السياسات الإسرائيلية حيال الاحتلال في 1967 بموازاة تأييد "الاستمرار في عدم وجود سياسة تسوية سلمية"

كلمة في البداية

لا تُعدّ الفتوى القانونية الجديدة الصادرة عن منظمة "يش دين" ["يوجد قانون"] الإسرائيلية لحقوق الإنسان بشأن سياسة إسرائيل حيال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، والتي نقدّم قراءة لها في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، الوثيقة الإسرائيلية الوحيدة التي تحوصل تلك السياسة، ولكن مع ذلك فهي تنطوي على أهمية خاصة بسبب تزامنها مع ما تقوم به الحكومة الحالية من ممارسات ميدانية في هذه الأراضي والتي سبق أن وصفتها جهات إسرائيلية بأنها تضمر استراتيجيا جديدة تسعى للقضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية، وعلى الخيار السياسي للتسوية، وتحضير الأوضاع لضم كل مناطق "ج" في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، ولاحقاً إنشاء وضع "دولة واحدة مع تفوّق يهودي"، على حدّ ما نوهنا في العدد السابق.

كما أن أهميتها تكمن في تأكيدها على أن إجراءات إعادة صوغ الواقع القانوني والديمغرافي والمعيشي للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال والأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل لصالح المستوطنين والسعي لحسم الصراع، تجري بشكل متسارع وعلني وبما يتعارض كلياً مع القانون الدولي الإنساني.

كذلك ثمة أهمية لتشديد الفتوى القانونية نفسها على أن ما تصفها بأنها  عملية ضم وتأسيس نظام أبارتهايد عنصري لم تبدأ مع تسلّم حكومة اليمين المتطرف أعمالها في نهاية العام الماضي، بل إن بذورها وُضعت مع بداية الاحتلال الإسرائيلي قبل 56 عاماً.

ومثلما أوردنا الأسبوع الماضي أيضاً، ففي أحدث وثيقة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب وتحمل توصيف "إنذار عاجل"، جاء تحت عنوان "السياق الفلسطيني"، أن السياسة التي انتهجتها كل الحكومات الإسرائيلية بعد العام 2000 كانت في الحقيقة عبارة عن تأييد الاستمرار في عدم وجود سياسة تسوية سلمية.

وفي واقع الأمر، منذ أول أيام عودة بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم العام 2009 ذهب كثيرون من الساسة والمحللين السياسيين في إسرائيل إلى الادعاء بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية في وسعه أن يتأبط ذريعة "لا يوجد شريك" لإسرائيل في الجانب الفلسطيني يتيح إمكان المضي قدماً في عملية تسوية الصراع مع الفلسطينيين، وذلك لدى أول زيارة رسمية له كان من المقرّر أن يقوم بها إلى واشنطن في ذلك الوقت، من أجل لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، أو في وسعه أن يتأبط ذريعة أخرى، موازية ومكملة، فحواها أنه حتى في حال وجود "شريك فلسطيني" متجسّد في شخص رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، فهو بلا حول ولا قوة، وتبعاً لذلك فليس في الإمكان التعويل عليه.

ومما جرى تناقله من تلك الفترة على وجه التحديد أنه في إمكان نتنياهو، في الحالتين، أن يستند، من ضمن قائمة المسوّغات التي قد يتذرّع بها، إلى أقوال سلفيه إيهود باراك وإيهود أولمرت، اللذين ارتسما في الأذهان كمؤيدين متلهفين للتسوية السياسية. فالأول، باراك، هو الذي سكّ مصطلح "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام" في إثر قمة كامب ديفيد العام 2000، في حين أن الثاني، أولمرت، قال في إجمال نتيجة المفاوضات مع الفلسطينيين بالتزامن مع تسلم نتنياهو مهمات منصب رئيس الحكومة ما يلي حرفياً: "إن حقيقة عدم توصلنا إلى السلام حتى الآن ناجمة في الدرجة الأولى عن ضعف القيادة الفلسطينية من جهة، وعن عدم رغبتها وعدم شجاعتها في الإقدام على بلوغ الاتفاق، من جهة أخرى. وكل ما يتعدى ذلك ما هو إلا حجج ومحاولات لإثارة المفاجآت أو لصرف الأنظار عن جوهر الأمور. لقد كنا مستعدين لتوقيع اتفاق سلام فيما لم تملك القيادة الفلسطينية - للأسف - الشجاعة من أجل الإقدام على ذلك" (من أقوال إيهود أولمرت في آخر جلسة عادية عقدتها الحكومة الإسرائيلية التي وقف على رأسها، في يوم 15 آذار 2009].

لا شك في أن تأصيل كل هذه المعارف والاستنتاجات والاقتباسات من شأنه، في عالم السياسة، أن يحدّد جوهر اهتمامات سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إزاء الاحتلال في أراضي 1967 وأكثر فأكثر حيال القضية الفلسطينية برمتها، وذلك ليس فقط تحت وطأة الحكومة الحالية المتربعة على سدّة الحكم في إسرائيل والتي تعتبر بحق الأشدّ تطرفّاً من الناحيتين القوميّة والدينيّة.