لو كنت يهوديًا

أحزاب وحركات سياسية

تحقيق صحافيّ مطول يوضّح كيف أصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك واحدا من أبرز أثرياء إسرائيل في غضون ست سنوات... غير أن باراك ليس وحيدا في هذا التحوّل بين الجنرالات والسياسيين في إسرائيل ولهذا الأمر أهمية خاصة أيضا مع عودة الجدل في إسرائيل حول علاقة كبار أصحاب رأس المال بالسلطة، وخضوع السياسيين لسطوة كبار المتمولين

 

تحقيق صحافيّ مطول يوضّح كيف أصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك واحدا من أبرز أثرياء إسرائيل في غضون ست سنوات... غير أن باراك ليس وحيدا في هذا التحوّل بين الجنرالات والسياسيين في إسرائيل ولهذا الأمر أهمية خاصة أيضا مع عودة الجدل في إسرائيل حول علاقة كبار أصحاب رأس المال بالسلطة، وخضوع السياسيين لسطوة كبار المتمولين

 

 

نشر الصحافيان غيدي فايس وأوري بلاو في الملحق الأسبوعي لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (25/5/2007) تحقيقًا مطولا حول رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، والمتنافس على رئاسة حزب "العمل"، إيهود باراك، يوضّح كيف تحوّل في غضون ست سنوات وأقل من جنرال سابق ورئيس حكومة سابق، إلى واحد من أثرياء إسرائيل. ويشير التقرير إلى أن باراك عاد إلى حلبة التنافس وهو أغنى بـ30 مليون شيكل...

 

ونظرا لأهمية التقرير فإننا نعرض هنا لمقاطع مركزية منه وبتصرف.

 

وتكمن أهمية ذلك في كون باراك نموذجا لظاهرة منتشرة في سدة الحكم السياسي والعسكري في إسرائيل، فالغالبية الساحقة من كبار الجنرالات في إسرائيل وبعد خروجهم إلى التقاعد تحولوا إلى القطاع الاقتصادي. وحتى مطلع سنوات التسعين كان بإمكان هؤلاء أن يخوضوا في القطاعين الاقتصادي والسياسي في آن واحد، إلى أن صدر قانون يحدّ من نشاط السياسيين في القطاع الاقتصادي خلال شغلهم المناصب السياسية المختلفة.

 

وبطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على العسكريين بل ينسحب أيضا على السياسيين، ونذكر في هذا السياق أسماء سياسيين وعسكريين كانت أو لا تزال لديهم مشاريع اقتصادية وثراء واضح، مثل شمعون بيريس وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك وأريئيل شارون، ومن قبلهم إسحق رابين وعيزر فايتسمان، وغيرهم الكثير.

ولهذا الأمر أهمية خاصة أيضا مع عودة الجدل في إسرائيل حول علاقة كبار أصحاب رأس المال بالسلطة، وخضوع السياسيين لسطوة كبار المتمولين.

 

باراك يغادر منصب رئيس الحكومة

 

قبل ست سنوات أعلن إيهود باراك أنه ينوي التوقف لفترة ما عن المشاركة في الحياة السياسية، في أعقاب هزيمته في الانتخابات على رئاسة الحكومة، أمام رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، في مطلع شهر شباط/ فبراير من العام 2001.

وخلال السنوات الست الماضية وطد باراك علاقاته مع نخبة من أصحاب رأس المال في إسرائيل، ولهذا فإنه مع عودته إلى الحياة السياسية من الضروري فحص علاقاته المباشرة وغير المباشرة مع كبار أصحاب رأس المال من منظور عدم تضارب المصالح.

فمثلا في الولايات المتحدة يلزم القانون كل مرشح لمنصب رسمي أو وظيفة عامة حساسة، أن يعلن أمام الجمهور حجم مشاريعه الاقتصادية، وقائمة بأسماء الشخصيات التي له علاقة اقتصادية بها، وإعلان كهذا من شأنه أن يمنع مشاركته في اجتماعات وأبحاث مكلفة باتخاذ قرارات تتعلق بأصحاب رأس المال من المقربين منه، أو شركائه السابقين.

أما في إسرائيل فإنه لا يوجد ما يلزم بمثل هذا، سوى أن من يتم انتخابه عضوا في الكنيست أو وزيرا في الحكومة عليه أن يقدم تقريرا عن رأسماله وأملاكه لمراقب الدولة ورئيس الكنيست، ويتم الاحتفاظ بهذه التقارير بسرية تامة، دون كشفها أمام الجمهور.

وكما يظهر فإن باراك لا ينوي هو أيضا التعامل بشفافية في ما يتعلق بأملاكه وارتباطاته وعلاقاته الاقتصادية، مع غياب قانون كهذا، وفي السنوات الأخيرة رفض باراك تقديم أي معلومة عن نشاطاته الاقتصادية المتشعبة، كما أكد هذا أحد الناطقين باسمه في الأيام الأخيرة، ردا على تقرير صحيفة "هآرتس" هذا.

ويرى معد التقرير أنه خلافا للباقين، فإن حالة باراك في ما يتعلق بالارتباطات الاقتصادية لها وضعية خاصة، لأنه منذ اللحظة الأولى التي ترك فيها باراك منصب رئيس الحكومة، كان واضحا أنه سيعود في يوم ما إلى الحياة السياسية، وهذا لأنه في السنوات التي ما بين تركه الحياة السياسية وبين العودة إليها، تحول باراك من المسؤول السياسي إلى واحد من شريحة كبار الأثرياء في إسرائيل، أو كما يقال في إسرائيل من شريحة "الواحد بالألف" الثرية، وهو يُكثر في المشاركة في حفلات الكوكتيل وما شابه، التي شارك فيها كبار المسيطرين على الاقتصاد الإسرائيلي، ويسعى خلالها لإقامة علاقات اقتصادية معهم.

وفي الأشهر الأولى بعد خروجه من الحياة السياسية قدم باراك محاضرات في أرجاء العالم من خلال وكالة "هاري ووكر" المتخصصة في هذا المجال، فهي مثلا التي نظمت المحاضرات لسلفه في رئاسة الحكومة، بنيامين نتنياهو.

ويُعتبر هذا المجال مصدر مدخول مؤقتا جدا، لأن رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك كان مطلوبا في العام الأول لتركه المنصب الرفيع، وكان يتقاضى عن كل محاضرة 30 ألف دولار.

 

مستشار يستغل علاقاته السياسية الدولية

 

وفي المقابل فإن باراك شرع في البحث عن آفاق جديدة، يستطيع من خلالها كسب الكثير من الأرباح، وفي نهاية العام 2001، تم تعيين باراك مستشارا خاصا لشركة الحاسوب الدولية EDS. وكان لفترة قصيرة جدا مستشارا لمدير عام الشركة، ديك براون، في الشؤون الإستراتيجية والمشاريع الاقتصادية الدولية، ولكن خلافات بين المستشار باراك والمدير العام جعلته يترك المنصب، ولكن ليس قبل ان يُدخل إلى جيبه عشرات آلاف الدولارات شهريا.

ولعل هذه التجربة جعلت باراك يفتتح في العام التالي 2002 مكتبا، أو شركة محدودة الضمان، أسماها، "شركة إيهود باراك محدودة الضمان"، ومداخيل هذه الشركة كانت تأتي فقط من الخارج، وهي لا تزال في الأشهر الأخيرة مسجلة كشركة ناشطة، على الرغم من إعلان نيته العودة إلى الحياة السياسية، وخوض المنافسة على رئاسة حزب "العمل".

واستطاع باراك خلال أربع سنوات ونصف السنة من إقامة الشركة أن يجمع ما لا يقل عن 30 مليون شيكل، وما يعادل اليوم 5ر7 مليون دولار، وهذا عدا عن راتبه التقاعدي الشهري، من منصبه الأول، قائدا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ومن ثم وزيرا ورئيس حكومة، ويبلغ حجم هذا الراتب سنويا 100 ألف دولار، وهو يشكل نسبة ضئيلة من مدخول باراك السنوي.

وهذا عدا عن مكتب خاص، كباقي رؤساء الحكومات السابقين، الذي بلغ تمويله في العام 2004 قرابة 800 ألف دولار، وانخفض هذا المبلغ إلى 450 ألف دولار في العام 2005، وميزانية مشابهة للعامين 2006 و2007، ويعمل في هذا المكتب موظفون ومستشارون تابعون له.

 

ويؤكد التقرير أن أحد المسارات التي اختارها باراك في عالم الاقتصاد هو "فتح الأبواب" أمام الشركات الاقتصادية، مستغلا علاقاته السياسية السابقة في عدد من الدول في أنحاء مختلفة من العالم. ويقول أحد المقربين منه "أصلا ما الذي يفهمه باراك في عالم الاقتصاد، فهو درس في الماضي موضوع الفيزياء، وكان قائدا في الجيش ووزيرا ورئيس حكومة".

وفي ما يلي أحد النماذج، فقبل أكثر من أربع سنوات توجهت مجموعة متمولين لإيهود باراك، أرادت إعداد تدريج أمني لمطارات وشركات طيران في العالم، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وكانت الفكرة تتمحور في إعداد قائمة تدريجية لجودة الأمن والوقاية لمرافق الطيران وشركاتها.

وأراد المتمولون تجنيد إيهود باراك نظرا لماضيه العسكري الأمني، ولأن هذا الماضي يجعل الكثير من أبواب الإدارة الأميركية وشركات الطيران مفتوحة أمامه، وطلب باراك في المقابل عشرات آلاف الدولارات.

ويقول أحد الذين حضروا هذه الاجتماعات "في نهاية المطاف لم يخرج الأمر إلى حيز التنفيذ، لأنه لم يكن اتفاق على شروط التعاون، فقد عرضوا عليه الحصول على مقابل معين، ونسبة معينة من الأسهم، شرط أن يستفاد من علاقاته، التي كانت لها أهمية قصوى في هذا المجال".

ويقول الشخص نفسه إنه من الناحية المهنية لم يكن وزن كاف لباراك في هذا المجال، وإنما فقط لاسمه، لأنه من ناحية مهنية كان هناك شخص آخر يعمل من وراء الكواليس، وهو العمدة الأساسية للمشروع.

وفي العام 2002، وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر من العام الذي سبقه، تعاون باراك مع شركة A.E.S. التي يملكها الإسرائيلي إيلي نير، وقد طورت الشركة وسائل إنقاذ من البيوت القائمة في الطوابق العالية، ومنها ما هو على شكل مسطح مطاطي للتزحلق، لا يتأثر بالنيران، يتم الاحتفاظ به في البنايات في أماكن آمنة، وبالإمكان الوصول إليه في كل حالة.

 

وفي خريف العام 2002 عرض باراك هذا النموذج عبر وسائل إعلام أميركية مركزية، ونظرا لأن هذا عرض بعد عام من هجمات سبتمبر، فقد اختارت مجلة "تايم" هذا المشروع كأحد النماذج الناجحة للإنقاذ، وكان بمثابة نقطة انطلاقة أساسية لإيهود باراك، خاصة كمسوّق لمشاريع كبرى.

ولكن لاحقا لم تنجح الشركة في تسويق هذا "الاختراع" في العالم، وقال ضابط كبير سابق في الجيش الإسرائيلي إنه تلقى عرضا من الشركة ذاتها لتسويق هذا النموذج، وقال لهم إن المشروع ناجح، ولكن طريقة التسويق ليست ناجحة، وكان بالإمكان أن يتم تسويقه بصورة أفضل.

 

باراك يحاول جني أرباح أكثر

 

 

كذلك يتعرّض التقرير للكثير من الحالات التي تدخل فيها باراك لدى قادة الدول من أجل فتح مشاريع اقتصادية بتمويل أصحاب رأس مال إسرائيليين، ومن بينها استخراج الوقود من الصخر الزيتي في الأردن، وبناء موقف سيارات ضخم جدا في مدينة اسطنبول التركية، وغيرهما من المشاريع.

ويقول التقرير إنه في حالات أخرى فقد ظهر باراك في بعض المشاريع كواجهة من دون مضمون، من أجل تشجيع تسويقها. ويقول أحد المقربين منه: لا أحد يستطيع تقييم الحجم الحقيقي للمشاريع الاقتصادية لباراك، وهذا لأنه يشدد بشكل غير عادي على سرية ثروته، تماما كما في السياسة.

وقال رجل أعمال يعرف باراك تماما إن حجم ثروة هذا الأخير ليس فوق العادة، وهي ليست ثروة من الحجم الباهر، فعلى الرغم مما جمعه من أموال إلا أنه لم ينجح بالضبط في فتح جميع الأبواب التي أرادها المتمولون.

وإلى جانب الاستشارات والوساطات التي كان يقوم بها باراك، كان يحاول هو أيضا "حظه" في المشاريع الاقتصادية، من خلال بعض المشاريع الخاصة، وفي عدة حالات توجه متمولون إسرائيليون لباراك، وطلبوا منه إيجاد متمولين للشراكة في مشاريع اقتصادية، مقابل عمولات كبيرة، تصل إلى حدود 5% من قيمة المشروع.

وفي العام 2004 توجه باراك إلى صديقه ألون بينكاس، الذي كان يشغل وظيفة القنصل العام لإسرائيل في نيويورك، وطلب منه عقد لقاء خاص مع المحاسب الخاص لمدينة نيويورك في تلك الفترة، آلان هبسي، وهو يهودي من أصل هنغاري، وقد اضطر مؤخرا إلى ترك منصبه بعد أن تبين أنه استخدمه لمصالحه الخاصة.

وأراد باراك من هذا اللقاء إدخال شركات إسرائيلية في مجال التأمينات التقاعدية للعمل في نيويورك، لكن جهود باراك باءت بالفشل في هذا المشروع، كذلك لم ينجح باراك في اجتذاب شركات عالمية في قطاع التأمينات التقاعدية للعمل في إسرائيل.

ويستعرض التقرير محاولات أخرى لإيهود باراك، حاول فيها التدخل في مشاريع متمولين إسرائيليين في الهند وأفريقيا، وكان يعرض نفسه كمقدم خدمات، على أن يحصل لاحقا على قسط من الأرباح، وهو لم ينجح في كل هذه المحاولات.

 

ويختتم التقرير بعرض لشكل قضاء باراك لأوقات الفراغ، مذكرا أن باراك إبن الكيبوتس (قرية صغيرة تعاونية) تحول اليوم إلى أحد أثرياء إسرائيل، يقيم في الأبراج السكنية العالية الباهظة الثمن.

ويستذكر أحد معارف باراك، الذي يرافقه منذ أيام الجيش، كيف أنه بعد أن أصبح وزيرا لأول مرة، وحمل حقيبة الداخلية، ثم أصبح وزيرا للخارجية في حكومة شمعون بيريس، بدا منفعلا جدا حينما أقام في أجنحة فاخرة في فنادق العالم.

 

أما اليوم فإن باراك يمضي عطلاته في مواقع التزلج على الجليد في العالم، ويقيم في أفخر الفنادق العالمية، ويرتدي ملابس باهظة الثمن، ويدخن السيجار، ولديه مجموعة كبيرة من كبار أثرياء إسرائيل، الذين يلتقي معهم باستمرار وخاصة في ظهيرة أيام الجمعة.

 

ويقول مقربون إن باراك تأثر جدا من صديقة حياته، التي يقيم معها. وسبق له أن طلق زوجته نافا قبل عدة سنوات، وعاد إلى صديقته من أيام المدرسة، نيلي فريئيل، بعد أن تجاوز الستين من عمره.

 

وباراك الآن ابن 65 عاما، ويقيم في بيت فاخر جدا في "برج ألروف" في تل أبيب، ينتشر على مساحة 350 مترا مربعًا. وقد اشتراه في العام 2003، بما قيمته هذه الأيام 5ر2 مليون دولار.