيين.

لقد أطلقت على بحثي اسم " تجربة الحرية لدى معدومي السكن"، واكتشفت أنه يوجد لدى قسم منهم شعور قوي بالحرية، وأن أغلبهم يرغبون في أن يعيشوا حياة طبيعة، وتقريبا لم يختر أي منهم أن يكون مشردا. إنهم أشخاص مثلنا، ويتعطشون للعلاقة الإنسانية الدافئة.

 

مدير القسم الخاص بـ "سكان الشوارع" في بلدية تل أبيب: لا يمكن حل الظاهرة!

 

بسبب كون تل أبيب أكثر المدن التي تشهد ظاهرة المشردين ومعدومي المسكن، وجهنا عددًا من الأسئلة إلى يوآف بن آرتسي، مدير القسم الخاص بـ "سكان الشوارع" في بلدية المدينة.

(*) س: ما هو حجم ظاهرة "المشردين" في مدينة تل أبيب؟ وما هو عدد الملفات التي تهتمون بها؟

بن آرتسي: نهتم حاليا بحوالي 500 ملف، بالإضافة إلى مئة مشرّد آخرين يمكثون في الشارع، لكنهم في هذه المرحلة يرفضون التعاون معنا وقبول مساعدتنا. وبالرغم عن الجولات التي نقوم بها ليلا ونهارا، وتوزيعنا للأغطية والمشروبات الحارة، إلا أن هذا لم ينفع معهم، ونحن حاولنا التواصل معهم وجعلهم يثقون بنا، لكنهم يصرون على رفضهم لكافة مساعداتنا ويفضلون البقاء في الشارع.

(*) س: هل هناك قانون يساعدكم؟

بن آرتسي: إن هدف جولاتنا هو البحث عن حالات تدهور وضعها الصحي، ودائما نحاول أن نطلب لهم سيارة إسعاف في حال رغبوا في ذلك، لكن لا يمكن إجبارهم في حال رفضهم إخلاء المكان، فالقانون يمنعنا من ذلك، لكن إذا ما تدهور الوضع أكثر من اللازم نستخدم "قانون المأوى" فقط في حالات قليلة.

(*) س: إلى أي مدى نجحتم في التقليل من حجم الظاهرة؟

بن آرتسي: نجحنا في حالات كثيرة في مساعدتهم ونقل العديد منهم للسكن في مأوى، وتوجيههم لنيل مساعدة من وزارة الإسكان في إيجار الشقق، لكن من الصعب إحصاء عدد الحالات، من السهل إخراجهم من الشارع لكن من الصعب إخراج الشارع من الداخل لأنه يصبح نمط حياة يصعب عليهم التأقلم مع حياة جديدة.

(*) س: هل تهتمون بالمشردين من طالبي اللجوء؟

بن آرتسي: هؤلاء ليسوا خاضعين لقسمنا، لكن يوجد في البلدية قسم مخصص للعمال الأجانب.

(*) س: ما هي خططكم المستقبلية؟

بن آرتسي: لدينا 3 أماكن إقامة لهم، واحد للنساء، وثان لمتعاطي المخدرات، وثالث لأشخاص كفوا عن تعاطي السموم، ويمكنها استيعاب 100 شخص. نحن نخطط لإقامة مأوى جديد يشمل عددا أكبر منهم للتقليل قدر الإمكان من حجم الظاهرة فليس بالإمكان من حلها.