* العدوان الواسع على لبنان قد يكون ورطة أولمرت والوزير بيرتس، لكن في نفس الوقت قد يكون الفرصة السانحة لتثبيت نفسيهما على الخارطة السياسية * نصر الله أول من وجه الأنظار إلى العامل الشخصي لدى الاثنين في الحرب الجارية والمحللون الإسرائيليون يتحدثون عن معركة مصيرية ليس لإسرائيل وإنما لأولمرت وبيرتس*
مهما تكن الفترة الزمنية أو نتائج الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل على لبنان وشعبه، إلا أنها ستعكس نفسها على أدق تفاصيل الحلبة السياسية الإسرائيلية، على المستويين الحزبي والشخصي لقادة إسرائيل. فقد وقعت الحرب والخارطة السياسية تخرج لتوها من انتخابات بلورت حلبة سياسية جديدة، فيها الكثير من المعالم لا تزال غامضة، وتحتاج إلى أحداث فوق العادة للكشف عنها، أو لربما بلورتها بشكل واضح، كما هو الحال مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الدفاع، عمير بيرتس.
حتى لحظة انطلاق شرارة الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان أولمرت وبيرتس يواجهان أسئلة صعبة حول قدراتهما في السيطرة على الأمور الأمنية في ظل العدوان الواسع الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية، وكان الاثنان، "المدنيان"، من دون أي رصيد عسكري قيادي، عرضة لانتقادات واسعة من اليمين المتطرف الذي طلب عدوانا أشد على قطاع غزة.
واتهم اليمين الاثنين بأنهما فرضا على الجيش "سياسة انضباط" فسرها "العدو" على أنها ضعف، وفقط بعد ارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين في الأيام الأخيرة التي سبقت الحرب على لبنان، بدأت تهدأ الحملة ضدهما، حتى جاء المؤتمر الصحافي الأول للأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، الذي أثبت أنه يعرف ويفهم أدق تفاصيل الحلبة السياسية الإسرائيلية، وركز بشكل خاص على "الخلفية المدنية وقلة التجربة للاثنين"، وكان هذا بمثابة صب الزيت على النار.
بطبيعة الحال هذا ليس اتهاما ولا انتقادا، ولكن "نصيحة" نصر الله للاثنين، في ذلك المؤتمر الصحافي، بأن يسألا من سبقهما في الحكم، ولديهم خبرة عسكرية أكثر منهما، خاصة أمام الحلبة اللبنانية، أثارت من جديد مسألة القدرات العسكرية القيادية لأولمرت وبيرتس، خاصة في زمن الحرب.
وما أنقذ الاثنين بسرعة هو التقليد الإسرائيلي القاضي "بوحدة أكبر أقطاب الحلبة السياسية في ساعات الحرب وسفك الدماء"، وهما يحظيان الآن بإعلام إسرائيلي مجنّد للحرب ولدعمهما في قيادتهما، وحتى برضا يميني جاء من أشد المتطرفين.
أولمرت وبيرتس في أول مواجهة عسكرية
لدى تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، والإعلان عنها في الثامن من أيار الماضي، وجهت انتقادات واسعة لتعيين عمير بيرتس وزيرا للدفاع، بزعم أن ليس لديه أية قدرات عسكرية قيادية، أو أنه سيفرض على الجيش سياسة متهادنة، نظرا لماضيه المؤيد للعملية السلمية.
وفي الأسبوع الأول لدخوله الوزارة شرع "المقربون" من بيرتس بنثر أنباء في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تزعم أن بيرتس طلب من قادة الجيش أن يغيروا الأسس التي يبنون عليها تقديراتهم العسكرية، ومن بينها، أن محاصرة الشعب الفلسطيني وتجويعه لن يؤدي إلى إسقاط الحكومة الفلسطينية برئاسة حركة حماس، كما تريد إسرائيل أن تعتقد.
وعند وقوع العملية الفلسطينية العسكرية في معسكر كيرم شالوم، في نهاية الشهر الماضي، حزيران، وجهت اتهامات مباشرة لعمير بيرتس وأولمرت بزعم أنهما فرضا على الجيش سياسة منضبطة، ولهذا فإن الفلسطينيين شعروا بحرية حركة أكثر، وأن عملية كيرم شالوم هي نتاج لهذه السياسة.
ولم يُسعف بيرتس كونه من بلدة سديروت التي تعرضت إلى قذائف القسام بكثافة، ومحاولته إبراز انه لم يترك المدينة، وانه في كل آخر ليل بعد انتهاء عمله كان يتوجه إلى بيته للمبيت فيه، ورفضه تحصين بيته من دون باقي البيوت في المدينة.
وجاء قرار اجتياح قطاع غزة بعد تلك العملية العسكرية أسرع مما توقعته مصادر إسرائيلية كثيرة، ومع تصاعد العدوان وارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين تراجعت الانتقادات لبيرتس وأولمرت، إلا أنهما لم يحظيا في حينه بهذا التأييد الذي يظهر الآن.
واستمر الوضع بالنسبة للاثنين على حاله، إلى حين وقوع الاشتباك العسكري مع حزب الله في الثاني عشر من الشهر الجاري، وعلى الفور قررت إسرائيل أن ما يهمها ليس جنودها المخطوفين، وإنما إخراج برامج جاهزة سلفا في أدراج مكتبي أولمرت وبيرتس من قبل دخولهما إليهما، وشنت إسرائيل عدوانا شاملا على لبنان، واختار أولمرت وبيرتس أن يكونا على رأس الداعين إلى حرب شرسة لا هوادة فيها.
وكانت معالم الحرب منذ لحظاتها الأولى بارزة، ففي اليوم التالي للاشتباك وبدء العدوان، في يوم الخميس، عقدت اللجنة البرلمانية للشؤون الأمنية والسياسية، اجتماعا لها في مكتب بيرتس في تل أبيب، وكان هذا الاجتماع هاما جدا بالنسبة لبيرتس، مع بدء الشهر الثالث لتوليه مهامهما، فأشد معارضيه أصبحوا يمتدحونه بصورة لافتة.
وعلى أساس البيان الذي طرحه أمام اللجنة ولم تخرج كل تفاصيله إلى الإعلام، فقد تلقى بيرتس احتضانا غير مسبوق من قوى اليمين المتطرف والعنصري في إسرائيل، وعلى رأسهم النائب المتطرف ايفي ايتام، الذي قال "إن بيرتس قد يكون المفاجأة الاستراتيجية أمام حسن نصر الله، فما لم يفعله العسكريون يفعله المدني الآن". كما حصل بيرتس على دعم من رئيس الليكود بنيامين نتنياهو.
ومن معالم الانسلاخ الكلي لعمير بيرتس عن ماضيه كانت المواجهة بينه وبين النائب من حركة ميرتس، ران كوهين، الذي هاجم في الاجتماع حجم العملية الإسرائيلية، وقال إن قصف مطار بيروت لا يمكن أن يساعد على إطلاق سراح الجنود، وقال: "لقد خسرنا قوة الردع وعلى الجيش استعادته، إلا أن حكومة إسرائيل توسع عملياتها في لبنان من دون أية حاجة، وهذا التوسع قد يورطنا، علينا التركيز على إطلاق سراح المخطوفين وقوة الردع لدينا، أنا لا افهم كيف من الممكن أن يساعد قصف مطار بيروت على حل القضايا، برأيي المتواضع أن وزير الدفاع يقودنا إلى المكان غير الصحيح".
بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، نشر الصحافي ومقدم البرامج البارز في إسرائيل، أمنون ليفي، مقالا حادا في موقع "واينت" الإلكتروني، انتقد فيه الحرب، ولكنه اختار أن يوجه كلاما مباشرا لبيرتس نفسه، فجاء في المقال: "لقد سمعت ايفي ايتام (عضو كنيست يميني متطرف عنصري) يقول انه مرتاح من مخططاتك (مخططات بيرتس)، ولكن ماذا أقول لك يا سيدي وزير الدفاع؟ إذا ايفي ايتام مرتاح منك، فأنا قلق، أنا لا أنام الليل، إذا ايفي ايتام سعيد، فهذه إشارة إلى أن شيئا سيئا جدا سيحدث لك وللحكومة كلها".
دفء إعلامي
لقد دأبت إسرائيل منذ لحظتها الأولى على فرض رأي عام إسرائيلي مؤيد للحرب واستمرارها، بشتى الوسائل، وقد تجنّدت جميع وسائل الإعلام الرسمية والتجارية "للمهمة"، باستثناء صحيفة النخبة "هآرتس"، التي انتقدت الحرب منذ يومها الأول.
إلا أن الجهات الموجهة لذلك لم تنس أولمرت وبيرتس، وضرورة إحاطتهما بأجواء جديدة، غير تلك التي أحاطت بهما حتى العدوان على قطاع غزة، وأصبحنا نقرأ نتائج استطلاعات غريبة، إلى درجة انه كان من الصعب التحرر من شعور أنها مفبركة، خاصة حين تقول إن 81% و90% من الجمهور في إسرائيل يؤيدون استمرار الحرب، رغم أن الفلسطينيين لوحدهم يشكلون نسبة 18% من هذا الجمهور، وهذا عدا اليهود المعارضين للحرب.
وكان استطلاع صدر قبل أكثر من أسبوعين أشار إلى أن أولمرت يحظى بتأييد 46%، وعمير بيرتس بـ 31%، ولكن استطلاعات الأسبوع الماضي جاءت معكوسة كليا لتتحدث عن 78% لأولمرت ومن 62% إلى 72% لعمير بيرتس، وهي نسب لم يكن يحلم بها الاثنان مع بدء توليهما مهامهما.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن اللهجة في وسائل الإعلام الإسرائيلية تغيرت تجاه الاثنين، وأصبحت أكثر تعاطفا وامتداحا.
حرب الاستقلال
تحت عنوان "حرب الاستقلال"، كتب المحلل للشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، مقالا يتحدث فيه عن "استقلال" أولمرت وبيرتس كل في منصبه، ليخلعا عنهما كل ملاحقات الأسابيع السابقة من اليمين الإسرائيلي.
وجاء في المقال: "إن هذه الحرب التي باتوا يسمونها "حرب سلامة الجبهة الداخلية"، هي حرب الاستقلال لإيهود أولمرت، فخطابه في الكنيست كان خطاب استقلال، وتحرر نهائيا من ظل أريئيل شارون الذي أعاق استقلاليته، فكل ما فعله شارون، يفعل أولمرت الآن ما أكبر وأشد منه، فقد فك شارون الارتباط بقطاع غزة، وأولمرت يعد بفك الارتباط من غالبية أراضي الضفة الغربية، كما انطلق شارون إلى عملية السور الواقي، والآن ينطلق أولمرت إلى عملية للقضاء على حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب. كل ما أنت فعلته أفعله الآن بشكل أكبر وأفضل، هذا ما كان بالإمكان فهمه من خطاب أولمرت الأول، الذي لم يذكر فيه سلفه، وحتى أنه نسي قول كلمة طيبة للشخص الذي يشاركه في حمل العبء، وزير الدفاع عمير بيرتس".
وعن عمير بيرتس، يقول فيرتر: "أيضا عمير بيرتس يواجه شيئا مشابها، ففي الأسبوع الأخير كأنه بُعثت فيه حياة جديدة، فالفرق شاسع بين بيانيه أمام كتلة حزب "العمل" والحكومة، وبين خطاب التأتأة الذي ألقاه غداة اختطاف الجندي غلعاد شليط (الأسير لدى حماس)، فالآن يبث بيرتس ثقة بالنفس، والسيطرة على المعلومات حول الهجمات والمخططات العسكرية بالشكل الذي يحبه الشعب، وهو أيضا يحارب ظلين يلاحقانه، ظل سلفه في وزارة الدفاع، رئيس الأركان في الاحتياط، شاؤول موفاز، وظل خصمه المستقبلي على قيادة حزب "العمل" رئيس الأركان في الاحتياط إيهود باراك، وهو يقول من الرجل هنا؟ هل هذا الذي سمح لحزب الله بأن يعزز قوته ولم يفعل شيئا، أم ذلك الذي في الفرصة الأولى أقحم الجيش الأقوى في الشرق الأوسط في مركز حزب الله في عاصمة لبنان".
الآن تتجه الأنظار إلى مسار الحرب، فهل هي مستمرة أم لا، والى أي فترة، والأمر الأهم هو بأي شكل ستنتهي هذه الحرب، وما هي الخسائر التي ستتكبدها إسرائيل، فإلى جانب التأثيرات العامة على مجمل الحياة في إسرائيل، سيكون لها، أيضا، تأثير خاص على أولمرت وبيرتس وليس في ذلك مبالغة، حين نقول إن التأثير سيكون مصيريا للاثنين على الساحة السياسية.
ومهما تكن الخلافات بينهما، ومحاولة كل واحد منهما التميز على حساب الآخر، إلا أن النتيجة تنعكس على كليهما بنفس المستوى، فإن خرجت إسرائيل بنتائج اقتنع الشارع الإسرائيلي أنها "انتصار" لإسرائيل، فهذا يعني بدء حياة سياسية جديدة للاثنين، وستصبح منافستهما على مكانتهما الحزبية في داخل حزبيهما، أو السياسية على المستوى العام أقل صعوبة، وإن خرجت إسرائيل بخسارة، أو حتى من دون أية نتيجة واضحة، فإن هذا سيعتبر بداية النهاية للاثنين في حياتهما السياسية، كقادة من الدرجة الأولى.
ويقول فيرتر في مقاله: "إذا انتهت العملية (العدوان) بنجاح، فسيكون رصيدا كافيا للجميع، لعمير بيرتس ولإيهود أولمرت، الذي يتولى المسؤولية العليا، وحتى لدان حلوتس (رئيس الأركان) ولتسيبي ليفني (وزيرة الخارجية)، وعلى أساس هذا الرصيد يستطيع بيرتس وأولمرت أن يثبتا حكمهما والحفاظ على الحكومة حتى نهاية ولايتها... إن النجاح العسكري سيحدد لأولمرت وبيرتس البرنامج القيادي الذي يفتقران له حتى الآن، ليكون بإمكانها تنفيذ خطة التجميع، أو حتى تجاوزها بزعم أن الوقت حان لإصلاح الوضع الاقتصادي".
ويضيف فيرتر "أما الفشل فإنه سيعيدهما إلى حيث كانا، ويثير كل المخاوف من قيادة سياسية أمنية فقيرة التجربة، وليست لديهما وجهة نظر، وسيلاحقونهما من جديد، وسيتم عرضهما على أنهما المسؤولان عن التعقيدات الدموية الخطيرة التي واجهتها إسرائيل، وسيكون من الصعب عليهما الحفاظ على الائتلاف الحاكم، والمتمردون في حزبيهما سيرفعون رؤوسهم، ولا حاجة للحديث عن مستقبل خطة التجميع، التي قامت على أساسها حكومة أولمرت".
...وحتى تسيبي ليفني
ومن قال إن أولمرت وبيرتس وحدهما يسعيان إلى انتهاز الفرصة لتحسين وضعيتهما. فقد نشر المحلل السياسي البارز في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ألوف بن، تقريرا يقول فيه إن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، تستغل فرصة انشغال أولمرت بالحرب، لتعزز مكانتها، وإظهار استقلاليتها في العمل الدبلوماسي.
ويقول بن انه منذ اللحظة الأولى نشطت ليفني وقادة وزارتها في اتصالات مكثفة مع عشرات الدول بهدف إنشاء مظلة دولية تشرعن العدوان الإسرائيلي على لبنان. أما على صعيد الجبهة الداخلية، فإن ليفني تحافظ على مستوى منخفض في التحرك بين استوديوهات التلفزة الإسرائيلية، كما يفعل بعض زملائها الذين يفسرون موقف الحكومة. وفي جلسة الطاقم الوزاري المقلص صوتت ليفني مع آفي ديختر (وزير الأمن الداخلي) ضد قصف مركز حزب الله وبيت حسن نصر الله، في بيروت، فقد اعتقدت أن هذا "تصعيد سابق لأوانه".
ويضيف بن "إن التصويت المعارض لليفني كشف الخلافات في الرأي أمام الإجماع الحاصل بين أولمرت وبيرتس ودان حلوتس ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، وقائد سلاح الجو اليعيزر شكيدي، فليس من السهل الوقوف أمام مجموعة كهذه، وخاصة في ساعات الحرب".
لقد بات واضحا أن ليفني، التي تحظى بنسب تأييد شعبي أكثر من زملائها، وتظهر بتلك الشخصية الرسمية التي تقلل في الحديث، ستنافس إيهود أولمرت على رئاسة حزب كديما، وتسعى إلى تعزيز مكانتها أكثر، حين تريد أن تكون البديل الطبيعي لأولمرت في حال سقوط سريع مرتبط بنتائج الحرب على لبنان. وما قرأناه هنا ليس الخلاف الأول بين ليفني وأولمرت، فخلاف كهذا ظهر واختفى بسرعة حول الموقف من نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي أيدته ليفني وعارضه أولمرت.