*أحزاب "العمل" و"هتنوعا" و"يش عتيد" لا تطرح خطابا سياسيا يبعدها كثيرا عن جوهر خطاب اليمين *انتقاداتها لمشاريع الاستيطان كانت بسبب توقيتها وليس للمشاريع بحد ذاتها *الأحزاب الثلاثة لا ترفض مبدئيا المشاركة في حكومة نتنياهو *استطلاع يؤكد أن الجمهور الإسرائيلي يعطي أولوية لمسألة الصراع و"الأمن"*
*أحزاب "العمل" و"هتنوعا" و"يش عتيد" لا تطرح خطابا سياسيا يبعدها كثيرا عن جوهر خطاب اليمين *انتقاداتها لمشاريع الاستيطان كانت بسبب توقيتها وليس للمشاريع بحد ذاتها *الأحزاب الثلاثة لا ترفض مبدئيا المشاركة في حكومة نتنياهو *استطلاع يؤكد أن الجمهور الإسرائيلي يعطي أولوية لمسألة الصراع و"الأمن"*
رويدا رويدا، بدأ يرتسم المشهد البرلماني الإسرائيلي بعد الانتخابات المقبلة، وإذا لم تحدث تطورات من تلك القادرة على إحداث انقلاب في المعطيات، فإننا سنكون أمام تكتل يميني أكثر تراصا في الكنيست، وفي المقابل مع كتل برلمانية، بغالبيتها تسمي نفسها "وسطا"، وتسعى طوال الوقت للتنافر عن بعضها، فهي تتنافس على جمهور محدود، مليء بخيبات الأمل من كثرة الأحزاب التي ظهرت واختفت بسرعة هائلة، ولم تترك لها أي أثر، والأحزاب المعروضة عليه اليوم ليست بأحسن حال من سابقتها.
هل حقا يوجد وسط في إسرائيل؟
هذا سؤال يُطرح من حين الى آخر في إسرائيل، وخاصة في المواسم الانتخابية، إذ أن تسمية "الوسط" تطلقها إما وسائل الإعلام على كل حزب يكون أبعد قليلا من اليمين المتشدد، أو تطلقها الأحزاب على نفسها، في سعي للبحث عن جمهور مصوتينم كان يمنح أصواته سابقا لأحزاب محسوبة على "اليسار الصهيوني"، أو أنه جمهور يتسم أكثر بالاعتدال.
لكن على أرض الواقع وفي امتحان الممارسة، خاصة في العقد الأخير، فإنه لا وجود لسياسة "وسط"، إن كان على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، فكل الحكومات الإسرائيلية تكمل بعضها، مع فوارق طفيفة غير ملموسة، أو على المستوى السياسي، وفي النظرة لحل الصراع، إذ أن ما تطرحه الأحزاب التي تسمي نفسها "وسطا" لا يبتعد كثيرا عما يطرحه اليمين، فلم تكن حكومة واحدة من كل حكومات العقدين الأخيرين إلا وسرّعت مشاريع الاستيطان، ورفضت أسس الحد الأدنى لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكلما مرّت السنون كان الجنوح نحو اليمين أكثر، خاصة من تلك الأحزاب التي تدعي "الوسطية".
وربما أن ما يعكس حالة التخبط، وتشابك الخيوط السياسية ببعضها في الحلبة السياسية، هو نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه معهد "داحف" لصالح "معهد القدس للشؤون العامة والسياسة"، الذي يرأسه سفير إسرائيل الأسبق في الأمم المتحدة، ومستشار بنيامين نتنياهو الأسبق دوري غولد.
فقد بيّن الاستطلاع أن 67% ممن قرروا التصويت لأحزاب "الوسط" في إسرائيل يرفضون "التنازل عن القدس الموحدة"، كما أن 50% من المصوتين لأحزاب "الوسط" يرفضون الانسحاب من منطقة غور الأردن، وما هو ليس أقل أهمية من هذا أن 80% من مصوتي حزب "العمل" و62% من مصوتي حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) يرون أهمية في اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل بصفتها "دولة يهودية"، وحتى أن 50% من مصوتي حزب "العمل" و45% من مصوتي "يوجد مستقبل" يفضلون فرض "حدود آمنة" مع الفلسطينيين من جانب واحد، كبديل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وفي المقابل، فقد أظهر الاستطلاع أن أفكارا تعتبر في إسرائيل أنها من مواقف "الوسط"، تتغلغل داخل جمهور مصوتي أحزاب اليمين المتشدد، فقد تبين أن 22% من مصوتي تحالف "الليكود بيتنا" يفضلون إبرام اتفاق سلام على فرض "حدود آمنة" من جانب واحد، بينما يؤيد 35% من مصوتي هذا الحزب، و30% من مصوتي تكتل الأحزاب الاستيطانية "البيت اليهودي" إخلاء مستوطنات خارج الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة.
ويشير الاستطلاع إلى أن مسألة "الأمن" لا تزال تقف على رأس أولويات الناخب الإسرائيلي، إذ حصلت على نسبة 29%، تليها مسألة القضايا الاجتماعية بنسبة 26%.
أحزاب "الوسط" و"اليسار"
تتنافس في هذه الانتخابات أربعة أحزاب على جمهور واحد، ثلاثة منها (العمل، و"هتنوعا"، و"يش عتيد") تعتبر نفسها "وسطية"، والحزب الرابع (ميرتس) يعتبر نفسه "يساريا صهيونيا". والجمهور الأكبر لهذه الأحزاب يتركز في منطقة تل أبيب الكبرى، وتليها منطقة حيفا شمالا، في حين أن القوة المركزية لأحزاب اليمين، من تحالف "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" وتكتل المستوطنين، تتركز أساسا في محيط القدس المحتلة ومستوطنات الضفة الغربية، وفي نفس المنطقة تنافس الأحزاب الأصولية اليهودية، ولكن في داخل جمهورها الخاص.
وفي الأيام الأخيرة تزايد التنافس بين هذه الأحزاب خاصة في القضايا السياسية، التي تسعى رئيسة حزب "العمل" شيلي يحيموفيتش لتجنبها، إلا أن من قلبت الأوراق وشكلت حزبا جديدا بسرعة فائقة تسيبي ليفني، لم تترك لها مجالا للهروب، إذ أن ليفني تعطي أولوية للأجندة السياسية في حملتها الانتخابية.
وما أجج النقاش الساخن بين هذه الأحزاب كان الموقف من المشاريع الاستيطانية التي أعلنتها حكومة بنيامين نتنياهو في الأسبوعين الماضيين، كرد إسرائيلي على قرار الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، ولكن حتى في السجال الذي كان بين قادة هذه الأحزاب، لم يكن بالإمكان إيجاد فوارق جوهرية، تجعلها بعيدة كل البعد عن اليمين الذي يقود حاليا الحكومة.
بالنسبة لحزب "العمل"، برئاسة شيلي يحيموفيتش، والذي من المتوقع أن يحل ثانيا بعد حزب الليكود وحليفه "إسرائيل بيتنا"، فإن رئيسة الحزب لم ترفض المشاريع الاستيطانية، وقالت فقط إنها صدرت في توقيت غير ملائم استدعى إدانة دولية.
ويحيموفيتش ذاتها كانت قد قالت قبل أيام قليلة إنها ترفض تقليص ميزانيات الاستيطان والمستوطنات، طالما لم يتم حل الصراع، وهذا في الوقت الذي ترفض فيه يحيموفيتش طرح قضية الصراع في أجندتها الانتخابية. وعندما اضطرت إلى طرحها فعلت ذلك بضبابية، على طريقة أنها تؤيد استئناف المفاوضات وحسب.
وأكثر من هذا، فإن يحيموفيتش، التي كانت محسوبة على اليسار واعترفت أنها ذات مرّة وربما أكثر منحت صوتها لحزب يمثل أساسا الفلسطينيين في إسرائيل- "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"- ترى اليوم أن على إسرائيل أن لا تعطي أولوية في عملها لحل الصراع، وهي تقول إن على إسرائيل أن تعزز اقتصادها أولا، لأن الاقتصاد القوي، سيعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين.
"هتنوعا" (الحركة)، برئاسة تسيبي ليفني: ربما أن ليفني كانت صاحبة اللهجة الأكثر حدة في انتقادها لنتنياهو، ولكنها أيضا لم تعترض على المشاريع الاستيطانية، بل اعترضت على التوقيت، وهي تعتقد أن نتنياهو برفضه استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين يسبب ضررا لإسرائيل في الساحة الدولية، وهي دائما تذكّر بأن حكومة إيهود أولمرت، التي تولت فيها منصب وزيرة الخارجية، بنت ليس أقل مما بنته حكومة نتنياهو، ولكنها نجحت في إسكات العالم بالمفاوضات التي كانت دائرة مع الفلسطينيين.
وأكثر من هذا، فإن ليفني اهتمت أيضا أن تتجول في الكتلة الاستيطانية "غوش عتسيون" في اليوم التالي لانتقادها لنتنياهو، في رسالة واضحة لجمهور الناخبين في إسرائيل، بأنها لا تعترض على الاستيطان، بل تؤيده وتدعمه.
"يش عتيد" (يوجد مستقبل)، برئاسة يائير لبيد: هو أيضا هاجم نتنياهو بنفس نبرة ليفني، ولكن لبيد ذاته قرر أن يعلن عن برنامجه السياسي لحل الصراع في واحدة من أكبر مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، مستوطنة أريئيل، جنوب مدينة نابلس المحتلة، وبالذات من الكلية الأكاديمية، التي قررت حكومة بنيامين نتنياهو تحويلها الى جامعة، على الرغم من اعتراض العالم، وجامعات العالم، لكونها كلية تقع في قلب مستوطنة.
وكان لبيد يؤيد بث رسالة واضحة، تقول إنه يتمسك بالمستوطنات والكتل الاستيطانية، أيضا في إطار الحل الدائم.
لا يرفضون شراكة نتنياهو
الملفت أيضا في خطاب هذه الأحزاب الثلاثة ليس فقط أنها لا تطلق موقفا مغايرا في موضوع الاستيطان والمستوطنات، ولا تطرح برنامجا واضحا لشكل حل الصراع، على الأقل من وجهة نظر كل حزب، بل إن الأحزاب الثلاثة لا تقول صراحة إنها ترفض الشراكة في حكومة بنيامين نتنياهو.
ويطغى التلعثم على خطاب هذه الأحزاب في ما يتعلق بشكل مستقبل عملها البرلماني، فحزب "العمل" لم يكن حازما في رفض المشاركة في حكومة نتنياهو، وقالت رئيسته يحيموفيتش إن لديها شروطا، وهي ستحكم موقفها من مدى تلبية شروطها، أما شروطها فتتركز في السياسة الاقتصادية.
وكذا الأمر بالنسبة لليفني ولبيد، إذ قالت ليفني إنه ليس لديها اعتراض فوري على أي حكومة لا ترأسها هي، بينما لبيد كان تلميحه أقوى بنيته المشاركة في كل حكومة مستقبلية، وحتى أنه وضع لنفسه هدفا، وهو وزارة التربية والتعليم.
ويبقى السؤال: هل نتنياهو سيكون مستعدا لتشكيل ائتلاف يضم قسما أو كل هذه الأحزاب؟ وعلى الأغلب أن نتنياهو سيكون معنيا بذلك، ولكن ليس على حساب حلفائه الطبيعيين، وبالأساس تكتل أحزاب المستوطنين، "البيت اليهودي" المرشح ليحل ثالثا في الانتخابات المقبلة. كما يبقى السؤال في ما إذا سيكون نتنياهو مستعدا لاستبعاد الأصوليين الحريديم كي يستوعب هذه الأحزاب أو قسما منها؟، وهذا سؤال ستحسمه نتائج الانتخابات.
وعلى الرغم من صدور أصوات في داخل حزب "الليكود" وحتى من نواب محسوبين على المستوطنين، تنادي باستبعاد "الحريديم" من الحكومة المقبلة، إلا أن نتنياهو قد يرفض هذه الدعوات، وهذا لأن كتلتي "الحريديم" كانتا عنصرا قويا وثابتا في الائتلاف، ولم تخلقا زعزعات في حكومته.
البلبلة تعم جمهور الوسط
حينما انطلقت حملة الاحتجاجات الشعبية على غلاء مستوى المعيشة قبل نحو عام ونصف العام، كان هناك انطباع لدى بعض المحللين أن هذه الاحتجاجات ساهمت في ايقاظ قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي المحسوب على "الوسط" و"اليسار"، الذي أبعد نفسه عن المشاركة السياسية والمشاركة في الانتخابات في العقد الأخير.
وهذا الجمهور يعيش بمعظمه في منطقة تل أبيب الكبرى وشمالا، ولكن أداء الأحزاب الثلاثة، التي يلوح كل منها بحملة الاحتجاجات تلك، لا يقدّم على الأغلب الأجوبة التي يبحث عنها، وبالأساس في ملف الصراع الشرق أوسطي، وإذا كانت ليفني بطاقم مستشاريها قد عرفت مطالب هذا الجمهور، وقررت إعطاء أولوية لمسألة الصراع، فإنها حتى الآن لم تعرض برنامجا مقعنا يتعلق برؤيتها لشكل حل الصراع.
وهذا المشهد الحاصل سيُبقي هذا الجمهور في حالة بلبلة سياسية، كتلك التي يعيشها منذ سنوات. وكما يبدو فإنه لا يرى أن هذه الانتخابات ستقدم له الأجوبة، والمؤشر الأكبر لصحة هذا الاستنتاج سيكون نسبة المشاركة في الانتخابات، فهذه النسبة كانت في منطقة تل أبيب الكبرى الأدنى في الشارع اليهودي، وبالكاد تجاوزت الـ 52 بالمئة.