في سابقة قضائية - المحكمة العليا الإسرائيلية تمنع نشر رواية أدبية

وثائق وتقارير

إعداد: بلال ضـاهر

 توقع تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، يوم الأربعاء الماضي، أن تؤدي وفاة الحاخام أبراهام يعقوب فريدمان، المعروف بكنيته "الأدمور من ساديغورا" ("أدمور" تعني: سيدنا ومعلمنا وحاخامنا)، إلى نهاية "مجلس كبار التوراة"، وهو القيادة الروحية لحزب "أغودات يسرائيل"، الذي سيطر على السياسة في الشارع الحريدي مئة عام. فبعد وفاة معظم الحاخامين الأعضاء في هذا المجلس وعدم تعيين حاخامين مكانهم، بقيت المجموعات الحريدية منقسمة ومتصارعة مع بعضها. كذلك فإن الوضع في الشق الثاني والأكبر من الحريديم، أي "مجلس كبار التوراة" لدى حزب "ديغل يسرائيل" الليتواني، ليس بحال أفضل وتسود الصراعات داخله أيضا. ويشار إلى أن هذين الحزبين يشكلان كتلة "يهدوت هتوراة"، التي تمثل الحريديم الأشكناز في الكنيست.

 

وكان الأدمور من ساديغورا زعيما لجماعة الحريديم الورعين المتزمتة دينيا بشكل كبير جدا، التي تُعرف باسم "حسيدية ساديغورا"، وتنتمي إليها مئات العائلات في إسرائيل وأوروبا. وقد تم تأسيس هذه "الحسيدية" (أي جماعة الورعين) قبل 170 عاما. وعلى الرغم من أن هذه "الحسيدية" ليست كبيرة وهناك مجموعات مشابهة لها وأكبر منها بكثير، إلا أن "حسيدية ساديغورا" حظيت دائما بمكانة هامة ومركزية بين القيادة الحريدية، وبضمن ذلك في السياسة الحريدية منذ قيام إسرائيل.

وتولى الأدمور من ساديغورا منصبه في العام 1979 في أعقاب وفاة والده، الحاخام مردخاي شالوم يوسف، الذي كان مقره في شمال مدينة تل أبيب، وكان يعرف بكنيته "الأدمور من تل أبيب". وبعد تولي الابن الزعامة الروحية لهذه الجماعة نقل مقرها إلى مدينة بني براك الحريدية في وسط إسرائيل، بينما لا يزال المعهد الديني لهذه "الحسيدية" قائما ويعمل في شمال تل أبيب حتى اليوم. ويسكن أتباع "حسيدية ساديغورا" في القدس ومستوطنتي "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت" ومدينتي أسدود وإلعاد، وفي لندن وأنتفيربين في بلجيكا.

وكان الأدمور من ساديغورا عضوا في "مجلس كبار التوراة" لحزب "أغودات يسرائيل" خلال عشرات السنين الماضية. وخلافا لزعماء حريديين آخرين، كان هذا الأدمور مقربا من أوساط اليمين. ودرج قادة المستوطنين على زيارته في بيته، وهو الآخر كان يزور المستوطنات باستمرار، ونشط في الشارع الحريدي، وبشكل غير مألوف، ضد اتفاقيات أوسلو وضد خطة الانفصال عن غزة.

وكتب الأدمور من ساديغورا، عشية تنفيذ خطة الانفصال عن غزة وبحث كتلة "يهدوت هتوراة" إمكانية الانضمام لحكومة أريئيل شارون، أنه "يحظر دعم هذه الحكومة، حتى لو كلف الأمر منع زيادة ميزانيات مؤسسات التوراة مثلما يهددون". واعتبر أنه "لا نملك أي حق بسلب وطرد اليهود من أي مكان في أرض إسرائيل".

ورغم مواقف الأدمور اليمينية إلا أنه تمتع بشعبية، وتأثير أيضا، في الشارع السياسي الحريدي. وقال عضو الكنيست من كتلة "يهدوت هتوراة"، مئير بوروش، لـ "هآرتس" إنه "على الرغم من أن الأدمور كان زعيما حريديا، كونه سليل عائلة روجين التي تتميز بالنبل الخاص بها، إلا أنه كان حاخاما بالنسبة لأي يهودي. فقد تألم بسبب أية مشكلة يواجهها أي يهودي. وقد تألم كثيرا من موضوع الانفصال عن غزة. وبرأيي فإنه مرض جراء هذا الأمر. وكان متألما لدرجة أنه لم يعد إلى ذاته منذئذ". ونعى "الطاقم من أجل إنقاذ الشعب والبلاد" رحيل "كبير المحاربين من أجل إنقاذ أرض إسرائيل".

 

أزمة قيادة في الشارع الحريدي

 

لم يبق من أعضاء "مجلس كبار التوراة" لحزب "أغودات يسرائيل" بعد وفاة الأدمور من ساديغورا، سوى اثنان، هما الأدمور من غور والأدمور من عرليفي. وقبل عدة شهور توفي الأدمور من فيجنيتس، الحاخام موشيه يهوشع هغار، الذي كان رئيس المجلس. وقبل سنتين ونصف السنة توفى الأدمور من بوسطن. وخلال السنوات الأخيرة توفوا الأدمور من مودجيتس والأدمور من أكسندر. ولم يتم تعيين أي أحد مكانهم في "مجلس كبار التوراة".

وعمليا، فإنه منذ العام 1988 لم يتم تعيين أعضاء جدد في المجلس، وورثة الأدمورات لا يتم تعيينهم أوتوماتيكيا مكان آبائهم. وبإمكان العضوين الباقيين على قيد الحياة في "مجلس كبار التوراة" أن يعيّنا أعضاء جددا، أو أن تعين أعضاء جددا هيئة موسعة من مندوبي "أغودات يسرائيل"، وهذه الهيئة تعرف باسم "الكنيسة الكبرى"، لكن هذه الهيئة لم تعد تنشط في هذه الأثناء.

وقالت "هآرتس" إن الأدمور من ساديغورا توفى قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات العامة في إسرائيل، وهذه فترة تتميز أصلا بأزمة قيادية في الشارع الحريدي. وقبل وفاته بأسبوعين سارع الأدمور إلى الدعوة لدعم كتلة "يهدوت هتوراة"، ويتوقع استخدام هذه الدعوة مع اقتراب يوم الانتخابات ووصفها بأنها وصيته.

وأضافت الصحيفة أنه على خلفية وفاة العديد من الحاخامين، والاحتكاكات الحاصلة بين حاخامين آخرين، تم نسيان "مجلس كبار التوراة"، وهو القيادة الروحية الرسمية لحزب "أغودات يسرائيل" منذ العام 1912 بهدف انتخاب ممثلين حريديم وإقرار الخط السياسي. وهذا المجلس هو نموذج تقلده أحزاب حريدية أخرى، وهي "ديغل هتوراة" وشاس و"أغودات يسرائيل في أميركا". وفي هذه الأثناء يتشاور أعضاء الكنيست من حزب "أغودات يسرائيل" مع أدمورات يتبعون لهم وآخرين. وهذا الأمر يؤدي إلى غياب وحدة السلوك السياسي الذي كان قائما منذ تأسيس إسرائيل بفضل نشاط "مجلس كبار التوراة" في الماضي.

وقال الحاخام شموئيل أفيشاي شتوكهامر، الذي كان سكرتيرا للمجلس حتى العام 1989، إن "مجلس كبار التوراة" كان يجتمع في أوقات متقاربة "ولم يجرؤ أي عضو كنيست على التصويت من دون قرار واضح". لكن المجلس توقف عن العمل منذ عشر سنين. وفي المقابل هناك أدمورات ضالعون في الحياة السياسية ويدعون أتباعهم إلى التجند في المعركة الانتخابية. رغم ذلك فإنه لم تعد هناك في الشارع الحريدي قيادة رسمية وجماعية. ونشأت في السنوات الأخيرة داخل "أغودات يسرائيل" صراعات وخلافات داخلية شديدة ولم يعد بإمكان القيادة الروحية الباقية تسويتها، فيما دخل إلى الفراغ الحاصل سياسيون ونشطاء حزبيون من الحريديم.

وقالت الصحيفة إنه خلال العام الأخير سعى ناشط معروف في الشارع الحريدي لدى جميع الأدمورات في إسرائيل، بتكليف من حاخامه، من أجل تأسيس هيئة جديدة لتعبئة الفراغ الحاصل. لكنه فشل في مهمته، وقال للأدمور الذي أرسله إن كل واحد من نظرائه أراد أن يعرف من سيترأس الهيئة الجديدة، وعلى هذه الخلفية فشلت المبادرة.

وأكدت الصحيفة أنه لا يوجد احتمال في تأسيس "مجلس كبار توراة" جديد، وأنه على ما يبدو لا يوجد عدد كاف من الحاخامين الذين يؤيدون ذلك، لأن "السياسة الحريدية منقسمة وتخوض صراعات شديدة ويوجد تناقض مصالح. وكل واحد من أعضاء الكنيست من يهدوت هتوراة يمثل جماعة حريدية مختلفة عن الأخرى، وبعضها يخوض صراعات مريرة مع جماعات أخرى. ويواصل أعضاء الكنيست الحريديم استشارة الحاخامين، لكنهم يفعلون ذلك بشكل شخصي ومنفصل عن زملائهم من الكتلة نفسها. وهذه الكتلة لم تعد ملتزمة برأي التوراة وإنما بعدة آراء من التوراة" أي أنه لم يعد هناك رأي واحد يوجه السياسيين الحريديم.

وكان الأدمور من ساديغورا شاهدا على هذا التطور قبل وفاته. إذ رغم معارضته ومعارضة أدمورات آخرين، إلا أن كتلة "يهدوت هتوراة" في الكنيست أيدت حكومة شارون من خارج التحالف. وقد جند عضو الكنيست في حينه، ونائب وزير الصحة الحالي، يعقوب ليتسمان، أعضاء الكنيست من "يهدوت هتوراة" لدعم شارون وحكومته.

 

انقسام محتمل

 

في موازاة "مجلس كبار التوراة" لحزب "أغودات يسرائيل"، كان ينشط "مجلس كبار التوراة" لحزب "ديغل يسرائيل" الذي يمثل الحريديم الليتوانيين، منذ العام 1989. وخلافا لمجلس "أغدودات يسرائيل" الذي لم يعد قائما تقريبا، فإن مجلس "ديغل هتوراة" نشط وعاصف أيضا. وفي الصيف الماضي تم تعيين حاخامين ومدراء "ييشيفوت" (جمع "ييشيفاه" أي معهد ديني يهودي) في عضوية مجلس "ديغل هتوراة" مكان حاخامين ليتوانيين توفوا. لكن "هآرتس" أكدت أن هذه الهيئة تواجه هي الأخرى انقساما داخليا كبيرا.

فقد أعلن عضو "مجلس كبار التوراة" الليتواني، الحاخام شموئيل أويرباخ، عن مقاطعته لاجتماع المجلس الأخير، وأنه ينفي صلاحيات رئيس المجلس، الحاخام أهارون لييف شطاينمان، بأن يقود الجمهور الحريدي الليتواني لوحده. ويهدد أتباع أويرباخ بدفع قائمة جديدة والتصويت لها في يوم الانتخابات، في 22 كانون الثاني الجاري، لتكون منافسة لكتلة "يهدوت هتوراة"، ما يعني حدوث انقسام في الشارع الحريدي الأشكنازي.