انا وأنتم سنغير العالم: أنصار الحرب اليهود من واشنطن

أحزاب وحركات سياسية

* فوز باراك فاجأ على الأغلب قيادات الحزب التي تراقب تطور الأمور * مؤشرات لتحلل المعسكرات خاصة معسكر بيرتس * قرار التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة متعلق بعدة اعتبارات تفرض نفسها على باراك وقيادة حزبه *

 

كان فوز إيهود باراك برئاسة حزب "العمل" مخالفا للغالبية الساحقة من استطلاعات الرأي، التي كانت ترجح دائما فوز منافسه النائب عامي أيالون. وقد أظهرت هذه الاستطلاعات صورة مختلفة، فقط في اليومين الأخيرين قبل الجولة الثانية من الانتخابات، ولهذا فإن نتائج الاستطلاعات ساهمت في اصطفافات لصالح أيالون، الذي لم ينجح بالاستفادة من وقوف رئيس الحزب السابق، عمير بيرتس، إلى جانبه، وخسر المنافسة بفارق ضئيل.

ولهذا فإن نوعا من المفاجأة تملك القيادة التقليدية أو ما تبقى من هذه القيادة في حزب "العمل". وخلافا لما درج عليه قادة الحزب، غداة فوز كل شخص برئاسة الحزب، فإننا لم نسمع تعليقات رافضة لتولي باراك عرش الحزب، أو الإعلان عن ظهور معسكرات جديدة، للتصدي للرئيس الجديد في هيئات الحزب، كما لم نسمع عن عزم شخصيات قيادية الانسحاب من صفوف الحزب.

ومثل هذه الظواهر رأيناها في الماضي فور انتخاب أبراهام بورغ، في العام 2001، الذي لم يصمد في منصبه لأكثر من شهرين، ثم بنيامين بن اليعازر، في العام 2002، الذي فقد مقعده بعد عشرة أشهر، وعمرام متسناع، الذي استقال من منصبه في شتاء العام 2003 بعد أربعة أشهر من توليه رئاسة الحزب، في أعقاب نتائج الانتخابات البرلمانية في ذلك الحين، وبشكل خاص، في أعقاب انتخاب عمير بيرتس في خريف العام 2005، الذي واجه معارضة شديدة، وأدى إلى خروج شخصيات بارزة من الحزب، مثل شمعون بيريس وحاييم رامون وداليا ايتسيك، إضافة إلى عدد كبير من رؤساء البلديات، الذين "هربوا من السفينة قبل أن تغرق".

وكما ذكر، فإن ما شهدناه فور الإعلان عن فوز باراك، وحتى الآن، هو صمت كبير، باستثناء تصريح يتيم لعامي أيالون، الذي أعلن تهنئته لباراك، وقال إنه لن يعترض على النتيجة، ولكنه سيطالب بإجراء تحقيق بوليسي في عمليات التزييف، وعلى ما يبدو فإن أيالون اضطر للتراجع حتى عن هذا، في أعقاب التحقيق المميز الذي أجرته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي عن يوم الجولة الثانية لانتخابات رئاسة الحزب، وتبين حجم التزوير والتزييف بين "الأعضاء" العرب في البلدات العربية، وأن أيالون استفاد مثل باراك من هذه التزييفات.

 

مصير المعسكرات

 

من السابق لأوانه الجزم في مسألة انتهاء أو استمرار أزمة القيادة في حزب "العمل"، وهذا أمر مرتبط بطريقة عمل باراك، وما إذا سيكون قادرا على تحسين وضعية الحزب في استطلاعات الرأي، في ما يتعلق بالوزن الانتخابي للحزب في أية انتخابات مقبلة.

وحتى الآن يبدو أن باراك يسعى إلى احتضان منافسيه في قيادة الحزب، تحت شعار إنهاء حالة المعسكرات في الحزب، ولهذا فقد أعلن أنه معني ببقاء عمير بيرتس وزيرا في الحكومة، الأمر الذي رفضه الأخير، واستقال كليا من الحكومة، ورفض البقاء وزيرا من دون حقيبة، كما أعلن باراك أنه معني بتعيين أيالون وزيرا.

وحتى إعداد هذا التقرير لم يظهر رد واضح لأيالون على هذا العرض، ولا على ما أشيع حول أن باراك قد يسحب حقيبة التربية والتعليم من الوزيرة يولي تمير، وإسنادها إلى أيالون، وهي خطوة قد تواجه بحملة انتقادات شعبية وسياسية واسعة، كون تمير تحظى بتأييد واسع، وهناك اعتراف بأن بصماتها تظهر بشكل واضح على التطورات في جهاز التعليم، كما تقول ذلك جهات حتى في المعارضة اليمينية في الحلبة السياسية، واستبدالها من دون أي مبرر مهني بشخصية عسكرية واستخباراتية بمستوى أيالون، سيجعل باراك، وبشكل خاص رئيس الحكومة إيهود أولمرت، عرضة للمساءلة حول جدوى هذا الاستبدال غير المهني، تماما كما كانت الحال لدى تعيين عمير بيرتس وزيرا للدفاع في ربيع العام الماضي 2006.

بالإمكان القول منذ الآن، إن هناك مؤشرات لبدء تحلل معسكرات مُمأسسة داخل حزب "العمل، ناهيك عن غياب المعسكرات التقليدية التي كان يقود أحدها شمعون بيريس. ومعسكرات اليوم هي معسكرات متقلبة، تربطها المصالح الشخصية، وقدرة قائد المعسكر على تأمين مكاسب حزبية وشخصية لهذا الطرف أو ذاك في داخل الحزب.

لكن أكبر معسكر تلقى ضربة موجعة، وهو في طريقه للتحلل، هو معسكر رئيس الحزب السابق عمير بيرتس، الذي ظهر بضعفه في الانتخابات لرئاسة الحزب. حينما تم انتخاب بيرتس لرئاسة الحزب في خريف العام 2005، اعتمد على قوتين مركزيتين، الأولى المجموعة التي يتزعمها، وانتقلت معه من حزب "عام إيحاد" (شعب واحد) المنحل، إلى هيئات حزب "العمل"، والطاقم البيروقراطي في اتحاد النقابات العامة، "الهستدورت"، إضافة إلى نقابات أخرى.

صحيح أن بيرتس حصل على نسبة 22% في الجولة الأولى، وهي نسبة عالية لم تكن متوقعة، إلا أنه بعد تحليل تركيبة هذه النسبة، يظهر جليا أنها أبعد عن أن تكون معسكرا متينا، فنصف أصوات بيرتس جاءت من المنتسبين العرب للحزب، وقد بلغت نسبة العرب من بين مجمل المنتسبين للحزب حوالي 20%، ويتم تقسيمهم إلى مجموعتين، بعد فصل أبناء الطائفة العربية الدرزية عن باقي العرب.

ومن الضروري الإشارة إلى أن هذه الانتسابات هي انتسابات موسمية عابرة، يجندها مقاولو أصوات من أصحاب المصالح الشخصية، بمعنى أن جمهور المنتسبين ليسوا من مصوتي حزب "العمل"، والكثير من التقارير أثبتت أن نسبة التصويت بينهم لم تصل إلى 20% بأقصاها، وفي بعض المناطق لم تتعد 5%، إلا أن ما جرى هو عمليا تزوير وصفقات لتقاسم "الغلة"، كما يقول تقرير القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي.

من جهة أخرى فإن بيرتس فقد تأييد الجهاز البيروقراطي في الهستدروت، الخاضع بغالبيته الساحقة لرئيس الهستدروت الجديد، عوفر عيني، الذي أعلن خلال حملة انتخاب رئاسة الحزب عن دعمه لإيهود باراك، في تحد واضح لبيرتس، نظرا للتوتر الذي يسود العلاقة بينهما.

وهكذا فقد يتأكد لاحقا أن معسكر بيرتس قد تلاشى فعلا، وهذا ما قد يمنع أية منافسة جدية له على رئاسة الحزب، أو حتى الفرصة للعودة لها.

أما المعسكر الأقوى نسبيا، بشكل محدود، الباقي في حزب "العمل"، فهو معسكر الوزير بنيامين بن اليعازر، الذي أثبت قدرة سيطرته على مقاولي الأصوات العرب وغيرهم، أكثر من الوزير غالب مجادلة، الذي منحه بيرتس منصب وزير فقط من أجل تجنيد العرب إلى جانبه في الانتخابات لرئاسة الحزب.

وما يساعد بن اليعازر على ثبات معسكره هو حقيبة البنى التحتية التي يحملها، وهذه وزارة غنية بالمشاريع وتحويل الأموال، مما يفسح المجال أمام بن اليعازر للوصول إلى الكثير من الجهات ذات المصالح الخاصة، التي تحتاج هذه الوزارة ومشاريعها، وهذا أمر إتضح أيضا خلال الانتخابات.

واحتضان باراك لبن اليعازر كان سببا مركزيا في نجاح باراك، إلى درجة أن الصحافة الإسرائيلية أطلقت على بن اليعازر لقب "مهندس فوز باراك".

وهنا أيضا من الصعب الجزم منذ الآن بأن تحلل المعسكرات في حزب "العمل" سيكون شرطا في نجاح ولاية باراك، لكن مما لا شك فيه أنه ستكون فرصه له في التحرك بشكل أسهل بين كوادر وهيئات الحزب من دون عقبات، وغياب المعارضة العلنية له في داخل الحزب قد يساهم في تعزز مكانته في الشارع الإسرائيلي، وهي لا تزال متخلفة كثيرا وراء زعيم حزب "الليكود"، بنيامين نتنياهو.

 

مسألة الانتخابات المبكرة

 

الأنظار تتجه إلى حزب "العمل" في هذه المرحلة، في قضية مركزية أساسية، وهي قرار رئيس الحزب والحزب بمجمله في مسألة بقاء شراكته في حكومة إيهود أولمرت، بناء على تصريحات سابقة لرئيس الحزب باراك، قبل انتخابه، حين قال إنه إذا ما فاز برئاسة الحزب فإنه سيطالب أولمرت بالاتفاق على موعد لانتخابات برلمانية مبكرة.

لكن باراك تراجع نوعا ما عن دعوته هذه، مع أنّ المقربين منه يقولون إنها تبقى مسألة مطروحة، قد تظهر من جديد مع صدور التقرير النهائي للجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، وهذا قد يكون مع نهاية شهر تموز/ يوليو المقبل أو في الشهر الذي يليه.

وإذا ما حمل التقرير انتقادات شديدة أكثر ضد أولمرت، وبشكل خاص توصيات تتعلق بمصيره السياسي، فإن مطلب انسحاب "العمل" سيكون واردا، وقد تكون لانسحاب كهذا عدة سيناريوهات، من بينها أن ينسحب حزب "العمل" كليا من الحكومة ويطالب بانتخابات برلمانية مبكرة، أو أن ينسحب من الحكومة مطالبا حزب "كديما" الحاكم باستبدال أولمرت بشخصية أخرى كشرط لاستمرار الشراكة والحفاظ على الحكومة، وهذا ما كان يدعو له عامي أيالون.

لكن في نفس الوقت فإن عدة اعتبارات ستحكم قرار "العمل" في التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وأهم هذه الاعتبارات هو مدى جاهزية الحزب التنظيمية لخوض انتخابات برلمانية مبكرة، وقد تكون قبل مرور عامين على الانتخابات السابقة، ثم ماذا يتوقع حزب "العمل" أن يحصد في هذه الانتخابات، ومدى استعداده للبقاء في منزلة "حزب المرتبة الثانية".

سيواجه باراك عدة حقائق ستؤثر على قراره، ومن أهمها أنه إذا ما قرر التوجه لانتخابات برلمانية فإنه سيتوجه إلى الجمهور بحزب جعبته خاوية من أية إنجازات ملموسة خلال شراكته في حكومة أولمرت، لا بل إنه سيدفع ثمن جلوس عمير بيرتس في منصب وزير الدفاع.

كذلك فإن باراك سيدرك أن الوزراء الذين دعموه في الانتخابات لرئاسة الحزب ليسوا معنيين بالتخلي عن مناصبهم الوزارية، كما أنهم ليسوا معنيين بانتقال الحكم إلى حزب "الليكود"، كما تتوقع استطلاعات الرأي، وخاصة الوزير بن اليعازر السابق ذكره، وشالوم سمحون وزير الزراعة، الذي ضمن لباراك تأييد القرى التعاونية، "الكيبوتسات" و"الموشافيم"، وغيرهما، وإذا لم يغير هؤلاء رأيهم فإن باراك سيكون مضطرا للقبول به، خاصة أيضا وأن الاستطلاعات بين منتسبي حزب "العمل" لا تؤيد حل حكومة أولمرت وخروج الحزب منها.

 

وهناك حقيقة أخرى من الدرجة الأولى، وهي أن باراك نفسه بحاجة إلى ضمان رصيد عيني ملموس يساعده على خوض انتخابات برلمانية مبكرة أو حتى عادية، ويساهم في إبعاد ذاكرة الجمهور عن ولايته التي امتدت على مدى 20 شهرا، منذ أيار/ مايو العام 1999، وحتى شتاء العام 2001، ولا يستطيع ضمان رصيد كهذا من خلال حكومة انتقالية تعمل إلى حين الانتخابات البرلمانية.

وما يعزز هذا هو استطلاعات الرأي التي ظهرت في الأيام الأخيرة وتنبأت بخسارة حزب "العمل" لمقعد واحد على الأقلّ في أية انتخابات برلمانية تجري في هذه المرحلة، بمعنى أن باراك في الوضعية الحالية لحزبه ليس قادرا حتى على الحفاظ على مقاعد حزبه البرلمانية، وهي هزيلة أصلا، 19 مقعدا من أصل 120 مقعدا، وهو ما يجعله بعيدا جدا عن العودة إلى كرسي رئاسة الحكومة الذي يطمح له، كما يعلن صبح مساء.