تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

وثائق وتقارير

خلفية عامة

 يبلغ عدد اليهود المتشددين دينيًا (الحريديم) في إسرائيل نحو 800 ألف نسمة، وبحسب التوقعات سيصل عددهم في العام 2022 إلى ما يقارب مليون وعشرين ألف نسمة.

 يتوزع الحريديم في جميع مناطق إسرائيل على النحو التالي (بالنسب المئوية): مدينة القدس - 27%؛ منطقة القدس (وأساسًا بيت شيمش، بيتار عيليت، موديعين عيليت)- 6%؛ المركز - 21%؛ بني براك - 18%؛ حيفا والشمال - 14%؛ أسدود والجنوب - 14%.

 

 

ينتمي اليهود الحريديم في إسرائيل إلى أربعة تيارات عقائدية مركزية: الحسيديم (33%)، الليتوانيون (27%)، الشرقيون (28%)، الأرثوذكس (6%)، وهناك تيارات ثانوية تشكل نسبة 6%.

 

وتُعد العائلات المتدينة اليهودية من أكثر العائلات إنجابا للأطفال، حيث يصل معدل الأولاد في العائلة الواحدة إلى 5ر6 ولد، بينما تنجب العائلة العلمانية الإسرائيلية بالمعدل 1ر2 ولد.

 

وحتى عندما نتطرق إلى معدل سن الزواج في المجتمع اليهودي، نجد أن هناك فرقا بين المجتمع الحريدي المتدين والمجتمع ككُل، فمعدل جيل الزواج عند الرجال المتدينين هو 3ر21 عام،
بينما يصل معدل جيل الزواج عند الرجال بشكل عام في المجتمع اليهودي إلى 2ر27 عام،
ومعدل جيل الزواج عند النساء في المجتمع المتدين هو 9ر19 عام، بينما يصل معدل جيل الزواج عند النساء في المجتمع اليهودي بالمجمل العام إلى 8ر24 عام.

 

سوق العمل

 

 

أكثر من 60% من الرجال المتدينين اليهود لا ينخرطون في سوق العمل الإسرائيلية. وينظر المحللون الاقتصاديون في إسرائيل إلى هذا المعطى بقلق كبير، حيث يعتقد معظمهم أن هذا من شأنه تقويض أركان الاقتصاد الإسرائيلي (بينما 60% من النساء المتدينات اليهوديات تعملن مقابل أجر مدفوع رسميا).

 

وحاولت حكومات إسرائيل، وعلى مر الزمن، أن تجد المعادلة المناسبة لكسر هذا الطوق واختراق الجدار الاجتماعي- العقائدي الذي شيدته فئة الحريديم في الدولة وعلى رأسها القيادة الروحانية لكافة التيارات، حيث نشهد في السنوات العشر الأخيرة تدفق أموال طائلة من خزينة الدولة لاستثمارها في "الذخر والكنز الحريدي". واستمرت الحكومات بملء هذه البئر التي لا تحتوي على قاع دون تحقيق أي مكسب يُذكر للاقتصاد الإسرائيلي، ليتضح لاحقا أن نسبة الرجال المتدينين اليهود الذين انخرطوا في سوق العمل حافظت على خمولها تقريبا وارتفعت بنسبة قليلة تتقزم أمام الدعم الحكومي الهائل للمجتمع اليهودي المتدين (من 36% العام 2003 إلى 39% العام 2011).

 

واللافت للنظر أن حكومات إسرائيل تقوم بتمويل ميزانية أكثر من 70 ألفًا من طلاب المعاهد الدينية اليهودية (أفراخيم)، فيما ينضم إلى هذه الأطر ما يقارب 7000 طالب سنويا بتمويل حكومي بحت.

 

وهناك تقارير اقتصادية تشير إلى أن الهبات والمساعدات والتمويلات التي تمنحها الحكومة لطلاب تلك المعاهد تجعلهم يعيدون التفكير مجددا بجدوى الاندماج في سوق العمل، وذلك لأن ما يجنيه الطلاب من مردود مادي عند مكوثهم في المعاهد وتلقيهم دروس التوراة هو أكبر حجما من المردود المادي الذي سيتلقونه في حال انخراطهم في سوق العمل.

 

وللمقارنة فقط، فإن نسبة الرجال المتدينين اليهود المنخرطين في سوق العمل بعد تخرجهم من المعاهد الدينية في نيويورك تصل إلى 90%، حيث يلتحق الخريجون فورا بمعاهد للتدريب المهني أقيمت خصيصا لمنح الطالب المهارات والقدرات لينخرطوا في سوق العمل.

 

أما في لندن عاصمة بريطانيا، فهذه النسبة تتراوح ما بين 80% إلى 90%، وبإمكاننا أن نجد في فرنسا يهودًا متدينين يمارسون مهنا حرة مثل الطب، المحاسبة والمحاماة.

 

وضعت الحكومة الحالية في إسرائيل نصب عينها هدفًا تبغي تحقيقه بعد عشر سنوات، وهو أن تصل نسبة الرجال اليهود المتدينين المنخرطين في سوق العمل في إسرائيل إلى 63%!! فهل حقا ستكون هناك قفزة نوعية في المجتمع اليهودي المتدين، وسيحدث تمرد على الإجماع الديني العقائدي، وبالذات على القيادة الروحانية، ضاربين عرض الحائط بكل القوانين الاجتماعية وتشريعات رجال الدين التي تحد من دمج الحريديم في سوق العمل؟ أم سيظل مزراب الحكومة اليافع يتدفق نحو هذه البئر الكبيرة صاحبة الثغرة الأوسع في الأسفل؟

 

 

 

التربية والتعليم و"دولة شاس"!

 

 

 

تخصص حكومات إسرائيل، وبالذات منذ اعتلاء الليكود برئاسة مناحيم بيغن إلى سدة الحكم في العام 1977، ميزانيات دسمة لجهاز التربية والتعليم الخاص بالمجتمع المتدين اليهودي تفوق أي استثمار في جهاز تربية وتعليم آخر في الدولة.

 

وتفضيل جهاز التربية والتعليم عند الحريديم بات بمثابة سياسة مبرمجة ومنتهجة عند حكومات إسرائيل المتعاقبة بغض النظر عن الحزب الذي يترأس الائتلاف: ليكود، كاديما أو العمل.

 

فعلى سبيل المثال، في العام 2004 خصصت الحكومة الإسرائيلية مبلغًا لا يقل عن 600 مليون شيكل لهذا الغرض. وتشير التقديرات إلى أن ما خُصص لهذا الجهاز العام 2011 هو ما يقارب المليار و120 مليون شيكل.

 

أهم الشروط التي تضعها الكتل المتدينة اليهودية، وبالذات شاس، لدخولها الائتلاف الحكومي هو السيطرة التامة على جهاز التربية والتعليم الخاص بها.

 

إن أحد إفرازات هذه العملية هو الحكم الذاتي الذي تتمتع به الكتل الحريدية وعلى رأسها شاس في مجال الثقافة والتعليم، وهناك من يصف سيطرة "شاس" على مضامين ومنهاج وصيرورة عمل هذا الجهاز بـ "دولة شاس".

 

وهناك أصوات في المجتمع الإسرائيلي تُحمل دافيد بن غوريون، رئيس أول حكومة في إسرائيل، هذه المسؤولية التاريخية. فبن غوريون سمح بفصل جهاز التربية والتعليم الحريدي عن الجهاز القائم آنذاك في إسرائيل مما دفع كتل المتدينين اليهود كافة إلى المطالبة بالاستقلالية أو حتى ما يشبه بالحكم الذاتي في كل ما يتعلق بهذا المجال. وهكذا بات حزب المفدال يملك جهاز تربية وتعليم خاصا به يدعى"المنهاج الديني الرسمي"، وكذلك استطاع حزب يهدوت هتوراة الظفر بهذا الامتياز وإنشاء مؤسساته الخاصة به وأطلق عليها اسم "جهاز التربية المستقل"، ناهيك عن شبكة التعليم الديني التابعة لشاس والآخذة بالانتشار أكثر وأكثر في المجتمع المتدين.

 

وكل ائتلاف حكومي في إسرائيل بات يرضخ لإملاءات وشروط الكتل المتدينة على مر الزمن، ولم نلمس حتى اليوم أي مساعٍ لأي رئيس حكومة في إسرائيل لوضع حد للوضعية القائمة والقاتمة هذه، بل على العكس، بتنا نرى سائر الكتل تملأ فمها بالماء وتتعامل مع هذا الموضوع كأمر حتمي وواقعي لا يمكن حتى خوض غمار طرح الموضوع مجددا على الأجندة السياسية لأي حزب. وكلنا نتذكر ما حدث في فترة إيهود باراك،عندما ترأس الحكومة بين سنوات 1999-2001 وأطلق شعاره المشهور "أنا رئيس حكومة لكل المواطنين"، وحتى يرضي كافة الأطراف ومن ضمنها رؤوس الاستقطاب من اليمين واليسار، شكل ائتلافا حكوميا غريبا من نوعه دمج فيه شاس وحزب ميرتس اليساري.

 

لكن باراك فشل فشلا ذريعا في احتواء "الكل"، وأخفق في أول صراع بين العلمانيين والمتدينين داخل حكومته عندما استقال حينها وزير التربية والتعليم يوسي سريد، رئيس حزب ميرتس، من الحكومة بعد رفضه للرضوخ لمطالب شاس المدعومة من باراك نفسه، للاستثمار أكثر بجهاز شاس التربوي وتزويده بميزانيات إضافية وخاصة.

 

 

الجيش

 

 

يخدم الجنود المتدينون في الجيش الإسرائيلي في وحدتين:

 

1- وحدة 8200: وهي وحدة تختص بالتكنولوجيا الحديثة المتطورة وعالم الحاسوب والبرمجة، وظيفتها تطوير قدرة الاستخبارات عند الجيش الإسرائيلي. ويدعى هذا المسار باسم "شاحر" (خدمة الحريديم في المسار التكنولوجي) وهو مخصص فقط للجنود المتدينين. وقد انضم لهذا المسار نحو ما يقارب 700 جندي جديد في العام 2011، بينما تم تجنيد 1461 جنديا لهذه الوحدة في السنوات الخمس الأخيرة.

 

وهناك شروط خاصة للالتحاق بمثل هذه المسار ومن ضمنها أن يكون الفرد متزوجا ويراوح عمره بين 22-27 عامًا.

 

في المقابل يتعهد الجيش الإسرائيلي بفصل هؤلاء الجنود عن بيئة النساء وبأن يتواجدوا في مناطق أو غرف يدخلها الجندي الحريدي فقط. بالإضافة لذلك، يتم تجهيز الطعام حسب الشريعة اليهودية (الكشروت) ويتلقى الجنود دروس التوراة بشكل يومي ومكثف.

وثمة امتيازات أخرى يحصل عليها الجنود من وحدة "شاحر": مبلغ ثابت وشهري لتغطية مصاريف عائلة الجندي، والالتحاق بالمعاهد الأكاديمية المتدينة بدْءًا من العام الثاني للخدمة وعلى حساب الجيش طبعا وكسب مهنة في مجال التكنولوجيا لتساعده على الانخراط في سوق العمل بعد انتهاء فترة التجنيد.

 

يعمل هذا المسار بالتعاون مع ثلاثة أقسام مركزية في الجيش: الوحدة البحرية، وحدة الطيران ووحدة المخابرات. وتبلغ ميزانيته نحو 200 مليون شيكل.

 

2- المسار الخاص بالحريديم (ناحال حريدي)، أو ما يسمى بنيتساح يهوداه: هي خدمة في وحدة قتالية لمدة عامين، والعام الثالث معد لتمكين الجندي من احتراف مهنة وإكمال الدراسة وذلك لفتح المجال أمامه للالتحاق بسوق العمل بسهولة بعد التجربة في الجيش. ويُعد الحاخام موشيه راباد من وحدة الطيران، أكثر الشخصيات المتدينة التي باستطاعتها إقناع الشباب المتدينين اليهود بالالتحاق بصفوف الجيش ويُعول عليه كثيرا في هذا المجال. وقد استقال الأخير من صفوف الجيش في بداية شهر كانون الثاني الفائت، عقب احتدام النقاش داخل هيئات الجيش حول السماح للنساء بالصعود للمنصات والغناء في حفلات، وهو من الرافضين بشدة لذلك. ولم يستجب لطلب الجيش بإجبار الجنود المتدينين على البقاء في مثل هذه الحفلات والإصغاء للنساء، بل حتى حث جنوده على ترك هذه المناسبات لأنها تتناقض مع معتقدات الديانة اليهودية، على حد تعبيره. وقد أثارت استقالته هذه تساؤلات كثيرة عند كبار المسؤولين في الجيش بعد تفجر هذه القضية، وتخوف البعض من نزوح الشاب اليهودي المتدين عن الخدمة العسكرية لأسباب عقائدية.

 

 

إقصاء النساء

والإسرائيلي "الآخر"

 

 

في الآونة الأخيرة هناك تغطية مستمرة من قبل وسائل الإعلام لما نسميه عملية إقصاء النساء عند المجتمع المتدين اليهودي المُصغر. ومن يمعن النظر جيدا يرى أن هذه الظاهرة منتشرة في المجتمع الإسرائيلي منذ قيام الدولة.

 

إن الأجر الذي تتلقاه المرأة الأشكنازية هو ضعفا ما تتلقاه المرأة غير الأشكنازية تقريبا. والنساء الإسرائيليات اللاتي يتبوأن مناصب عليا في سوق العمل معظمهن من الفئة الأشكنازية (ناهيك أصلا عن التمييز الصارخ والواضح بين المرأة اليهودية والمرأة العربية الفلسطينية).

 

إن ظاهرة إقصاء النساء عن مركز الحدث وسوق العمل هي ظاهرة قديمة نوعا ما في المجتمع الإسرائيلي. على سبيل المثال، فإن مماطلة الحكومات في إقرار قانون التعليم المجاني من سن 3 أعوام هي وسيلة لإقصاء النساء عن سوق العمل (في الآونة الأخيرة تتحدث حكومة نتنياهو عن تطبيق هذا القانون، ولكن الكثير من المختصين يشككون في أن تتوفر لدى هذه الحكومة إمكانيات لتطبيقه فعلا). ومعروف أن هناك عائلات كثيرة لا تملك الموارد المادية لتمويل تعليم أطفالها في هذا السن المبكر مما يحدو بالأم للتخلي عن العمل وملازمة ابنها في البيت.

 

ومع أن ظاهرة إقصاء النساء في المجتمع اليهودي المتدين هي ظاهرة ظلامية، حيث لا يُعقل أن يتم الفصل بين النساء والرجال في حافلات النقل، ولا يُعقل أن تُمنع المرأة من الظهور على المسرح للغناء ولتأدية عروض أمام الرجال، غير أن الهجوم الأخير من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية ومتخذي القرار في البروج العاجية، هو هجوم على كل ما يندرج تحت إطار "الآخر". والهجوم على المجتمع اليهودي المتدين نابع من دوافع عنصرية بحتة معادية لكل إسرائيلي "آخر" لا تندرج معاييره ومقوماته في إطار القوقعة الأشكنازية المتعجرفة، وهي عنصرية تشتط أكثر فأكثر ضد كل من هو غير إسرائيلي و"آخر".

 

______________________________

 

(*) متخصص في الشؤون الاقتصادية، قرية سولم- مرج ابن عامر.