إسرائيل تدرس تشكيل لجنة تحقيق لتجنب عواقب تقرير غولدستون

أحزاب وحركات سياسية

*رئاسة الكنيست تواصل ضرب جدول الأعمال لتفرغ العمل البرلماني من جوهره*افتتاح الدورة الصيفية كان في ظل أجواء التقرير المرحلي للجنة فينوغراد وفي حالة ترقب التقرير النهائي *ارتفاع منسوب القوانين العنصرية بتعاون بين نواب الائتلاف والمعارضة *الحكومة تعزّز استقرارها*

 

   اختتم البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) دورته الصيفية في نهاية الشهر الماضي (تموز)، "مخيبا آمال" الكثير من الإعلاميين، ولربما السياسيين، الذين توهموا أن هذه الدورة ستكون الأخيرة للكنيست الحالي، في طريقه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، على وقع صدور التقرير المرحلي للجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، لجنة فينوغراد، وتوقع صدور التقرير النهائي للجنة قبل انتهاء الدورة الصيفية.

وكانت الدورة الصيفية قد افتتحت في الأسبوع الأول من شهر أيار/ مايو الماضي، في ظل أجواء التقرير المرحلي للجنة فينوغراد الذي وجه انتقادات حادة لرئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ووزير الدفاع السابق، عمير بيرتس، ورئيس هيئة أركان الجيش السابق، دان حالوتس.

 

وتوقع الكثيرون أن تشهد الهيئة العامة للكنيست جلسات صاخبة، ولربما حدوث تصدعات في الائتلاف الحكومي، خاصة بعد ظهور نتائج الانتخابات لرئاسة حزب "العمل"، الذي قد يختار رئيسه الخروج من الائتلاف، إلا أن شيئا من هذه التوقعات لم يتحقق على أرض الواقع، وصدقت هنا التوقعات القليلة التي تنبأت بغير ذلك بناء على المعطيات الميدانية، والظروف الداخلية التي تشهدها مختلف الأحزاب في الكنيست، وبشكل خاص تلك المشاركة في الائتلاف الحكومي.

ولهذا فإن العنوان الرئيس الذي اختاره المحللون في إسرائيل لهذه الدورة الصيفية المنتهية، هو نجاح رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في اجتياز كافة هذه الأزمات وضمان عدة أشهر إضافية لحكومته، هذا إذا لم ينجح أصلا بالوصول إلى الموعد القانوني لولاية هذه الحكومة، خريف العام 2010.

لكن في هذا المجال جدير بالذكر أن ما جرى في قضية لجنة فينوغراد وتقريرها المصيري بالنسبة لأولمرت وغيره من قادة الجيش والحكومة، هو تأجيل للأزمة المرتقبة التي ستنشأ مع صدور التقرير النهائي، الذي بات موعد صدوره بمنزلة الأحجية الأكبر في إسرائيل.

فقد أصبحت الغالبية تستبعد صدوره في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، وهناك من يتوقع صدوره في النصف الأول من العام القادم 2008، وحتى بعد عام من الآن.

وقد ظهرت هذه القضية في أعقاب مطالبة المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، وعلى رأسهم المتضرر الأكبر، رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، بالإطلاع على كافة الشهادات التي قدمت للجنة، وبحق الحصول على رسائل تحذير لكل من الذي قد يتضرر من التقرير ليكون بإمكانه تعيين محامين وهيئة دفاع في محاولة لتغيير استنتاجات التقرير.

إلا أن لجنة فينوغراد، ولأسباب يجهلها المحللون في إسرائيل، ترفض إصدار مثل هذه الرسائل، كما أنها رفضت طلب رئيس الحكومة أولمرت الحصول على نسخ من الشهادات التي تم الإدلاء بها أمام اللجنة.

وعلى ضوء الوضع الناشئ، فقد توجه ضباط في قيادة الجيش الإسرائيلي إلى المحكمة العليا لإلزام اللجنة باستصدار مثل هذه الرسائل، وقد عينت المحكمة منتصف الشهر القادم، أيلول/ سبتمبر، موعدا لبحث الالتماس، ما يعني تأجيل صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد إلى أجل غير مسمى.

 

عمل برلماني باهت

 

كما كانت الحال في الدورة الشتوية، التي انتهت في شهر آذار/ مارس الماضي، وحتى منذ بدء ولاية الكنيست الحالية في ربيع العام 2006، فقد غابت الحيوية عن العمل البرلماني اليومي، إلى درجة أن نسبة حضور أعضاء الكنيست في جلسات الهيئة العامة ولجانها تراجعت بشكل ملحوظ. وباستثناء يوم انتخاب رئيس الدولة، الذي وصلت فيه نسبة الحضور إلى 100% لأول مرة منذ سنوات طوال، فإن نسبة الحضور في أيام العمل البرلماني كانت تتراوح ما بين 45% إلى 75% كحد أقصى.

وهذا أيضا يسري على عمل اللجان البرلمانية، الحلبة المركزية في العمل البرلماني، ومرد هذا بالأساس إلى أمر أساس، وهو نهج رئيسة الكنيست، داليا ايتسيك، ومن خلفها أعضاء رئاسة الكنيست من الائتلاف، برفض جارف لإدراج مواضيع حيوية وساخنة على جدول أعمال اللجان البرلمانية، وأيضا في الهيئة العامة للكنيست، بخلاف نهج رئيس الكنيست في الولاية السابقة، رؤوفين ريفلين.

أما على مستوى التشريعات، فإن الكنيست ينهي دورة ضعيفة جدا في هذا المجال، فقد طغت على التشريعات سن قوانين بشكل نهائي من الدرجة الثانية، وليس لها وزن نوعي، باستثناء قانون يحد من ولاية رؤساء المحاكم المختلفة، الذي بالإمكان اعتباره ضربة جدية لاستقلالية الجهاز القضائي بالمفهوم الإسرائيلي.

لكن في المقابل، فقد تم سن سلسلة من القوانين ذات الطابع العنصري الواضح، ولكنها لا تزال في المرحلة التمهيدية، وما يميزها هو أنه تم إقرارها بدعم واضح إما من أعضاء الائتلاف الحاكم، ومشاركة نواب اليمين المعارض، أو حتى بدعم رسمي من الائتلاف بمن في ذلك وزراء الحكومة.

وكانت موجة من هذه القوانين قد تم سنها بالمرحلة التمهيدية في أعقاب قضية عضو الكنيست السابق الدكتور عزمي بشارة، والشبهات الأمنية التي توجهها له الشرطة الإسرائيلية، وقد بدأت هذه القوانين بمحاولات لحجب الامتيازات المالية التي يحظى بها كل عضو كنيست يستقيل من منصبه، وصولا إلى مبادرة قانون تسمح للمحكمة المركزية (محكمة الجنايات) بسحب مواطنة أي شخص تتم إدانته بتهم الخيانة، وهو قانون تم إعداده لإقراره بالقراءة الأولى في الدورة الشتوية القادمة، رغم أنه يتعارض مع القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، التي تمنع سحب مواطنة أي شخص ليست لديه مواطنة بديلة.

ويبقى القانون العنصري الأخطر الذي أقره الكنيست بإجماع نواب الائتلاف والمعارضة، هو قانون يشرعن عنصرية المؤسسة الصهيونية "كيرن كاييمت" بشأن اقتصار بيع وتأجير الأراضي التي تسيطر عليها على اليهود فقط، بمعنى شرعنة منع بيع الأراضي للعرب، رغم أن الحديث يجري عن أراض عربية تمت مصادرتها في الماضي.

وقد بادر إلى هذا القانون النائب اليميني المتطرف أوري أريئيل، ولكنه حظي بدعم من نواب جميع أحزاب الائتلاف الحاكم، بمن فيهم نواب من حزب "العمل".

 

الدورة الشتوية

 

كالعادة فإن الدورة الشتوية، التي ستفتتح بعد الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، ستكون دورة ذات شأن أكبر، وهذا لأنها ستنشغل في نصفها الأول بإقرار ميزانية الدولة للعام القادم 2008، وعادة ما تدور حول عملية إقرار الميزانية أزمات ائتلافية بهدف ممارسة الضغوط لتحقيق مكاسب لهذا الحزب أو ذاك.

يذكر أن الحكومة الحالية نجحت في إقرار ميزانيتي العام 2006 و2007 دون أية أزمات حكومية. ويسجل في هذا المضمار الانضباط الغريب، وعلى غير العادة، الذي شهدته كتلة "شاس" الدينية الأصولية، التي اعتادت في حكومات سابقة افتعال أزمات ائتلافية عند إقرار كل ميزانية من أجل تحقيق مطالبها. ويرجح المراقبون بأن هذه الكتلة تحصل على كل ما تريد لمؤسساتها الدينية، وجمهور ناخبيها من دون أزمات.

لكن من جهة أخرى فإنه في حال أصدرت لجنة فينوغراد تقريرها النهائي كما هو مخطط له، قبل نهاية العام الجاري، فإن الدورة المقبلة ستكون دورة حسم مصائر سياسيين، وخاصة رئيس الحكومة أولمرت، ولربما الكنيست برمتها، رغم أن احتمال التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة، وقبل أكثر من عامين من موعدها الرسمي، يبقى أمرا مستبعدا، على ضوء الظروف الجارية في هذه المرحلة، وعدم رغبة غالبية أعضاء الكنيست بالتوجه إلى انتخابات كهذه.

ويرى المحلل السياسي يارون ديكل، من القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، أن الوزير المقرب من رئيس الحكومة، أولمرت، حاييم رامون، المعروف بتملكه خيوط اللعبة السياسية الداخلية في إسرائيل، يعد مخططا سياسيا يفسح المجال أمام أولمرت لاجتياز العام القادم 2008 من دون أن يفقد منصبه، أو أن يشهد قلاقل حزبية، على أن يبادر أولمرت بنفسه إلى انتخابات مبكرة خلال العام 2009.