تدهور كبير في أوضاع التعليم العالي في إسرائيل

وثائق وتقارير

*إدارة الأوقاف الإسلامية: هذه الادعاءات كاذبة وسياستنا الرسمية هي الحفاظ واحترام أي تراث إنساني*

 كتب بلال ضـاهـر:

 تزعم مجموعة من علماء الآثار و"المستعربين" الإسرائيليين، الذين ينتمون عقائديا إلى اليمين الإسرائيلي، والمدعومة من هيئة تطلق على نفسها اسم "اللجنة الشعبية من أجل منع تدمير آثار جبل الهيكل"، بأن الأوقاف الإسلامية في الحرم القدسي نفذت، خلال شهري تموز وآب 2007، أعمال حفريات في الحرم ودمرت موجودات أثرية "لا يقدر ثمنها بالذهب" ويعود تاريخها إلى فترة "هيكلي سليمان" الأول والثاني.

 

كذلك فإن مراقب الدولة الإسرائيلية أجرى تحقيقا في مزاعم هذه المجموعة، التي اتهمت السلطات الإسرائيلية، من سلطة الآثار والشرطة وبلدية القدس والمستشار القانوني للحكومة، بالإخفاق في حماية الموجودات، وأبقت "جبل الهيكل عرضة لأطماع الأوقاف الإسلامية".

ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 24.2.2012، تقريرا حول الموضوع، وصفت فيه أعمالا نفذتها الأوقاف الإسلامية لمد خط كهرباء في الحرم، في منتصف العام 2007، بأنها "حفريات وحشية"، وأنها استخدمت فيها جرافة "كان كفها يهوي بقوة على الأرض ويدمر الموجودات" وأن الأوقاف الإسلامية "تمحو أي ذكر للتاريخ اليهودي في جبل الهيكل"، الذي كررت الصحيفة عشرات المرات في التقرير أن "الهيكل" كان موجودا في المكان الموجود فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة. لكن الصور التي نشرتها الصحيفة تبين أن الجرافة المستخدمة هي جرافة من النوع الصغير للغاية ولا يمكن أن تؤدي إلى أي تدمير يذكر.

وادعى المحاضر في قسم اللغة العربية في جامعة بار إيلان، الدكتور مردخاي كيدار، المعروف بمواقفه المعادية للفلسطينيين والعرب عموما، بأن "هذه الأعمال تجري في إطار مشروع يُسمى باللغة العربية ’طمس المعالم’، وهو تعبير يعني القضاء على آثار الحضارات التي سبقت الإسلام".

إلا أن الجدير بالإشارة هو أن علماء الآثار الإسرائيليين، الذين أجروا حفريات واسعة جدا منذ احتلال القدس الشرقية، في العام 1967، لم يعثروا على أية موجودات أو أدلة تشير إلى "الهيكل" أو إلى "مملكة يهودية" ذات عمران وفخامة كتلك المذكورة في التوراة. ويعترف بذلك أحد علماء الآثار المشاركين في هذه المجموعة اليمينية المتعصبة، الدكتور غابريئيل بركاي، المحاضر في جامعتي تل أبيب وبار إيلان. وقال بركاي إن "جبل الهيكل هو مكان لم تجر فيه أبدا حفريات أثرية منظمة. ولم يتم النشر حتى عن قطعة فخار واحدة من جبل الهيكل. إن هذا ثقب أسود في معلوماتنا الأثرية".

التقرير المحفوظ

 

بدأ مكتب مراقب الدولة الإسرائيلية، قبل أربع سنوات، بالتحقيق في الأعمال المذكورة التي أجرتها الأوقاف الإسلامية في الحرم القدسي. وفي نهاية التحقيق أعد المراقب تقريرا، قررت لجنة مراقبة الدولة التابعة للكنيست، قبل ستة شهور، حفظه ومنع نشره "لأسباب أمنية"، بحسب "يديعوت أحرونوت".

وأضافت الصحيفة أن الشرطة الإسرائيلية هي التي تعارض نشر تقرير المراقب. وفسرت الشرطة معارضتها بأن نشر التقرير سيؤدي إلى اندلاع احتجاجات فلسطينية.

ونقلت الصحيفة عن رئيس الموساد السابق، مائير داغان، قوله إنه "لا توجد أية علاقة بين عدم نشر التقرير وأمن الدولة. وحسب معلوماتي فإن الموساد والشاباك عبرا عن رأيهما بأنه لا مانع بنشر التقرير، وأنا أيضا أبلغت المراقب بأنه لا مانع في نشره، وحسب علمي لا يوجد لدى الأردنيين أيضا سبب يمنع نشره". وفي رده على سؤال حول موقف الشرطة بمنع نشر التقرير لأسباب "أمنية" قال داغان "لماذا؟ لأن الأوقاف نفذت أعمالا؟ أنا لا أرى الأمر بهذا الشكل. وعلى ما يبدو أن الحديث يدور حول اعتبارات أخرى، متعلقة بأمور سياسية".

إلا أن المحامي يسرائيل كاسبي، الذي يمثل "اللجنة الشعبية من أجل منع تدمير الآثار في جبل الهيكل"، يتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالمسؤولية عن منع نشر تقرير المراقب، وعن "كافة الإخفاقات والإهمال والإخفاء والعجز في معالجة الموضوع ولذلك ملقاة عليه كل المسؤولية التاريخية". وأضاف أن نتنياهو يعارض نشر تقرير المراقب بشدة وأنه أرسل سكرتير الحكومة، تسفي هاوزر، إلى اللجنة البرلمانية ليقول لها إن "إخفاقات الشرطة ’ستؤدي إلى انتفاضة في تونس’". وتابع أن نتنياهو "يتخوف من ذكر تعاونه ومسؤوليته عن الإخفاق التاريخي بتسليم اسطبلات سليمان [أي المصلى المرواني] إلى أيدي الأوقاف والحركة الإسلامية. فخلال ولايته الأولى سمح بإنهاء الأعمال وتسليم المكان إلى الأوقاف. وهذا حوّل اسطبلات سليمان، الموقع الأثري المذهل الذي بناه هوردوس، وخاصة بوابات حولدا [البوابة الجنوبية لحائط البراق، وهي مغلقة منذ مئات السنين]، إلى أماكن يحظر على اليهود الدخول إليها، وحوله [المصلى المرواني] إلى المسجد الأكبر في دولة إسرائيل".

كذلك تحدث تقرير "يديعوت أحرونوت" عن "إهمال" الأوقاف الإسلامية للموجودات الأثرية في الحرم، وادعت أن بين أكوام الردم، التي تم إخراجها في أعقاب الترميم التي جرت في العام 2007، ثمة موجودات كثيرة وتُعد بالآلاف "تعود إلى فترة الهيكل". ويعمل الدكتور غابريئيل بركاي وعالم الآثار الدكتور تساحي تسويغ، على تصفية أكوام الردم المستخرجة من الحرم. وقال تسويغ إنه في هذه الأكوام "قطع فخارية وقطع زجاج وقطع من فسيفساء".

وأضاف التقرير أن "أحد الأمثلة الصارخة على إهمال موجودات أثرية ذات أهمية هائلة" هو إلقاء عارضتين خشبيتين، "تم إخراجهما من المسجد الأقصى قبل سنتين"، في مكان مكشوف في الحرم. وتبين من التقرير أن اهتمام المجموعة الإسرائيلية بهاتين العارضتين سببه أن باحثة إسرائيلية، هي الدكتورة نيلي ليفشيتس، توصلت في بحث أجرته إلى أن "قسما من العوارض [في المسجد الأقصى] يعود تاريخها إلى فترة الهيكل الأول". ومضت الصحيفة أنه تم العثور في العارضة الأولى على نقش من الفترة الرومانية وفي العارضة الثانية على نقش من الفترة البيزنطية، وأن إلقاءهما خارج مبنى هو "جريمة بحق قطع أثرية".

وادعت الصحيفة أيضا أنه في العام 1996 منعت الشرطة الإسرائيلية مراقبي سلطة الآثار من تصوير ما شاهدوه خلال زيارتهم "المعدودة" للمكان. وأنه في أعقاب ذلك بدأت الأوقاف الإسلامية بتنفيذ أعمال في الحرم، وبعد عامين تم افتتاح المصلى المرواني "وفي أعقاب افتتاح المسجد يحظر على اليهود الدخول إلى المكان". واعتبرت الصحيفة أن "المسجد موجود في أحد المعابر الوحيدة التي بقيت على حالها من فترة الهيكل الثاني، وبقيت فيها أربع قبب، اثنتان منها عليها كتابات نادرة لفنانين يهود عملوا قبل ألفي عام".

 

كشف الحقائق

 

بعد الاتهامات التي وجهتها "يديعوت أحرونوت" للأوقاف الإسلامية في القدس وسلطات إسرائيلية، إضافة إلى الرواية التضليلية التي سردتها مجموعة علماء الآثار و"اللجنة الشعبية من أجل منع تدمير الآثار في جبل الهيكل"، لم يكن بإمكان الصحيفة نشر تقريرها من دون الحصول على ردود فعل وتعقيب الجهات التي هاجمها التقرير.

وجاءت ردود الفعل لتكشف عدم صحة معظم الادعاءات الواردة في التقرير.

وعقب ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بأنه "خلافا للادعاءات الواردة في التقرير، فإن الجهة التي فرضت حظر النشر على تقرير مراقب الدولة ليست الحكومة وإنما لجنة متفرعة عن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. وبحثت اللجنة الفرعية مرتين مسألة حظر النشر، في المرة الأولى عندما كان يرأسها عضو الكنيست عتانيئيل شنلر، والمرة الثانية عندما حل مكانه عضو الكنيست روني بار أون، وكلاهما ليسا عضوين في التحالف [وإنما من حزب كاديما المعارض]. واللجنة [البرلمانية] قررت أن السرية ضرورية على أثر اعتبارات سياسية وأمنية". وأضاف ديوان رئيس الحكومة أن اللجنة البرلمانية "ذكرت أن الحكومة أصلحت الوضع الذي يصفه التقرير وأعادته إلى ما كان عليه. وأي ادعاءات وكأن التقرير لم ينشر لاعتبارات غير موضوعية تفتقر إلى أي أساس ولا صلة لها بالواقع".

وأكدت إدارة الأوقاف الإسلامية، في تعقيبها، أن جميع الادعاءات الواردة في تقرير الصحيفة "لا أساس لها" وأنها "اتهامات كاذبة". وشددت الأوقاف على أن "سياستنا الرسمية هي الحفاظ واحترام أي تراث إنساني. وأنتم مدعوون إلى المسجد كي تروا بأنفسكم موجودات رومانية وبيزنطية وصليبية محفوظة جيدا بين مكتشفات أخرى".

وفند الدكتور يوفال باروخ من سلطة الآثار الإسرائيلية مزاعم تقرير "يديعوت أحرونوت". وقال إنه "في الحفريات الأولى التي جرت في جبل الهيكل [في تموز 2007] تواجد مراقب من قبل سلطة الآثار. وصحيح أن الحفريات استمرت في الليل، لكن تحت إضاءة. والحفريات التي ننفذها نحن أيضا في الشوارع تستمر في الليل. ولم نراقب إخلاء الردم وبرأينا أنه لم تكن هناك حاجة لمراقبة إخلائه. وفيما يتعلق بتقاريرنا التي كتب فيها أنه تم العثور على مكتشفات، فإن مثل هذه الأشياء موجودة بين التراب في غالب الأحيان، وفي كل مكان تحفر فيه ستجد أشياء، وأهمية هذه الأشياء صغيرة للغاية. ولا أوافق على الادعاء بأن سلطة الآثار تقاعست، بل على العكس، فإن هذه إحدى المرات الوحيدة التي جرت فيها حفريات بإشراف علماء آثار في جبل الهيكل".

وأضاف باروخ أنه "خلال الأعمال التي تم تنفيذها في العام 2007 تم عمليا القيام بأعمال لتغيير بنية تحتية تحت إشراف وثيق من جانب سلطة الآثار. وحافظنا على قواعد مهنية، كتلك التي أطالب طواقمنا الالتزام بها في أي مكان آخر، ولولا ذلك لما توصلنا، في أعمال الحفريات الثانية [في آب 2007]، إلى أحد الاكتشافات الأثرية الهامة، وهو عبارة عن مجموعة من الأدوات الفخارية وبذور زيتون محترقة من فترة الهيكل الثاني. وفيما يتعلق بادعاءات بأنه كانت هناك تهديدات من جانب رجال دين [مسلمين]، فإنه لا علم لنا بادعاءات كهذه. وطوال السنين نحن نعمل بشكل قريب من الأوقاف ونحاول الحفاظ على علاقات عمل سليمة. وفيما يتعلق بالعارضتين الموجودتين في جبل الهيكل، فإن الموضوع قيد معالجتنا. وفيما يتعلق بالحفريات لمد خط كهرباء، فإنني لا أذكر ما إذا صادقت عليها، لكن أية حفريات تمر على عدة جهات مهنية".

كذلك رفضت الشرطة ادعاءات الصحيفة والأشخاص الذين قابلتهم وقالت في تعقيبها إن "جميع الأعمال في جبل الهيكل على مدار السنين تمت تحت إشراف كامل وبموجب تصديق مسبق من سلطة الآثار. عدا ذلك، فإن المستشار القانوني للحكومة [الإسرائيلية] بحث في خطة العمل، بمشاركة الجهات المختلفة ذات العلاقة بالموضوع، وفقط بعد الحصول على المصادقة تم البدء في تنفيذها. وتم إطلاع المستوى السياسي على الأعمال في جبل الهيكل وحتى أنها حصلت على دعم منه".

وجاء في تعقيب وزارة العدل الإسرائيلية أن جميع الادعاءات الواردة في التقرير "لا أساس لها من الصحة. والمستشار القانوني للحكومة [يهودا فاينشتاين] عقد اجتماعا حول الموضوع مع مندوبي ’اللجنة من أجل منع تدمير الآثار في جبل الهيكل’ الذين طرحوا ادعاءاتهم أمامه. وتم التدقيق في هذه الادعاءات أمام سلطة الآثار وشرطة إسرائيل وبلدية القدس وتبين أنه يجري إشراف دائم من جانب السلطات ذات العلاقة في منطقة جبل الهيكل، وبشكل يحفظ المصلحة العامة الهامة بالحفاظ على الآثار. كما أن المستشار القانوني للحكومة زار جبل الهيكل بمرافقة مندوبين عن سلطة الآثار وشرطة إسرائيل، لغرض التدقيق في الأمور ميدانيا".