تقرير جدير لمركز "كيشف": تفاقم التهديدات لحرية الصحافة في إسرائيل خلال العام الأخير

أحزاب وحركات سياسية

*كي تجري انتخابات مبكرة يجب أن تكون هناك عوامل ملموسة على الأرض مثل أزمات سياسية أو عجز في عمل الحكومة أو رغبة في إعادة ترتيب الأوراق ونحن لا نرى مثل هذا على الساحة *كيف سقطت حكومات العقدين الأخيرين؟*الأزمة ليست في الائتلاف وإنما في المعارضة*

 

*كي تجري انتخابات مبكرة يجب أن تكون هناك عوامل ملموسة على الأرض مثل أزمات سياسية أو عجز في عمل الحكومة أو رغبة في إعادة ترتيب الأوراق ونحن لا نرى مثل هذا على الساحة *كيف سقطت حكومات العقدين الأخيرين؟*الأزمة ليست في الائتلاف وإنما في المعارضة*

 

 

يكثر الحديث في الأيام الأخيرة في إسرائيل عن احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهذا ينتشر في الحلبتين السياسية والإعلامية الإسرائيلية، ومنها في الإعلام العالمي، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن هذه الانتخابات لن تجري هذا العام على الأقل، وعلى الأغلب ستجري في موعدها الرسمي في العام 2013، إذ أن الوضع القائم يخدم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود وكافة أطراف الائتلاف اليميني المتشدد.

 

وكان الحديث عن انتخابات مبكرة قد بدأ لدى إعلان نتنياهو عن تقديم موعد الانتخابات الداخلية في حزب "الليكود" لمنصب رئيس الحزب، وكانت تلك خطوة محض حزبية داخلية، وقائمة على حسابات نتنياهو الضيقة، الذي يسعى إلى أغلبية تفوق نسبة 80% من عشرات آلاف أعضاء الحزب، ويلغي كليا أي احتمال لأي شخصية أخرى لمنافسته ضمن منافسة جدية.

ولكن الهدف الآخر لنتنياهو كان خلق أزمة وبلبلة في حزب "كاديما" المعارض، بعد أن لمس هناك حالة تململ في قيادة الحزب من تأجيل موعد انتخابات رئاسة الحزب، وقد نجح نتنياهو بهذا، حينما اضطرت رئيسة "كاديما" تسيبي ليفني، لتعيين موعد انتخابات بعد شهرين أو ثلاثة.

 

صحيح أنه منذ العام 1988 لم تجر أية انتخابات إسرائيلية في موعدها الرسمي، بل كلها جرت كانتخابات مبكرة، وصحيح أنه منذ العام 1996 لم يتعد عمر جميع الحكومات الإسرائيلية ثلاث سنوات بدلا من أربع سنوات، وكذا الدورات البرلمانية، ولكن كل واحدة من الجولات الانتخابية التي جرت في العقدين الماضيين، سبقتها أزمات سياسية شلت عمل الحكومة، وخلقت أجواء تدفع نحو انتخابات مبكرة، وهذا ما هو مفصل لاحقا هنا، في حين أننا لا نلمس أية أزمة سياسية من هذا المستوى في إسرائيل، لا على المستوى السياسي العام، ولا على المستوى الحزبي الداخلي إن كان للحزب الحاكم، أو في كافة الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحاكم، لا بل إن أزمات كهذه تعيشها حاليا عدة أحزاب معارضة.

 

أضف إلى هذا أن كل استطلاعات الرأي العام التي ظهرت في الأشهر الأخيرة أشارت إلى أن اليمين المتشدد الحاكم حاليا سيحظى مجتمعا تقريبا بنفس عدد المقاعد البرلمانية التي يسيطر عليها في هذه المرحلة، أي في حدود 66 مقعدا من أصل 120 مقعدا، والمتغير الأبرز في هذه الاستطلاعات، نجده في صفوف المعارضة المتنوعة، التي سيتزايد عدد أحزابها، ولكن هذه الأحزاب ستتقاسم نفس عدد المقاعد التي تسيطر عليها المعارضة اليوم.

 

لذا، فإن نتنياهو ومعه أحزاب الائتلاف وقادتها، لا يجدون أي سبب يقنعهم بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، خاصة وأنه ائتلاف حاكم متماسك بشكل لم تشهده إسرائيل منذ العام 1988، وحتى أنه يحظى بدعم من صفوف المعارضة، إن كان من إحدى كتلتي المستوطنين، أو من خلال بعض نواب حزب "كاديما" المعارض.

 

أكثر من هذا، فإن نتنياهو يجد أن سياسته العامة تطبق بشكل "انسيابي"، إن كان على المستوى السياسي العام في قضية الصراع، أو على مستوى السياسة الاقتصادية، وتصعيد السياسة العنصرية ضد العرب وتلك المناهضة لأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا من دون أية معارضة إسرائيلية حقيقية على الأرض، ومعها تواطؤ الجهاز القضائي مع قرارات الحكومة والكنيست، وفوق كل هذا في ظل غياب أي ضغوط دولية تدفع نتنياهو لقلب السياسة القائمة.

 

كيف سقطت حكومات

العقدين الأخيرين؟

 

 

في مراجعتنا لأسباب وعوامل سقوط الحكومات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين سنرى سلسلة من الأزمات السياسية على صعد مختلفة، سبقت سقوط كل حكومة، وهي عوامل لا نراها ولا نلمسها في أوضاع حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.

 

وفي ما يلي استعراض موجز لهذه الحقبة الزمنية من السياسة الإسرائيلية.

 

حكومة شامير 1988- 1992: سقطت حكومة إسحق شامير، وقرر الكنيست في نهاية العام 1991 التوجه إلى انتخابات مبكرة، جرت في شهر حزيران 1992، بعد أن عصفت بالحكومة سلسلة من الأزمات السياسية، كان أبرزها انسحاب حزب "العمل" من حكومة الليكود بزعامة شامير في العام 1990، على خلفية تفاقم الأزمة السياسية التي أحدثتها انتفاضة الحجر الفلسطينية، ومحاصرة إسرائيل دبلوماسيا في الغالبية الساحقة من دول العالم، وترافق هذا مع الضغط المتصاعد من الشارع الإسرائيلي طالبا حل الصراع.

 

ولم يسعف شامير تشكيل حكومة بديلة ترتكز على أحزاب اليمين المتشدد والأحزاب الدينية الأصولية، لأنه واجه حينها ضغوطا دوليا، وبشكل خاص من الولايات المتحدة، التي أجبرتها التطورات الدولية المتلاحقة على الضغط على حكومة إسرائيل كي تشارك في مؤتمر دولي للسلام جرى في نهاية تشرين الأول 1991، ولكن حكومة شامير لم تساهم في تقدم العملية التفاوضية مع الدول العربية، وهذا ما جعل الضغوط الداخلية والخارجية تتصاعد حتى حل الحكومة والكنيست والتوجه إلى انتخابات برلمانية، فاز بها حزب "العمل" الإسرائيلي بزعامة إسحق رابين.

 

انتخابات 1996: شكل رابين في العام 1992 ائتلافا هشا يستند إلى نواب عرب، ورغم ذلك قاد حكومته نحو مفاوضات أوسلو وأبرم اتفاقيات مع دول عربية، وكان الائتلاف في حالة ضعضعة على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وفي خريف العام 1995 ساهم اغتيال رابين على يد إرهابي يهودي في زيادة ضعضعة الائتلاف، وزاد على ذلك رئيس الحكومة الجديد شمعون بيريس، الذي قاد تصعيدا عسكريا ضد لبنان والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أعاد العمليات التفجيرية، التي أعادت الشارع الإسرائيلي سنوات إلى الوراء، وجرت انتخابات في أيار 1996، وأسفرت عن فوز بنيامين نتنياهو وحزب الليكود.

 

انتخابات 1999: على الرغم من أن نتنياهو ارتكز في حكومته على أحزاب اليمين، ألا أن اضطراره الاستمرار في العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، وإبرام اتفاق الخليل، أفقده ثقة اليمين المتشدد، الذي بدأ يتمرد عليه في حكومته، وسرع هذا في تفكك حكومته، وبموازاة ذلك كانت هناك الضغوط السياسية التي مارستها الإدارة الأميركية برئاسة بيل كلينتون، والضغوط الدولية على نتنياهو لدفع العملية التفاوضية مع الفلسطينيين، وهذا ما قاد إلى حل الحكومة في مطلع العام 1999 والتوجه إلى انتخابات برلمانية في نهاية أيار 1999، فاز بها إيهود باراك وحزب "العمل".

 

انتخابات 2001 و2003: شكل إيهود باراك ائتلافا ليس منسجما إطلاقا، يرتكز إلى أحزاب وسط، وأحزاب دينية أصولية، ولكن في نفس الوقت كان واضحا أن باراك يحمل في أجندته الخفية نوايا تفجير العملية التفاوضية، على المسارين الفلسطيني والسوري، وهذا ما تم خلال العام 2000، وقادت سياسة باراك إلى تفجير كل الأوضاع مع الجانب الفلسطيني، وبعد تهلهل حكومته في صيف العام 2000، خاض عدوانا شاملا على الضفة الغربية وقطاع غزة، حينما كان في حكومة أقلية، وقرر الكنيست التوجه إلى انتخابات منفردة لرئاسة الحكومة في 2001، فاز بها أريئيل شارون بأغلبية كبيرة.

 

لكن شارون تولى رئاسة الحكومة في شهر شباط 2001 على رأس حزب الليكود الذي لم يكن له سوى 19 مقعدا، في ظل تركيبة الكنيست، التي طغت عليها حالة التشرذم وكثرة الكتل البرلمانية الوسطية من حيث الحجم، وهذا ما جعله يشكل حكومة تطغى عليها أيضا حالة عدم الانسجام، وبعد أكثر من عام انسحب حزب "العمل" منها، وهذه الأوضاع قادت شارون للإسراع في تعيين موعد للانتخابات في الشهر الأول من العام 2003، وأعادت شارون إلى رئاسة الحكومة بقوة مضاعفة لحزب الليكود.

 

انتخابات 2006: تولى شارون حكومة واسعة في العام 2003، وبدا للوهلة الأولى وكأنها أكثر ثباتا من سابقاتها، إلا أن شارون اختار ولوج مسار بعيد المدى بالنسبة لإسرائيل يتخلص كليا من المفاوضات وحل الدولة الفلسطينية، فاتجه إلى خطة تفكيك مستوطنات قطاع غزة، ومحاصرة القطاع من الخارج، كخطوة أولى ضمن مشروع استراتيجي أوسع، يشمل الضفة الغربية المحتلة، ولكن هناك كانت الخطة تقضي بفرض حدود من جانب واحد من خلال جدار الفصل العنصري.

 

وعلى الرغم من خفايا خطة شارون الخطيرة على مستقبل حل الصراع، إلا أنها لم تقنع فئة واسعة من نواب اليمين، وعلى مدى أكثر من عام شهد حالة تمرد في داخل حكومته وحزب الليكود، ما دفع شارون إلى الانشقاق عن الحزب الذي يرأسه، وشكّل في تشرين الثاني 2005 حزب "كاديما"، ليقرر بالتزامن التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة جرت في نهاية شهر آذار 2006، ولكن سقوط شارون في غيبوبة تامة في ليلة الرابع/ الخامس من كانون الثاني 2006، قطعت هذه المبادرة، ليحل محله إيهود أولمرت، الذي قاد حزب "كاديما" في انتخابات 2006 وفاز بها.

 

انتخابات 2009: شكل أولمرت حكومة بالشراكة مع حزب "العمل" بزعامة عمير بيرتس، إلا أن أوساطا واسعة في المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة لم تكن على قناعة بزعامة كل من أولمرت وبيرتس، اللذين قادا حكومة مليئة بالتناقضات، وأظهرت هشاشة في سيطرتها على الكنيست وتطبيق السياسة العامة، وقد أدت الحرب على لبنان للإطاحة ببيرتس عن زعامة حزب "العمل"، الذي عاد إليه إيهود باراك، وكان ذلك في مطلع صيف العام 2007، ولكن لم تمر 10 أشهر، أي في ربيع العام 2008، حتى تفجرت سلسلة قضايا فساد ضد أولمرت، أجبرته على الاستقالة من منصبه في شهر أيلول من نفس العام، ولم يكن بإمكان خليفته تسيبي ليفني تشكيل حكومة بديلة، لتجري الانتخابات في الثامن من شهر شباط من العام 2009.

 

لا أزمات شبيهة

في حكومة نتنياهو

 

 

إذا راقبنا شكل عمل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية وتماسك الائتلاف الحاكم فيها، والذي يحظى أيضا بدعم من عدد من نواب المعارضة اليمينية، سنعرف تماما أن هذه الحكومة أبعد ما تكون حاليا عن أزمات عاصفة تضرب بها، وحتى إن غابت هذه الأزمات، فأيضا لا يشعر نتنياهو بأن انتخابات برلمانية ستحقق له عدد مقاعد أكبر بكثير مما لديه اليوم، كما كانت حسابات أريئيل شارون في نهاية العام 2002.

 

فقد بيّن استطلاعان لصحيفتي "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" أن حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو سيحافظ على قوته البرلمانية، التي هي اليوم 27 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست، إذ حسب "معاريف" فإنه سيحافظ على هذا العدد، فيما منحته "يديعوت أحرونوت" مقعدا إضافيا، ونتيجة هذين الاستطلاعين شبيهة بنتائج سلسلة الاستطلاعات التي جرت في الأشهر الأخيرة.

 

كما توافق الاستطلاعان على أن حزب "كاديما" المعارض، بزعامة ليفني، سيتلقى ضربة قاصمة، جراء المنافسات الجديدة التي أعلن عنها للتو، وبحسب "يديعوت أحرونوت" فإن "كاديما" سيهبط من 28 مقعدا اليوم إلى 13 مقعدا، أما "معاريف" فقالت إن الحزب سيهبط إلى 15 مقعدا، وفي الحالتين سيخسر المكانة الأولى وحتى الثانية من بين الكتل البرلمانية، تارة لصالح حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي سيحافظ تقريبا على قوته، 15 مقعدا، وتارة أخرى لصالح حزب "العمل" بزعامة النائبة شيلي يحيموفيتش.

 

وبحسب الاستطلاعين فإن حزب "العمل" سيعود إلى قوته البرلمانية قبل الانشقاق الذي بادر له قبل نحو عام رئيس الحزب السابق ووزير الدفاع إيهود باراك، ليحصل على 13 مقعدا، وفق "يديعوت أحرونوت"، و18 مقعدا وفق "معاريف"، أما حزب باراك "عتسماؤوت" فإنه سيختفي عن الساحة السياسية.

 

وأجري هذان الاستطلاعان في نفس اليوم الذي أعلن فيه رسميا الصحافي الإسرائيلي يائير لبيد استقالته من القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، وخوضه السياسة على رأس حزب جديد سيشكله، وراحت التوقعات تتحدث عن أن لبيد سيقتنص أصوات الجيل الشاب ومن اليسار والوسط، وفي ظل أجواء الضجة الإعلامية، ورغم أن الخطوة متوقعة من قبل، فقد أغدق عليه الاستطلاعان كما كبيرا من المقاعد، فقد منحه استطلاع "يديعوت أحرونوت" 11 مقعدا، و"معاريف" 12 مقعدا.

 

ولبيد هو نجل الصحافي والسياسي الراحل يوسف لبيد، الذي ترأس كتلة برلمانية في العامين 1999 و2003، وفي الثانية كانت كتلته العلمانية المتشددة في محاربتها لسطوة الأحزاب الدينية، تضم 15 نائبا، وتتوقع استطلاعات الرأي أن يكون عدد المقاعد الأكبر من مقاعد يائير لبيد مقتطعا من حزب "كاديما"، ولكن من الضروري الإشارة إلى أن هذه نتيجة لحماسة إعلامية وشعبية، ومن السابق لأوانه حسم مصير هذا الحزب المعلن الجديد.

 

أما بالنسبة لتوزيع باقي المقاعد، فقد رأى الاستطلاعان أن الكتلتين الدينيتين الأصوليتين، "شاس" و"يهدوت هتوراة"، ستحافظان على عدد مقاعدهما، 17 مقعدا معا، وفي حال شكّل الوزير الأسبق آرييه درعي حزبا جديدا، فإنه سيتقاسم المقاعد معهما، ولكن في المحصلة ستبقى النتيجة واحدة، والحال ذاته لكتلتي عصابات المستوطنين إذ ستحافظان هما أيضا على المقاعد السبعة التي بحوزتهما، وأيضا كتلة "ميرتس" اليسارية الصهيونية التي لها 3 مقاعد، وقد تزيد بمقعد آخر.

 

ويشير الاستطلاعان إلى أن قوة الكتل الثلاث التي تمثل الفلسطينيين في إسرائيل ستحافظ على حالها في حدود 11 مقعدا، مجتمعة.

 

 

أقطاب الائتلاف ليسوا

معنيين بحل الحكومة

 

 

لا يعتبر نتنياهو وحده غير المعني حاليا بحل الحكومة، بل هذه هي أيضا رغبة باقي أقطاب الائتلاف الحاكم، كل واحد منهم لأسبابه الشخصية والحزبية.

 

أفيغدور ليبرمان:

 

يُعتبر ليبرمان الشخص الأقوى من بين أحزاب الائتلاف الحاكم بعد الليكود، فهو صاحب الكتلة البرلمانية الثانية في الائتلاف الحاكم بعد حزب الليكود، ولديه 15 مقعدا في الكنيست، من بينهم خمسة وزراء ونائب وزير واحد، وتتولى رئاسة ثلاث لجان برلمانية، وهي كتلة متماسكة كليا خلافا للدورات البرلمانية السابقة، وقد فرض ليبرمان هيمنته على تشكيل الحكومة حتى قبل تشكيلها، إذ ضمن لنفسه وزارات تطبيق القانون، وخاصة وزارة الأمن الداخلي (الشرطة) فيما اشترط موافقته على تعيين وزير العدل، وهذا ليس صدفة، لأن ليبرمان متورط بقضايا فساد خطيرة.

 

كذلك، فإن حزبه يسيطر على لجنة القانون والدستور البرلمانية المسؤولة عن سن غالبية القوانين، إضافة إلى أن مندوبا عن حزبه عضو في لجنة تعيين القضاة.

 

وسياسة الحكومة العامة تنسجم انسجاما تاما مع برنامج ليبرمان السياسي، إن كان على مستوى سياسة رفض حل الصراع وتشجيع الاستيطان، وسن قوانين عنصرية تستهدف العرب، وأيضا حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية.

 

وفوق كل هذا، يعرف ليبرمان أن عضويته في الحكومة تحاصر مسار محاكمته، فمثلا في اليوم الأول لحكومة بنيامين نتنياهو في مطلع شهر نيسان 2009، جرى الحديث عن تقديم لائحة اتهام خطيرة ضد ليبرمان، ولكن توصية الشرطة التي كان من المفروض أن تصدر في شهر أيار 2009، جاءت في شهر آب 2010، وليس صدفة أيضا، أن المستشار القضائي للحكومة صادق على توصية الشرطة بعد عام كامل، وأيضا شطب منها بعض البنود، بدلا من الرد على الشرطة خلال شهور قليلة.

 

وفي إطار المماطلة التي بات من الواضح أنها ليست صدفة، فإن جلسة الاستماع التي هي من امتيازات السياسيين وذوي المسؤوليات الكبيرة في المؤسسة الإسرائيلية، والتي كان من المفروض أن تجري في الشهر الماضي جرت في الشهر الجاري، ولكن القرار النهائي للمستشار القضائي للحكومة بشأن تقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان لن يكون قبل أواخر العام الجاري، أي أن المماطلة تهدف إلى الاقتراب أكثر ما يمكن من موعد الانتخابات البرلمانية القانوني.

 

لكن حتى لو قرر المستشار القضائي للحكومة بشكل نهائي تقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان في غضون أشهر، مثلا حتى الصيف المقبل، فإنه ليس من مصلحة ليبرمان الخروج من الائتلاف الحاكم، كي لا يحرض الحلبة السياسية ووسائل الإعلام ضده، كذلك فإن بقاء حزبه في الائتلاف الحاكم يعني أنه سيستمر في إمساك خيوط الحكومة كما هي الحال اليوم.

 

وليبرمان كنتنياهو يقرأ هو أيضا أن استطلاعات الرأي تمنحه نفس عدد المقاعد البرلمانية تقريبا، فيما لو جرت الانتخابات في هذه الأيام، ولذا فإن لا يرى ضرورة لخوض مغامرة انتخابية لن تزيده شيئا.

 

إيهود باراك:

 

كما يبدو فإن نتنياهو يعترف في قرارة نفسه أن الفضل الأكبر لثبات حكومته يعود إلى وزير الدفاع إيهود باراك، فهو الذي أقنع حزب "العمل" بالانضمام إلى حكومة نتنياهو منذ يومها الأول، وهو الذي واجه الغالبية في الحزب، رافضا الخروج من الحكومة، ومن أجل البقاء فيها قاد انشقاقا في الحزب الذي كان يرأسه، وشكل كتلة من خمسة نواب، أربعة وزراء من بينهم، وهي الكتلة التي حافظت على أغلبية ثابتة لحكومة نتنياهو، وساهمت في تثبيت هذه الحكومة أكثر حتى انتهاء موعدها القانوني.

 

ولم يبادر باراك لكل هذا بدوافع مصلحة شخصية، وإنما كان تعبيرا عن قناعات سياسية تتملكه حتى عندما كان رئيسا لحزب "العمل" في النصف الثاني من سنوات التسعين، وقد عبر عن هذه القناعات بسياسات مختلفة، نذكر منها، مثلا، أن حكومته في العام 1999 وحتى نهاية العام 2000، أقرت وطبقت أكبر عدد من المشاريع الاستيطانية في تلك الفترة، وفقط حكومة إيهود أولمرت تجاوزت الذروة التي سجلها باراك في حينه، وهو يواصل سياسة الاستيطان من منصبه الحالي وزيرا للدفاع.

 

لكن مقابل كل هذا، يجد باراك نفسه في استطلاعات الرأي خارج الحلبة السياسية كليا، فحزبه لا يصل حتى إلى نسبة الحسم في حال خوضه الانتخابات ضمن قائمة مستقلة، ولهذا فإن نتنياهو يريد من جهة أن يرد الجميل لباراك، ولكن من جهة أخرى، فإنه يرى باستمرار باراك إلى جانبه في أي حكومة مقبلة بمثابة صمام أمان للجم الشخصية العسكرية القوية في حزب "الليكود" موشيه يعلون، رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق، الذي يرى نفسه أحق من باراك وغيره بمنصب وزير الدفاع، في حين أن الانطباع السائد هو أن المؤسسة الأمنية والعسكرية تفضل هي أيضا استمرار باراك في منصبه، نظرا لدوره في التعبير عن رأي المؤسسة في دوائر القرار السياسي.

 

ولهذا، أعلن في الأيام الأخيرة أن نتنياهو قرر التوجه إلى مؤتمر حزب الليكود في الأسابيع المقبلة بطلب إجراء تعديل على شكل انتخاب لائحة الحزب للانتخابات البرلمانية، ما يضمن عمليا ضم باراك إلى لائحة الليكود من دون أن يخوض انتخابات داخلية في الحزب، ويواجه نتنياهو معارضة ولكن كما يبدو سيحظى بأغلبية.

 

ويطلب نتنياهو من حزبه أن يمنح رئيس الحزب حق تعيين مرشح واحد من بين كل 10 مرشحين ينتخبهم الحزب بشكل مباشر، وبذا يسعى نتنياهو إلى ضم أربعة نواب من كتلة باراك في المقاعد الأربعين الأولى في لائحة الحزب، وخص نتنياهو بالذكر باراك شخصيا ووزير الصناعة والتجارة شالوم سمحون.

 

ويواجه نتنياهو معارضة شديدة من طرف شخصيات بارزة في الحزب، لكون هذا التعيين سيأتي على حساب نواب آخرين أو شخصيات تسعى إلى الاندماج في لائحة الحزب للانتخابات البرلمانية.

 

الكتل الدينية:

 

 

يمكن القول إن الكتل الدينية الثلاث في حكومة نتنياهو ليست معنية بالتوجه إلى انتخابات، فحزب "شاس" الديني الأصولي يعرف أن التوجه المبكر للانتخابات قد يفقده عددا من المقاعد فيما لو أصر رئيس الحزب السابق آرييه درعي على خوض الانتخابات المقبلة على رأس قائمة مستقلة، لأنه ليس واضحا ما إذا ستقبل الزعامة الروحية للحزب، وبشكل خاص الحاخام عوفاديا يوسيف، إعادة درعي إلى رئاسة الحزب سياسيا، والإطاحة برئيس الحزب الحالي إيلي يشاي.

 

وبالنسبة لكتلة "يهدوت هتوراة" الأصولية المتشددة لليهود الأشكناز، وهي مكونة من ثلاثة أحزاب، فإنها تعرف أن جميع مطالبها محققة في الحكومة، وأن الانتخابات المقبلة لن تضيف لها شيئا، ولهذا فهي أيضا ثابتة في الحكومة.

 

وهذا المشهد يسري أيضا على كتلة حزب "المفدال" أو حسب تسميتها الجديدة "البيت اليهودي"، التي لها ثلاثة مقاعد، وتبشرها الاستطلاعات بإضافة مقعد واحد لها، ولكنها ليست بهذه القدرة التي تدفعها على الانضمام لأي مبادرة لانتخابات مبكرة، فهي كتلة تمثل قطاعا واسعا من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، والمستوطنات والمستوطنين "يعيشون مرحلة وردية" في ظل حكومة نتنياهو، وهم ليسوا معنيين بالتخلي عن هذه الحكومة.

 

 

خلاصة

 

 

كي تجري انتخابات مبكرة يجب أن تكون هناك عوامل ملموسة على الأرض، وبشكل خاص أزمة سياسية حادة، وهذا أمر غير ملموس، أو أن تكون الحكومة عاجزة عن تطبيق سياستها، وما نراه هو عكس هذا تماما، أو أن تكون رغبة في أطراف الائتلاف بالانسحاب منه والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وهذا أيضا أمر غير ملموس.

 

كذلك هناك عوامل أخرى، ليست أقل أهمية، وإن كانت لا تصل إلى الإعلام، ومن هذه العوامل، العامل الاقتصادي، الذي إن غابت الأزمات السياسية وظهرت الحكومة متراصة، فله وزن كبير، فإسرائيل تعيش مرحلة اقتصادية حساسة بعد أن اجتازت الأزمة الاقتصادية العالمية بأقل ما يمكن من أضرار، وعادت بسرعة هائلة إلى مسار النمو، والعالم يتحدث في هذه المرحلة عن أزمة اقتصادية متصاعدة مصدرها في أوروبا، وهي ستطال حتما الاقتصاد الإسرائيلي، وحتى الآن فإن المؤسسة الاقتصادية الإسرائيلية لا تعرف حجم التأثير ومدى استمراره، لكن مما لا شك فيه أن الاستقرار السياسي هو عامل هام لضمان حصانة الاقتصاد في وجه الأزمات الخارجية.

 

أضف إلى هذا أنه في هذا العام سيكون على نتنياهو إقرار الموازنة العامة للعامين المقبلين 2013 و2014، وهو ذو أجندة اقتصادية تخدم جهات اقتصادية كبرى ساعدته على العودة إلى منصب رئيس الحكومة، ولذا فإنه سيسعى في حال ضمن استمرار الاستقرار السياسي إلى استغلال الظروف القائمة لإقرار ميزانيتين تخدم سياسته الاقتصادية، إضافة إلى ضمان بنود ذات صبغة انتخابية تسهل الحملة الانتخابية التي ستكون العام المقبل لتعزيز مكانته ومكانة حزبه السياسية في الشارع الإسرائيلي.

 

أمام هذا المشهد الحاصل، فإنه لا قيمة لتصريحات هنا وهناك لبعض السياسيين أو الإعلاميين تتحدث عن انتخابات مبكرة، طالما أنه لا توجد عوامل كبرى تستلزم تبكيرها.