تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

أحزاب وحركات سياسية

*كل جهات الائتلاف والمعارضة أظهرت عدم رغبة في الانتخابات المبكرة وسارعت لدفع عملية قطع الطريق عليها *الانتخابات المبكرة كانت ستسجل خسارة لكل الأطراف بما فيها التي كانت ستزيد قوتها الحزبية*قوى سياسية واقتصادية تحرك حكومة نتنياهو سعت إلى منع الانتخابات المبكرة * حكومة واسعة لتسيير المصالح وإغلاق ملفات مشتعلة قبل الانتخابات المقبلة *هل سيكون الائتلاف الجديد مقدمة لإعادة الوحدة بين الليكود وكاديما؟*

 

*كل جهات الائتلاف والمعارضة أظهرت عدم رغبة في الانتخابات المبكرة وسارعت لدفع عملية قطع الطريق عليها *الانتخابات المبكرة كانت ستسجل خسارة لكل الأطراف بما فيها التي كانت ستزيد قوتها الحزبية*قوى سياسية واقتصادية تحرك حكومة نتنياهو سعت إلى منع الانتخابات المبكرة * حكومة واسعة لتسيير المصالح وإغلاق ملفات مشتعلة قبل الانتخابات المقبلة *هل سيكون الائتلاف الجديد مقدمة لإعادة الوحدة بين الليكود وكاديما؟*

 

 

أجمع المحللون والمراقبون والسياسيون في إسرائيل على أن الكنيست لم يشهد في سنواته الـ 64 الماضية مثل المناورة والأحداث التي شهدها في الأيام الأخيرة: مبادرة "مجهولة الهوية"- "لقيطة"- لحل الكنيست والتوجه إلى انتخابات، ثم وقبل دقائق من التصويت النهائي على حل الكنيست، يلتقي رئيس حزب المعارضة الأكبر برئيس الحكومة ليشكلا الحكومة الأوسع منذ حكومة العام 1988- 1990، وهذا ما عكس حالة التخبط في مواجهة الأسئلة التي طرحت أمام بنيامين نتنياهو في الأسابيع الأخيرة، وسعيه إلى حلها بأقل ضرر ممكن بالنسبة له.

 

تجدر الإشارة إلى أنه مع افتتاح الدورة الصيفية في اليوم الأخير من شهر نيسان الماضي، بات واضحا أن الكنيست يتجه إلى حل نفسه، ولكن السؤال الذي كان الأكثر انتشارا في أروقة الكنيست، وعلى مختلف المستويات السياسية والاستشارية والإدارية هو: من الذي يريد انتخابات كهذه، ومن هو المعني بها في هذه المرحلة؟ والجواب لهذا السؤال بقي مجهولا، فالكل يتهم الكل، وحتى عندما جرى الحديث عن تحديد موعد الانتخابات، أراد الائتلاف إجراءها في أسرع وقت، بينما المعارضة وبعض أطراف الائتلاف طلبت التأجيل قليلا لأسباب مختلفة.

 

وجاءت وفاة والد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مناسبة للتلكؤ في عملية إقرار حل الكنيست، ما أعطى فرصة زمنية للبحث عن مخارج، ولكن كانت الايام تمر، وفرص التراجع عن حل الكنيست تقل، فيما سرت شائعات تتحدث عن احتمال إيجاد صيغة لمنع الانتخابات، لكن الشائعات كانت تتحدث عن مفاوضات بين أطراف الائتلاف وليس عن توسيع الحكومة بحزب كاديما، وخاصة على ضوء تصعيد شاؤول موفاز رئيس كاديما لهجته ضد نتنياهو واصفًا إياه بأنه "كذاب"، و"لن أدخل إلى حكومته".

 

 

أسئلة ساخنة

 

منذ أن تكاثر الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة، كان يجري التركيز على ملفين ساخنين في أجندة الحكومة ينذران بتفجير الائتلاف، وهذا على الرغم من أن كل طرف في الائتلاف كان يبدي رغبته في إيجاد صيغة توافقية لواحد من هذين الملفين.

 

الملف الأول: هو الذي يحظى بشبه إجماع في الحكومة، ويتعلق بالبؤر الاستيطانية وكيفية التعامل مع قرارات المحكمة العليا القاضية بإخلاء بؤرة ميغرون، وإخلاء وهدم بيوت في بؤرتين أخريين، أهمهما حي "غفعات هأولبانا" الاستيطاني القريب من مستوطنة بيت إيل، في وسط الضفة.

 

والملف الثاني: هو انتهاء مفعول "قانون طال" الذي ينظم مسألة إعفاء الشبان اليهود الأصوليين (الحريديم) من الخدمة العسكرية، وحول هذا كان خلاف، إذ أن حزب "إسرائيل بيتنا" وخاصة صاحب القرار الأوحد فيه، أفيغدور ليبرمان، رأى في هذا الملف فرصة لكسب ورقة رابحة بيده للانتخابات المقبلة، ولهذا صعّد لهجته وقال إنه سيبادر إلى مشروع قانون يفرض الخدمة العسكرية على كل الشبان الأصوليين، في حين كان هناك ميل لدى نتنياهو وحزبه الليكود لإيجاد صيغة توافقية مع الأصوليين حول هذا الملف الساخن.

 

وهناك من وضع أسئلة أخرى، مثل مسألة التعامل مع إيران، وما يُعلن في إسرائيل عن نية حكومتها شن حرب على إيران، كما قيل إن نتنياهو يريد تنظيم وتعزيز ائتلافه قبل الانتخابات الأميركية المقبلة، تحسبا من فوز باراك أوباما بولاية ثانية، يمارس فيها ضغطا على حكومة إسرائيل.

 

وكان واضحا أن الاتجاه إلى انتخابات مبكرة لن يحل إشكالية هذين الملفين، بل سيتم نقلهما إلى الحكومة المقبلة، في الوقت الذي لم يكن أحد يعرف طبيعة الائتلاف المقبل.

 

 

 


في الاستطلاعات... الكل خاسر!

 

ربما أن عبارة "الكل خاسر" فيها شيء من المبالغة، ولكن القصد بـ "الكل" القوى المرشحة للحكم أو التي تدور في فلكه.

 

فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام المتتالية توافقا في المعطيات، فكلها أجمعت على أن القاعدة اليمينية المتشددة وفي مركزها حزب "الليكود" والتي حصلت في الانتخابات الماضية على 65 مقعدا من أصل 120 مقعدا، ستخسر ما بين مقعد إلى أربعة مقاعد، وهذا عدد مصيري، وفي وضع كهذا يصبح كل نائب في هذا الائتلاف "سلطانا".

 

وهذه النتيجة كانت الخسارة الاولى لحزب الليكود، الذي كان وفق الاستطلاعات سيزيد قوته البرلمانية من 3 إلى 4 مقاعد، بمعنى أنه في حالة كهذه، فإن نتنياهو سيتجه إلى تشكيل حكومة جديدة في موقع أضعف من الدورة الحالية.

 

كذلك فإن حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي أظهر في استطلاعات الرأي في الفترة السابقة ثباتا في قوته، 15 مقعدا، تبين أنه سيخسر بعضا من مقاعده، من مقعد واحد إلى أربعة مقاعد، وهذه بالنسبة لليبرمان ضربة معنوية، إذ كان سيهبط من خانة الحزب الثالث في الحلبة البرلمانية إلى الرابع والخامس.

 

وحال الخسارة كان من نصيب باقي أحزاب الائتلاف تقريبا، وخاصة حزب "شاس" الأصولي الشرقي، بسبب كثرة الحديث عن احتمال حدوث انشقاق فيه، يقوده من الخارج الوزير الأسبق آرييه درعي.

 

كذلك، فإن وزير الدفاع إيهود باراك كان سيختفي هو وحزبه "عتسماؤوت" عن الخريطة السياسية كليا.

 

وحال الخسائر كانت في المعارضة أيضا، فحزب كاديما كان مرشحا لخسارة نصف مقاعده الـ 28 وأكثر، ليهبط من الحزب الأول برلمانيا إلى المرتبة الثالثة وحتى الرابعة، في حين أن حزب "العمل" بقيادة شيلي يحيموفيتش، كان سيزيد قوته من 13 مقعدا في الانتخابات السابقة، وقبل الانشقاق، إلى نحو 18 مقعدا، ولكن هذا الفوز الذي يحتاجه كليا حزب العمل ليعود إلى المرتبة الثانية، سيضعه في خانه مربكة، فإما سيكون حزب ظل في حكومة نتنياهو المقبلة، أو سيكون حزبا "معارضا" أمام ائتلاف واسع.

 

ومن الخارج تبين أن هناك حزبا واحدا سيربح، وهو حزب الصحافي يائير لبيد، الذي منحته سلسلة استطلاعات الرأي بالمعدل 11 مقعدا، ولكن هذا حزب فقاعة صابون، تماما كما كان مع والده يوسف لبيد الذي أعاد في العام 1999 تشكيل حزب شينوي وحصل على 6 مقاعد، ملوحا بالملف العلماني، وليرتفع في العام 2003 إلى 15 مقعدا ويختفي كليا عن الساحة في انتخابات 2006، حينما لم يتجاوز نسبة الحسم 5ر2%.

 

أحداث يومين...

 

 

قبل يوم من حل الكنيست، أنهى نتنياهو أيام الحداد على والده، وتوجه في يوم الأحد 6 أيار الحالي إلى مؤتمر حزب الليكود، طالبا ثقته ليكون رئيسا مؤقتا لمؤتمر الحزب، كي يضع بيده صلاحيات تتعلق بشكل تركيب القائمة، وهناك تلقى إهانة من جناح المستوطنين والمتشددين، الذي عارضه تخوفا من أن يقرر ضمان مقاعد لإيهود باراك ووزرائه على لائحة الحزب، وكان هذا إنذارا أوليا بأن نتنياهو لن يكون بإمكانه السيطرة كليا على كل لائحة الحزب للانتخابات المقبلة.

 

في اليوم التالي، وكان يوم الاثنين، أقرت حكومة نتنياهو التقدم بمشروع قرار لحل الكنيست، وبالفعل في ساعات المساء بدأ التصويت عليه وعلى قرارات مشابهة قدمتها كل الكتل البرلمانية.

 

وخلال الساعات الأولى من البحث رفضت المحكمة العليا طلب حكومة نتنياهو تأجيل هدم أربعة مبان في مستوطنة بيت إيل، وبدأ نتنياهو يشعر بالضغط أكثر، وخاصة حينما سمع تقارير تتحدث عن أن الانتخابات ستجري على مشاهد هدم بيوت في المستوطنات، وهذا آخر شيء يتمناه في هذه المرحلة.

 

في تلك الساعات، وكما قرأنا في وسائل الإعلام، كانت الاتصالات تجري على قدم وساق بين نتنياهو وموفاز، منها المباشرة، ومنها عبر قنوات المستشارين وأعضاء كنيست، لتتفاجأ الحلبة السياسية، والأهم الحلبة الإعلامية، في الساعة الثانية والنصف قبل فجر يوم الثلاثاء، بالإعلان عن وقف مشروع حل الكنيست قبل وقت قليل جدا من عرضه على الهيئة العامة، بسبب الاتفاق بين نتنياهو وموفاز.

 

 

حسابات نتنياهو موفاز

 

 

كما ذكر، فإن نتنياهو أصلا لم يكن معنيا بانتخابات مبكرة، ولكن كما يبدو في مرحلة ما اعتقد أنها فرصة سانحة لتعزيز قوته، كما فعل سلفه في الحزب أريئيل شارون حينما بادر في نهاية العام 2002 إلى حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات مبكرة في مطلع العام 2003، وحقق فيها فوزا كبيرا وضاعف عدد مقاعد حزبه يومها.

 

ولكن الاستطلاعات المعلنة وغير المعلنة أظهرت لنتنياهو أنه سيخسر من قاعدته اليمينية المتشددة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه علم أن هذه الملفات الساخنة كانت ستنقل إلى حكومته الثالثة، لتبدأ عملها بأزمات، تجعلها حكومة قلاقل لن تعمر طويلا، خاصة وأن مركبات الحكومة التالية كانت ستكون أكثر تعقيدا من الحالية، بسبب كثرة الأحزاب الوسطية من حيث حجمها البرلماني، وكل حزب يريد لنفسه حقائب دسمة.

 

في المقابل فإن موفاز كان يعرف أن الانتخابات ستقوده إلى الهاوية، فحتى وإن كان وضعه الميداني مغايرا بعض الشيء لما تتنبأه استطلاعات الرأي إلا أن كثرة الاستطلاعات ستخلق انطباعا يفتح الابواب لقطاعات كبيرة من المصوتين للهرب من المركب الغارق الذي اسمه كاديما.

 

لقد واجه نتنياهو وموفاز الكثير من الانتقادات، واتهما بأنهما يتبعان سياسة غير نظيفة، وهناك من أراد تذكير الحلبة السياسية بما جرى في العام 1990 حينما حاول رئيس حزب العمل في حينه شمعون بيريس الانقلاب على رئيس حكومته رئيس الليكود في حينه إسحاق شمير، وأطلق على تلك المناورة اسم "المناورة النتنة".

 

لكن في قرارة نفوس المنتقدين كان هناك "فرح وسرور"، فهذا التحالف عاد بالربح على غالبية الشركاء وأيضا على المعارضة، فالشركاء تجنبوا انتخابات غير مرغوبة وغير مطلوبة أصلا، أما حزب العمل فقد وجد نفسه فجأة، بمقاعده الثمانية التي أبقاها باراك له، يتحول إلى حزب "المعارضة الأول".

 

الحسابات السياسية والاقتصادية

 

 

ليس من المبالغة القول إن الحسابات السياسية والاقتصادية هي الأساس لآخر التطورات في الحلبة الحزبية الإسرائيلية، وهي تشكل الجانب الحاسم، أكثر من الحسابات الشخصية، ولكنها المغيبة قصدا عن الواجهة، وحتى عن التحليلات، لأن أصحابها ليسوا معنيين بالظهور ويفضلون البقاء وراء كواليس الحكومة لدفع مصالحهم.

 

فعلى المستوى السياسي، تعتبر قوى اليمين المتشدد أن الحكومة الحالية هي الأفضل في تاريخ إسرائيل بالنسبة لها، وبشكل خاص من حيث الاستيطان، وفي العقدين الأخيرين هي الحكومة الأفضل التي غيبت بشكل شبه كلي ملف العملية التفاوضية، ولهذا فإن قوى اليمين لم تكن معنية بإنهاء ولاية هذه الحكومة قبل موعدها القانوني وتريد لها الاستمرار لإنهاء الكثير من المشاريع الاستيطانية.

 

والقوة الثانية، وهي القوة الخفية أكثر من غيرها، تتمثل في كبار أصحاب رأس المال والمسيطرين على الاقتصاد الإسرائيلي، فهذه القوة ساعدت على وصول نتنياهو إلى الحكومة في العام 2009، بسبب سياسته الاقتصادية الصقرية، وترى أن الاقتصاد الإسرائيلي حصين في وجه الأزمات الاقتصادية العالمية، كما حصل في أزمة العامين 2008- 2009، ومعطيات الاقتصاد الإسرائيلي جيدة نسبيا، مقارنة مع معطيات اقتصاد الدول المتطورة، من حيث نسب النمو والبطالة، والأهم الأرباح التي تحققها الشركات الكبرى.

 

وهذه القوة تعرف أن الدخول إلى أجواء انتخابات سيقود إلى حالة عدم استقرار سياسي، يقود إلى عدم استقرار اقتصادي، وخاصة إذا ما أقدمت الحكومة على خطوات لفك الحزام قليلا، وزيادة العجز في الميزانية العامة لإسكات الشرائح الوسطى على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي حذر منه محافظ بنك إسرائيل المركزي ستانلي فيشر.

 

في نفس الوقت رأت هذه القوة أن أي حالة عدم استقرار، ستقلل من حصانة الاقتصاد في وجه الأزمات الاقتصادية المتصاعدة في أوروبا، وكما يبدو فإن إسرائيل تتخوف من هذه الأزمات أكثر من الأزمة التي عصفت باقتصاد الولايات المتحدة، نظرا لتنوع وتشعب الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا.

 

ولهذا فإن هذه القوة على الأغلب لعبت دورا من وراء الكواليس لإقناع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعدم المغامرة في انتخابات مبكرة، يكون ثمنها حكومة أقل استقرارا من الحكومة الحالية، ويكون فيها شركاء جدد، يريدون كسب أوراق سياسية اجتماعية، على شكل إرضاء جزئي للشرائح الوسطى، وبعض الشرائح الفقيرة والضعيفة، على حساب سياسة اقتصادية محافظة.

 

 

حكومة واسعة

مرشحة لأن تتقلص

 

 

أخطأ نتنياهو حينما قال أمام الكنيست إنه بات يقود الائتلاف الأكبر في تاريخ الكنيست، إذ أنه بالفعل من أكبر الائتلافات، ولكن قبله كان الائتلاف بين حزبي الليكود والعمل من العام 1988 إلى 1990، وكان يرتكز على 97 نائبا، ويضم أحزابا دينية، في حين أن ائتلاف نتنياهو يضم اليوم 94 نائبا.

 

وأمام ائتلاف كهذا، فإن لنتنياهو حسابات أخرى، فأمامه اليوم فرصة إنهاء ملف تجنيد الأصوليين اليهود (الحريديم) بحلول وسطية، بعيدة عن دخول مواجهة صدامية مع جمهور الحريديم، بما يضر النسيج وحالة التعايش في داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل، الذي يتعايش مع سلسلة من الأزمات المرشحة للانفجار مستقبلا، خاصة في مسألة التعامل مع الحريديم، الذين من المتوقع أن يشكلوا بعد أقل من 20 عاما ما بين 33% إلى 35% من مجمل اليهود في إسرائيل، و27% من مجمل السكان.

 

ويريد نتنياهو بهذا، ومعه المؤسسة الحاكمة، والحركة الصهيونية، تجنب مسار الصدام الذي يريده أفيغدور ليبرمان، لاعتبارات سياسية، ولهذا فإن السيناريو المتوقع أن يتم التوصل إليه على الأغلب هو صيغة توافقية مع الحريديم، في عدة مسارات، مثل، اندماج تدريجي للحريديم في ما يسمى بـ "الخدمة المدنية"، وتوجيه مجموعات صغيرة للانخراط طوعا في الجيش، وعلينا أن نذكر أن عدد الشبان والشابات الحريديم الذين يبلغون سن الـ 18 في هذه السنوات، ما بين 18 ألفا إلى 20 ألفا، وفق التقديرات، وهذا العدد في تزايد مستمر بوتيرة عالية مع تقدم السنين.

 

وحل كهذا، من شأنه أن يدفع بحزب "إسرائيل بيتنا" إلى خارج الحكومة، إلا أن خروجا كهذا لن يؤثر على مستقبل الحكومة، لكن في هذه المسألة بالذات ستتداخل عدة عوامل تؤثر على مستقبل شراكة ليبرمان في الحكومة منها قضية لائحة الاتهام ضده، التي كما يبدو ستحسم بالتزامن مع التوصل إلى صيغة بشأن تجنيد الأصوليين.

 

وبطبيعة الحال فإن أجندة الحكومة لن ترتكز على بند واحد، فهذه الحكومة عليها بعد شهرين ونصف الشهر البت في العناوين العريضة للميزانية العامة للعام 2013، كما أنها أخذت على عاتقها إعداد مشروع لتغيير طريقة الانتخابات وأنظمة الحكم، وهذا مشروع شائك فيه الكثير من التعقيدات متعلقة أساسا بتعقيدات تركيبة المجتمع اليهودي في إسرائيل، في حال تم طرح فكرة انتخابات جزئية إقليمية ورفع نسبة الحسم، لأن المتضرر من أنظمة كهذه لن يكون العرب في إسرائيل وحدهم.

 

أما من حيث ملف العملية التفاوضية، فقد قال شاؤول موفاز في المؤتمر الصحافي المشترك مع نتنياهو، وبصيغة حذرة: هذه الحكومة ستحاول دفع العملية التفاوضية، بمعنى أنه لم يطرح أفكارا جديدة تشجع على استئناف المفاوضات، ولهذا فإن المتوقع من حكومة كهذه الحفاظ على الوضع القائم، بمعنى حالة الجمود.

 

في المقابل يظهر حديث عن أن ائتلافا كهذا سيمنح نتنياهو حرية حركة أكثر من أي وقت سابق بشأن التعامل مع إيران، وحتى هناك من راح يفترض أن نتنياهو سيستغل الائتلاف الواسع من جهة، وانشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الأميركية، لشن هجوم على إيران، ولكن احتمالات أن تنشط إسرائيل عسكريا ضد إيران بشكل منفرد ضعيفة، نظرا للأوضاع العالمية وحاجة إسرائيل للأخذ بالحسبان مسألة رد الفعل ومواجهته.

 

 

خمول برلماني

ومستقبل كاديما

 

 

أمام قاعدة ائتلافية كهذه، فإن العمل البرلماني سيتلقى ضربة جديدة، إذ أن المعارضة المؤلفة من 26 مقعدا، منها أربعة مقاعد تدور في فلك الحكومة (الاتحاد الوطني)، ستكون أضعف ما يمكن لتحريك شيء، فأصلا المقاعد الـ 22 الأخرى منقسمة بالتساوي بين حزبي العمل وميرتس من جهة، والكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل من جهة أخرى، وبين أطراف هذه المعارضة هناك تناقضات واختلافات تساهم أكثر في ضعف المعارضة أمام الائتلاف.

 

مع ذلك فإن الائتلاف مرشح لبعض مشاهد التمرد، وليس فقط خروج حزب "إسرائيل بيتنا" من الحكومة، بل نحن نشهد بعض حالات التمرد في حزب كاديما، وحتى الآن جرى الحديث عن خمسة نواب من أصل 28 نائبا، جاهروا بمعارضتهم لانضمام حزبهم للحكومة.

 

وكان أكثرهم جرأة النائب طيفاييف، وهو من المهاجرين الجدد، الذي قال من على منصة الكنيست إنه يرفض هذا الائتلاف، ولهذا سيغادر القاعة ولن يصوت مؤيدا، على الرغم من أنه لم يكن تصويت امتناع في كاديما في قاعة الهيئة العامة للكنيست، إلا أننا سمعنا ثلاثة نواب آخرين بعد يومين من التصويت في الكنيست، يجاهرون بمعارضتهم، والنائبة الخامسة تحدثت عنها الصحافة الإسرائيلية وهي أوريت زوارتس.

 

وقد عقد في تل أبيب لقاء بين مجموعة من النواب الحاليين من عدة كتل، وشخصيات سياسية سابقة، من تلك المحسوبة على اليسار الصهيوني، وشارك في اللقاء ثلاثة من نواب كاديما، وهم نينو أبسيزادا وشلومو مولا، وهما معروفان بمواقفهما المعتدلة والمؤيدة للعملية التفاوضية، ويوئيل حسون، الذي كان حتى قبل سبع سنوات قائد شبيبة حزب الليكود، وعُرف بمواقفه اليمينية، إلا أنه عرض مواقف معتدلة فاجأت الكثير من الحاضرين.

 

وحذرت النائبة أبسيزادا من معسكر اليمين المتطرف، ودعت إلى لجمه، وعدم الانصياع إلى نواب مستوطنين متطرفين، مشددة على ضرورة دفع العملية التفاوضية.

 

أما النائب مولا، وهو من المهاجرين الأثيوبيين، ونجح في السنوات الأخيرة في اثبات شخصيته السياسية التي باتت الأكثر شعبية بين الأثيوبيين، فقال: لا يمكن فعل أي شيء في هذه الحكومة، لأن كل الميزانيات تتدفق على المستوطنات والاستيطان. وأضاف: حينما نطالب بتحويل ميزانيات لأطفال في ضائقة يقولون لنا لا توجد ميزانيات، ولكن من أجل بناء بؤرة استيطانية قرب مدينة نابلس المحتلة فإنهم يجدون الأموال.

 

أما النائب يوئيل حسون، الذي ذكرنا أنه فاجأ الحضور بمواقفه، فقد وجه انتقادا واضحا لنهج اليسار الصهيوني، الذي تمسك بحملة الاحتجاجات الشعبية بسبب غلاء المعيشة، وغيّب الاهتمام بعملية السلام، وقال إن دفع عملية السلام أهم من سعر "جبنة الكوتيج" وهي من الأجبان الغالية الثمن، ومن نصيب الشرائح الميسورة.

 

وتعزز هذه التصريحات الأنباء التي ظهرت في الأيام الأخيرة حول احتمال حدوث انشقاق في حزب كاديما تقوده رئيسة الحزب السابقة تسيبي ليفني، ومعها رئيس المجلس المركزي للحزب حاييم رامون، الذي استقال من منصبه بعد يوم من انضمام كاديما للحكومة، ومعهما شخصيات أخرى، وأعضاء كنيست.

 

وأمام وضع كهذا، جرى في الأيام الأخيرة حديث عن سعي حزب الليكود الحاكم إلى الغاء قانون بادر له قبل ثلاث سنوات من أجل إفساح المجال لشاؤول موفاز في حينه بالانشقاق عن حزبه والانضمام إلى حكومة نتنياهو، وكما يبدو يتخوف نتنياهو اليوم من أن ما "طبخه" في حينه لتسيبي ليفني، سيذوق طعمه موفاز ذاته. ومن السابق لأوانه الحديث عن انشقاق في حزب كاديما ولكن قد نشهد حالات تمرد في داخل الكتلة.

 

في المقابل، فإن ثمة سيناريو جديدا علينا أن نأخذه بعين الاعتبار، وهو احتمال انتهاء الدورة الثامنة عشرة للكنيست، بإعادة الوحدة بين حزبي الليكود وكاديما، ليظهر من جديد في إسرائيل الحزب القوي الذي يجرف ما بين 35% إلى 40% من مقاعد البرلمان، وهو مشهد لم يعرفه الكنيست منذ العام 1992. وهذا سيناريو يبقى مطروحا.

 

أخيرًا، على الرغم من أننا أمام أكبر ائتلاف حاكم منذ 22 عاما، من المتوقع أن تكون هذه الحكومة حكومة تسيير مصالح، وحكومة إغلاق ملفات قبل الانتخابات المقبلة، وذلك كي لا تشعل أجندة الحكومة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة، وتجعلها حكومة قلاقل منذ يومها الأول.