الأحزاب العربية: في إجمال المعركة الإنتخابية وتحليل نتائجها..

أحزاب وحركات سياسية

* عجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريس يريد الرئاسة مكافأة له ومنافسه الأقوى رؤوفين ريفلين يخترق معسكر اليسار رغم يمينيته *

 

تشتد في هذه الأيام المنافسة على منصب رئيس الدولة الإسرائيلي، في أعقاب انتهاء ولاية الرئيس الحالي موشيه قصاب، التي قد تسبق انتهاء الكنيست الإسرائيلي من عملية إقالته من منصبه، نظرا للتعقيدات التي يفرضها القانون على عملية من هذا النوع.

 

وكما هو معروف فإن قصاب يواجه لائحة اتهام خطيرة تتضمن الاغتصاب والاعتداءات الجنسية على ثلاث من الموظفات اللاتي عملن لديه في فترات مختلفة، وهذا من أصل عشر شكاوى قدمتها عشر موظفات سابقات لديه، إلا أنه في ما يتعلق بسبع موظفات، فإن الشكاوى سقطت بفعل العامل الزمني.

ويتم انتخاب رئيس الدولة من قبل الكنيست ولولاية واحدة فقط من سبع سنوات، وأصلا فإن ولاية قصاب تنتهي في شهر أيار/ مايو القادم، وهذه هي الفترة المناسبة للتداول في أسماء المرشحين لهذا المنصب التمثيلي في إسرائيل.

حتى الآن تلوح في الأفق أسماء أربعة مرشحين، أقواها: نائب رئيس الحكومة الحالي، من حزب كديما، شمعون بيريس إبن الرابعة والثمانين عاما، والنائب رؤوفين ريفلين من حزب الليكود، ومن كان في الفترة السابقة رئيسا للكنيست، ثم النائبة عن حزب العمل كوليت أفيطال، والحاخام الأكبر لليهود الأشكناز مئير لاو.

ويقدر المراقبون أنه في نهاية المطاف سترسو المنافسة على بيريس وريفلين، إن كان هذا منذ الجولة الأولى بعد انسحاب الآخرين، أو في الجولة الثانية في حال بقي أكثر من مرشحين اثنين في الجولة الأولى.

ويدور في الكنيست نقاش هادئ، ولكنه ثاقب حول المرشح الأفضل، وخلافا لمرات سابقة فإن ما يظهر حتى الآن، أن توزيع القوى متداخل جدا بين يسار ويمين الحلبة السياسية في إسرائيل، ولا يمكن توقع النتائج منذ الآن.

وفي ما يلي نستعرض فرص المرشحين الأكثر قوة على ضوء نقاط الإيجاب والسلب لدى كل واحد منهما، من وجهة نظر الحلبة السياسية الإسرائيلية.

 

بيريس يسعى لـ"مكافأة"

 

 

لا يكف الوزير شمعون بيريس عن تسجيل الأرقام القياسية في حياته السياسية، فكل يوم إضافي له على المنصة السياسية يُعتبر رقما قياسيا لسياسي إسرائيلي في عمره، ففي مطلع شهر آب/ أغسطس، من العام الجاري ينهي بيريس عامه الرابع والثمانين، وهو في أجواء العمل السياسي منذ إقامة إسرائيل في العام 1948، وبعد أن تولى في منتصف سنوات الخمسين منصب مدير عام وزارة الدفاع، فإنه دخل إلى البرلمان الإسرائيلي في العام 1959، ولا يزال فيه، وتولى عدة مناصب وزارية، وحتى رئاسة الحكومة في فترتين قصيرتين.

كذلك سجل بيريس رقما قياسيا في هزائمه السياسية، إن كان ذلك حين قاد حزب "العمل" في أربع جولات انتخابية برلمانية ولم ينجح في استعادة الحكم، أو في هزيمته في الانتخابات لرئاسة الحزب مرتين، وهزيمة أخرى على منصب رئيس الدولة في العام 2000.

وعلى الرغم من عمره المتقدم، فإنه يصر على التنافس على منصب رئيس الدولة، ولكن عامل الخوف لديه كبير، ويتخوف مما يسميه بـ "الغدر"، بأن لا يفي من وعده بدعمه في يوم الانتخابات، لذلك فإنه يطالب بسن قانون خاص به، وهو أن يكون التصويت لرئيس الدولة في الكنيست علنيا، وليس سرياً، وهو المشروع الذي بات يحظى بدعم رئيس الحكومة إيهود أولمرت، وبعض نواب كتلة حزب "كديما" الحاكم، على الرغم من الانتقادات الواسعة في الكنيست لهذا القانون، إلا أنه حتى الآن لم يعلن المبادرون لهذا القانون عن تراجعهم عن طرحه في الأسبوعين القادمين على جدول أعمال الكنيست للتصويت عليه.

وحتى الآن فإن أياً من الكتل البرلمانية لم تعلن بشكل واضح دعمها للمرشح بيريس. وقد أعلن حزب "كديما" أنه سيعلن هذا الأسبوع رسميا، عن بيريس كمرشحه الرسمي لرئاسة الدولة، ولكن السؤال المطروح ما إذا سيصوت كل أعضاء الكتلة لصالحه، في حال بقي التصويت سرا.

وتناقلت وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي توقعات بأن حركة "شاس" الدينية الأصولية، لليهود الشرقيين، ستدعم بيريس وذلك بتوجيه من الزعيم الروحي للحركة، عوفاديا يوسيف، الذي تربطه ببيريس علاقات صداقة.

ولكن بيريس لكن يكفيه دعم كتلته وكتلة شاس، وعليه الحصول على دعم كتل أخرى، فحزب "العمل" الذي هجره بيريس قبل أكثر من عام لديه مرشحة، هي كوليت أفيطال، التي ليس من الواضح ما إذا ستواصل منافستها على الرئاسة كونها لا تحظى بدعم أكثر من دعم كتلتها البرلمانية، وفقط في حال انسحاب كهذا من الممكن أن يدعم "العمل" بيريس.

ولكن بيريس يحظى بدعم وسائل الإعلام التي لا تكف عن نشر استطلاعات رأي تشير إلى أن 45% من الجمهور معني بأن يكون بيريس رئيس دولة، مقابل 16% فقط يرغبون برؤوفين ريفلين، وبما أن الجمهور لا يشارك في عملية التصويت، فقد بدأت تصدر أصوات في الحلبة السياسية تقول: "تعالوا ننتخب رئيس دولة يريده الجمهور".

ومن بين الداعين لهذا الأمر رئيس كتل الائتلاف الحاكم، النائب أفيغدور يتسحاقي، الذي قال في نهاية الأسبوع الماضي، في ندوة سياسية، انه كان يدعم رؤوفين ريفلين للرئاسة، "ولكن على ما يبدو يجب التجاوب مع رغبة الجمهور".

كذلك هناك من يرى أن مؤسسة الرئاسة بحاجة إلى عملية تحسين وتجميل لصورتها في أعقاب فضيحة الرئيس الحالي موشيه قصاب، ومن بين هؤلاء رئيس الدولة الأسبق، يتسحاق نافون، الذي قال في مقابلة تلفزيونية "إن على إسرائيل أن تختار رئيس دولة قادر على إعادة الاعتبار لمؤسسة الرئاسة، ليس فقط أمام الشارع الإسرائيلي، وإنما أيضا أمام العالم".

وقال نافون، إبن السابعة والثمانين "إن بيريس يحظى بمكانة واسعة في الحلبة الدولية ويحظى باحترامها، ولهذا فهو قادر على رفع مكانة إسرائيل في الأسرة الدولية".

بمعنى أن هناك أجواء متنامية في الأوساط السياسية الإسرائيلية تقول، حسب أحد العناوين، التي ظهرت في صحيفة "هآرتس": "آن الأوان لمكافأته"، وعجوز السياسة الإسرائيلية بات ينتظر "رحمة" أو "مكافأة" من سياسيين، حين ولد بعضهم كان بيريس قد أصبح كهلا في البرلمان الإسرائيلي.

 

ريفلين يخترق اليسار رغم يمينيته

 

 

يعتبر رؤوفين ريفلين أحد بقايا رموز دعاة "أرض إسرائيل الكاملة"، ورغم ذلك فإنه ينجح في إختراق حلبة اليسار في ضمان التأييد، ولهذا أسباب نأتي عليها هنا.

فريفلين الذي يعتبر من الجناح اليميني المتشدد في حزب الليكود، وعارض بشدة خطة فك الارتباط وإخلاء المستوطنات في قطاع غزة، كان في فترة تنفيذ الخطة رئيسًا للكنيست، ويشهد له الكثير من زملائه أنه على الرغم من معارضته الشديدة للخطة، فإنه أفسح المجال أمام عمل برلماني كامل من دون أية عقبات، كان بالإمكان اختلاقها أمام الحكومة لعرقلة إقرار الخطة.

كذلك فإن ريفلين دافع بقوة عن حق المجموعات الصغيرة في الكنيست في التعبير عن رأيها وطرح قضاياها بكثافة، ونذكر في هذا المجال كتلا صغيرة مثل ميرتس اليسارية الصهيونية، والكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل.

ولعل مميزات فترة ريفلين في ولايته لرئاسة الكنيست تبرز في هذه الأيام، في عهد رئيسة الكنيست الحالية داليا ايتسيك، التي تتعامل مع الكتل الصغيرة بقبضة من حديد، والكثير من المواضيع التي تسعى إلى طرحها ترفضها بشكل فظ.

وهناك من يرى أن نهج ريفلين في رئاسته للكنيست هو امتحان عملي جيد في حال لو تولى رئاسة الدولة، نظرا للتشابه الكبير بين المنصبين. وعلى هذا الأساس تتوارد إلى بعض وسائل الإعلام معلومات مفادها أن ريفلين نجح مثلا في اختراق كتلة ميرتس اليسارية، وحسب ما ينشر فإنه يحظى بتأييد أربعة من نواب الكتلة الخمسة، باستثناء رئيس ميرتس، يوسي بيلين، الذي أعلن أنه سيدعم قائده السياسي الأسبق شمعون بيريس.

كذلك فإن اسم ريفلين مطروح بقوة بين أعضاء الكنيست من الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل، الجبهة الديمقراطية، والتجمع الوطني، والعربية الموحدة، وبغض النظر عن القرار النهائي لهذه الكتل أو لبعضها، فإن مجرد البحث في إمكانية دعم ريفلين لمنصب الرئاسة، يدل على أنه نجح في الامتحان العملي، خاصة وأن الرئيس الإسرائيلي ليست لديه مهمات سياسية تنفيذية.

كذلك فإن ريفلين لا يخفي رغبته في الحصول على دعم الكتل الثلاث هذه، وهو يرد على الكثير من التساؤلات السياسية المطروحة أمامه. ففي إحدى المقابلات الصحافية قال ريفلين، ردًا على سؤال حول كيف سيتعامل مع طلب أي حكومة منه منح العفو لأسرى فلسطينيين، مثل النائب مروان البرغوثي، إنه سيحترم قرار أي حكومة في هذا المجال.

وعلى الأغلب فإن ريفلين سيحصل على دعم مباشر من جميع أعضاء كتلته، الليكود، ومن كتلة اليمين المتطرف "هئيحود هليئومي" (الاتحاد الوطني)، ومن كتلة المتدينين لليهود الاشكناز، "يهدوت هتوراة"، ودعم بعض نواب كتلة "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، التي قد يقرر بعض نوابها الـ11، تأييد شمعون بيريس، ومجموع هؤلاء لا يشكل أغلبية برلمانية.

لكن العقبة الأساس التي تقف في وجه ريفلين أنه يقف أمام مرشح صعب، هو شمعون بيريس، كذلك فإنه، أي ريفلين، مرشح المعارضة، في حين أن بيريس مرشح الحزب الحاكم، الذي سيعمل كل جهد من أجل فوز مرشحه، وإعادة الهيبة إلى الائتلاف الحاكم.

 

حاليا يبقى سؤال من سيفوز من بين الاثنين بالرئاسة هو "سؤال المليون" في إسرائيل.