سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

وثائق وتقارير

 *مطلب منح حق التصويت للمهاجرين في الخارج يعود من جديد بعد طرحه في الماضي *معارضة أيديولوجية صهيونية لهذا الاقتراح كونه "يشجع على الهجرة من إسرائيل" *دوافع طارحي الطلب سياسية وتتحدث بكل وضوح عن ضمان الأغلبية اليهودية في أي نتائج انتخابية *تجربة تشكيل حكومة إسحق رابين في العام 1992 كانت محفزا لطرح الطلب بقوة*

 

 كتب برهـوم جرايسي:

 

طُرح من جديد في الآونة الأخيرة مطلب منح حق التصويت للإسرائيليين المهاجرين والمنتشرين في دول العالم، وعلى الرغم من أن هذا النمط قائم في الكثير من دول العالم، إلا أن الجدل حوله في إسرائيل له طابع أيديولوجي من ناحية بحجة أنه يعطي شرعية للهجرة من إسرائيل ويضعف الدعوة الصهيونية للهجرة اليهودية إلى إسرائيل، في حين أن دوافع هذا المطلب هي أيضا سياسية، تهدف أساسا إلى لجم القوة الانتخابية للعرب في إسرائيل.

 

وكنا في العدد السابق من "المشهد الإسرائيلي" قد استعرضنا جوانب القلق في إسرائيل والوكالة اليهودية ومؤسساتها من قضية تزايد الهجرة العكسية من إسرائيل، وبشكل خاص أبناء الجيل الثاني للمهاجرين الذين يبدون مؤشرات على عدم انتماء بالقدر المطلوب لإسرائيل والمجتمعات اليهودية في الخارج.

 

ومن المعطيات الأهم التي أوردناها في العدد الماضي، أن عدد حملة الجنسية الإسرائيلية المتواجدين بشكل دائم في الخارج، ونية غالبيتهم الساحقة عدم العودة إلى إسرائيل، يتراوح ما بين 720 ألفا إلى مليون شخص، كما أن مكتب الإحصاء المركزي قال لدى الانتخابات البرلمانية الأخيرة في شتاء العام 2009، إن نصف مليون شخص من ذوي حق الاقتراع والمسجلين كأصحاب حق اقتراع في الخارج هم بغالبيتهم الساحقة جدا مهاجرون.

وفي هذا العدد نعالج مسألة منح "حق التصويت" للمهاجرين، الذي جاء كأحد توصيات تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" التابع للوكالة اليهودية، على أن يكون الحق جزئيا، ولفترة محدودة.

تاريخية الطلب

 

 

وقد ظهر هذا الطلب مرارا على مر السنين، ولكن بشكل خاص في العقدين الأخيرين، وكان أقوى مرّة يظهر فيها، في أعقاب تشكيل حكومة إسحق رابين في العام 1992، التي استندت أساسا من الخارج إلى دعم غير مطلق من كتلتين تمثلان الفلسطينيين في إسرائيل، كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وكتلة الحزب الديمقراطي العربي، وكانت هذه التجربة الأولى التي أثارت قلق قوى اليمين، التي سارعت للبحث عن سبل لمنع تكرار الأمر، إلا أن موجات الهجرة الضخمة في سنوات التسعين، كانت بمثابة "حبل الخلاص" للقوى السياسية الصهيونية في هذه القضية بالذات.

 

وعلى الرغم من أن دوافع هذه الفكرة قبل نحو 20 عاما بالذات، كانت سياسية، كما عُرض هنا، إلا أن المعارضة جاءت بالذات من قلب أوساط اليمين الايديولوجي العقائدي، وبشكل خاص من هذا التيار المتشدد في حزب الليكود، الذي اعتبر أن منح حق التصويت للمهاجرين من إسرائيل، يعني تشجيع الهجرة من إسرائيل، رغم سعي الحركة الصهيونية لاستقطاب أكبر عدد من أبناء الديانة اليهودية في العالم في إسرائيل، للحفاظ على مشروع "الدولة اليهودية" وتفاديا لما تراه الحركة "الخطر الديمغرافي" من انكسار الأغلبية اليهودية على المدى البعيد.

 

وبالفعل فقد غاب الطلب لسنوات عن جدول الأعمال، تارة بسبب تغيير نظام الانتخابات وإجراء انتخابات مباشرة لرئيس الحكومة، مما غير الكثير من موازين القوى السياسية، قبل أن يلغى هذا النمط، وتارة بسبب غرق إسرائيل في أزمات سياسية وأمنية واقتصادية متلاحقة، غيرت الكثير من الأولويات.

 

وكما ذكر ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في شتاء العام 2009، تبين أن نصف مليون من أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل يعيشون خارجها، وغالبيتهم الساحقة من المهاجرين، وكانوا يشكلون حينها 10% تقريبا من أصحاب حق الاقتراع وهي معطيات تستند لتقرير مكتب الإحصاء المركزي.

 

وخلال الحملة الانتخابية، طرح رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان مطلب إجراء تغييرات في نظام الانتخابات، منها رفع نسبة الحسم لنحو 5% وأكثر، وأيضا منح حق التصويت للمهاجرين في الخارج، مقارنا الأمر بباقي دول العالم، وخاصة الأوروبية منها.

 

لكن دوافع ليبرمان الذي يتميز بسياسته العنصرية تجاه العرب كانت واضحة، وهي تقويض القوة الانتخابية للفلسطينيين في إسرائيل، هذا أولا وأساسا، ولكن بنفس القدر، فإن مطلبه يعود إلى حسابات انتخابية حزبية تعود بالنفع عليه، حسب تقديراته الشخصية، وهذا لكون ما بين 110 آلاف إلى 130 ألفا من الذين هاجروا إلى إسرائيل من دول الاتحاد السوفياتي السابق عادوا مع السنين إلى وطنهم الأم، كما أن آلافا كثيرة من المهاجرين الروس إلى إسرائيل يتواجدون كثيرا في أوطانهم الاصلية، وبما أن ليبرمان يعتبر حزبه الممثل الأقوى للمهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، فإن غالبية الأصوات هناك ستدب لصالح حزبه، مستندا أيضا إلى فكرة أن قوى اقتصادية وسياسية قد تدعمه من قبل روسيا وباقي الجمهوريات.

 

وقد ورد هذا الطلب فيما ندر خلال الدورة البرلمانية الحالية، ولم يتم بحثه بشكل جدي، بشكل يقود إلى تطبيق هذا الأمر فعلا، وكانت لجنة شبه حكومية قد أوصت بشكل أولي بمنح المهاجرين في السنوات الأربع الأولى لهجرتهم حق التصويت في الخارج، شرط أن يعلنوا أن في نيتهم العودة إلى إسرائيل في أي وقت من الأوقات، ولكن من دون أن يكون الأمر ملزما.

 

في المجمل العام، فإن الانطباع السائد لدى القوى السياسية في إسرائيل، هو أن من يقرر الهجرة من إسرائيل هم أقل انتماء وتشددا سياسيا تجاه القضايا التي تطرحها إسرائيل والحركة الصهيونية، ولهذا فإن منحهم حق التصويت، قد يكون في صالح قوى الوسط واليسار الصهيوني، وهي مجرد فرضية، تلاقيها فرضية أخرى، وهي أن من لديه توجهات كهذه لن يجاهد من أجل السفر والوصول إلى مراكز اقتراع بعيدة، وأن من سيفعل هذا هم ذوو التوجهات اليمينية المتشددة.

 

وأمام تعقيدات الموضوع، والجدل الفكري والأيديولوجي الذي يدور حوله، فمن الصعب رؤية أن الامر سيطبق في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي بات من المؤكد أنها ستجري في بحر العام 2013، وموعدها الرسمي والقانوني هو خريف ذات العام.

 

وقد نشر "معهد سياسة الشعب اليهودي" في الآونة الأخيرة تقريرا حول هذه القضية، واستعرض فيه النقاط الأساسية لموقف المعارضين والمؤيدين لمنح حق التصويت للمهاجرين من إسرائيل، ونحن نستعرض هنا خطوط الموقفين المركزية.

 

 

مؤيدو حق التصويت

 

1- حق التصويت لكل مواطن هو أحد أسس الديمقراطية، والكنيست لم يتخذ قرارا في أي وقت لحرمان المقيمين في الخارج من التصويت، إلى ذلك، فإنه في عصر العولمة لم تعد للحدود الجغرافية قيمة لمنع الحقوق.

2- في الوضع القائم ثمة تمييز ضد المواطنين في الخارج، وهناك ضرورة لأخذ خصوصيتهم بالحسبان، وبشكل خاص موظفي مؤسسات تابعة للوكالة اليهودية، وأيضا شركات اقتصادية منتشرة في الخارج، ومن حقهم أن يمارسوا حق التصويت وهم في الخارج.

3- تعزيز العلاقة والروابط بين المهاجرين وإسرائيل، فالقانون القائم لا يعتبر كل شخص مقيم في الخارج مهاجرا من إسرائيل، فالقومية الإسرائيلية هي مركب مركزي للهوية الإثنية للإسرائيليين في الخارج، كذلك فإن المهاجرين من إسرائيل هم كنز استراتيجي، كما أن السياسة الإسرائيلية تؤثر كثيرا على حياة الإسرائيليين في الخارج.

4- القانون القائم من العام 2003 يفرض على الكثير من الإسرائيليين واجب تقديم تقارير ضريبية، ومن غير الممكن منع هؤلاء من حق التصويت.

5- التوجهات القائمة في دول العالم هي توسيع حق التصويت للمواطنين في الخارج، وحسب التقرير فإن هناك 41 دولة تستخدم هذا النمط الانتخابي من بينها الولايات المتحدة الأميركية ودول غرب ووسط أوروبا وكندا وأستراليا وغيرها.

6- تعزيز يهودية دولة إسرائيل بطريقة ديمقراطية، فإسرائيل هي دولة يهودية ديمقراطية، ومجرد منح حق التصويت لليهود المتواجدين في الخارج سيزيد القوة الانتخابية اليهودية، وهذا لكون الغالبية الحاسمة من الإسرائيليين المتواجدين في الخارج هي من اليهود، وهذا ما يعزز الهوية اليهودية لإسرائيل.

إذا تمعنا بالبند الثالث وبالأساس البند السادس، تتجلى حقيقة نوايا دعاة توسيع حق التصويت ليشمل المهاجرين من إسرائيل، وهذا بالضبط المحفز للطلب الملح لتوسيع حق التصويت.

 

 

معارضو حق التصويت

 

1- الجانب الأخلاقي: عدم منح حق التمثيل لمن لا يشارك في تحمل مسؤوليته المباشرة، وبموجب هذا المبدأ، فإن ليس مُطالبا بمواجهة قضايا مصيرية مطروحة باستمرار على جدول أعمالها، مثل القضايا الأمنية والحدود، وشكل التعامل مع التهديدات الأمنية وتقاسم الموارد.

2- الجانب الصهيوني: حجر أساس الحركة الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، ودولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وهي الدولة الوحيدة التي فيها لليهود استقلال سياسي وشعبي، وجمع الشتات هو حجر أساس للحركة الصهيونية، ولذا فإن منح حق التصويت للمهاجرين من إسرائيل يعني منح شرعية للهجرة من إسرائيل، خاصة على ضوء حقيقة أن هؤلاء كانوا في إسرائيل واختاروا المهجرة منها، وحق كهذا يشوش الحدود بين قيم العيش في إسرائيل والعيش خارجها.

3- الهجرة من إسرائيل هي هجرة طوعية: إن الهجرة من إسرائيل ليست كما هي الحال في دول ومناطق أخرى، حيث تأتي لأسباب خارجية أو لأسباب الملاحقة والاضطهاد، بل هي هجرة طوعية، وقرار شخصي للمهاجرين بهدف تحسين مستوى معيشتهم، ولهذا فإن قرارهم هو ثمرة حساباتهم الشخصية.

4- حق التصويت مرتبط بالعلاقة مع الدولة: حق التصويت نابع بالأساس من التزام الأفراد بمجتمعهم واحتياجاته السياسية والاجتماعية، والهجرة من الدولة تعني قطع هذه العلاقة.

5- مصاعب تقنية ولوجستية: يرى المعارضون لمنح حق التصويت للمهاجرين أن تطبيق هذا الأمر سيواجه مصاعب تقنية ولوجستية متنوعة تتعلق بيوم الاقتراع وشكل الدعاية الانتخابية وضمان الشفافية ونزاهة الانتخابات.

6- حق التصويت منزلق أملس: يرى المعارضون أن فتح مجال التصويت جزئيا لمن هاجروا، مثل منح حق التصويت في السنوات الأربع الأولى للهجرة، سيكون فاتحة لتوسيعه أكثر لاحقا.

 

مقترحات لحل القضية

 

 

يطرح "معهد سياسة الشعب اليهودي" في تقريره سلسلة من المقترحات لحل هذه القضية، وقد وضع عند كل اقتراح الإيجابيات والسلبيات، بما يتناسب مع مواقف المؤيدين والمعارضين لمنح المهاجرين حق التصويت.

والمقترح الأول هو الإبقاء على الوضع القائم، أي أن يكون الاقتراع في الخارج لعدد محدود يتلخص في أعضاء البعثات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية وسلاح البحرية وما شابه، وهؤلاء يبلغ عددهم في أقصى الحالات عدة آلاف قليلة جدا.

 

أما المقترح الثاني الذي طرحته جهات أخرى في إسرائيل في الآونة الأخيرة، وعلى الأغلب سيدور الجدل حوله، فيقضي بمنح التصويت للمهاجرين في السنوات الأربع الأولى من هجرتهم، وشرط أن يكون المهاجر قد سجل وجوده في السفارة أو القنصلية الإسرائيلية في الدولة التي هاجر إليها، وأن يكون التصويت مشروطا بأن يعلن المصوت عن نيته العودة إلى إسرائيل في أي وقت من الأوقات، وهذا عمليا تصريح فضفاض دون التزام.

 

كما يلزم هذا المقترح أن يكون صاحب الاقتراع قد سكن في إسرائيل فترة حد أدنى، وهذا شرط موجه أساسا لآلاف المهاجرين، بشكل خاص من دول الاتحاد السوفياتي السابق، الذي سارعوا في العودة إلى أوطانهم بعد وقت قليل من هجرتهم إلى إسرائيل في السنوات الماضية.

 

ويدعو الاقتراح الثالث إلى فسح المجال للاقتراع أمام جميع الذين هاجروا من إسرائيل، وبحوزتهم الجنسية الإسرائيلية الكاملة، وبلغوا سن الـ 18 عاما.

 

أما الاقتراح الرابع والأخير، فإنه يدعو إلى منح حق التصويت لمن يلزمهم القانون بدفع ضرائب للخزينة الإسرائيلية وهم في الخارج، وهذا يطال أصحاب الشركات في الخارج والعاملين فيها من الإسرائيليين.

 

وكما ذكرنا سابقا، فإن هذه القضية شائكة، ومن الصعب رؤية مخرج لها أو البت فيها كليا حتى الانتخابات البرلمانية المبكرة، وحتى لو جرت الانتخابات بعد عام من الآن، سيكون من الصعب التوصل إلى صيغة توافق عليها كل الأطراف السياسية والفكرية والأيديولوجية.