هل ستضمن إسرائيل بقاءها؟

أحزاب وحركات سياسية

* حسابات بيرتس في الشراكة مع ليبرمان لا تخرج من خانة الخسارة * "شاس" تتخبّط ما بين توجهاتها اليمينية ومكانتها في حكومة موسعة * أولمرت يلجأ إلى ليبرمان سعيا لتغيير أجندة الإعلام الإسرائيلي وتغييب ملف حرب لبنان * هل باستطاعة أولمرت الصمود أمام عنف ليبرمان؟ * ليبرمان يسعى لتحصيل إنجازات للمهاجرين الجدد وأيضا لأجندته العنصرية للحفاظ على إنجازه الانتخابي المفاجئ وليكون بديلا لليكود في الانتخابات القادمة *

 

بدأ البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) هذا الأسبوع (بدءًا من يوم الاثنين 16/10/2006) دورته الشتوية، وهي الدورة المركزية في العام البرلماني في الإسرائيلي، وعادة ما كانت الدورة الأكثر إرهاقا لجميع حكومات إسرائيل. فهذه الدورة عليها إقرار ميزانية الدولة للعام القادم، وهو الموضوع الشائك دوما، وحوله تظهر مختلف الأزمات الائتلافية والسياسية.

ويتوجه رئيس الحكومة إيهود أولمرت إلى الكنيست في هذه الدورة، في ظل علامة سؤال حول الأغلبية التي سيحققها لميزانية الدولة، نظرا لما تتضمنه من بنود تقشفية تطال الشرائح الفقيرة والضعيفة، والخدمات الأساسية للمواطنين. فهو يرى أن حزب "العمل" الشريك الأكبر في حكومته يشهد حالة تمرد من خمسة نواب، يعارضون الضربات الاقتصادية، ولهم أيضا حسابات مع زعيم الحزب، عمير بيرتس. وفي المقابل فإن كتلة "شاس" الدينية، عارض وزراؤها الميزانية في التصويت عليها في الحكومة، وما من شك في أنها تستعد لمعركة أمام أولمرت لتحقيق مكاسب مالية وأيضا تعديلات في الميزانية.

كذلك فإن جميع محاولات أولمرت لتوسيع الائتلاف من خلال كتلة "يهدوت هتوراة" التي لها ستة نواب، وهي كتلة أصولية لليهود الأشكناز، باءت بالفشل حتى الآن، إذ أن الخلاف يدور حول قضايا مالية للمؤسسات الدينية التابعة للحزبين اللذين يشكلان القائمة، وأيضا حول مخصصات الأولاد.

وأمام وضع كهذا فإن أولمرت لم يعد يرى في أغلبية 67 نائبا لحكومته، من أصل 120 نائبا، أغلبية ثابتة.

حسابات أولمرت

 

كان من الواضح أن المفاوضات التي أجراها أولمرت قبل ستة أشهر مع حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، بقيادة المتطرف أفيغدور ليبرمان، كانت لغاية العلاقات العامة، وليثبت أولمرت أنه لم يصد الباب أمام أحزاب اليمين المتطرف. ففي حينه كان أولمرت لا يزال يروّج لما يسمى بـ"خطة التجميع"، القاضية بفرض حدود نهائية مع الضفة الغربية، بعد الاحتفاظ بسبع كتل استيطانية تسيطر على نصف مساحة الضفة الغربية، وتحويل القسم الآخر إلى كانتونات فلسطينية، الاتصال في ما بينها يبقى بيد إسرائيل.

وعلى الرغم من الخطوط العريضة لهذه الخطة، إلا أن أولمرت كان يعرف جيدا أن ليبرمان لن يقبل بها لكونها تتضمن إخلاء بعض المستوطنات الصغيرة النائية في الضفة الغربية. كذلك فإن أولمرت زامل ليبرمان في حكومة أريئيل شارون، ويعرف تماما "كم عانى" شارون من حدة وتمرد ليبرمان، ذي الطبيعة الشرسة، وبما أن أولمرت الذي وصل إلى رئاسة الحكومة "بمحض صدفة" في أعقاب سقوط شارون على فراش المرض، وكان بحاجة إلى فرض هيبته كرئيس حكومة، وليس كرجل ظل، كما كان الانطباع عنه، فكانت مصلحة أولمرت الشخصية تقضي بعدم ضم ليبرمان إلى الحكومة.

وفي الحقيقة فإنه في هذا المجال لم يتغير الكثير على أولمرت، لا بل تعمق الحديث في إسرائيل عن عدم خبرته، خاصة في أعقاب تبعات الحرب على لبنان، والحديث عن الفشل العسكري والسياسي، إلا أن الكثير من حسابات أولمرت تغيرت في هذه المرحلة.

والعنوان الأول للمتغيرات عند أولمرت هو انه أصبح بلا أي أجندة سياسية، بعد إعلانه إنزال "خطة التجميع" عن جدول الأعمال. وهناك من يرى أن أولمرت يسعى الآن لحمل أجندة داخلية جديدة هي تغيير نظام الحكم في إسرائيل، وليس صدفة أن هذا هو المدخل للحوار بين أولمرت وليبرمان، الذي جرى في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر.

ولكن ليس هذا فقط، بل إن أولمرت بات يضيق بوضعيته في الإعلام الإسرائيلي وفي استطلاعات الرأي التي باتت تشير إلى درك غير مسبوق لرئيس حكومة يمارس مهامه، ولا حتى إيهود باراك في العام 2000. فقد أشارت استطلاعات للرأي إلى أن 18% من الإسرائيليين فقط يرون الآن أن أولمرت ملائم لمنصبه، حتى أنه في أحد الاستطلاعات حصل أولمرت على 7% فقط.

كذلك فإن استمرار الحديث عن تبعات الحرب على لبنان، يتسبب بتراجع مستمر في شعبية أولمرت، وهذا ما يسعى لتغييره، وفي الأيام الأخيرة بتنا نرى أن اهتمام الإعلام تراجع في قضية لبنان، ويتركز الآن في مسألة انضمام ليبرمان إلى الحكومة.

في حوار كهذا مع ليبرمان، فإن أولمرت يقول لأوساط اليمين المتطرف إن أبوابه مفتوحة أمامه، ولكن في نفس الوقت يُحدث أولمرت شرخا في معسكر اليمين. فالآن يجري الحديث عن خلافات بين ليبرمان وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الذي يحظى بنسب مرتفعة في استطلاعات الرأي، وهناك أوساط تقول إن ليبرمان يسعى ليكون بديلا لليكود في الانتخابات القادمة.

وفي عدة مناسبات كان ليبرمان يشير إلى أن حزبه حصل على 11 مقعدا، بسبب فارق 164 صوتا عن حزب الليكود الذي حصل على 12 مقعدا، وإنه لولا هذا العدد القليل من الأصوات لأصبح هو زعيم المعارضة في إسرائيل.

وأيضا من حسابات الربح لدى أولمرت، أنه في هذه الطريق يضغط على يهدوت هتوراة للإسراع في الانضمام إلى الحكومة. ولم تظهر بعد مؤشرات الرضوخ لدى هذه الكتلة الدينية، كذلك فإن أولمرت يحذر حزب "العمل" من استمرار حالة التمرد في داخله، ويقول له إن لديه البديل من معسكر اليمين.

لكن في المقابل فليس من المضمون أن يحقق أولمرت الربح فقط من ضم ليبرمان إلى حكومته، فبداية، وعلى الصعيد الشخصي، فإن أولمرت لن يكون بمقدوره فرض هيبته على ليبرمان، الذي عرف بسعيه للسيطرة على أي مكان يحل فيه، بدءا من ظهوره لأول مرّة كمدير عام لحزب الليكود، ليصبح الرجل القوي الذي نجح في السيطرة على رئيسه في حينه بنيامين نتنياهو، ثم حين أصبح مدير عام ديوان رئاسة الحكومة في عهد نتنياهو، لتعطيه الصحافة لقب "مدير عام الدولة"، وأيضا حين انتقل إلى الكنيست، ومن ثم إلى الحكومة، وكما أشرنا سابقا، كان في حالة تمرد دائمة على رئيسها أريئيل شارون، إلى أن غادر ليبرمان الحكومة.

كذلك فإن ضم ليبرمان إلى الحكومة لا يضمن بقاء حزب "العمل" في الحكومة، وعلى الأغلب سيضطر لمغادرتها، وحينها سيتحول الائتلاف الحكومي إلى أقلية، وسيسعى أولمرت لإقناع يهدوت هتوراة بالانضمام، ولكن في هذه الحالة فإنه من الناحية العددية سيبقى الائتلاف على حاله، كما هو الآن، لا بل وأقل بنائب واحد.

لكن من الناحية السياسية فإن أولمرت سيكون في هذه الحالة رهينة ثلاثة أحزاب محسوبة على اليمين واليمين المتطرف، "يسرائيل بيتينو" و"شاس" و"يهدوت هتوراة". وهذا عدا عن أن مطالب ليبرمان السياسية تعني الشلل التام على صعيد التحرك في العملية السياسية في أي من الأطراف، ولكن بشكل خاص أمام المسار السياسي، والسؤال الذي سيطرح نفسه هو مدى قبول الأسرة الدولية بعدة سنوات من الشلل السياسي في الشرق الأوسط، وبشكل خاص في الإدارة الأميركية، برئاسة جورج بوش.

فعلى الرغم من الدعم الأميركي المطلق الحالي لإسرائيل، إلا أن بوش بحاجة للتحرك في العالم على مستويات مختلفة، وعليه تقديم أجوبة لأسئلة حارقة، للأسرة الدولية، خاصة للدول الأوروبية، وأمام وضع كهذا فإن أولمرت سيعرض إسرائيل لضغوط دولية، غابت عنها في السنوات الأخيرة.

حتى الآن لا يوجد أي إثبات فعلي على صدق نوايا أولمرت بضم ليبرمان إلى الحكومة، وهناك من لا يزال يشكك بأنها مناورة سياسية مع اختلاف السيناريو، ولكن في حال صدقت النوايا، فإن أولمرت الذي يسعى إلى إبعاد أي حديث عن انتخابات برلمانية مبكرة، قد يجعلها ليبرمان أقرب مما يتخيل أولمرت، فدخوله السريع إلى الحكومة سيقابله خروجه، ولربما أسرع.

 

حسابات "العمل" و"شاس"

 

كما ذكر فإن حسابات حزب "العمل" بزعامة عمير بيرتس لا يمكنها أن تخرج من خانة الخسارة، بعد تورط الحزب بحقيبة الأمن (الدفاع) التي يتولاها بيرتس. وكما يظهر فإن الغالبية الساحقة من أعضاء الكتلة البرلمانية في "العمل"، بمن فيهم بيرتس نفسه، يعارضون بشدة ضم ليبرمان إلى الحكومة. وحتى الآن هناك ثلاثة فقط، من أصل 19 نائبا، يؤيدون انضمام ليبرمان وهم الوزراء شالوم سمحون وبنيامين بن إليعيزر وإسحق هرتسوغ.

ولهذا فإن "العمل" الذي رأى في هذه الحكومة فرصة لإعادة بناء نفسه، يسعى الآن إلى إفشال دخول ليبرمان إلى الحكومة، قبل أن يكون مضطرا إلى مغادرتها، ولهذا فقد قرر معارضة قانون تغيير نظام الحكم، الذي يبادر له ليبرمان ويؤيده أولمرت.

أما بالنسبة لحزب "شاس" فإن هذا الحزب سيجد "راحة" سياسية في ضم ليبرمان إلى الحكومة، ولكن لا شيء آخر غير هذا. فليبرمان يطالب أيضا بسن قانون يسمح بإبرام عقود زواج مدني في إسرائيل، التي تعترف بعقود كهذه أبرمت خارجها، وهذا ما ترفضه "شاس" بقوة من منطلقات دينية وتهدد بالانسحاب من الحكومة في حال وافق أولمرت على قانون كهذا.

وفي المقابل فإن ليبرمان الذي يبحث عن إنجازات تثبت حجمه الحالي على الخارطة السياسية لا يستطيع التخلي عن مبادرة كهذه وعد بها جمهور ناخبيه.

كذلك فمن ناحية "شاس" فإن ليبرمان يمثل جمهور المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وهو جمهور يطالب باستمرار بالكثير من الإصلاحات في مجال قوانين الإكراه الديني، مثل الاعتراف بيهودية الكثير منهم وطرق تهويدهم، وهذا ما ترفضه "شاس" باستمرار.

وفي مطلع الأسبوع الجاري فاجأ وزير الاتصالات من حزب "شاس"، أريئيل أتياس، بإعلانه معارضته لانضمام ليبرمان إلى الحكومة، وأيضا معارضة قانون تغيير نظام الحكم في إسرائيل، وهذا خلافا لتصريحات سابقة أطلقها زعيم الحزب إيلي يشاي، في الأسبوع الماضي، وأعرب فيها عن قبول مبدئي لضم ليبرمان للحكومة.

 

معركة "شدّ الحبل" في اليمين

 

المعركة لا تتوقف عند الحكومة ومن يدور في فلكها، بل تنتقل إلى حلبة اليمين المتطرف. فلليكود ينظر بقلق لسعي "يسرائيل بيتينو"، وليبرمان، إلى احتلال مكانة الليكود في معسكر اليمين، ولهذا فإنه يسعى من طرفه إلى إفشال دخول ليبرمان إلى الحكومة، وهذه المرة من خلال معارضة قانون تغيير نظام الحكم في إسرائيل.

كذلك فإن كتلة "هئيحود هليئومي" (الوحدة الوطنية) اليمينية المتطرفة، التي تضم ثلاثة أحزاب، تنظر بخطورة إلى تنامي قوة ليبرمان، الذي لا يعتمد فقط على أصوات المهاجرين الروس، وإنما أيضا على جمهور المستوطنين، وهي القاعدة الأساسية، وحتى شبه الوحيدة، لكتلة "هئيحود هلئيومي".

ولهذا فإن هاتين الكتلتين لهما مصلحة في إبقاء ليبرمان في صفوف المعارضة، وعدم فسح المجال أمامه لتحقيق إنجازات يستطيع استثمارها في الانتخابات البرلمانية القادمة.