تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

وثائق وتقارير

وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية القدس لا تعرفان أين يدرس أكثر من 24 ألف طالب فلسطيني!

 مع بداية السنة الدراسية الجديدة (2012- 2013) في إسرائيل في أواخر الشهر الفائت، نشرت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، وجمعية "عير عاميم"، تقريراً شاملاً يرصد مظاهر الإهمال والتهميش التي تسري على جهاز التعليم في القدس الشرقية المحتلة.

 

وعرض التقرير، الذي جاء بعنوان "العلامة: راسب"، العديد من الإشكاليات التي يواجهها جهاز التعليم في القدس الشرقية، والتي تؤدي بشكل أو بآخر إلى انتهاكات صارخة للحق الأساس للسكان في التعليم.

 

ويتضمن التقرير تفاصيل وأرقام مقلقة تعكس النقص الحادّ في الغرف التدريسية، وعدم المبادرة إلى بناء مدارس جديدة، في مقابل تشجيع مشاريع استيطانية ويهودية مكثفة في قلب الأحياء الفلسطينية.

 

يتحدث التقرير فيما يتحدث عن قلة الكوادر البشرية المهنية العاملة في المدارس، والنسب العالية لتسرب الطلاب، والنقص الحاد في الروضات الكافية لاستيعاب أجيال الثالثة والرابعة، وغيرها الكثير من مظاهر التهميش.

 

ولعل أفظع ما يعكس حالة التهميش التي تنال جهاز التعليم في القدس الشرقية هو عدم قدرة السلطات المسؤولة على الإجابة عن سؤال أساس حول العدد الدقيق للأطفال والفتيان الفلسطينيين في جيل المدرسة الذين يقطنون في القدس الشرقية، وعدد أولئك الذين يلتحقون بالمدارس. ففي إطار جمع معلومات هذا التقرير، تلقى المشرفون عليه معلومات متضاربة من مصادر مختلفة حول العدد الفعلي للطلاب الفلسطينيين في القدس الشرقية. من جهة، قالت بيانات مديرية التربية والتعليم في القدس (مانْحي) إن إجمالي عدد الأطفال والفتيان في القدس الشرقية ما بين السادسة والثامنة عشرة وصل العام 2012 إلى 88845، من بينهم 86018 التحقوا بمؤسسات تعليمية. ومن جهة أخرى، ذكرت بيانات بلدية القدس أن عدد الذين ما بين السادسة والثامنة عشرة أكثر بكثير، وبلغ هذا العام 106534. وبعملية طرح حسابية بسيطة يتبين أن هناك 20516 ما بين 6- 18 عاماً لا يظهرون في سجلات مديرية التربية والتعليم في القدس. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك 3806 أطفال في جيل الخامسة، وهو جيل الروضة الإلزامي، ليسوا مسجلين في أي روضة تعرف عنها المديرية. في المجموع، فإن هذا يعني أن هناك 24322 طالبًا مقدسياً لا يظهرون في أي قوائم ولا يعرف أين يتعلمون.

 

هذا الاختلاف حول عدد الطلاب ما بين 6- 18 من العمر والذين يلتحقون بالمدارس يعكس وجود خلل ما في متابعة أوضاع هؤلاء، ويعني أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية القدس لا تعرفان أين يدرسُ أكثر من 24 ألف طالب فلسطيني من سكان المدينة، أو إن كانوا يحظون أصلاً بفرصة الالتحاق بالمدرسة. وينعكس جهل السلطات المسؤولة بالعدد الحقيقي للطلاب الفلسطينيين بدوره على الميزانيات المخصصة للتعليم في القدس الشرقية، بما في ذلك بناء مدارس جديدة لاستيعابهم، أو بناء برامج خاصة لحل مشكلة التسرب لديهم.

 

كما يكشف التقرير غياب البنى الأساسية للجهاز التعليمي في القدس الشرقية، والذي يتمثل في النقص الحاد في الغرف التدريسية، والحاجة الفورية لما يقارب 1100 غرفة تدريسية لسد النقص واستيعاب طلاب جدد. ويعرض التقرير حالات فضّلت فيها السلطات الإسرائيلية ومن ضمنها بلدية القدس تشجيع مبادرات يهودية، وبعضها مبادرات مستوطنين، للبناء في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، فوق المساحات والأراضي العامة القليلة التي تبقت للفلسطينيين. على سبيل المثال، تم في السنة الماضية الدفع بمبادرات لبناء كلية عسكرية في الطور في أرض عامة من المفترض أن تستخدم لاحتياجات السكان، كما تم طرح خطة لإقامة حديقة قومية على مشارف حيي العيسوية والطور مما يقلل من إمكانيات التوسع السكاني الخاص والعام المستقبلي لهما، ناهيك عن وجود نية لإقامة قرية تعليمية لمستوطنة "كيدمت تسيون" في راس العامود.

 

وقد حصلت الجمعيتان في معرض تحضيرهما للتقرير على بيانات متعددة من مصادر مختلفة منها مديرية التربية والتعليم في القدس - فرع شرقي القدس، تعكس في مجملها وضعاً متردياً لنظام التعليم في القدس الشرقية.

في السطور التالية عرض سريع لأهم الأرقام والمعلومات التي تم استقاؤها من هذه البيانات:

 

نسب تسرب هي الأعلى في البلد: يبلغ معدل التسرب من المدارس من الصف السابع وحتى الثاني عشر 3ر17%، ومن صفوف الثاني عشر لوحدها يبلغ معدل التسرب 40%، وهي النسبة الأعلى في البلد. في مواجهة هذا الواقع القاسي لا توجد أي مبادرات من قبل بلدية القدس لمشاريع تساهم في تحسين المستوى التعليمي وحل هذه المشكلة، بل ثمة تمييز في تخصيص الميزانيات لصالح القدس الغربية.

 

التعليم لأجيال الثالثة والرابعة: 800 طفل مقدسي فقط من بين 15000 تم استيعابهم في روضات بلدية في السنة الدراسية 2012- 2013، وذلك على الرغم من قرار الحكومة الإسرائيلية في بداية العام الحالي بتوفير التعليم مجاناً لكل الأطفال في هذه الأجيال.

 

بناء الغرف التدريسية: تم بناء 33 غرفة تدريسية جديدة فقط في السنة الماضية على الرغم من قرار محكمة العدل العليا بضرورة سد الفجوة المستمرة في الاتساع بين عدد الغرف القائمة وعدد الغرف المطلوبة، وبناء ما يقارب 1100 غرفة تدريسية حتى العام 2016.

 

رقابة على المناهج الدراسية: يتم حذف بعض النصوص من الكتب الدراسية بواسطة جسم خارجي خاص - غير حكومي - وتم اختياره بناء على كونه المزوّد الأرخص سعراً في البلد. والعديد من هذه النصوص المحذوفة لا ينطبق عليها معايير "التحريض على دولة إسرائيل أو على اليهود".

 

زيادة بـ14 ضعفاً في عدد المدارس غير الرسمية المعترف بها: تضاعف عدد المدارس المعترف بها من قبل بلدية القدس ووزارة التربية والتعليم ولكنها غير رسمية بـــ 14 ضعفاً خلال العقد الماضي. وتظهر مع هذه الزيادة مشاكل الرقابة، خاصة في ظل وجود بعض الجمعيات التي تبحث عن الربح المادي الكبير بغض النظر عن المستوى الجيد للتعليم.

 

الاكتظاظ في الغرف التدريسية: يبلغ معدل الاكتظاظ في الغرف التدريسية في القدس الشرقية 69ر31 طالب، مقابل 82ر23 في القدس الغربية. ومن المعلوم تربوياً سلبية تأثير الاكتظاظ على جودة العملية التعليمية.

 

غرف تدريسية غير مطابقة للمعايير: في المدارس الرسمية البلدية ما يقارب الـ 720 غرفة تدريسية غير مطابقة للمعايير المطلوب توافرها في الغرف التدريسية.

 

تمييز في الكوادر البشرية المهنية: لم يعمل في جهاز التعليم في المدينة الشرقيّة العام المنصرم سوى نحو 21 مستشاراً تربوياً في نسب وظائف مختلفة. في الوقت ذاته، عمل في جهاز التعليم في القدس الغربيّة أكثر من 250 مستشاراً تربوياً مع عدد شبه مماثل من الطلاّب. ذلك يعني أن عدد المستشارين التربويّين في المدينة الغربيّة يفوق باثنتي عشرة مرة عددهم في القدس الشرقيّة.

 

وقد عقبت المحامية أوشرات ميمون، مديرة تطوير السياسات في جمعية "عير عاميم"، على الانتهاكات الواردة في التقرير قائلة: "إن الحق في التعليم ليس موردا أو ميزانية يتم توزيعها على السكان من قبل البلدية، ولكنه جزء من البنية الأساسية لبقاء المجتمع المحلي واستمراريته، ومرتبط مباشرة بمستقبل آلاف من أبناء القدس الشرقية". واعتبرت ميمون أن إهمال السلطات الإسرائيلية للتعليم في القدس الشرقية هو نتيجة مباشرة لسياسة تنتهجها السلطات تعتمد على تطوير مجتمع ما على حساب مجتمع آخر.

 

أما المحامية نسرين عليان، مديرة مشروع حقوق الإنسان في القدس الشرقية في جمعية حقوق المواطن، وإحدى المشاركين في كتابة التقرير فقد أفادت: "يجب على وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس زيادة حجم استثمارهما في التربية والتعليم في القدس الشرقية بشكل مستعجل للمساهمة في حل هذه الإشكاليات الواردة في التقرير".

 

وذكّرت عليان بقرار محكمة العدل العليا الذي أمهل بلدية القدس ووزارة التربية والتعليم فترة خمس سنوات لتقليص الفجوة في عدد الغرف التدريسية، وإن لم تفلحا فعليهما تحمل تكاليف الأقساط التعليمية للطلاب الذين يلجأون إلى المدارس غير الرسمية والمعترف بها كإحدى البدائل. وأضافت: "لقد مضت تقريباً سنة ونصف السنة على هذا القرار، وإن لم يتم التعامل معه بجديّة فيبدو أننا سنضطر إلى اللجوء للإجراءات القضائية مرة أخرى".