مراقبون: انخفاض وتيرة التضخم يدل على تباطؤ اقتصادي

وثائق وتقارير

 (متابعة لتقرير جمعية "عيـر عاميـم" حول مكانة الفلسطينيين في القدس الشرقية كـ "مقيمين دائمين"- المغزى والانعكاسات)

ترجمة وإعداد: سعيد عياش

 تعريف:

 ننقل هنا مقاطع كبيرة من الجزء الثاني (الأخير) من تقرير صدر حديثا عن جمعية "عير عاميم" بمناسبة "احتفال" إسرائيل بما يسمى "يوم القدس"- أي يوم ضمها إلى إسرائيل الذي مضى عليه 45 عاما- تحت عنوان "المؤقت الثابت".

 

وتتمحور معالجة هذا المقال، الذي شاركت في إعداده وكتابته المحاميتان الإسرائيليتان أوشرات ميمون وتمار لوستر، من طاقم البحث في جمعية "عير عاميم"، حول انعكاسات وأبعاد المكانة التي حددتها إسرائيل للفلسطينيين سكان القدس الشرقية المحتلة كـ "مقيمين دائمين" من دون مواطنة.

 

الإحصـاء الأول

 

أجرت إسرائيل في العام 1967 (بعد انتهاء حرب حزيران مباشرة) إحصاء للسكان في القدس الشرقية، وقد شمل الإحصاء، الذي أجري في ظل نظام حظر التجول، فقط الأشخاص الذين وجدهم فعليا موظفو الإحصاء في بيوتهم في أحياء المدينة، وعلى سبيل المثال فإن هذا الإحصاء لم يشمل مخيم شعفاط للاجئين، على الرغم من أن المخيم كان جزءا من منطقة القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، كذلك كانت هناك حالات لم يصل فيها عمال الإحصاء إلى بعض البيوت والأماكن البعيدة في أطراف المدينة بدعوى "صعوبة الوصول إليها" كما ذكر في تقرير عملية الإحصاء ذاتها. ويتضح أيضا من وثائق الإحصاء أن 27% من الأسر الفلسطينية التي شملها، كان لها أبناء (ذكور وإناث) في الخارج، وهؤلاء لم يسجلوا في هذا الإحصاء الإسرائيلي الذي أحصي خلاله ما مجموعه 65857 نسمة في منطقة القدس الشرقية.

لقد كانت لهذا الإحصاء، الذي أجرته وزارة الداخلية الإسرائيلية، أهمية بالغة بالنسبة للسكان (الفلسطينيين) في القدس الشرقية، إذ تقررت بناء عليه أحقيتهم في الحصول على بطاقات هوية إسرائيلية (زرقاء) والتي كانوا بالضرورة في حاجة لها كي يتمكنوا من مواصلة العيش في المدينة.

في حزيران 1967، وفي أثناء النقاشات والمداولات حول الصيغة القانونية المطلوبة من أجل تطبيق القانون الإسرائيلي، طرحت أيضا آراء بشأن إمكانية فرض الجنسية الإسرائيلية على سكان المنطقة العربية التي جرى ضمها لإسرائيل، غير أن اللجنة الوزارية التي بلورت إجراء "توحيد شطري المدينة" استبعدت هذه الفكرة، بعدما اقتنع أعضاؤها بأن قواعد وأحكام القانون الدولي لا تجيز فرض مواطنة (أو جنسية) دولة معينة على مواطني دولة أخرى. كذلك استبعد اقتراح معاكس يقضي بإبقاء بطاقات الهوية الأردنية في حوزة سكان القدس الشرقية العرب، الذين تحولوا منذ الوقت إلى سكان في إسرائيل جنسيتهم أردنية.

في مرحلة معينة روجت بهدوء معلومات حول الشروط الخاصة التي يمكن بموجبها للسلطات الإسرائيلية منح الجنسية للسكان العرب في المدينة، غير أن إسرائيل لم تعرض، ولم تتح للجميع، إمكانية الحصول على مثل هذه الجنسية أو "المواطنة"، وبالتالي فقد كان عدد الذين قبلت طلباتهم الفردية هزيلا جدا. وهكذا ظل عرب القدس الشرقية يحتفظون بجنسيتهم (جوازات السفر) الأردنية، حيث واصلت الغرفة التجارية في المدينة، في نطاق تفاهمات محدودة بين الأردن وإسرائيل، تجديد جوازات السفر الأردنية وإصدار المعاملات التي مكنت سكان المدينة من السفر إلى الأردن.

 

المكانة المدنية للسكان المقدسيين

 

وفقا لتفسير حكم القضاء (الإسرائيلي) للبند (ا) ب من قانون الدخول إلى إسرائيل 1952، ينظر إلى سكان القدس الشرقية على اعتبار أنهم حصلوا على تصريح أو إذن بالإقامة الدائمة، استنادا للاعتراف بالسكان الذين شملهم الإحصاء السكاني الذي أجرته، كما أسلفنا، وزارة الداخلية الإسرائيلية بعد حرب العام 1967، وذلك على الرغم من أن هؤلاء الفلسطينيين لم "يدخلوا" إلى إسرائيل، حسبما جاء في نص القانون، والأصح القول إن إسرائيل هي التي "دخلت" إليهم. وبذلك فقد فرضت، من ناحية عملية، مكانة "الإقامة" على سكان القدس الشرقية العرب، علما أن رفضهم لهذه المكانة كان معناه إلغاء حقهم في مواصلة السكن في بيوتهم وإقامة حياة منظمة في المكان الذي ولدوا وعاشوا فيه، والعيش في ظل شبح الطرد.

من جهة أخرى فإن قانون المواطنة (الإسرائيلي- من العام 1952) لا ينظم مسألة منح المواطنة الإسرائيلية بصورة جارفة أو جماعية للسكان المقدسيين، كما أن الإمكانية القائمة للحصول على مواطنة فردية بموجب القانون هي إمكانية نظرية فقط في جوهرها، ولا تنطبق بأي حال من الأحوال على عامة سكان القدس الشرقية العرب. ولا يتمتع السكان المقدسيون بالحق المدني الأساس في الانتخاب والترشح لمؤسسات السلطة المركزية (البرلمان- الكنيست- الإسرائيلي) طالما أنهم لا يحملون جوازات سفر إسرائيلية، لكنه يحق لهم التصويت والانتخاب في الانتخابات للسلطة المحلية الممثلة ببلدية القدس، من دون حق الترشح لمنصب رئيس البلدية. مع ذلك فإن الغالبية العظمى من سكان المدينة العرب تقاطع هذه الانتخابات (البلدية) كتعبير عن عدم تسليمها بسلطة الاحتلال والضم الإسرائيلي للمدينة، وللتأكيد على انتماء المقدسيين الوطني الفلسطيني.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قيود إضافية في القوانين الإسرائيلية تمنع الفلسطينيين المقدسيين، لكونهم لا يتمتعون بـ "المواطنة الإسرائيلية"، من إشغال أو تولي مناصب معينة في القدس، وعلى سبيل المثال فقد نص قانون "السلطة لتطوير القدس" من العام 1988، على أنه لا يجوز لمن هو غير مواطن إسرائيلي أن يشغل عضوية مجلس أو إدارة "سلطة تطوير القدس"، والتي تتمتع بصلاحيات واسعة في كل ما يتعلق بنواحي التخطيط والتطوير في المدينة.

 

سكان بلا مواطنة.. في أي دولة!

 

· بين الأردن وإسرائيل: قبل العام 1967 أعطت الأردن المواطنة (الجنسية) الأردنية لسكان الضفة الغربية ومن ضمنهم سكان القدس الشرقية، وقد مكنتهم هذه المواطنة من التصويت والانتخاب للبرلمان الأردني. في تموز 1988، أعلنت المملكة الأردنية الهاشمية فك ارتباطها القانوني والإداري مع الضفة الغربية (لكنها أبقت على تبعية الأوقاف الإسلامية الدينية للحكومة الأردنية وكذلك مسؤوليتها تجاه الأماكن المقدسة في المدينة). وقد تم ضمن عملية تدريجية تغيير وضعية أو مكانة سكان الضفة الغربية ومن ضمنها القدس الشرقية، ولم يعد في إمكان سكان القدس الشرقية مواصلة التصويت للبرلمان الأردني، إذ أن غالبية هؤلاء السكان لا تحمل اليوم رقم هوية أردنية ("رقم وطني") وإن كان جزء كبير منهم يحمل جواز سفر أردنيا.

· بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية: في 15 تشرين الثاني 1988 أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية (في إطار "إعلان الاستقلال") عن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين. وقد اعترفت إسرائيل عمليا، في نطاق مسار المفاوضات السرية التي أفضت إلى توقيع اتفاق أوسلو في أيلول 1993، بالمؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، على الرغم من أنه اتفق في قناة المفاوضات العلنية، على أن المحادثات حول التسوية الدائمة ستشمل مدينة القدس، وعلى أن ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني لن تشمل القدس الشرقية في المرحلة الانتقالية.

في الاتفاق الذي وقع بين السلطة الفلسطينية وبين الأردن في 25 كانون الثاني 1995، لم يجر التطرق أو الإشارة إلى المكانة الخاصة للأردن في القدس، لكن الاتفاق أشار في الوقت ذاته إلى الرابطة السياسية للشعب الفلسطيني بمدينة القدس، كذلك تعهد الأردن في هذا الاتفاق بمساعدة الفلسطينيين في تجسيد حقهم في تقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس.

وقد شارك سكان القدس الشرقية في الانتخابات للمجلس التشريعي ولرئاسة السلطة الفلسطينية التي جرت بين أعوام 1969 و2006، وبموجب اتفاق أوسلو ب الموقع في أيلول 1995، لم تشكل بطاقة الهوية الإسرائيلية وسيلة (بطاقة) تعريف في أثناء هذه الانتخابات وإنما فقط بطاقة الناخب الفلسطيني.

في ضوء ما تقدم، يمكن وصف وضع أو مكانة الفلسطينيين في القدس الشرقية على النحو الآتي:

- لا يحوزون على جنسية (مواطنة) أردنية كاملة، وإنما على جواز سفر أردني فقط.

- هم "مقيمون دائمون" في إسرائيل، لكنهم ليسوا "مواطنين" فيها. لا يحوزون على جواز سفر إسرائيلي، ولأجل السفر للخارج يمكن لهم الحصول على "وثيقة مرور" إسرائيلية (لاسيه باسيه).

- هويتهم فلسطينية، يمكن لهم المشاركة في الانتخابات لمؤسسات السلطة الفلسطينية، لكنهم لا يحوزون على جواز سفر فلسطيني (خلافا لسكان الضفة الغربية)، ويحظر على السلطة الفلسطينية العمل أو القيام بأي نشاطات في مكان سكنهم- القدس الشرقية.

وعليه فإن الفلسطينيين في القدس الشرقية هم سكان بدون مواطنة معترف بها، ولا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة في أي دولة.

 

مس بالحقوق الأساسية

 

تنعكس مكانة "المقيم غير المواطن" على كافة جوانب حياة الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي منذ 45 عاما.

من ناحية نظرية فإن مصطلح مواطنة- الذي من الصعب العثور على تعريف محدد له، خلافا لمصطلحات سياسية أخرى- هو إطار قانوني وسياسي يكفل للإنسان الحصول على عضوية كاملة في المجتمع. والمواطنة هي أحد تجليات فكرة الميثاق الاجتماعي، فهي تعبر عن العلاقات بين الأفراد الذين يتكون منهم المجتمع، وبين السلطة، وبينهم وبين أنفسهم، وتتيح لهم تجسيد وممارسة حقوقهم الطبيعية. وكما أسلفنا فإن الفلسطينيين في القدس الشرقية ليسوا مواطنين في أية دولة، لا إسرائيل ولا الأردن ولا فلسطين. إنهم أناس بلا مواطنة، يعيشون حياة تنقصها مكوناتها الجوهرية، وبذلك فقد سلب منهم حق أساس أولي وعميق، هذا فضلا عن أن لغياب المواطنة ومكوناتها أبعادا وانعكاسات ملموسة على حياتهم اليومية.

فقدان حق الإقامة: تتطلب مكانة "حق الإقامة" إثباتا دائما، وهي معرضة طوال الوقت للمصادرة أو الإلغاء. فهي تخضع بدرجة كبيرة لرؤية ومشيئة السلطات الإسرائيلية، التي اتبعت على مر السنوات سياسات متقلبة ومتغيرة بصورة حادة في هذا الموضوع، دون نقاش عام أو حتى نشر علني للتغيير في السياسة. من هنا أضحت مسألة ارتباط سكان القدس الشرقية الفلسطينيين بالمكان الذي ولدوا وعاشوا فيه على مر الأجيال عرضة للشك والإلغاء، وتتطلب منهم إثباتها مرارا وتكرارا أمام السلطات الإسرائيلية ( وزارة الداخلية)، التي تلزمهم لهذا الغرض بإبراز وثائق كثيرة واجتياز فحوصات وتحقيقات مختلفة.

وعلى الرغم من أن "قانون الدخول إلى إسرائيل" لا يتضمن أي نص أو تعليمات صريحة ينتهي بموجبها مفعول تصريح الإقامة الدائمة في حال مغادرة صاحب التصريح لإسرائيل وإقامته في دولة أخرى، في الخارج، إلا أن وزارة الداخلية الإسرائيلية قامت، خلال العشرين سنة الماضية، معتمدة على تفسير معين لأنظمة الدخول إلى إسرائيل ولأحكام صادرة عن المحكمة الإسرائيلية العليا، بإلغاء مكانة "الإقامة الدائمة" وسحب هويات الآلاف من المقدسيين الذين مكثوا في الخارج لأغراض مختلفة كالدراسة أو العمل، لمدة تزيد عن (7) سنوات. ومنذ منتصف عقد التسعينيات واجه أيضا الكثيرون من سكان القدس الشرقية الذين توجهوا بطلبات مختلفة لوزارة الداخلية الإسرائيلية رفضا من جانب الوزارة لإعطاء الخدمة المطلوبة، وتم تسليمهم بلاغا مقتضبا بانتهاء مفعول رخصة إقامتهم الدائمة بدعوى أنهم نقلوا "مركز حياتهم" إلى خارج إسرائيل. وقد شمل إجراء إلغاء حق الإقامة الدائمة لهؤلاء المقدسيين، في الغالب الأعم، إلغاء إقامة أبنائهم أيضا، ووفقا لنص بلاغ وزارة الداخلية المذكور، فقد أمر كل من تسلمه بوجوب أن يعيد هو وأفراد عائلته بطاقات هويتهم الإسرائيلية وأن يغادروا البلاد في غضون أسبوعين.

هذه السياسة، التي أطلق عليها اسم "ترانسفير صامت"، مورست أيضا تجاه مقدسيين مكثوا في تلك الفترة في مدينة القدس، لكن وزارة الداخلية أدعت إنهم نقلوا، فيما قبل، مركز حياتهم إلى خارج إسرائيل، وكذلك تجاه المقدسيين الذين مكثوا في الخارج ولم يعلموا أو يتلقوا أي إشعار رسمي بانتهاء مفعول إقامتهم في القدس. والجدير بالذكر في هذا السياق أن هذه الإجراءات الإسرائيلية (إلغاء الإقامة وسحب الهويات) طبقت أيضا تجاه الكثيرين من المقدسيين (حملة الهوية الزرقاء) الذين يسكنون في منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين اعتبرتا أيضا "خارج البلاد"، وذلك خلافا للسياسة التي كانت متبعة حتى منتصف التسعينيات، والتي لم يفقد بموجبها المقدسيون الذي انتقلوا للسكن في الضفة الغربية أو الأحياء المتاخمة للحدود البلدية للقدس، مكانتهم كـ "مقيمين دائمين" في إسرائيل.

وبحسب معطيات مصدرها وزارة الداخلية الإسرائيلية فقد تم في الفترة الواقعة بين عامي 1995 و2000 إلغاء إقامة وسحب هويات أكثر من 3000 فلسطيني من القدس الشرقية، غير أن هذه السياسة تصاعدت بشكل حاد منذ العام 2006، ووفقا لمعطيات جمعتها منظمات حقوقية إسرائيلية (بينها "بتسيلم" و"مركز الدفاع عن الفرد") ومصدرها وزارة الداخلية أيضا، فقد تم العام 2006 وحده إلغاء إقامة وسحب هويات 1363 فلسطينيا مقدسيا، وفي العام 2008 بلغ عدد المقدسيين الذين تعرضوا لإجراء مماثل 4577 شخصا. وبحسب المصادر ذاتها فقد ألغت وزارة الداخلية الإسرائيلية منذ العام 1967 مكانة الإقامة الدائمة لأكثر من 13000 فلسطيني من القدس الشرقية.

 

المس بالحق في حياة عائلية

 

قررت الحكومة الإسرائيلية في العام 2002 تجميد جميع إجراءات "جمع شمل" الأزواج من أصل فلسطيني، وقد ألحق هذا التجميد ضررا بعيد الأثر بحق عشرات الآلاف من مواطني إسرائيل العرب وسكان القدس الشرقية في إقامة حياة عائلية. وفيما كانت المحكمة الإسرائيلية العليا تنظر في التماس قدمته "جمعية حقوق المواطن" ضد قرار الحكومة، صادق الكنيست في العام 2003 على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة) الذي كرس في نص القانون قرار الحكومة ذاته حول التجميد. هذا القانون قيد وقلص أكثر إمكانية قيام سكان القدس الشرقية بتنظيم مكانة أزواجهم الفلسطينيين والعيش معهم ومع أبنائهم داخل المدينة. وكان قد اتبع قبل ذلك إجراء متدرج لتنظيم مكانة الزوج الأجنبي للمقيم الدائم في إسرائيل، يستغرق حوالي خمس سنوات، وهي مدة أطول من المتبع مع "المواطنين" الإسرائيليين، غير أن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة) جاء ليمنع تطبيق هذا الإجراء على الأزواج الفلسطينيين تحديدا، مما أدى إلى إلغاء إمكانية جمع شمل الزوجين إذا كان أحدهما من سكان القدس الشرقية وكان الآخر فلسطينيا من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة أو من الخارج. ومنذ ذلك الوقت (2003) ورغم الانتقادات التي وجهتها المحكمة العليا للقانون وإدعاء الدولة أن الحديث يدور على "أمر ساعة مؤقت"، جرى تمديد مفعول القانون مرارا وتكرارا (في المرة الأخيرة مدد مفعوله حتى 31/1/2013) كما جرى توسيع سريانه، حيث بات يمنع الآن أيضا تنظيم مكانة الأزواج من مواليد أو سكان إيران ولبنان وسورية والعراق وقطاع غزة، أو من مناطق خطر أخرى للحكومة صلاحية إضافتها لأمر الساعة ذاته.

 

تمييز في ممارسة الحقوق

 

على الرغم من أن تصاريح الإقامة الدائمة الممنوحة للسكان الفلسطينيين في القدس، تنظم حقهم في العمل في إسرائيل والتمتع بخدمات وبنى تحتية وموارد اجتماعية واقتصادية متساوية، إلا أن هناك هوة سحيقة بين أوضاع الأحياء اليهودية وأوضاع الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. ومن يسير في شوارع القدس يلاحظ بوضوح أين تنتهي مدينة "المواطنين" وأين تبدأ مدينة "المقيمين"، فالقدس الشرقية تعتبر من الأماكن الأكثر فقرا وإهمالا، من بين سائر الأماكن التي يسري عليها القانون الإسرائيلي. والفجوة بين مستوى الفقر لدى العائلات العربية واليهودية في القدس كانت في العام 2010 أكبر ثلاث مرات لدى الأولى، فيما وصلت نسبة الفقراء في القدس الشرقية إلى 4ر78%.

مس بالحق في مسكن: شكل التخطيط منذ العام 1967 الأداة الرئيسة في يد السلطات الإسرائيلية لكبح البناء القانوني الفلسطيني في القدس الشرقية. وقد نبعت سياسة التخطيط الإسرائيلية في القدس الشرقية بشكل مطلق تقريبا من اعتبارات الصراع القومي الهادفة إلى المحافظة على أغلبية يهودية راسخة في القدس. إحدى الطرق التي اتبعتها إسرائيل لتحقيق هذا الهدف تمثلت في وضع عراقيل مصطنعة أمام التطور الفلسطيني في المدينة، فمنذ العام 1967 صادرت إسرائيل 35% من أراضي القدس الشرقية لغرض بناء الأحياء اليهودية، وأعلنت عن 35% من الأراضي المنظمة كـ "مناطق خضراء" يحظر البناء فيها، وسمحت للسكان العرب بنسب بناء في مناطقهم وأحيائهم تقل بكثير عن المسموح به في المناطق والأحياء اليهودية، في الوقت ذاته وضعت السلطات الإسرائيلية شروطا وعراقيل جمة أمام الفلسطينيين الذين يريدون البناء على أراض بملكيتهم في القدس الشرقية، حتى الواقعة منها في منطقة منظمة ومخصصة للبناء، مما يجعل الحصول على رخصة بناء إمكانية شبه معدومة. لذلك، وفي ضوء مجمل القيود والشروط التعجيزية المفروضة على البناء الفلسطيني في القدس الشرقية، يقف السكان العرب أمام خيارين أحلاهما مر: إما البناء بصورة غير قانونية (هناك حاليا قرابة 20000 وحدة سكنية شيدت في حياء احي القدس الشرقية أحياء القدس الشرقية بدون ترخيص من السلطات الإسرائيلية) دون بنى تحتية ودون خدمات والعيش في اكتظاظ وفي ظل تهديد أوامر الهدم الإسرائيلية المسلطة فوق بيوتهم، وإما الانتقال للسكن خارج الحدود البلدية للقدس والمجازفة بالتالي بفقدان حق إقامتهم في المدينة.

ويستدل من معطيات نشرها "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية" إن نسبة الاكتظاظ السكاني في القدس الشرقية كانت في العام 2008 أعلى مرتين من نسبة الاكتظاظ في القدس الغربية، حيث بلغت بالمتوسط 9ر1 نسمة للغرفة الواحدة مقابل 1 نسمة لكل غرفة في القدس الغربية. وفي العام 2010 كانت نسبة الاكتظاظ السكاني في القدس الشرقية هي الأعلى في إسرائيل، بمعدل يزيد مرتين عن مجمل السكان في إسرائيل.

ووفقا لتقديرات منظمة " بمكوم" (في المكان) الإسرائيلية (مخططون من أجل حقوق التخطيط) فإن النقص في احتياجات السكن لدى الفلسطينيين في القدس الشرقية يصل حاليا إلى حوالي 10000 وحدة سكنية، ومن المتوقع أن يزداد هذا النقص بنحو 1500 وحدة سكنية في كل سنة. من جهة أخرى فإن حجم أوامر هدم البيوت المنفذة فعليا من قبل السلطات الإسرائيلية في القدس الشرقية، بلغ مستويات غير مسبوقة، وبحسب معطيات إسرائيلية رسمية، فقد هدمت سلطات الاحتلال منذ العام 1967 حوالي 2000 بيت فلسطيني في المدينة.

وتشكل حياة المقدسيين في الأحياء الواقعة داخل الحدود البلدية (الموسعة) للقدس ولكن خلف جدار الفصل عالما مصغرا مشوها لمكانة السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية. ويدور الحديث على ثمانية أحياء في منطقة قلنديا شمال القدس، وفي منطقة مخيم شعفاط (شمال شرق)، تقع كلها داخل مجال تطبيق القانون الإسرائيلي الذي أعلن عنه في العام 1967 في نطاق ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل. غير أن جدار الفصل الذي أقامته إسرائيل في أواسط العقد الماضي أبقى هذه الأحياء خارج الجدار، مما أدى إلى توقف جميع الخدمات البلدية فيها بصورة تامة، وتحولها إلى جيوب مكتظة ومهملة وفقيرة، يضطر سكانها لمكابدة معانيات جمة أثناء عبور حاجز قلنديا أو شعفاط كلما أرادوا الدخول إلى مدينتهم، وهي معاناة يومية بالنسبة للكثيرين منهم. وقد أدت كثافة وفوضى البناء وانعدام البنى التحتية والخدمات في هذه الأحياء إلى تحولها لمناطق على شفا كارثة إنسانية. فضلا عن ذلك فإن سكانها (المقدسيين) يعيشون منذ إقامة جدار الفصل في ظل هاجس خوف مستمر من إمكانية تنفيذ إسرائيل لنواياها بفصل هؤلاء السكان وأحيائهم نهائيا عن مدينة القدس.

المس بالحق في التعليم: على الرغم من واجب الدولة الإسرائيلية في توفير تعليم مجاني، إلا أن آلاف الأولاد من أبناء الفلسطينيين في القدس الشرقية يبقون في كل سنة خارج إطار جهاز التعليم. وقد أدى الإهمال المستمر لجهاز التعليم العربي في المدينة إلى نقص خطير في صفوف التدريس، وإلى ازدحام كبير في الصفوف القائمة والتي يقع الكثير منها في مبان غير ملائمة نهائيا للتعليم، وكذلك إلى نسب تسرب مرتفعة جدا، واضطرار آلاف الأسر إلى إرسال أبنائها للتعلم في مدارس خاصة، أو غير رسمية، تتطلب دفع أقساط تعليم باهظة جدا، وقد بلغت نسبة التسرب في التعليم فوق الابتدائي في القدس الشرقية حوالي 50% من مجموع التلاميذ، وهي نسبة لا نظير لها في أي مكان آخر داخل إسرائيل. هناك أيضا تمييز واسع وعميق في التمويل الإداري الجاري للمدارس الرسمية (العربية) في القدس الشرقية وكذلك في الكوادر البشرية المهنية.

كذلك هناك تمييز خطير في مجال خدمات الرفاه المقدمة لسكان القدس الشرقية، حيث يعاني جهاز الرفاه والخدمات الاجتماعية في المدينة من نقص شديد في الميزانيات، ومن تمييز مستمر بالمقارنة مع القدس الغربية، ومن ناحية عملية فإن هذا الجهاز يوشك على الانهيار، وعلى الرغم من نسب الفقر المريعة في صفوف المقدسيين (تزيد عن 78%) فإن خدمات الرفاه (الإسرائيلية) تعالج وترعى نسبة ضئيلة جدا من السكان المحتاجين لهذه الرعاية في القدس الشرقية، كما أن الكوادر المهنية المخصصة لهم تشكل نصف عدد الكوادر المطلوب، على الأقل بناء على حجم السكان وليس من حيث معدلات الفقر المرتفعة في صفوفهم.

هناك أيضا نقص عميق في البنى التحتية في القدس الشرقية، ووفقا لتقدير يستند على معطيات شركة المياه والمجاري في القدس (جيحون)، فإن أكثر من نصف السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية لا يحصلون على تزويد منتظم بمياه الشرب، كذلك يشير تقدير رسمي للشركة ذاتها إلى وجود نقص يبلغ حوالي 50 كم في خطوط المجاري في القدس الشرقية. هذا فضلا عن وجود نواقص وثغرات خطيرة في تزويد خدمات عامة أخرى للسكان كخدمات التشغيل والبريد وخدمات تسجيل السكان (إصدار وتجديد بطاقات الهوية وشهادات الميلاد... إلخ) التي تقدمها وزارة الداخلية الإسرائيلية، ويعاني السكان من إهمال وتمييز مريعين على هذا الصعيد.

 

تلخيص

 

ينبغي تفحص مكانة "الإقامة" في القدس الشرقية في سياق سياسي رحب، يكشف عن وجود سياسة خفية، لكنها منهجية وذات أهداف واضحة، وهي تعميق وإحكام السيطرة الإسرائيلية على المدينة ودفع سكانها الفلسطينيين للخروج والرحيل عنها.

وقد تعاملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1967 مع منطقة القدس الشرقية على أنها جزء من إسرائيل، ولكن دون أن تعامل بالمثل السكان الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، بل حددت مكانتهم بناء على قانون الدخول إلى إسرائيل كـ "مقيمين دائمين" لكن من دون إعطائهم مكانة مدنية أو مواطنة، وبالتالي فإنهم لا يتمتعون بأية حقوق سياسية سواء في دولة إسرائيل، أو أية دولة أخرى. وفي ظل غياب مكانة مدنية متساوية، فإن السكان الفلسطينيين المقدسيين يعيشون في صراع دائم حيال مصاعب تجسيد حقوقهم الاجتماعية، يعانون من تمييز خطير في نواحي ومجالات الحياة كافة، ويتعرضون لخرق سافر لأبسط حقوقهم الأساسية، وبضمن ذلك الحق في إقامة حياة عائلية. هذا الواقع يجعل حياة هؤلاء السكان غير محتملة، ويؤدي إلى إقصائهم إلى خارج القدس.

تلك هي خلاصة الوضع غير الديمقراطي المنحرف الذي نشأ في القدس الشرقية التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بأرضها من دون سكانها. هذا الحيز، حيز القدس الشرقية، الذي تنتهك فيه بصورة روتينية قيم أساسية للمجتمع الإسرائيلي، نشأ كوضع مؤقت في الظاهر، لكنه مستمر فعليا منذ 45 عاما.