مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

وثائق وتقارير

 *بحث أثبت أن نسبة الخطأ في استطلاعات الرأي العام تصل إلى 16% وهي أربعة أضعاف النسبة المعلنة *ثلاثة مواطن ضعف لدى الشريحة المستطلعة: "الحريديم" وأحياء الفقر والعرب *الاستطلاعات تنجح في توقع التوجه العام لكنها تفشل في توقع نتائج الأحزاب التي تحدد مستقبل الحكومة المقبلة*

 

  تشتد المنافسة بين معاهد استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية، بعد أسبوعين، وكل واحد من المعاهد الكبرى يعمل لصالح وسيلة إعلام إسرائيلية كبرى، إلا أن كثرة هذه الاستطلاعات، والتباين في نتائجها، يفتحان السؤال مجددا حول مدى قدرة هذه الاستطلاعات على تنبؤ ما هو أقرب للنتيجة الحقيقية.

 

وقد أظهر تقرير، نشر مؤخرا، أن نسبة الخطأ في آخر استطلاعات نشرت قبيل انتخابات العامين 2006 و2009، كانت ما بين 15% الى 16%، رغم أن نسبة الخطأ التي تحددها معاهد الاستطلاعات هي 5ر4% على الأكثر، وهناك أسباب لهذا الحجم من الخطأ، وبشكل خاص الضعف في اختيار الشريحة النموذجية، ولكن من جهة أخرى، فإن مؤثرات سياسية تلعب دورا في استطلاعات الرأي في خضم الحملة الانتخابية.

 

فقد نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا بحث في آخر استطلاعات نشرت قبيل الانتخابات البرلمانية في العامين 2006 و2009، وبحسب القانون الإسرائيلي فإن الموعد الأخير المسموح به لنشر نتائج استطلاع للرأي في وسائل الإعلام هو مساء يوم الخميس الأخير قبل يوم الانتخابات في القنوات التلفزيونية، بينما في الصحف الإسرائيلية فإن الموعد الأخير هو يوم الجمعة الأخير قبل الانتخابات، التي تجري عادة يوم الثلاثاء لكونه نصف يوم عمل تجاري في الغالبية الساحقة من المدن والبلدات الإسرائيلية.

 

وظهر من هذا البحث أن الغالبية الساحقة من معاهد الاستطلاعات أخطأت في آخر استطلاعاتها بنحو 18 الى 20 مقعدا في توزيع المقاعد على الأحزاب، وهناك معهد أو أكثر أخطأ بنحو 22 و24 مقعدا، فمثلا كان في انتخابات العام 2009 تضخيم كبير لحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، ومنحته استطلاعات الرأي ما بين 18 الى 20 مقعدا، ولكنه في نهاية المطاف حصل على 15 مقعدا.

 

كذلك فإن أيا من استطلاعات الرأي لم ينجح في توقع نتيجة حزب "كاديما" الذي حصل على عدد المقاعد الأكبر، 28 مقعدا، وتوقعت له استطلاعات الرأي ما بين 22 الى 24 مقعدا، والنماذج كثيرة.

 

 

تباين النتائج في الحملة الدائرة

 من يتابع سلسلة استطلاعات الرأي في مختلف وسائل الإعلام يلمس تباينا ليس سهلا في النتائج، وحينما نتحدث عن برلمان من 120 مقعدا، فإن كل مقعد لهذا الطرف أو ذاك سيكون له وزن في تحديد مستقبل عمر أي حكومة، ولكن في نفس الوقت فإنه أمام كثرة هذه التباينات سيكون من الصعب التحرر من استنتاج أن السياسة تعلب دورا في هذه الاستطلاعات، التي تجريها معاهد تجارية، فنرى وسائل إعلام ذات ميول يمينية، ومنها ما نعتبره ناطقا بلسان بنيامين نتنياهو شخصيا ومن ثم حزبه "الليكود"، مثل صحيفة "يسرائيل هيوم"، تكون فيها النتائج مع ميل واضح لمعسكر اليمين المتشدد، يوسع الفجوة بينه وبين مختلف الأحزاب التي هي خارج الائتلاف، كذلك، نرى صحفا ذات ميول "للوسط" تلجم استطلاعاتها قوة اليمين المتشدد، وغالبا ما تعكس صورة للبرلمان المستقبلي تحافظ على الوضع القائم.

 

والهدف من هذا هو توظيف استطلاعات الرأي لخدمة تيار ما، واختلاق انطباعات تخدم الحملات الانتخابية، وهذه ظاهرة لا تنحصر فقط في الانتخابات، بل إن استطلاعات الرأي في إسرائيل باتت وسيلة لتجنيد الرأي العام وراء قضية معينة، آخرها قبل شهرين، إبان العدوان على غزة، فقد كثرت استطلاعات الرأي، التي توضح تأييدا جارفا للعدوان، ولكن كل صحيفة ذات توجه ما كانت تنشر استطلاعات تتعلق في مسألة توسيع العدوان الى اجتياح بري، وكانت النتائج تتفاوت، لتتقارب مع توجهات كل واحدة من الصحف ووسائل الإعلام.

 

أما السبب الثاني الذي يجعل استطلاعات الرأي أضعف من أن تكون الأكثر دقة في توقعاتها، فهو يعود الى الضعف في تحديد شريحة نموذجية للاستطلاعات، ملائمة للتوزيعة السكانية، وهناك ثلاثة مواطن ضعف، أولها جمهور الأصوليين اليهود، الذين يعيشون في مجتمعات مغلقة ومنغلقة، ونهج التصويت فيها يكون بموجب تيارات دينية، وكل تيار يصب لصالح من يمثله مباشرة، وهذا جمهور في تزايد مستمر، ولا تستطيع استطلاعات الرأي أن تحدد حجمه واتجاهاته، ولهذا نرى دائما أن لائحتي الأصوليين تحصلان دائما على عدد مقاعد، أكثر من تلك التي تتوقعها لهما استطلاعات الرأي.

 

وثانيا، أحياء ومجتمعات الفقر الإسرائيلية، التي يكون جزء جدي من التصويت فيها من خلال ما يسمى بـ "مقاولي أصوات"، أي يصوتون كمجموعات تخضع نفسها لمقاولي الأصوات. وهؤلاء المقاولون يحصلون على أموال "سوداء"، كمصطلح آخر للرشاوى، أو أنهم يحصلون على وعود من أصحاب المسؤوليات، ويكون بقدرة المقاولين تجنيد أعداد كبيرة من المصوتين، خاصة للأحزاب الكبيرة.

وموطن الضعف الثالث هو جمهور الفلسطينيين في إسرائيل، وبشكل خاص في منطقة الجنوب، صحراء النقب، فاستطلاعات الرأي التي تجريها وسائل الإعلام الإسرائيلية تتعامل مع شريحة من العرب تعد بضع عشرات من المصوتين، وهذه لا يمكن أن تكون شريحة نموذجية، لذلك فإن الانطباع العام هو أن استطلاعات الرأي العبرية تتبع اسلوب التقدير لقوة الفلسطينيين، ولهذا نرى هذه الاستطلاعات تتنبأ بالحفاظ على الوضع القائم في الدورة البرلمانية الحالية.

 

كذلك، وحتى عندما تكون استطلاعات الرأي مخصصة للعرب فهي تعتمد الاتصالات بالهواتف الأرضية، وهناك قطاعات واسعة، خاصة في بلدات الجنوب، تعتمد الاتصالات الخليوية، التي لم تلائم استطلاعات الرأي نفسها لها بعد، وبذلك تبقى قطاعات واسعة من العرب خارج دائرة الاستطلاعات.

 

إلى جانب كل هذا، فإن الشريحة النموذجية لا تأخذ بعين الاعتبار التباين الكبير في نسب التصويت بين القطاعات المختلفة، فمثلا يشكل الفلسطينيون في إسرائيل نسبة 5ر14% من إجمالي الناخبين، ولكن نسبة المشاركة دائما اقل من نسبة المشاركة بين اليهود، وإذا اعتمدنا على نسب التصويت في الانتخابات السابقة في العقد الأخير، فإنه في الحالة القائمة، ستهبط نسبة المشاركين العرب في الانتخابات الى 12%.

 

كذلك والى جانب ما سبق، فإن هذه الشرائح الاستطلاعية، لا تأخذ بعين الاعتبار، مثلا، أن نسبة المشاركين في منطقة تل أبيب الكبرى، أقرب الى نسبتها بين العرب، وفي المقابل، فإن نسبة المشاركين في التصويت بين المستوطنين والأصوليين (الحريديم) هي أعلى بكثير من النسبة العامة، فمثلا، في انتخابات 2009، شارك 65% من ذوي حق الاقتراع اليهود في التصويت، إلا أن نسبة المشاركة في تل أبيب بالكاد تعدت 52% بينما في مستوطنات الضفة الغربية تراوحت نسبة المشاركة ما بين 85% وحتى 92% في المستوطنات الصغيرة، ولدى "الحريديم" تكون النسبة عالية جدا وأكثر من 85%.

 

ولهذا، فإن كل ما ينشر من استطلاعات رأي في إسرائيل، حتى يوم الانتخابات، ستكون أقرب للتقديرات، رغم أن النتيجة بعنوانها الكبير قد حُسمت منذ الآن، وهي أن الائتلاف اليميني المتشدد القائم اليوم، سيواصل حكمه، ولكن لتفاصيل النتيجة النهائية ستكون أهمية كبيرة في قراءة مستقبل هذا الائتلاف الحاكم، وشكل حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة، ومدى قدرتها على التماسك بالقدر القائم في الدورة البرلمانية المنتهية.

 

وهذا يعني أنه سيكون هناك فرق بين حكومة ترتكز على ائتلاف من 65 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وبين حكومة ترتكز على 70 مقعدا. كذلك، فإنه كلما تراجعت قوة الحزب الحاكم، وارتفعت قوة الأحزاب الصغيرة والوسطى من حيث حجمها، فإن هذا سيزيد من القلاقل داخل الحكومة.

 

ارتباك نتنياهو

 

 

وعلى الأغلب هناك أساس للتقارير التي تنشرها الصحف الإسرائيلية، وتدعي وجود حالة ارتباك في حزب الليكود المتحالف مع "إسرائيل بيتنا"، لأن قوة اللائحة المشتركة تتقلص في استطلاعات الرأي، وتحصل على ما بين 35 الى 37 مقعدا بدلا من 42 مقعدا للحزبين حاليا، في حين أن الشريك الأكبر المفترض لحكومة نتنياهو، وهو تكتل أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، من المتوقع له أن يضاعف قوته الحالية ليحصل على 12 مقعدا وأكثر، وفي المقابل فإن الأحزاب الأخرى التي هي خارج الائتلاف، وتضع نفسها في خانة "الوسط"، أعلنت عن رفضها المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو، ونقصد بهذا أساسًا حزب "العمل" بزعامة شيلي يحيموفيتش، و"الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، وربما ينضم إليهما حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد.

 

وفي حال أبقت هذه الأحزاب على وعودها، فإن نتنياهو مقبل على حكومة برئاسته أكثر تشددا وتطرفا من الحكومة الحالية، وسيكون عليه مواجهة العالم بها.

 

يضاف الى هذا تعقيد جديد ظهر في مطلع الأسبوع الجاري، وهو إعلان أفيغدور ليبرمان عن أن الشراكة بين حزبه "إسرائيل بيتنا" و"الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو ستنفض في اليوم التالي للانتخابات البرلمانية، وإذا صدقت استطلاعات الرأي، في ما يخص اللائحة المشتركة بينهما، فإن الحزبين سيجدان نفسيهما في كتلتين أضعف من الوضع القائم اليوم، ما يعني أن مناورة نتنياهو في التوجه لانتخابات برلمانية قد تكون ضربة مرتدة، بعد أن أفقد نفسه ائتلافا غير مسبوق في درجة تماسكه منذ 25 عاما.