تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

وثائق وتقارير

 *ضابط في قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة يتحدث عن ضبط 13 عنصرا في السنوات الخمس الأخيرة تعاونوا مع عصابات الإجرام المنظم *تقرير الشرطة السنوي يشير إلى ارتفاع متواصل في تكلفة الجريمة للاقتصاد الإسرائيلي *في العام 2011 بلغت التكلفة السنوية 9ر3 مليار دولار*

 

 تعتبر الجريمة المنظمة أحد أكبر الملفات التي تشغل الحلبة الإسرائيلية الداخلية، على ضوء استفحالها وتمددها، لتتغلغل بأشكال مختلفة في المؤسسة الحاكمة وفي أجهزة تطبيق القانون، وهذه ليست ظاهرة جديدة، بل بدأ الحديث عنها جهارًا في النصف الثاني من سنوات التسعين، ولكن حجمها اليوم بات بأضعاف كبيرة، كما يشير تقرير الشرطة السنوي إلى ارتفاع متواصل في تكلفة الجريمة من الاقتصاد الإسرائيلي، بحيث بلغت في العام الماضي وحده 9ر3 مليار دولار.

 

وفي الأيام الأخيرة تكشفت معطيات تثير قلق الشرطة وأجهزة تطبيق القانون، في أعقاب تقديم لائحة اتهام ضد عنصر في الشرطة الإسرائيلية، بسبب تعاونه مع عصابات الإجرام. ولكنه لم يكن وحيدا، ففي السنوات الخمس الأخيرة تم كشف 13 عنصر شرطة يتعاونون مع عصابات الإجرام، والسؤال الأكبر الذي تواجهه الشرطة هو: كم عنصر ما زال يتحرك في صفوفها لصالح هذه العصابات الكبيرة؟.

 

استفحال الظاهرة

 وفي تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن مسؤولين في وحدة التحقيقات مع عناصر الشرطة والأمن (ماحش) قالوا إنه في السنوات الخمس الأخيرة جرى ضبط 13 عنصر من الشرطة تعاونوا مع عصابات الإجرام، وأن الحديث يجري فقط عن الحالات التي عرفت فيها وحدة التحقيقات، "إذ جرى الانتقال للعمل لصالح الجنائيين على كافة المستويات، من ضباط كبار، وحتى عناصر شرطة صغار".

 

وتجري وحدة "ماحش" عمليات رقابة سرية لمشبوهين يحاولون تعقب عاملين في وحدة جمع المعلومات الاستخباراتية، وقد تحولوا إلى عناصر هامة في عصابات الإجرام وذوي شأن، لأنهم على اتصال مباشر بمعلومات سرية وهامة جدا، ولذا فإن أشكال التحقيق مع هؤلاء هي في غاية الصعوبة والحساسية والتعقيد.

 

ويقول ضابط كبير في "ماحش": "إننا نضبطهم كجواسيس ونتعامل معهم كمن باعوا زملاءهم، ففي حالات كثيرة، يطلب منا ضباط أن نفسح المجال لهؤلاء كي يقوموا باعتقال أفراد العصابات بأنفسهم، كي نعرف كيفية تصرفهم ورد فعلهم".

 

ويتابع الضابط قائلا إنه في حالات كثيرة يكون من الصعب تقديم لوائح اتهام ضد عناصر الشرطة هؤلاء خاصة إذا كانوا من وحدات جمع المعلومات، لأن الأمر يتطلب إحضار عناصر تحقيق من الشرطة لتقديم الشهادة أمام المحكمة، وبذلك يجري كشفهم، في الوقت الذي يواصلون فيه عملهم في هذا الاطار.

 

وفي الأيام الأخيرة تم تقديم لائحة اتهام خطيرة ضد أحد عناصر الشرطة باسم "صربي"، فقد كان يعمل إلى حين اعتقاله ضابطا في وحدة جمع معلومات مركزية وهامة في سلك الشرطة، وهو متهم أنه في الآونة الأخيرة تجاوز الحدود، وكان يحذر جنائيين من مداهمات شرطية على محلاتهم، وخاصة على محلات القمار التي يديرونها، وقد تلقى منهم مبالغ مالية ضخمة جدا.

 

وقد وصلت قضية "صربي" إلى وحدة التحقيقات "ماحش" في اعقاب شكوى ضابط آخر في وحدة التحقيقات، بعدما لاحظ أن جنائيين أغلقوا محلاتهم قبل وقت قصير من موعد مداهمات الشرطة، إذ فهم الضابط أن هؤلاء يتلقون معلومات دقيقة حول عمليات الشرطة.

 

وعلى أثر الشكوى، قرروا في وحدة "ماحش" تزويد المشبوه بمعلومات خاطئة حول النية لمداهمة محلات تابعة لجنائيين، وقد جرى التنصت على هاتف المشبوه وهو يحذر أحد أصحاب المحلات من مداهمة الشرطة في يوم محدد وساعة معينة، وهكذا وقع في الفخ الذي نصبته له وحدة التحقيقات.

 

الفساد في الشرطة

 

 

ويقولون في وحدة التحقيقات مع عناصر الشرطة "ماحش" إن "صربي" ليس الوحيد في هذا العام، فقبل أكثر من شهر فرضت محكمة إسرائيلية السجن أربع سنوات على ضابط جمع معلومات آخر باسم "ريفح"، والذي حصل على لا أقل من نصف مليون شيكل (135 ألف دولار) خلال عامين من عصابات الإجرام.

 

وقد كان "ريفح" ينقل معلومات إلى جنائيين كانت لديهم محلات قمار غير مرخصة في جنوب تل أبيب، وحرص على تحذير أصحاب المحلات من المداهمات قبل وقوعها، وكان يحصل شهريا على 8 آلاف شيكل (2200 دولار)، عدا عن "مكافآت" كان يحصل عليها في أماكن عامة.

 

ويقول ضابط كبير متقاعد باسم أليكس أور إنه حتى الآن لم تصل إسرائيل إلى وضع تزرع فيه عصابات الشرطة جواسيس لها في داخل الشرطة، لضرب عناصر شرطة، ولكنه عبر عن تأكده من أن لكل عصابة إجرام كبرى في إسرائيل جاسوس في سلك الشرطة، بمعنى أن في داخل جهاز الشرطة عناصر تعمل لصالح عصابات الإجرام، وفي هذا الإطار فإن الفساد في الشرطة ليس أكثر من الفساد في الأجهزة العامة الأخرى، ولكن ليس أقل من نفس مستوى الفساد في تلك الأجهزة، ويؤكد: "إن الفساد في الشرطة يعكس وجه المجتمع في إسرائيل".

 

ويتابع أور في لقاء مع وسائل إعلام قائلا: إن المشكلة تكمن في أن الشرطة لم تستوعب بعد كيفية تجنيد ضباط في وحدة جمع المعلومات، فليس كل شرطي دورية ناجح هو بالضرورة ضابط ناجح في وحدة معلومات، فهذه مهمة حساسة جدا، لأن الشخص يتحول إلى مركز قوة في المنطقة التي يعمل فيها.

 

ويحذر أور من أن عمل عناصر الشرطة المكلفين بجمع المعلومات يجعلهم على تماس وثيق مع قادة عصابات الإجرام، ومن هنا وفي حالات عديدة يتحول هذا الاتصال والتماس القريب إلى علاقة، كما كانت الحال مثلاً مع العصابة المسماة "عصابة الأخوين فرينيان".

 

ويدعو أور إلى إجراء تغيير جذري في عملية تشغيل شبكة جامعي وضباط جمع المعلومات في سلك الشرطة، بشكل يقلص ظاهرة تجسس العصابات، ويجعل عمل جهاز الشرطة ناجعا أكثر، وهذا من خلال اختيار نخبة، وتغيير أساليب العمل، وتشغيل أجهزة رقابة، لأنه لا أحد يعلم بالضبط حجم هذه الظاهرة، على الرغم ممن تم ضبطهم في السنوات الأخيرة.

 

وقالت الشرطة ردا على تصريحات أور، في بيان لها نشرته صحيفة "هآرتس": "إن جهاز جمع المعلومات، وجهاز العاملين فيه، وأساليب العمل كلها، خاضعة للرقابة الدائمة، ووفقا للأنظمة الملزمة والواضحة، كما أن العمل الجاري لعنصر جامع المعلومات خاضع هو أيضا لتوثيق ورقابة دائمين، وتجري عمليات تعقب كثيرة".

 

وأضافت الشرطة في بيانها أن محاولة تعميم حالة شاذة على كل عمل الشرطة، ومن هنا الانتقاص من عمل جهاز بأكمله، هي محاولة تسيء لمن يقومون بعملهم بإخلاص وتفان.

 

أضرار الاجرام

 

 

وفي تقرير الشرطة السنوي الذي صدر في الشهر الماضي جاء أن الإجرام كلف الاقتصاد الإسرائيلي في العام الماضي- 2011- حوالي 7ر1% من الناتج العام، وهذا يعني 4ر14 مليار شيكل، وهو ما يعادل 9ر3 مليار دولار وفق معدل الصرف في العام الماضي، بمعنى آخر ما معدله 1842 شيكلا للفرد الواحد في إسرائيل (حوالي 500 دولار).

 

وتقول الشرطة إنه في السنوات العشر الماضية بلغ الضرر 177 مليار شيكل (48 مليار دولار)، والأهم أنه في العام الماضي كان معدل الضرر من كل جريمة 11500 شيكل، وهو أعلى بنسبة 21% عما كان عليه في العام 2004، وعلى الرغم من ذلك، فإن تقرير الشرطة يدعي أن العام 2011 كان أفضل من العام 2010، حين بلغ الضرر 2ر15 مليار شيكل.

 

وتفسر الشرطة كيفية إجراء حسابات الضرر، وما هي العوامل التي يتم أخذها بعين الاعتبار لدى إجراء هذه الحسابات، على النحو التالي: الصرف على الحراسة والتأمينات، والاحتياطات الشخصية للحراسة الذاتية، وعمليات وقائية تبادر لها أجهزة تطبيق القانون والأجسام المختلفة، النشاطات الجماهيرية المتنوعة للوقاية من العنف والجريمة، وأضرار الخوف والقلق من احتمالات وقوع الجريمة، أضرار الأملاك المسروقة، والخسارة في مداخيل الضحية، وتكاليف العلاج الطبي، والتأثيرات النفسية والجسدية للضحية، وأطر معالجة الضحية، والميزانيات التي تصرف على مواجهة الجريمة اجتماعيا.

 

لكن في الشرطة يقرّون بأن هناك عوامل أخرى لا تؤخذ في الحسبان لصعوبة احتسابها، ولكنها تشكل عنصرا في الضرر الاقتصادي.

 

ويقول التقرير إنه في العام 2011 كانت الجرائم الأكثر كلفة هي جرائم الأملاك والغش والخداع، فهذا الصنف من الجرائم يشكل 50% من الأضرار الاقتصادية، فكلفة الأضرار من جرائم الأملاك وحدها من دون الغش والخداع، بلغت في العام الماضي 6ر3 مليار شيكل، مقابل 7ر3 مليار شيكل في العام 2010، و4 مليارات شيكل في العام 2009، وبمعدل 5 مليارات شيكل في كل واحد من الأعوام 2004- 2006، بمعنى أن جرائم الأملاك تتراجع باستمرار، بحسب تقرير الشرطة.

 

لكن في المقابل، فإن الاضرار المالية والاقتصادية من جرائم العنف (من دون القتل) في تزايد مستمر في السنوات الأخيرة، فقد بلغ الضرر من هذه الجرائم 77ر2 مليار شيكل، بعد أن كان المعدل السنوي في السنوات العشر الماضية 58ر2 مليار شيكل، ولكن على الرغم من هذا، فإن العام 2010 كان عام الذروة في هذا الصنف من الجرائم، إذ بلغت الاضرار 3 مليارات شيكل.

 

أما في ما يتعلق بالقتل، فإن تكلفة كل جريمة قتل تصل إلى 2ر2 مليون شيكل، بينما معدل تكلفة كل جريمة جنسية هو 7ر37 ألف شيكل، في حين أن تكلفة جريمة العنف من دون القتل هي 6ر28 ألف شيكل.

 

المطلوب رصد

ميزانيات أكثر

 

 

وتشير الشرطة في تقريرها إلى انتشار القناعة في العالم بأن رصد الميزانيات الكافية لأجهزة تطبيق القانون، وخاصة الشرطة، وزيادتها بشكل دائم، يصبح مجديا على صعيد تقليص ظواهر العنف، وأيضا بالتالي على صعيد تقليص الأضرار الاقتصادية الناجمة عنها.

 

ويقول التقرير إن زيادة عدد أفراد الشرطة الإسرائيلية بنسبة 10% من شأنها أن تقلص الجريمة بنسبة تتراوح ما بين 3% إلى 6%، وهذا يعني، حسب منطق التقرير، أن زيادة أفراد الشرطة مجدية أيضا من ناحية اقتصادية.

 

وتوقف التقرير عند مشروع "مدينة بلا عنف"، الذي ينفذ في نحو 80 مدينة وبلدة، بتكلفة مالية إجمالية تصل إلى 70 مليون شيكل، ولكنه يعود بالنفع اقتصاديا نتيجة لتقليص العنف، وذلك بقيمة 150 مليون شيكل.

 

وبناء عليه دعا التقرير إلى زيادة ميزانية الشرطة والأجهزة التابعة لها، ليس فقط من أجل تقليص العنف والجريمة، وإنما أيضا لما في ذلك من جدوى اقتصادية مثبتة.