*فرضيات وسيناريوهات تتحدث عن تحالفات ولوائح انتخابية جديدة تحصد عددا لا يستهان به من المقاعد *كحلون يسدل الستار على سيناريو انشقاقه عن حزب "الليكود" *الخصمان أولمرت وليفني يواصلان اتصالاتهما وكلما مرّت الأيام تتقلص فرص نجاح عودتهما إلى الحلبة *رؤساء الأحزاب البارزة يشددون قبضاتهم على أحزابهم وهذه ظاهرة جديدة من حيث اتساعها*
لا تذكر الحلبة السياسية في إسرائيل مثل هذا الكم من مناورات الاصطفافات في الانتخابات البرلمانية، في مدة زمنية تقل عن ثلاثة أشهر، حتى أنها طالت سيناريو استحضار رئيس الدولة شمعون بيريس الذي شارف على التسعين من عمر، ليترأس تكتلا "وسطيا"، إلى جانب الاستمرار في التلويح بعودة كلّ من "المتنافرين" إيهود أولمرت وتسيبي ليفني إلى الحلبة معا، ولكن فوق كل هذا، فإن قدرة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، على فرض السرية الكاملة على مفاوضاتهما التي أفضت إلى تحالف انتخابي، لها مدلولات كثيرة، على شكل سير الأمور في الأحزاب الكبيرة.
فحتى انتخابات الكنيست الـ 18 السابقة، كانت تظهر أحزاب كثيرة، القليل منها كان ينجح في الدخول إلى الكنيست لدورة برلمانية وربما أكثر بقليل، ثم يختفي عن الوجود، ليبقى الوجود الأساس في الكنيست للأحزاب التقليدية، وقد اتسعت ظاهرة الأحزاب المرحلية في العقدين الأخيرين، وهذا كان ولا يزال يعبر عن حالة التخبط في الشارع الإسرائيلي، الذي نسبة عالية منه لا تجد عنوانا سياسيا ثابتا، يتجاوب مع طموحها الحياتية والسياسية، للخروج من سلسلة الأزمات التي تواجهها إسرائيل.
ورأينا في الفترة السابقة كيف أن أحزابا كانت تظهر فجأة وتحصل على عدد لا يستهان به من المقاعد، ومنها ما وصل إلى 15 مقعدا، ليختفي عن الوجود في ضربة واحدة في الانتخابات التالية، ورأينا مشهدا كهذا في انتخابات 1977، ولكنه تكرر أكثر من مرّة في انتخابات العقدين الأخيرين.
فقاعات مرحلية
في نهاية الأسبوع الماضي، أسدل الوزير موشيه كحلون من حزب "الليكود" الستار على المناورة الإعلامية الأكبر التي شهدتها الحلبة الإسرائيلية في الأسبوعين الأخيرين، بعد أن اتسع الحديث عن احتمال أن يُشكّل لائحة انتخابية منفصلة عن حزب "الليكود"، لتمنحه عدة استطلاعات الرأي ما بين 13 إلى 20 مقعدا، جلّها يقتطعها من تحالف حزبه "الليكود" مع "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان.
فقد أعلن كحلون يوم السبت الأخير أنه باق في الليكود، وأنه لم يفكر في اقامة حزب جديد، وأنه لم يبادر إلى اجراء أي استطلاع لفحص قوته الانتخابية في الشارع. ومن المؤكد أن كحلون لم يكن في حَجْرٍ صحي معزول عن الناس والعالم كله، على مدى أسبوعين، سرت فيهما كل الشائعات المتعلقة به، حتى يخرج و"يتفاجأ" ويعلن ما أعلنه، فمن لديه هذه القناعة، كان بإمكانه أن يصد الباب في وجه كل الشائعات في اللحظة الأولى لظهورها.
ولهذا فإن الاعتقاد الأقوى هو أن كحلون مدّ يده لإطلاق بالون اختباري لفحص امكانياته، ومدى شعبيته في الشارع، من دون أن يكون في نيته فعلا الانشقاق، ومن أجل رفع أسهمه في حزبه لاحقا، رغم أنه أعلن أنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
واستنادا إلى ما نشر قبل ايام من إعلان كحلون الأخير، فإن كحلون أوضح أنه سيجري محادثة مع زعيم حزبه ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو، قبل أن يصدر الموقف الأخير، ولهذا فإن تكشف حقيقة ما جرى يتطلب أياما أخرى، أو لربما حتى بعد الانتخابات.
أما في الحلبات السياسية الأخرى، فلأول مرّة بدأت استطلاعات الرأي تطرح فرضية غياب حزب "كاديما" عن الحلبة السياسية كليا، كما كانت الحال في استطلاع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاخير الذي ظهر يوم الجمعة الماضي، ما يعني أن 28 مقعدا لحزب "كاديما" اليوم، ستكون كلها معروضة للتوزيع على أحزاب تتخطى نسبة الحسم، علما ان استطلاعات الرأي التي تصدر تباعا منذ شهر آذار الماضي، وخاصة بعد فوز شاؤول موفاز بزعامة "كاديما"، تحدثت عن أن "كاديما" سيخسر 20 مقعدا وأكثر من قوته، في الانتخابات المقبلة، أي سيهبط من مكانة الكتلة الأكبر برلمانيا، إلى كتلة صغيرة نسبيا، حتى جاء استطلاع "يديعوت أحرونوت" ليتنبأ زوال الحزب كليا عن الخريطة البرلمانية.
وبطبيعة الحال، فإنه أمام مشهد كهذا، تكثر السيناريوهات التي تطرح في الحلبة الإعلامية أساسا، من أجل انقاذ ما يسمى بـ "معسكر الوسط" في إسرائيل، ومن أبرزها استمرار الاتصالات بين الخصمين السابقين، إيهود اولمرت وتسيبي ليفني، رئيسي "كاديما" السابقين، من أجل بحث احتمالات خوضهما الانتخابات المقبلة، وفي أي طار ممكن، ووصل الأمر إلى حد طرح اسم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي على شارف على التسعين من عمره، ليتولى رئاسة لائحة واسعة، تهدف إلى إسقاط بنيامين نتنياهو عن رأس الحكومة.
ما بات واضحا، هو أن الصحف الإسرائيلية ومعها باقي وسائل الإعلام، "تتسلى" بأنباء كهذه، تمتد على صفحات وساعات عديدة في اليوم الواحد، ولكن على الأرض، فإن لا منطقية لطروحات كهذه، خاصة في ما يتعلق بالرئيس بيريس، الذي وصل إلى القمة التي طمح لها منذ سنين طويلة، وهي رئاسة الدولة، كونها المنصب الفخري الأعلى في إسرائيل، ليظهر كـ "أبو السياسة الإسرائيلية" فوق كل الاعتبارات الحزبية، وهذا عدا عن عمره المتقدم جدا.
أما في ما يتعلق بأولمرت وليفني، فإنهما كانا متنافرين طيلة وجودهما في حزب "كاديما" ومنذ اللحظة الأولى التي شكّل فيها أريئيل شارون الحزب، في منتصف شهر تشرين الثاني العام 2005، ورغم أنه لا مكان للعاطفة في السياسة، واحتمالات التحالفات والتنافر واردة في كل لحظة، بدوافع شخصية اكثر منها سياسية، فإن العمل المشترك بين هذين الاثنين، لم يكن ناجحا في أي مرحلة.
إلى ذلك، فإن أولمرت خاصة، لن يحظى بأذرع مفتوحة في حال قرر العودة إلى السياسة، خاصة بسبب ملفات الفساد التي لاحقته، رغم انه تمت تبرئته من غالبيتها، كذلك فإن تقلبات تسيبي ليفني السياسية، وإسراعها لترك الحزب فور خسارتها رئاسته، لن يصب في صالحها.
ولكن الأهم من كل هذا، أنه كلما تقدمت الأيام نحو الانتخابات، فإن فرص نجاح اية قائمة جديدة، عدا تلك التي باتت معروفة، تتقلص كثيرا، إلا إذا حدثت مفاجأة فعلا، وقرر شاؤول موفاز التنحي كليا، فاتحا الباب أساسا أمام ليفني، ولكن أيضا أمام أولمرت، فإن هذا قد يعيد بعضا من قوة "كاديما"، ولكن هذا الحزب لن يعود إلى الصدارة، لأن الخسارة باتت تحصيل حاصل له.
"مفاجأة" نتنياهو وليبرمان ودلالتها
"فوجئت" الحلبتان الإعلامية والسياسية قبل نحو أسبوعين، بقرار زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، وزعيم "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان إقامة التحالف الانتخابي بينهما، وهذه ليست "المفاجأة" الأولى التي يحدثها نتنياهو في غضون ستة أشهر، فقبل ذلك كانت هناك مفاجأة انضمام حزب "كاديما" إلى حكومته، في "الدقيقة التسعين" لحل الكنيست، والتوجه إلى انتخابات مبكرة، كان من المفترض أن تتم قبل نحو شهرين.
وفي ظل التغلغل الإعلامي وترهل الانضباط الحزبي، فإن "المفاجأة" بحد ذاتها، تشير إلى قدرة نتنياهو أساسا، وطبعا ليبرمان، على فرض هيمنة مطلقة على الدائرة الصغيرة من حول كل واحد منهما، تمنعهما من أي تسريب لوسائل الإعلام، وحتى لقيادات في "الليكود" إذا ما عرفنا أنه فعليا لا مكان لمصطلح "قيادات" في حزب "إسرائيل بيتنا" الخاضع لسيطرة مطلقة من شخص ليبرمان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف استطاع نتنياهو أن يبقي مفاوضات، قيل إنها استمرت على مدى شهرين حتى أثمرت هذا التحالف الانتخابي، بعيدًا عن عيون قيادات ضالعة في الحزب، ولم تخف معارضتها للتحالف فور الإعلان عنه؟.
لكن هناك من يعتقد أن الوزير موشيه كحلون كان على علم مسبق بهذه المفاوضات، ما دفعه إلى إعلان قراره عدم الترشح في الانتخابات المقبلة، كي لا يتخذ الخطوة بعد الإعلان عن تحالف مع ليبرمان، لن يشجع أوساطا واسعة من اليهود الشرقيين على دعمه، وقد يلجأون إلى بيت سياسي آخر، وفي هذه الحالة حزب "شاس" الأصولي.
نشير هنا إلى أن كل استطلاعات الرأي التي نشرت بعد إعلان نتنياهو وليبرمان، توافقت على أن الحد الأقصى لهذا التحالف هو الحفاظ على عدد المقاعد التي بحوزتيهما حاليا، وهو 42 مقعدا، ولكن ثلاثة استطلاعات تنبأت خسارة جدية لهما، بهبوطهما إلى 35 مقعدا، ولكن هذه نتيجة من السابق لأوانه حسمها.
ومسألة سيطرة رؤساء الأحزاب الكلية على مقاليد الأمور لا تقتصر على نتنياهو وحده، بل إن التطورات في حزب "العمل" تشير إلى سيطرة رئيسة الحزب شيلي يحيموفيتش، على الحزب، رغم أنها تواجه معارضة ومنافسات داخلية، فقد سعت إلى الغاء نهج ضمان مقاعد متقدمة لقطاعات في الحزب، باستثناء العرب، وهذا ما أثار غضب قطاع القرى التعاونية، الذي كان له على مر السنين مقاعد مضمونة في لائحة الحزب.
كذلك، فإن حزب "يوجد مستقبل" يُثبت مجددا أنه حزب الرجل الواحد، فرئيس الحزب يائير لبيد، الذي أقام الحزب، قرر بنفسه أساسا أسماء المرشحين على لائحة الحزب، من دون أي وزن لأي هيئة واسعة قد يكون أقامها لإقرار هذه اللائحة.
وهذه السيطرة المطلقة لرؤساء الأحزاب البارزة على الساحة هي مؤشر إلى تطورات جديدة في الحلبة الحزبية، ونحتاج إلى وقت أكبر لمراقبة تطور هذه الظاهرة وتفسيرها ومعرفة انعكاساتها.
بالإضافة إلى ذلك لا بد من القول إن كثرة طرح الفرضيات والسيناريوهات على أشكالها تزيد من حالة البلبلة القائمة في الشارع الإسرائيلي، وهذا ما ينعكس في استطلاعات الرأي، التي يظهر من تحليلها أن أكثر من 25% من المصوتين هم أصوات عائمة، لم تستقر بعد، وهذه تبقى نسبة عالية، وقد تتقلص النسبة مع التقدم نحو يوم الانتخابات، ولكن كما علمت التجربة فإن قسما من الأصوات العائمة قد يتقرر مصيره في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، وحتى في يوم الانتخابات ذاته.
وبما أن الحديث يجري عن أغلبية متوقعة لمعسكر اليمين المتشدد لا تتجاوز 65 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وفق الاستطلاعات، فإن كل تنقل لمقعد من معسكر إلى آخر، من شأنه أن يحدد طابع الحكومة المقبلة. ويبدو أن اللاعب الذي سيكون له دور رئيس في حسم النتيجة النهائية هو نسبة التصويت في يوم الانتخابات، فمعسكر اليمين المتشدد سجل أعلى النسب الممكنة في الانتخابات السابقة، وقد ينجح في تسجيل زيادة طفيفة أخرى، بينما نسبة التصويت في المعسكر الآخر، وبين العرب أيضا، لا تزال متدنية، وبالتالي فإن كل زيادة في هذين القطاعين من شأنها أن تنعكس على النتيجة النهائية.