*نسبة زيادة اليهود في العالم بالكاد تصل إلى نسبة تزايد السكان في العالم *الوكالة اليهودية تتوخى هجرة يهود من فرنسا إلى إسرائيل بزعم تزايد ملاحقتهم في وطنهم *لهجة قلق من توجهات اليهود الأميركيين وخاصة القيادات الشابة ومن انتقاداتهم للسياسة الإسرائيلية*
أظهر تقريران حول أعداد اليهود في العالم، صدرا في الآونة الأخيرة، أن تراجع أعداد اليهود في العالم ينتقص بنسبة كبيرة من الزيادة الوحيدة الحاصلة لليهود، وهي بطبيعة الحال في إسرائيل، ويتبين أن نسبة تكاثر اليهود في العالم بالكاد تصل إلى نصف تزايد سكان العالم، ورغم ذلك فإن التوقعات لعدد اليهود في العام 2020، قد ارتفعت عن توقعات سابقة.
ويقول تقرير للمختص الديمغرافي في الجامعة العبرية- القدس سيرجيو دي لا فيرغولا، إن عدد اليهود في العالم، في العام الجاري بلغ 750ر13 مليون، في حين قال تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" الصادر حديثا باللغة العبرية، إن عدد اليهود في العام 2010 كان نحو 647ر13 مليون نسمة، بمعنى أن الزيادة الحاصلة في العامين كانت أكثر بقليل من 100 ألف نسمة، علماً أن هذه زيادة في العامين، تساوي زيادة في العام الواحد لعدد اليهود في إسرائيل، ما يعني استمرار تراجع أعداد اليهود في العالم، بفعل الاندماج في أديان شعوبهم، وبشكل خاص من خلال الزاوج المختلط.
وحسب معطيات "معهد سياسة الشعب اليهودي"، فإن إسرائيل استمرت بطبيعة الحال لتكون المركز الأول لليهود في العالم، وقد حققت هذه النتيجة قبل أكثر من خمس سنوات، إذ يبلغ عدد اليهود حاليا في إسرائيل قرابة 6 ملايين، وهم يشكلون 43% من اجمالي اليهود في العالم، تليها الولايات المتحدة، التي يتجمع فيها 39% من يهود العالم، بعد أن كانت على مر عقود، بعد الحرب العالمية الثانية، المركز الأول لليهود في العالم. كذلك فإن أكثر من 8% يعيشون في أوروبا الغربية.
وبموجب معطيات عن العام 2010، فإن عدد اليهود في الولايات المتحدة الأميركية كان 275ر5 مليون، وفي كندا 375 ألفا، وفي دول أميركا اللاتينية مجتمعة قرابة 390 ألفا، من بينهم 182 ألفا في الأرجنتين و96 ألفا في البرازيل وأقل من 40 ألفا في المكسيك.
وفي أوروبا من دون الاتحاد السوفياتي السابق كان في العام 2010 قرابة 160ر1 مليون يهودي، من بينهم 483 ألفا في فرنسا و292 ألفا في بريطانيا و119 ألفا في ألمانيا ونحو 49 ألفًا في هنغاريا، أما في دول الاتحاد السوفياتي السابق فكان عددهم قبل عامين نحو 330 ألفا، بعد أن كانوا في العام 1970 حوالي 151ر2 مليون نسمة، وهاجر نصف هذا العدد في العقدين الأخيرين إلى إسرائيل، وهذا يدل على مدى تناقص أعداد اليهود بفعل الزاوج المختلط أساسا. ونقرأ أيضا ان في جنوب إفريقيا هناك نحو 71 ألف يهودي، وفي القارة الأسترالية أكثر من 115 ألفا.
وحسب التقديرات الإسرائيلية وتلك الصادرة عن معاهد ومؤسسات تابعة للوكالة اليهودية- الصهيونية، فإن عدد اليهود سيكون في العام 2020 نحو 92ر13 مليون نسمة، أي بزيادة أقل من 5ر1% عما هي الحال اليوم، وهذه التوقعات أعلى بنسبة 7ر2% عما كانت عليه التقديرات للعام 2020 في العام 2006.
وكما في كل التقارير السابقة التي صدرت في السنوات الأخيرة، فإن مصدر الزيادة الوحيد في العالم لعدد اليهود هو إسرائيل، وحسب التقديرات فإن عدد اليهود في إسرائيل سيزداد بفعل التكاثر الطبيعي في السنوات الثماني المقبلة بنحو 635 الف نسمة، ولكن في المقابل، فإن عدد اليهود الاجمالي في العالم بما في ذلك إسرائيل، سيزداد في السنوات الثماني المقبلة بنحو 275 ألف نسمة، ما يعني أن التوقعات تشير إلى تراجع أعداد اليهود في العالم من دون إسرائيل بنسبة 6ر4%.
وأعلى نسبة تراجع في أعداد اليهود نجدها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وهذا من دون عامل الهجرة، وحسب التقديرات، فإن عددهم سيتراجع من 330 ألفا اليوم إلى 173 الفا في العام 2020.
ويقول البروفسور سيرجيو دي لا فيرغولا إن نسبة تكاثر العالم في السنوات الأخيرة كانت 26ر1% سنويا، بينما نسبة تكاثر اليهود الإجمالية كانت 68ر0%، فعدد اليهود في العام 1970 كان 633ر12 مليون نسمة، بمعنى ان عددهم في السنوات الـ 42 الماضية ازداد بنحو 117ر1 مليون نسمة، أي أن نسبة الزيادة الإجمالية خلال أكثر من 4 عقود هي 6ر8%.
فرنسا كهدف لاستقدام المهاجرين
كما أوردنا في تقارير سابقة، فإن إسرائيل تشهد في السنوات الست الأخيرة، على وجه الخصوص، تراجعا حادا في أعداد المهاجرين اليها من ابناء الديانة اليهودية، فمن معدل مئة الف مهاجر سنويا في سنوات التسعين الماضية، إلى معدل 60 الفا في سنوات الألفين الأولى، إلى معدل 25 الفا في منتصف سنوات الألفين.
أما السنوات الست الأخيرة، فإن المعدل السنوي يتراوح ما بين 5ر13 ألف إلى 17 ألف مهاجر سنويا، وهذا معدل "هش" من وجهة نظر إسرائيل والوكالة اليهودية، لأنه لا يغطي عاملين أساسيين: الأول الهجرة العكسية، التي عرضنا قضيتها على حلقتين في العددين السابقين من "المشهد الإسرائيلي"، و بمعدل سنوي يتراوح ما بين 8 آلاف إلى 12 ألف مهاجر.
والعامل الثاني هو نسبة تكاثر الفلسطينيين في إسرائيل، التي شهدت في سنوات التسعين تراجعا حادا، ثم تجمدت نسبتهم في منتصف سنوات الألفين، ولكن في السنوات الست الأخيرة عادت نسبتهم لترتفع وكانت في العام الجاري قرابة 8ر17% من دون فلسطينيي القدس المحتلة وسوريي الجولان المحتل.
وتعزو سلسلة تقارير صادرة عن معاهد ومختصين في المجال الديمغرافي، مسألة تراجع الهجرة إلى إسرائيل، الى كون 90% من اليهود خارج إسرائيل يعيشون في أوطان مستوى المعيشة فيها أعلى من المستوى في إسرائيل، وقد تجد أوساطا، خاصة من اليمين المتشدد في إسرائيل، لا تريد الاعتراف بهذا العامل الأساس، من باب فرضية أن الهجرة إلى إسرائيل هي "أيديولوجية" رغم ان كل المؤشرات تقول إن الهجرة على اساس أيديولوجي تتراوح ما بين 10% إلى 15% من إجمالي المهاجرين سنويا إلى إسرائيل، وغالبية هؤلاء تهاجر من الولايات المتحدة الأميركية، وأكثر من نصفهم يتجهون للاستيطان في مستوطنات الضفة الغربية والقدس المحتلة، ويهاجر سنويا من أميركا إلى إسرائيل ما بين ألفين إلى 2500 مهاجر.
وفي السنوات الأخيرة كثر الحديث في إسرائيل والوكالة اليهودية عن تحفيز الفرنسيين اليهود على الهجرة إلى إسرائيل، بزعم أنهم يواجهون "الملاحقات" على ضوء التزايد الكبير في أعداد المهاجرين إلى فرنسا من دول عربية وإسلامية.
ويبلغ عدد الفرنسيين من أبناء الديانة اليهودية حاليا قرابة 483 ألف نسمة، وفي العام الماضي هاجر 1600 منهم إلى إسرائيل، وهذا عدد يبقى أقل بكثير مما تطمح له إسرائيل والوكالة اليهودية، إذ أنهم يرون أن هذه الشريحة الفرنسية وضعها الاقتصادي أفضل بكثير من اليهود في دول الاتحاد السوفياتي السابق وأثيوبيا، بمعنى أنهم لن يكونوا عبئا على الاقتصاد الإسرائيلي، ويدخل هذا في إطار ما سميّ في السنوات الاخيرة "هجرة نوعية".
وما يدعم هذه الفرضية، هو ما جاء في التقرير السنوي لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي"، إذ جاء "أن الهجرة إلى إسرائيل تتعثر بكثير من الحواجز بالنسبة لليهود في أوروبا، من المحسوبين على الشرائح الوسطى، وأكثر منهم من هم محسوبون على الشرائح الضعيفة". وأضاف التقرير "إن سياسة الاستيعاب الإسرائيلية تغيرت تدريجيا، من سياسة عامة إلى سياسة انتقائية، وهي عمليا استغنت عن الشرائح الضعيفة، وتركزت السياسة في استيعاب مهاجرين من ذوي الكفاءات، واسترجاع الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات".
ويشير التقرير إلى أن وزارة الاستيعاب الإسرائيلية قلصت طواقمها العاملة في عدة مناطق في العالم ومن بينها أوروبا الغربية.
ويعتقد معدو تقرير المعهد أنه على ضوء تنامي حالة عدم الوضوح الاقتصادي في أوروبا، وتزايد مظاهر ما يسمى بـ "اللاسامية" في دول أوروبية وخاصة فرنسا، التي شهدت في منتصف آذار العام الجاري عملية مسلحة استهدفت مدرسة يهودية، فإن أصواتا رسمية نادت في إسرائيل بهجرة اليهود في أوروبا الغربية إلى إسرائيل.
ولذا فإن تقرير المعهد يدعو إلى سلسلة إجراءات إسرائيلية لتشجيع هجرة كهذه، منها إزالة حواجز بيروقراطية تضعها إسرائيل، مثل التشدد في الاعتراف بالشهادات الجامعية من جامعات العالم، وتحسين طرق استيعاب المهاجرين، من خلال تنوع انتشار المهاجرين الجدد في بلدات ذات جودة حياة عالية، واستئناف مشاريع ومخططات استيعاب المهاجرين التي وضعت قبل سنوات وتوقفت، إضافة إلى وضع برامج خاصة قادرة على جذب اليهود في أوروبا الغربية إلى إسرائيل.
مسألة اغتراب اليهود عن إسرائيل
يطرح "معهد سياسة الشعب اليهودي" في تقريره الأخير للعامين 2011- 2012، ومن جديد، مسألة اغتراب الأجيال اليهودية الناشئة عن إسرائيل والأطر اليهودية والصهيونية، وهذه القضية تطرح على جدول أعمال الكثير من المعاهد والمؤسسات البحثية، كون أن الاغتراب وعدم الانخراط في المؤسسات اليهودية في أوطان اليهود المختلفة، يقللان إلى درجة كلية احتمالات أن يهاجر هؤلاء إلى إسرائيل.
ولأن هذه الظاهرة آخذة بالتزايد حسب تلك التقارير، فإن القلق بات أيضا تجاه الأجيال التي ستأتي من بعد هؤلاء، الذين لا يشعرون بانتماء إلى إسرائيل والأطر اليهودية، التي بغالبيتها الساحقة تبادر لإقامتها الوكالة اليهودية.
ويتركز تقرير المعهد المذكور في الجانب الابداعي والثقافي لأبناء الديانة اليهودية في أوطانهم، إلا أنه في سياق التقرير ظهرت لهجة قلق من توجهات الأميركيين اليهود إذ جاء، "لدى الكثير من القادة الشباب من اليهود الأميركيين، باتت أسئلة العدالة الاجتماعية ثاقبة أكثر، بشكل خاص حينما ينتقد هؤلاء السياسة الإسرائيلية، وهذا الأمر يسري على مستوى الأفراد، وأيضا على مستوى المؤسسات".
ويقول التقرير "إن هناك من يسمي هذه الشريحة بشريحة النخبة التقدمية الما بعد صهيونية، كأولئك الناشطين في "صندوق إسرائيل الجديدة" وفي منظمة "جي ستريت"، التي هي تؤيد السلام وتؤيد إسرائيل وتؤيد الفلسطينيين".
ويتابع التقرير "من الجدير ذكره أن هؤلاء ليسوا الأصوات الوحيدة الصادرة عن جيل الشبان المتجددين، فهناك كثيرون منهم مؤيدون لإسرائيل، بالمفهوم القديم المتبع للتأييد"، إلا أن "كثرة التنظيمات البديلة التي تتمسك برؤى يهودية ليست تقليدية، تشكل مؤشرا للعولمة وتعدد الثقافات اليهودية".
ونقرأ أيضا من معالم القلق عن توجهات الأجيال اليهودية الناشئة "إن الكثير من الشبان اليهود الأميركيين الذين يرفعون رايات أخلاقية بمستويات عالية وموحدة، يتوقعون من البلدان التي يشعرون بالانتماء اليها، مثل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، أن تتصرف بنفس المقاييس الأخلاقية، فالى جانب انتقاداتهم إلى إسرائيل ينتقدون أيضا الولايات المتحدة، ونرى قادة ومثقفين يهود أميركيين، يكثرون في التعبير عن أنفسهم كمن يؤمنون بالعدالة الاجتماعية، على المستويين العالمي والمحلي".
ويتابع التقرير بأنه على أساس ما جاء، وخلافا لأجيال سابقة، فإن زيارة هذه المجموعات إلى إسرائيل تزيد من انتقاداتها للسياسة الإسرائيلية، فمثلا وصف أحد الشبان اليهود مستوى الحياة في إسرائيل وكيفية التعامل مع "تجارة الجنس والعاملين فيها، واضطهاد العمال الأجانب، وقضايا البدو الذين ليس لديهم مياه".