تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

وثائق وتقارير

*ضباط الاستخبارات العسكرية غطوا في النوم

عندما كانت سورية تستعد للحرب*

 نشر أرشيف الجيش الإسرائيلي، يوم الخميس الماضي، وثائق سرية من محاضر جلسات "لجنة أغرانات" التي حققت في ظروف نشوب حرب تشرين (أكتوبر) العام 1973، وتبين منها أن الموساد تلقى معلومات حول نية مصر شن الحرب قبل أسبوع من نشوبها، وأن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لم تعلم بإنذار وصل إسرائيل يحذر من نية سورية شن حرب.

 

وشملت الوثائق التي تم الكشف عنها، بعد 39 عاما من تلك الحرب، إفادات وزير الخارجية في حينه آبا إيبان، وعدة ضباط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وهم قائد المنطقة الجنوبية شموئيل غونين الملقب بـ "غوروديش"، وقائد الجبهة الشمالية إسحق حوفي، ويسرائيل ليئور السكرتير العسكري لرئيسة الحكومة غولدا مئير، وألفرد عيني مساعد رئيس الموساد تسفي زامير.

وبدا أن الإفادة الأهم في هذه الوثائق تتعلق بتأخر وصول ما يُعرف في إسرائيل بـ "المعلومة الذهبية" حول نية مصر شن حرب ضد إسرائيل والتي نقلها أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والذي كان مقربا من الرئيس أنور السادات، وكان لقبه في الموساد "بابل". ويشار إلى أنه لا يزال هناك نقاش في إسرائيل، حتى اليوم، حول ما إذا كان مروان عميلا للموساد أم عميلا مزدوجا، خدعت مصر إسرائيل من خلاله. ويذكر أن مروان قُتل قبل خمس سنوات في لندن بسقوطه من شرفة منزله.

ووفقا للوثائق الإسرائيلية الجديدة فإن مروان أكد عدة مرات المعلومات التي نقلها إلى الموساد على أثر توضيحات طلبها منه الموساد وتتعلق بموعد نشوب الحرب. إلا أن الوثائق أكدت رغم ذلك وجود إخفاقات في أنظمة عمل الموساد، الذي اعتقد حينها أن مروان هو مصدر موثوق.

وتبين من محاضر "لجنة أغرانات" أن المعلومات الدقيقة التي سلمها مروان إلى الموساد، حول الحرب التي نشبت في 6 تشرين الأول من العام 1973، لم يتم نقلها على الفور إلى مكتب رئيسة الحكومة الإسرائيلية. ووفقا لهذه المحاضر فإن مروان نقل إلى الموساد معلومات في 1 تشرين الأول، قال فيها إن الحرب ستنشب بعد أسبوع، وأن مصر ستشن الحرب تحت غطاء مناورة عسكرية.

لكن تبين من محاضر "لجنة أغرانات" أن يسرائيل ليئور، السكرتير العسكري لغولدا مئير، لم يعلم بالمعلومات التي سلمها مروان للموساد، وأنه عمليا سمع بها لأول مرة لدى تقديمه إفادته أمام اللجنة، وذلك لأن الموساد قرر عدم تحويل المعلومات الهامة إلى مكتب رئيسة الحكومة مباشرة لأن شعبة الاستخبارات العسكرية هي المسؤولة عن إيصال المعلومات لرئيسة الحكومة. وشدد ليئور أمام اللجنة على أن غولدا مئير لم تعلم بوصول معلومات من مروان قبل أسبوع من نشوب الحرب لأن تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية الذي وصلها لم يركز على هذه المعلومة.

وكشفت الوثائق الجديدة أيضا عن سوء فهم رئيس الموساد، تسفي زامير، الذي كان نائما في منزله، لبرقية بعث بها مروان إلى مقر الموساد في منتصف ليلة 5 تشرين الأول وطلب فيها الالتقاء بشكل سريع جدا مع زامير في لندن. وقرر رئيس الموساد تأجيل الأمر حتى الصباح، رغم أن الحديث كان يدور عن شن حرب ضد إسرائيل في اليوم التالي. كذلك فإن المعلومة الأهم، التي حصل زامير عليها من مروان خلال لقائهما في لندن، لم يتم تحويلها إلى رئيسة الحكومة مباشرة. وتحدثت المعلومة عن أن مصر ستشن الحرب في الساعة الثانية من صباح 6 تشرين الأول، لكن الحرب بدأت بعد ظهر اليوم نفسه.

وتبين من إفادة قائد الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي إسحق حوفي أن الجيش السوري ركز عددا كبيرا من الدبابات وبطاريات المدفعية في الجبهة مع إسرائيل، لكن تقييمات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت تشير إلى أن وجهة سورية ليست نحو الحرب.

لكن في 24 أيلول، أي قبل حوالي أسبوعين من نشوب الحرب، كشفت صور التقطت من الجو أن سورية نشرت 670 دبابة و101 منصة مدفعية، وأنه عشية الحرب نشرت سورية 760 دبابة و140 منصة مدفعية عند الجبهة مع إسرائيل.

وقال حوفي في إفادته أمام "لجنة أغرانات" إنه "كان بالإمكان الاستنتاج من ذلك أن النوايا هي نوايا هجومية، وكان بإمكان الجيش السوري شن هجوم من دون أن تكون هناك أية استعدادات ميدانية أخرى".

 

 

 

ضباط الاستخبارات العسكرية

ناموا عندما استعدت سورية للحرب

 

وكشفت الوثائق الإسرائيلية الجديدة أنه في 2 تشرين الأول، تلقى ضابط المخابرات في قيادة الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي معلومة تفيد باحتمال شن هجوم سوري ضد إسرائيل، وأن الضابط أطلع حوفي على مضمون هذا الإنذار. وقال حوفي أمام "لجنة أغرانات": "حاولنا استيضاح ذلك في هيئة الأركان العامة ولم يكونوا هناك على علم بأي شيء حول الموضوع"، بينما "هو نفسه (أي ضابط المخابرات) حاول التحدث مع أفراد في شعبة الاستخبارات واتضح أنهم موجودون في بيوتهم، ولا أذكر الساعة حينها، لكن بعد ذلك كان هناك تقدير بأنه لا يوجد شيء".

وأضاف حوفي أنه لم يعلم مصدر المعلومة التي تلقاها ضابط المخابرات حول هجوم سوري محتمل وشدد على أنه "وقع خلل معين في نقل المعلومات داخل شعبة الاستخبارات ونتيجة لذلك فإن الشعبة لم تعرف (بالإنذار) ونام أفرادها بهدوء، ولم يعرف أحد منهم شيئا".

 

إخفاق سياسي ورفض السلام

 

عند اندلاع الحرب تواجد وزير الخارجية الإسرائيلية، آبا إيبان، في نيويورك، وكان على اتصال دائم مع وزير الخارجية الأميركية، هنري كيسنجر.

وقال إيبان في إفادته أمام "لجنة أغرانات" إن كيسنجر "رأى أننا مهتمون، نحن والولايات المتحدة أيضا، بأن تكون هناك عدة أيام من دون وقف إطلاق نار كي نتمكن من صد هذا الهجوم [المصري - السوري]. وقد اعتقدوا أنه مثلما حدث في العام 1967 ستصد إسرائيل الهجوم بكل تأكيد خلال أيام معدودة".

وأضاف إيبان أنه "من الجائز جدا أننا لم نرد الحرب، ولكن إذا جاءت جهات مخولة وقالت إننا نريد الحرب فإن التفسير هو تفسير دفاعي أو تفسير سوداوي. ومن الجائز جدا أن هذا كان نتيجة للأجواء. لكن عليّ أن أشير إلى أننا كنا نعمل طوال تلك المدة، وقبل ذلك بشهور كثيرة، انطلاقا من فرضية أن قوة ردعنا كبيرة جدا، وأنها قوة ردع ساحقة تماما، إلى درجة أن السادات لن يحاول مهاجمتنا، إلا إذا فقد عقله. وكان الرد الذي تلقيناه من الأذرع العسكرية [أي شعبة الاستخبارات] هو أنه [أي السادات] لن يحاول حتى شن هجوم، وذلك لأن مصيره سيحسم بهزيمة سريعة وساحقة".

والجدير بالذكر في هذا السياق أن غولدا مئير كانت قد أبعدت إيبان عن اتصالات إسرائيلية -مصرية بوساطة أميركية، جرت في الشهور التي سبقت حرب تشرين. ووفقا للمصادر الإسرائيلية، وبينها كتاب لزامير صدر في العام الماضي، فإن السادات هدد بأنه في حال لم ينتج شيء عن العملية السياسية، لإعادة سيناء إلى مصر، فإنه سيشن حربا.

وقالت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها، أمس الأول الأحد، إنه "بسبب تقرير أغرانات [الأولي الذي تم نشره في العام 1974] تحدد الانطباع وكأن الإخفاق الأساسي في العام 1973 كان استخباراتيا. [لكن] الأبحاث، ونصوص الإفادات أمام لجنة أغرانات الآن، تثبت أن الإخفاق الأكبر كان سياسيا، إذ أن غولدا و[موشيه] دايان وشركاءهما لم يرغبوا في السلام مع مصر، بالثمن الذي دفعه مناحيم بيغن بعد ذلك. كذلك فإنهم لم يشركوا المقيمين الاستخباراتيين بالأسرار التي كانت ستغير التقييم وتؤدي إلى التركيز على الإنذار. وغولدا ودايان وليس [رئيس أركان الجيش دافيد] إلعازار وزاعيرا [رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ايلي زاعيرا]، كانا يستحقان أن يذكرا ككبار المسؤولين عن ثمن الحرب".

ورأت الصحيفة أنه "تم حل لجنة أغرانات، التي تجاهلت الخلفية السياسية للحرب، في نهاية عملها. والأسئلة التي لم تطرحها حينذاك عادت لتطرح اليوم، مع دروس واضحة للحكومات، ولحروب الحاضر".

الوثائق بقيت سرية

بسبب ضغوط سياسية

 

من جانبه كتب محلل شؤون الاستخبارات في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رونين برغمان، يوم الجمعة الماضي، أن أرشيف الجيش الإسرائيلي يكشف بين حين وآخر و"بالتقطير" الوثائق السرية لحرب تشرين. وشدد على أن بقاء هذه الوثائق سرية "ليس لأن ثمة سببا لأن تبقى سرية، وإنما بسبب جهات سياسية، طلبت أن تبقى بعيدة عن أعيننا جميعا".

وأشار برغمان إلى أن دائرة المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية نشرت، الأسبوع الماضي، بيانا قالت فيه إنه "في إطار سياسة وزارة الدفاع بفتح مواد أرشيفية تنطوي على أهمية تاريخية، سمح أرشيف الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن، للمرة الأولى، بنشر إفادات شخصيات هامة أدلت بها في العام 1973 أمام لجنة أغرانات".

لكن برغمان رأى أن "ثمة حاجة لقدر كبير من الجرأة من أجل تعميم بيان كهذا، الذي يتعارض بشكل كبير جدا مع الواقع. والحقيقة هي أن الغبار غطى البروتوكولات في أرشيف الجيش الإسرائيلي من دون أن يمسها أحد على مدار سنوات طويلة، ومن دون وجود سبب يمنع النشر عنها. وفي العام 2005، على أثر ضغط شعبي، أمر رئيس الحكومة، أريئيل شارون، بتشكيل لجنة تدقق في إمكانية النشر وعين القاضي إسحق إنغلرد رئيسا لها... ومنذ ذلك الحين يجري عمل اللجنة ببطء، وبين حين وآخر تصادق على نشر جزء من الوثائق. وأحد أسباب التأخير في الكشف عن الوثائق هو طلب مندوبي أرشيف الجيش الإسرائيلي وجهات أخرى في أجهزة الاستخبارات، بإبقاء أجزاء من البروتوكولات قيد السرية".

واحتج برغمان على هذه السياسة مشددا على أن "المعلومات كانت متاحة أمام باحثي تلك الفترة من مصادر مختلفة، وحتى أن الرقابة العسكرية صادقت على نشرها" خلال السنوات الماضية. ووصف الكاتب رفض نشر وثائق "لجنة أغرانات"، التي ما زال قسم منها سريا حتى الآن، بأنه "إصرار بيروقراطي غبي".

وأضاف برغمان أن "هذا الأمر ليس مسليا أبدا. وقضية البرتوكولات المحفوظة للجنة أغرانات هي مثال واحد على توجه جهاز الأمن، الذي يفعل كل شيء من أجل منعنا، نحن الجمهور، من الاطلاع على ملفاته التاريخية، والتي هي عبارة عن تاريخنا كلنا. ومن تحكم بذلك في الماضي يتحكم به في الحاضر وربما في المستقبل أيضا. وقد أدرك رؤساء جهاز الأمن هذا المبدأ وأقاموا لأنفسهم، خلافا للقانون، أرشيفات خاصة بهم. وفي هذا الوضع، ليس فقط أن موادا كان ينبغي تحريرها ليطلع الجمهور عليها لم تصل إليه أبدا، رغم أنها قديمة أكثر من خمسين عاما، وإنما قرر قادة الأرشيف ماذا ومتى وكيف يبيدون مواد محرجة وكيف ينبغي بلورة تاريخ دولة إسرائيل".